Tuesday, July 31, 2007

سينتصر الإســلام !أ


بإذنه تعالى سوف ينتصر الإسلام ـ
د. حلمى محمد القاعود : المصـريون بتاريخ 31 - 7 - 2007
يبدو – والله أعلم – أن فوز حزب العدالة التركى فى الانتخابات التشريعية 22/7/2007م ، قد أصاب العلمانيين فى العالم الإسلامى ، والعلمانيين العرب خاصة ، بصدمة لم يتوقعوها ، فقد ظلوا مذ جاء السفاح الفرنسي نابليون بونابرت فى حملته الوحشية على مصر والشام 1798م وحتى اليوم ، وفى ظل رعاية صليبية استعمارية وحشية ، يُحاولون استئصال الإسلام من النفوس والقلوب والعقول . وترواحت هذه المحاولة بين العمل الدءوب الهادئ فى مجالات شتى بطرق غير مباشرة لزعزعة ثوابت الإسلام وعوامل ازدهاره ، والعمل الطائش المتسرّع الذى كان يأخذ شكل انقلابات عسكرية أو بوليسية تفرض بالحديد والنار قيما مخالفة لمناهج الإسلام ، فى الحرية والشورى والعدل والكرامة الإنسانية . وكانت تركيا ( آخر عاصمة للخلافة الإسلامية ) النموذج الأوضح والأسرع ، فى تحويل المسلمين إلى " خواجات " بقوة السلاح والبطش والكذب ، وعاش المسلمون الأتراك فى رعب من الغازى " أتاتورك " – أبو الأتراك – حتى يومنا هذا ، ولكن أعماقهم كانت مشدودة إلى الكعبة الزهراء وإلى المساجد التى حرّم فيها الغازى الأذان باللغة العربية ، وجعل خطبة الجمعة بالتركية ، وفرض العرى على النساء ، وأصرّ على إلقاء الطربوش والعمامة ، ليرتدى الناس " القبعة الأوروبية " .. وألغى اللغة العربية فى التعليم والكتابة ، وجعل الحرف اللاتينى والمعجم الهجين الذى ينبذ الألفاظ العربية ، ويضع مكانها مقابلاً غربياً من لغات فرنسا وإنجلترا وألمانيا .. وجعل الإجازة الأسبوعية يوم الأحد بدلاً من الجمعة ، وحرّم هو وتلاميذه الحجاب فى المدارس والجامعات والمؤسسات الرسمية ... حتى صار الغراب يقلد الحمامة تماماً ، فلا صار حمامة ، ولا عاد إلى أصله الغرابى .!كانت مفاجأة العالم أن الشعب التركى المسلم الذى فتح القسطنطينية ، رمز الإرهاب الصليبى الاستعمارى الوحشى ، مازال يُحب أبا أيوب الأنصارى ، ومازال مسجد " الفاتح الأول " مزاراً يومياً يزوره مئات الأتراك فى استانبول ( الآستانة ) بمناسبة الختان أو الزفاف ، ولهم فى ذلك تقاليد رائعة وجميلة تحدثت عنها فى مناسبة أخرى .. بل إن السياح الأوربيين والأجانب ، يُصرّون على زيارة مسجد أبى أيوب الأنصارى أول مضيف للنبى – صلى الله عليه وسلم – عندما هاجر إلى المدينة المنورة ، وذهب إلى القسطنطينية ( استانبول ) ليُشارك فى جيش الفتح فى عهد يزيد ين معاوية ، وأصر - وقد جاوز الثمانين آنئذ - على المشاركة فى الجهاد ، وطلب – وهو يحتضر – أن يُدفن على أسوار المدينة التى انطلقت منها جيوش الروم الهمجية لتحارب الإسلام والمسلمين ، وعندما منّ الله على " محمد الفاتح " بفتح القسطنطينية ، كان أول ما فعله ، هو نقل رفات " أبى أيوب " إلى داخلها ، ودفنه فى ترابها ، وتشييد مسجد آية فى الروعة بجوار قبره ..الأتراك المسلمون يُحبون أبا أيوب ومسجده ، ويزورونه فى المناسبات الإسلامية والاجتماعية ، ولعل ذلك كان دليلاً على رفضهم للغازى الذى استسلم للإرادة الصليبية الوحشية ، وحاول استئصال الإسلام بالقوة المسلحة إرضاء لسادته ، وبعد سبعين عاماً صارت شوارع استانبول تعج بالمحجبات ، ومدارس القرآن يتزايد عددها فى كل مكان ، وحزب العدالة الإسلامى يحصل على أغلبية أصوات الناخبين ، ويشكل الحكومة منفرداً !وإذا كان بعض المسلمين فى بلادنا العربية يتمنى أن يحدث عندنا ما حدث فى تركيا مؤخراً ، فإنى أقول لهم : بإذنه تعالى سينتصر الإسلام ، ويذهب أعداؤه وخصومه والنخب المتغربة وخدام الهيمنة الصليبية الاستعمارية التى تبسطها أمريكا الشيطان الأكبر إلى حيث لا يرجعون . فلله جنود السموات والأرض ، ومنهم ملايين الشباب المسلم الذى يصنع الحرية والنهضة والأمل .إن الغرب الصليبى الاستعمارى يعلم جيداً أن الإسلام هو العقبة الكئود التى تقف فى طريقه لنشر القيم الفاسدة والوثنية الجديدة التى تقوم على عبادة المال والقوة ، والإسلام هو المانع الذى يتصدى له وهو ينهب ثروات الشعوب الإسلامية ، وخاصة " البترول " الذى شنَ من أجله حربين وحشيتين ، ضد شعب الأفغان المسلم ، وضد شعب العراق المسلم ، ويمكن أن نضيف إليهما الحرب بالوكالة ضد لبنان فى صيف 2006م ، والحرب الدائمة ضد الفلسطينيين ، وضد حماس بالذات ..سوف ينتصر الإسلام بإذنه تعالى بالصبر والجهاد الحقيقى ، وتجاوز المحن والآلام مهما اشتدت وعظمت .. لقد كان من اللافت للنظر أن تصرح وزيرة الإسكان الفرنسية ، وهى سياسية بارزة فى نوفمبر 2006م بأن الرئيس جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ضالع – على الأرجح – فى تدبير هجمات سبتمبر 2001م التى أصابت عدة مدن أمريكية وأوقعت آلاف الضحايا ( الأهرام 8/7/2007م) . ومما يؤكد ذلك أن بوش اتخذ من الهجمات ذريعة لشن الحرب مباشرة على بلدين إسلاميين ، دون تحقيق دولى نزيه ، يثبت مسئولية هذه الجهة أو تلك ، ولكنه أطلق أبواقه لتتحدث عن " فزّاعة " اسمها " الإرهاب " أو " القاعدة " أو " الزرقاوى " . لقد طالب محمد حسنين هيكل فى " وجهات نظر " عقب الأحداث ؛ الدول العربية أن تسعى إلى إيجاد جهة محايدة تحقق فى أحداث سبتمبر 2001م ، ولكن هذه الدول لم تفعل ، ورضخت للإرادة الصليبية الاستعمارية ، التى جاءت بجيوشها الجرارة لتسرق النفط فى بحر قزوين والعراق – ولاحقا إيران – وكانت طلائع التنصير ( يسمونه تبشير ) فى مقدمة الجيوش الصليبية الاستعمارية المتحالفة ، حتى كوريا الجنوبية شاركت بمنصّريها فى أفغانستان ( اعتقلت طالبان مجموعة منهم مؤخراً وتُفاوض بهم لإطلاق سراح أفغان معتقلين ) . وللأسف ، فإن النخب العربية المتغربة ، كانت أكثر حزناً ولوعة وحرقة بسبب فوز الإسلاميين فى تركيا ، وأرجعوا نجاحهم لنشاطهم فى التنمية الاقتصادية ، وليس إلى تدينهم وعفتهم ونزاهتهم وترفعهم عن سرقة شعبهم أو الاستدانة من دول الاستخراب الصليبى المتوحشة .. والسؤال هو : لماذا لم تنجح حكوماتكم العلمانية التى تعترّ من الإسلام فى تحقيق تنمية اقتصادية فى البلاد العربية ؟ بل لماذا تخاف هذه الحكومات من إجراء انتخابات نزيهة دون تزوير كما فعل الأتراك ؟شاعر شهير ينتسب إلى فلسطين ويحمل الجنسية العبرية ، قال لمحررة هاآرتس " داليا كيريل " فى ملحقها الصادر فى 13/7/2007م إن أصولية حماس لا تُخيفه سياسيا ، ولكن تُخيفه ثقافيا لأنها تميل إلى فرض آرائها على الجميع ، وتؤمن بالديمقراطية لمرة واحدة للوصول إلى صناديق الاقتراع والحكم فقط .ثم وصف الأصوليين ( يقصد الإسلاميين ) بأنهم كارثة على الديمقراطية ، ورأى أن ديمقراطيتهم مناقضة للديمقراطية ! هذا ما قاله الشاعر الشيوعى السابق " المتأسرل " الحالى ، الذى يتكلم عن الغزاة النازيين اليهود بكل ود ورقة وتحضر ..! وتكافئه دول عربية بجوائزها وتحتفى به حفاوة غير عادية ! واسأله ما رأيه فى الديمقراطية التركية التى أجراها الأصوليون " مرتين " حتى الآن ؟بإذنه تعالى سينتصر الإسلام ، وستنهزم النخب العلمانية التى تحاربه فى بلادنا .. لأنها تنطلق من مصالحها الخاصة ، وإشباع غرائزها الحيوانية . دون أن تضع فى حسبانها مصالح بلادها وحريتها واستقلالها وحماية ثرواتها ، فضلاً عن كرامتها .

الاختبار التركي

الاختبار التركي
عبد المنعم سـعيـد .. شرق أوسط الأربعاء 1/ 8 /2007
عندما جرت الانتخابات التركية الأخيرة فى 22 يوليو المنصرم، فإنها لم تكن واحدة من تلك الانتخابات العادية أو المعتادة التي تجري فى البلدان المتقدمة أو النامية بحثا عن أوضاع بين الأغلبية والأقلية أو حسما لخلافات بين سياسات متعارضة. فعلى السطح فإن موضوع الانتخابات كان اختيار 550 عضوا في البرلمان؛ أو أنها كانت لحل الخلافات التي استحكمت بين الحكومة التركية ـ التي يقودها رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية ـ ورئيس الجمهورية ـ أحمد نشأت سيزار المدعم من قبل المؤسسة العسكرية التركية ـ حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولكن في الحقيقة فإن الانتخابات كانت حول قدرة البلدان الإسلامية، وقدرة المسلمين عامة على تقديم سياسات ذات طبيعة ديمقراطية على نمط تلك الموجودة في الديمقراطيات الغربية. أو بشكل أكثر دقة، وكما وضعت صحيفة النيويورك تايمز السؤال: هل يمكن لحكومة ذات توجه إسلامي، تم انتخابها انتخابا حرا، أن تكون ديمقراطية، وعلى علاقات طيبة مع الغرب في نفس الوقت؟
وبشكل ما فإن تركيا تقدم تمثيلا جيدا للبلد المسلم، فمن بين عدد سكانها البالغين 73 مليونا يوجد 94% من المسلمين، وفيها كانت توجد آخر مقاعد الخلافة الإسلامية عندما وصلت الإمبراطورية العثمانية إلى نهايتها بعد عمر مديد امتدت فيه في معظم الدول العربية، وهي كذلك عضو مهم في منظمة المؤتمر الإسلامي. ولكن على الجانب الآخر، فإن تركيا كانت من أول الدول الإسلامية التي عرفت التحديث، واتبعت السياسات العلمانية الفاصلة بحسم بين الدين والدولة منذ قام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس الجمهورية التركية عام 1924. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت تركيا عضوا في التحالف الغربي عندما التحقت بمجلس أوروبا عام 1949، وحلف الأطلنطي عام 1952، وأصبحت دولة منتسبة إلى التجمع الأوروبي عام 1959 أى بعد عام احد من إنشائه. وفي عام 1995 شكلت تركيا اتحادا جمركيا مع «الاتحاد الأوروبي»، وتقدمت بطلب للعضوية الكاملة فيه، وبدأت مفاوضات الانضمام بالفعل فى أكتوبر 2005.
هذا الشكل المتناقض بين ماضي تركيا وتقاليدها التاريخية من جانب، وروابطها الغربية الحديثة من جانب آخر، كان موضع الاختبار بالنسبة للسياسة والهوية التركية بسبب عاملين: أولهما عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 حينما أصبح المسلمون على وجه العموم مشكوكا فى مسؤوليتهم عن «صدام الحضارات» مع الغرب؛ وثانيهما طبيعة حزب العدالة والتنمية التركي والذي له تاريخ مع «الإسلام السياسي»، من خلال أصوله المتأثرة بحركة الإخوان المسلمين الممتدة في معظم بلدان العالم الإسلامي بألوان وأشكال مختلفة ممتدة بين الاعتدال والتطرف. هذان العاملان لم يجعلا تركيا مشكوكا بها في نظر حلفائها والغرب بشكل عام، ولكنهما أخرا عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بل أنها خلقت نوعا من السياسة الأوروبية يقوم على معارضة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره ناديا للدول المسيحية. وبشكل ما فإن تركيا أصبحت موضوعة تحت اختبار وامتحان دائم حول عما إذا كان لديها الإمكانية للتطور الديمقراطي تحت قيادة أحزاب إسلامية كما تطورت الأحزاب الديمقراطية المسيحية في الديمقراطيات الغربية.
والحقيقة الواضحة هي أن الانتخابات التركية أظهرت أن حزب العدالة والتنمية نجح نجاحا باهرا بالقدر الذي نجحت فيه تركيا نفسها في الاختبار. فقد شارك 85% من الناخبين الأتراك فى الانتخابات ـ وهي نسبة عالية وفق كل المعايير الديمقراطية ـ لاختيار أعضاء البرلمان من بين 14 حزبا و700 مرشح مستقل. وقد حصل حزب العدالة والتنمية على 47% من الأصوات و342 مقعدا، وهو ما يمثل من ناحية أغلبية تكفي لكي تعطي الحزب ما يجعله يمضي قدما في برنامجه الإصلاحي، ولكنها من ناحية أخرى لا تعطيه أغلبية الثلثين ـ أو 367 مقعدا ـ والتي تعطيه القدرة على تعديل الدستور بشكل منفرد، وهذه حكمة ونضج لدى الناخبين الأتراك غير متوافر في كثير من البلدان. وحصل حزب الشعب الجمهوري على 112 مقعدا، والحزب القومي على 70 مقعدا، بينما حصل المستقلون على 26 مقعدا كان منهم 24 يمثلون الأكراد.
وبشكل ما، وكما يحدث في كل الديمقراطيات الأخرى، فإن الشعب التركي كافأ حزب العدالة والتنمية على منجزاته الاقتصادية وإصلاحاته الاجتماعية. فعندما وصل الحزب إلى السلطة في نوفمبر 2002، كان الناتج المحلي الإجمالي لتركيا 181 مليار دولار، وفي 2007 أصبح هذا الناتج 410 مليارات، وبمعدل للنمو قدره 7.4%، وهو معدل مثير للإعجاب وفق كل المعايير. وخلال نفس الفترة، وبأكثر مما فعل أي من الأحزاب التركية الأخرى، فإن الحزب اقترب من موضوع العضوية في الاتحاد الأوروبي بحزم وعزم وصبر وإصرار والعمل الدؤوب لكي يوفى بالمقاييس الأوروبية المطلوبة. وبنفس القدر من الحكمة، تعامل الحزب مع السياسة التركية، والسياسة الأوروبية حقا، بقدر غير قليل من التفهم والحيطة. وحينما قام العلمانيون الأتراك بشن حملة واسعة ومظاهرات ضخمة من أجل التشكيك في المصداقية الديمقراطية لحزب العدالة والتنمية، فإن الحزب رفض القيام بحملة أو مظاهرات مضادة رغم قدرته على فعل ذلك بأكثر بكثير مما فعله العلمانيون. وفيما بعد الانتخابات كان المنتصر رجب طيب أردوغان هو الذي قال لأنصاره «أن فرحتنا لا ينبغي لها أن تكون حزنا لهؤلاء الذين لا يفكرون مثلنا».
وفى الحقيقة فإن أردوغان ورفاقه كانوا يفهمون جيدا إشكالية السياسة التركية؛ فتركيا ليست بلدا فقط عليه أن يتعامل مع التناقضات التي تفرزها تقاليد الماضي وتحديث الحاضر، أو حتى إشكالية الجغرافيا التي تضع قدما لتركيا في آسيا والشرق الأوسط، وقدما أخرى في أوروبا، ولكن أيضا، وبشكل لا يقل أهمية، إشكالية الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. فمع صعود تركيا على سلم التقدم الاقتصادي، واقتصاد السوق، والاندماج في الأسواق الأوروبية والعالمية، والمشاركة في الثورة العالمية الاتصالية المعاصرة، فإن الحراك الاجتماعي، وزيادة الحضر، أديا إلى هجرة أعداد هائلة من المتعلمين الجدد إلى المدن حاملين معهم تقاليدهم وعاداتهم الاجتماعية وأنماط الملبس بما فيها أغطية الرأس والحجاب بالنسبة للنساء. هذه التطورات لم تضع فقط موضع الاختبار مدى إخلاص حزب العدالة والتنمية لحقوق النساء وحريتهم، وإنما أيضا وضعت موضع الاختبار إخلاص الغرب والنخبة التركية واحترامهما للحريات الفردية وتأثرها بمدى التطور والتقدم في تركيا.
هذا الاختبار التركي قد توقف عن كونه اختبارا لحزب العدالة والتنمية فقط، ولكنه صار اختبارا لكل هؤلاء الذين يعتقدون في المبادئ الديمقراطية القائمة على احترام التنوع والتعددية. وأكثر من ذلك فإنها اختبار لأوروبا نفسها والاتحاد الاوروبي معها والذي قبل 27 بلدا تعددت تقاليدهم السياسية والاجتماعية، وبعضها لم يكن مختلفا عن ذلك السائد في تركيا. ولكن تركيا مع ذلك تظل حالة متميزة، ليس فقط بسبب تاريخها وتقاليدها الإسلامية، ولكن لأنها المثال الحي على إمكانية التعايش بين الحضارات، والمثال على قدرة الأحزاب الإسلامية التقليدية على عبور الحدود نحو القيم والمبادئ الديمقراطية، كما استقرت على شواطئها مع بداية القرن الواحد والعشرين. كل ذلك سوف يجعل نتائج الاختبار التركي حاسمة بحيث تجعل تركيا حالة يمكن تقليدها من قبل العديد من البلدان الإسلامية؛ أو حالة ينبغى تجنبها لان اللحاق بالديمقراطيات الغربية مغلق بسبب أغطية رؤوس النساء كما يفضل بعض الساسة في تركيا ودول أوروبية؟!

Monday, July 30, 2007

أجـراس الحـدث التركـي ورســائله

(1)‏ أجـراس الحـدث التركـي ورســائله: أهرام ثلاثاء 31 / 7 ‏بقلم .. فهمـي هـويـــدي
‏حبذا لو وسعنا دائرة اهتمامنا بالحدث التركي‏,‏ بحيث لا نكتفي بمتابعة أخباره المثيرة فحسب‏,‏ وإنما أيضا نستقبل رسائله ونستوعب دروسه وعبرته‏.‏لست أقلل من حجم الإثارة فيما وصف بأنه أعتي معركة انتخابية في تاريخ الجمهورية التركية‏,‏ وعندي أكثر من سبب يدعوني إلي أعذار الذين خطف الحدث أبصارهم‏.‏ فبهرتهم وقائعه علي نحو شغلهم عن رسائله ودلالاته‏.‏ لم لا والمعركة حامية الوطيس إلي الحد الذي استنفر المجتمع التركي بأسره‏(71‏ مليونا بينهم‏43‏ مليون ناخب‏),‏ حتي إن‏84%‏ من الناخبين اشتركوا في التصويت‏,‏ ومن بين هؤلاء عشرة ملايين شخص قطعوا عطلاتهم وعادوا من المصايف إلي مدنهم وقراهم ليدلوا بأصواتهم‏.‏ ورفع من درجة سخونة المعركة أنها كانت في جوهرها بين قوي علمانية وقومية اعتبرت تركيا مهدها وحصنها الحصين‏,‏ وبين قوة وطنية صاعدة ذات خلفية إسلامية‏.‏ وهذه الخلفية توفر بحد ذاتها ذخيرة وافرة للمطاعن والشكوك‏,‏ التي حفظناها لكثرة ترديدها في سياق السجال المستمر بين الطرفين في العالم العربي‏.‏ من التخويف من الأجندة الخفية التي تضمر الشر للديمقراطية‏.‏ إلي تفتيت المجتمع وإعادته إلي الوراء‏,‏ وانتهاء بتهديد النظام العلماني وتقويض أركان الدولة والانقضاض علي الجمهورية‏.‏ ولم يخل الأمر من محاولة هدم شخص الطيب أردوغان‏(53‏ سنة‏),‏ رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء‏,‏ الذيغفر له خصومه أصوله الفقيرة‏(‏ أبوه كان جنديا في القوات البحرية‏),‏ وعمل في شبابه بائعا متجولا للمياه الغازية والسميط في إسطنبول‏,‏ لكنهم لم يغفروا له أنه درس في احدي مدارس الإمام والخطيب الدينية‏,‏ وبعد أن درس الادارة في جامعة مرمرة انضم الي حزب الرفاه الإسلامي‏,‏ الذي أسسه البروفيسور نجم الدين أربكان‏,‏ وبصفته تلك انتخب عمدة لإسطنبول‏.‏ وهذه الخلفية جعلت القوي العلمانية المتطرفة تتربص به‏,‏ حتي تصيدت له خطبة ألقاها في أحد التجمعات‏,‏ وردد فيها بعض أبيات لأحد شعراء التوجه الاسلامي‏,‏ قال فيها‏:‏ المساجد ثكنة جنودنا والقباب خوذتنا والمآذن رماحنا‏.‏ وهي العبارات التي بسببها قدم إلي المحاكمة بتهمة التحريض علي الكراهية الدينية‏,‏ فحكم عليه بالسجن لمدة عشرة أشهر‏,‏ قضي منها أربعة في الحبس ثم أفرج عنه‏.‏لم يقف الأمر عند ذلك الحد‏,‏ وإنما اتهم بالميكيافيلية وازدواج الشخصية‏,‏ ففي تقرير نشرته الشرق الأوسط في‏7/23‏ قالت مراسلة الصحيفة في أنقرة إن من المطاعن التي جرح بها أردوغان‏,‏ انه علي عكس الكثير من الاسلاميين‏,‏ لا يرفض مصافحة النساء‏,‏ لكنه يستغفر الله كلما صافح امرأة‏.‏ إلي هذا المدي وصلت سخافة الحملة ضد الرجل‏.‏ ومع ذلك كله فوجيء الجميع بالاكتساح الذي حققه أردوغان وحزبه‏,‏ حيث فاز مرشحو العدالة والتنمية بنحو‏47%‏ من مقاعد البرلمان‏,‏ وكانت هذه هي المرة الأولي في تاريخ تركيا الحديث التي يفوز فيها حزب حاكم بنسبة أصوات أعلي من التي حصل عليها في ولايته لأولي‏(34,3%).ا
‏‏(2)‏ الإثارة في الحدث في كفة‏,‏ ودلالاته في كفة أخري‏,‏ حيث أزعم أن ما جري في تركيا يبعث إلينا في العالم العربي بحزمة رسائل موجهة إلي ثلاثة عناوين‏:‏ الحركات الاسلامية من جهة‏,‏ والأنظمة العربية من جهة ثانية‏,‏ والمثقفون العرب من جهة ثالثة‏.‏وقبل أن أعرض لتلك الرسائل أذكر بحقيقة أرجو ألا تغيب عن البال‏.‏ وهي أن التجارب السياسية لا تستنسخ‏,‏ لأن لكل مجتمع خصوصيته الاجتماعية والتاريخية‏,‏ فالموضوع الاسرائيلي هناك ليست له ذات الحساسية القائمة في العالم العربي‏,‏ ربما لأن تركيا كانت أول دولة مسلمة اعترفت بإسرائيل عام‏48.‏ كما أن العلمانية هناك دين وليست مجرد مشروع سياسي‏.‏ وكمال أتاتورك له مكانة تفوق مقام الأنبياء‏.‏ حتي إن العيب في الذات الإلهية قد يعد من قبيل ممارسة حرية التعبير والرأي‏,‏ أما المساس بشخص أتاتورك فهو كفر بالملة الوطنية وتقويض لثوابت المجتمع‏,‏ وإذا كان من التبسيط والتسطيح الدعوة إلي نقل النموذج التركي‏,‏ فإن ذلك ينبغي ألا يتعارض مع محاولة الإفادة في دروس الخبرة التركية‏.‏الرسالة التي توجهها تجربة حزب العدالة والتنمية إلي الحركات الاسلامية تتضمن عناصر عدة في مقدمتها ما يلي‏:‏‏*‏ أن الحزب نجح في أن يقدم نفسه باعتباره مشروعا لانقاذ الوطن وليس مشروعا للجماعة‏,‏ ولأنه كان صادقا في مصالحته مع الواقع بمختلف مكوناته‏,‏ فإنه حصل علي تأييد نسبة كبيرة من أصوات الأقليات الدينية والعرقية‏,‏ ولم يجد عقلاء العلمانيين غضاضة في التصويت له‏.‏‏*‏ انه استلهم الايديولوجيا في التمسك بالنزاهة وطهارة اليد‏,‏ وبالانحياز إلي ما ينفع الناس‏.‏ وحين قدم الحزب النموذج في السلوك وفي الأداء‏,‏ وجد الناس فيه بغيتهم‏,‏ خصوصا حين أدركوا أنهم أصبحوا أفضل حالا في ظل حكم العدالة والتنمية‏,‏ إذ في خلال فترة حكمه التي استمرت بين عامي‏2002‏ و‏2006,‏ تضاعف متوسط دخل الفرد‏,‏ من‏2500‏ دولار في السنة إلي خمسة آلاف دولار‏,‏ وانخفض التضخم من‏29.7%‏ إلي‏9.65%‏ وزاد الناتج المحلي من‏181‏ مليار دولار إلي‏400‏ مليار دولار‏,‏ وارتفع الاستثمار الأجنبي من‏1.14‏ مليار دولار إلي‏20‏ مليارا‏..‏ إلخ‏(‏ مصدر المعلومات هو تقرير معهد الدولة التركي‏)‏ وذلك يعني أن الحزب استند إلي شرعية الانجاز فأيدته الأغلبية‏.‏‏*‏ أن التصالح مع المجتمع حين تزامن مع شرعية الانجاز الاقتصادي‏,‏ فإن ذلك وفر للمجتمع قدرا طيبا في الاستقرار السياسي‏,‏ الذي لم تعرفه تركيا منذ نصف قرن‏,‏ الأمر الذي عزز من مكانة الحزب‏,‏ إذ أدرك الناس أن استمراره في السلطة مفيد لهم ليس اقتصاديا فحسب‏,‏ وإنما سياسي أيضا‏.‏‏*‏ أن أداء حكومة العدالة اتسم بحسن ترتيب الأولويات وبالنفس الطويل‏.‏ وموقفها من قضية الحجاب يجسد هذه الحقيقة‏.‏ فرغم قول أردوغان ذات مرة إن الحجاب هو شرفنا‏,‏ وإن زوجته محجبة وكذلك زوجات أغلب قيادات حزبه‏,‏ فإنه لم يتخذ أي إجراء لالغاء قرار منع المحجبات من دخول الجامعات والمصالح الحكومية‏,‏ بل إن حزبه رشح بعض غير المحجبات في الانتخابات الأخيرة‏.‏ وقد سمعت من وزير خارجيته ومرشحه للرئاسة عبد الله جول قوله إن مسألة الحجاب ليست من أولويات أجندة الحزب‏.‏ وإن إشباع حاجات الناس وحل مشكلاتهم الأساسية هي ما ينبغي التركيز عليه في المرحلة الراهنة‏.
‏‏(3)‏ في العام الماضي ذهب إلي تركيا أحد الدعاة الذين اشتهروا في العالم العربي في السنوات الأخيرة بهدف دراسة تجربة أردوغان وحزبه‏.‏ ويبدو أن النجاحات التي حققها صاحبنا‏,‏ جعلت بعض المحيطين به يقنعونه بأنه يمكن أن يكون أردوغان بلاده‏.‏ وفي حدود علمي فإنه أمضي هناك شهرا أو أكثر لمتابعة الموقف والتعرف علي نشاطات الحزب‏,‏ ثم عاد بعد ذلك إلي بلاده ولم يفعل شيئا‏.‏ وحسبما فهمت فإنه اكتشف أن نجاحات أردوغان لم تكن راجعة لقدراته الشخصية فحسب‏,‏ وإنما كان للبيئة السياسية والاجتماعية في تركيا دورها في ذلك النجاح‏.‏هذه القصة تصلح مدخلا لاستيعاب رسالة الحدث التركي إلي الأنظمة العربية‏,‏ التي أحسبها المسئولة عن توفير البيئة للعمل السياسي‏.‏ ذلك أن ثمة بيئة تعلم الناس الاعتدال وأخري تلقنهم دروسا يومية في التطرف والقمع‏,‏ حتي قيل بحق إن كل نظام يفرز المعارضة التي يستحقها‏.‏فأردوغان وفريقه لم يولدوا في عام‏2001‏ حين أسسوا حزبهم‏.‏ وإنما هم ثمرة مخاض تجاوز عمره ثلاثين عاما‏.‏ حين أسس البروفيسور نجم الدين أربكان حزب السلامة الوطني في بداية السبعينيات‏,‏ في مناخ ديمقراطي بصورة نسبية‏,‏ احتمل حزبا إسلاميا احتكم إلي الشارع وكان له حضوره في البرلمان‏,‏ فدخل في ثلاثة تجمعات ائتلافية مع قوي اليمين واليسار التركي‏.‏ وهذا الحزب جري حله فشكل أربكان حزبا آخر باسم الرفاه‏,‏ وكان أردوغان من أركان ذلك الحزب‏,‏ الأمر الذي مكنه بصفته تلك من الفوز برئاسة بلدية اسطنبول عام‏95.‏ واستطاع أربكان أن يرأس حكومة ائتلافية مع طانسوتشلر زعيمة حزب الطريق المستقيم في عام‏96,‏ ولكنه اصطدم مع الجيش الذي تدخل لإسقاط الحكومة بعد عام واحد من تشكيلها‏.‏ وحكم القضاء بإلغاء حزب الرفاه‏,‏ فأسس أربكان حزب الفضيلة الذي حكمت المحكمة بحله أيضا‏,‏ فأسس بعد ذلك حزب السعادة الذي لايزال مستمرا إلي الآن‏.‏ وقد خرج أردوغان مع آخرين من حزب الفضيلة‏,‏ حيث انتهجوا خطا آخر فأسسوا في عام‏2001‏ حزب العدالة الذي استطاع أن يبلور مشروعا أكثر تفاعلا مع الواقع التركي‏,‏ ففاز ممثلوه في انتخابات‏2002‏ ثم في انتخابات‏2007‏ علي النحو الذي رأيت‏.‏رسالة هذه الخلفية تقول بوضوح إن المناخ الديمقراطي اذا كان نزيها فإنه ينبغي ألا يضيق بأي فكر‏,‏ وإن إنضاج ذلك الفكر وتهذيبه يتمان من خلال الممارسة‏,‏ وليس من خلال الخطب والأوراق المكتوبة‏.‏ تقول تلك الرسالة إن الاحتكام إلي الرأي العام من خلال الانتخابات النزيهة ينبغي أن يكون المعيار الذي تتحدد به خطوط المشروعات السياسية والفكرية المختلفة‏.‏ وقد وجدنا في التجربة التركية الأخيرة أن حزب السعادة الذي خرج أردوغان من عباءة مؤسسة نجم الدين أربكان حصل علي‏2%‏ فقط من الأصوات‏,‏ في حين أن حزب العدالة حصل علي‏47%‏ من الأصوات‏.‏ وكان المجتمع هو الذي قرر تلك الحصص‏.
‏‏(4)‏ سبقني الدكتور عزمي بشارة في التقاط رسالة الانتخابات التركية إلي المثقفين العرب‏,‏ حين نشرت له صحيفة الحياة اللندنية في‏(7/26)‏ مقالة بعنوان‏:‏ أسئلة إلي العلمانيين العرب مع انتصار الإسلام المعتدل في تركيا‏.‏ وهي مقالة انتقد فيها موقف غلاة العلمانيين الذين رأوا في العلمانية موقفا من الاسلام السياسي‏,‏ الذي لم يعد ممكنا تجاهله في الواقع العربي‏.‏ ولاحظ التطور المستمر في فكر التيار الاسلامي والمشروع السياسي‏,‏ ودعا إلي إدراك التمايزات المهمة بين فصائل ذلك التيار‏,‏ كما دعا إلي انضاج رؤية العلمانية إلي الاسلاميين‏,‏ وإلي مراجعة وتطوير رؤية الاسلاميين إلي العلمانيين‏.‏هذه الخلاصة تركز أغلب ما أردت أن أقوله فيما يخص المثقفين العرب‏.‏ وقد أضيف إليها من باب الايضاح فقط نقطتين‏,‏ الأولي انه ليس من النزاهة السياسية أو العلمية أو حتي الأخلاقية أن يوضع كل أصحاب التوجه الاسلامي في سلة واحدة‏,‏ كما أنه ليس من حسن القراءة أن يجير الخطاب الاسلامي لحساب جهة ذاتها‏,‏ حتي اذا ما أصرت علي أن تقدم نفسها بحسبانها الممثل الشرعي الوحيد‏.‏ النقطة الثانية أن بين العلمانيين من اعتبرها حرفة وليست موقفا أو رؤية‏.‏ وهؤلاء أخفوا كراهيتهم للإسلام وأهله مرة تحت وشاح العلمانية‏,‏ ومرة باسم الدفاع عن الديمقراطية‏,‏ وهم من لايزالون يعتبرون أن التوجه الاسلامي دائرة مصمتة ومغلقة‏,‏ لا يرجي منها خير أو أمل‏,‏ ومن ثم لا بديل عن اقصائها أو إبادتها من الوجود‏.‏ وهؤلاء معفون من استلام رسالة الانتخابات التركية‏.‏إن توجيه الرسائل مهم لا ريب‏.‏ لكن الأهم من ذلك هو استلامها‏.‏

مع انتصار الإسلام المعتدل في تركيا

أسئلة على «العلمانيين» العرب مع انتصار الإسلام المعتدل في تركيا
عزمي بشارة الحياة - 26/07/07//
انتصر «حزب العدالة والتنمية» في تركيا. ولم تعرف تركيا الجمهورية ازدهارا واستقرارا كما عرفت في حكمه. وهو يتعهد بعد النصر مباشرة الحفاظ على دستور البلد العلماني. وأذكر أن أحد رموز التيار الوسطي الإخواني شهد في محكمة قتلة الكاتب المصري فرج فودة لصالحهم مدعيا ما مفاده أن القتل مبرر بالنسبة لشباب متحمس لأن العلمانية هي ارتداد عن الدين. الفرق كبير بين حزب يعلن تمسكه بعلمانية النظام، وآخر لا يكتفي بالاختلاف مع العلمانية بل يعتبرها ارتدادا عن الدين. ولكن التيارات الإسلامية المركزية تحتفل بفوزه في سرها وعلنها، وهي تعرف ان موقفه كان سيعتبر ارتداداً عن الدين في مناطقها. ليس «حزب العدالة والتنمية» ديموقراطياً ليبرالياً ولا يسارياً، ولكنني لا أعرف اي حزب تركي ليبرالي او جمهوري أو يساري حكم تركيا أفضل من هذا الحزب. ومع ذلك تعرض الحزب الى الحل، واضطر الى تغيير اسمه، ثم تعرض أخيراً لحملة تحريض واسعة من اليمين واليسار التقيا ضده تحت شعار العلمانية.
هنالك عوامل عديدة دفعت بتيار إسلامي مركزي إلى الطريق نحو البرلمان. ولا شك أن العسكر وضعوا حداً لطموحاته، ولا شك أن الأمر متعلق أيضاً بالهوية الثقافية للناس والبلد والصراع على معنى الاندماج في العولمة والتقدم العمراني. ولكنه على كل حال لم يفقد توازنه وتكيف مع الحدود التي وضعت وقبل بقواعد اللعبة. ولدى أوروبا مشكلة حقيقية، إذ تثبت هذه الحركة مرة أخرى أن أوروبا هي العنصرية التي تماطل بعدم قبول دولة متطورة، وحكومتها منتخبة ديموقراطياً، لعضويتها.
ولا شك ان للمسألة علاقة بتاريخ الحالة الإسلامية في تركيا، فهي لم تنقسم كما في الحالة العربية إلى إسلام سياسي راديكالي مقابل صوفية دروشة ودين علماء حافظ. لدينا هنا قاعدة اجتماعية واسعة لإسلام صوفي عقلاني ومتسامح، وتوازن خفي بين «عسكر» و «طريقة»: بعدا السياسة التركية في الجمهورية هما «عسكر» و «طريقة» في حالة هجوم وانسحاب وتكيف. وكر فر.
في الوقت الذي يعبّر فيه حزب إسلامي فائز انتخابياً عن وسطية وبراغماتية وموقف اكثر توازنا وعقلانية وأقل شعبوية من الأحزاب العلمانية التي تواجهه كافة، نشهد في المنطقة العربية تراجعا غريباً عن الديموقراطية خطابا وشعارا. وهذا التراجع مشبوه لأنه يغص بالأجندات الخفية، وترافقه صحوة مفاجئة للحديث عن العلمانية وعن وحدة القوى العلمانية. ومن المعروف ان غالبية الانظمة الحاكمة علمانية وغير ديموقراطية، وغالبية الفساد علماني وغالبية النفعية الشخصية الرائجة في أجهزة الدول وزبائنها علمانية، ومعروف أيضا ان الديموقراطية قد تعني فوز القوى الإسلامية. وليس هنالك من يقول بجرأة انه ضد الديموقراطية وإنه لم يكن من مؤيديها في يوم من الايام، بل هو يكتفي بالتأكيد أنه علماني.
ولا شك ان هنالك علمانيين ليبراليين مثابرين عارضوا تعميم حق الاقتراع ولكنهم لم يتحولوا الى زبائن عند أنظمة وحركات فاسدة، وهذا موقف نختلف معه ونحترمه، فنحن اصلاً لا ندعي ان «الديموقراطية هي الحل» على وزن «الإسلام هو الحل».
والحقيقة ان العلمانية بالنسبة الى البعض هي نمط حياة وليست نظام حكم يفصل الدين عن الدولة، وغالباً ما يتبين ان هؤلاء ليسوا علمانيين فعلا، إذ يتبين أنهم يستبدلون الدين بالنرجسية حال توجيه أي نقد لهم، ويعتبرون أي نقد تطاولاً، ويقدسون قيما دنيوية اكثر مما يقدس غيرهم قيما سماوية، ويبدون أصولية وعنفاً كلامياً وجسدياً في السياسة... من القومية المتطرفة وحتى النفعية المتطرفة، ويبيعون الطبقات الوسطى والغنية التي تهيمن عليها الثقافة الاستهلاكية شعارات تصل حد الفوبيا من الدين والمتدينين، منشئين بذلك تديناً جديداً علمانياً معادياً للإسلام بشكل خاص. وأصولية جورج بوش الدينية وأصولية قوى واسعة خلفه لا تزعجهم كثيرا.
المؤسف ان موضة الديموقراطية حلت على بعض المثقفين غير الديموقراطيين ليروجوا لها عندما جاءت بالبوارج الأميركية وقد روجوا معها أيضا لنظرية أن تغيير الأنطمة غير ممكن إلا من الخارج، وبعضهم كان صديقاً لهذه الانظمة وتنقل بينها عندما دعت الحاجة. لأن نمط الحياة المترف يحتاج إلى من يدعمه أحياناً، والثقافة في بلادنا لا تعيل وحدها مثل هذا النمط «العلماني» في الحياة. والأكثر مدعاة للأسف أن هؤلاء اسقطوا شعار وخطاب الديموقراطية حالما أسقطته اميركا. فمنذ ان قررت أميركا أن المحافظين الجدد العرب والأميركيين قد ورطوها بنصائحهم ضد الاستقرار تخلت عن شعار الديموقراطية ما عدا في خطابات بوش، وعادت الى واقعيتها في قبول حلفائها كما من هم دون ابتزازهم بالدعوة لإصلاح وديموقراطية إذا نجمت عنهما فائدة لأعدائها. وهذا كله مفهوم ومتوقع. أما غير المفهوم فهو سرعة تخلي ليبراليينا الجدد عن مطلب الديموقراطية في العام الأخير والانتقال الى الحديث عن العلمانية. والأخيرة تبرر حتى الوقوف مع بوش واولمرت والأنظمة العربية العلمانية ضد ما قامت به «حماس» المنتخبة، وإلى جانب الأجهزة الأمنية الفاسدة، «العلمانية» على الأقل في «التشبيح» ونمط الحياة الاستهلاكي في مقابل «ظلامية» من انقلبوا عليها.
المصيبة أن العلمانية المقصودة ليست نظام حكم ولا هي نظرية في فصل الدين عن الدولة، ولا حتى خصخصة القرار بالشأن الديني وفصله عن الحيز العام كما تطور تعريفها أخيراً، بل هي بنظرهم موقف من الإسلام الحركي لا أكثر. وتجليات هذا الموقف في الواقع العربي ليست علمانية فعلا، بل أنظمة متحالفة مع قوى غربية وأحيانا مع إسرائيل. وهي لا تعتبر العلمانية شرطا للديموقراطية ولا عقلنة للسياسة بل تدين استهلاكي يشمل استهلاك البضاعة الثقافية الرائجة لطبقات معينة.
لا تستطيع القوى العلمانية لا بالمعنى الأصيل ولا بالمعنى المستحدث ضد الحركات الإسلامية ان تشكل غالبية تقيم نظاما ديموقراطيا. وهي معتمدة حاليا على ديكتاتوريات لا غير. وفي الحالات الجيدة تعتمد على نقد الديكتاتوريات من دون ان تقدم بديلا ديموقراطياً.
يجب أن تخاطب القوى العلمانية الديموقراطية وتتناقش وتتحدث مع قوى الإسلام السياسي الواسعة، وان تميز بينها وبين القوى التكفيرية التي لا تؤمن اصلا بالعملية الانتخابية الديموقراطية. فرمي الجميع في سلة واحدة بسبب الخطاب الديني المشترك وحكم الشريعة هو تعبير عن سياسات جامدة، وحتى لو عكست واقعا قائما فإنها تعبير عن عدمية غير عقلانية. وفي الواقع لم يحصل شرخ بين شقي التدين الحركي فحسب، بل ان التيار المركزي الواسع يتطور كلما مارس في بلده ومجتمعه سياسات وطنية بموجب أجندات وطنية. ويتطرف كلما اقصي عن الممارسة.
ولا يجوز أن يقتصر تفاعل القوى العلمانية مع التيارات الدينية الواسعة على تملقها أو التنازل عن مواقفها العلمانية في شؤون عدة، ولا أن يتحول الى غرور الوصاية عليها الذي غالباً ما يصاب به القوميون بغير وجه حق. فالحركات الدينية الواسعة عميقة الخبرة كثيفة التجربة ولا تحتاج الى أوصياء بل الى متحاورين متواضعين تثق بهم في حالة النضال المشترك. قد يكون التيار القومي تيار الغالبية في الشارع العربي، وقد تكون الناصرية ما زالت غالبية في الشرع المصري، ولكنها ليست حركة سياسية منظمة موحدة تترجم قوتها سياسيا، وليس لها أن تلوم إلا ذاتها على ذلك، فهذا ليس ذنب القوى الإسلامية المنظمة، كي يتم تحميلها مهمات كان على تلك القوى أن تقوم بها.
إن من يقصي هذه القوى حاليا تحت شعار أو مبرر مثل «العلمانية» لا يستطيع ان يبدأ بممارسة الديموقراطية، فالديموقراطية غير ممكنة مع اقصاء هذا الكم من الناس المتحدرين من هذه القطاعات الاجتماعية الواسعة والفقيرة ومع هدر هذه الطاقات الوطنية.
وطبعا يفترض ان تلتزم الحركات الإسلامية الواسعة بمبادئ الديموقراطية وليس فقط بوسائلها وأدواتها. وهذا لا يعني فقط اجراء انتخابات بعد انتهاء مدتها في الحكم، وأن تسلم السلطة سلمياً إذا لزم كما تسلمتها، بل ان تحترم أيضا حقوق المواطنة والحريات المدنية أثناء حكمها، التي لا تحترمها حاليا الأنظمة العلمانية. ومن نافل القول إن دول أوروبا الشرقية لم تحترمها ايضا في مرحلتها الاشتراكية التي ايدها بعض المثقفين العلمانيين الذين يعارضون ديموقراطية تشمل قوى الإسلام السياسي حاليا. كما يفترض ان تقبل الحركة الإسلامية بالأجندة الوطنية في عملها وأن تحترم مفاهيم السيادة الوطنية. ويجب أن تفعل كل هذا ليس فقط في الحوار مع القوى الأخرى وانما ان تثقف كوادرها على ذلك ايضاً. ويجوز لنا ان نبدي ملاحظات حول التناقض بين التثقيف الداخلي وبين الخطاب المستخدم لتهدئة القوى الأخرى. مع العلم ان مجرد الحاجة لتهدئة القوى الأخرى في خطاب سياسي جديد هو بحد ذاته تطور حتى قبل ان يرتقي الى خطاب تربوي داخلي. فالحركات التكفيرية لا تأبه بما يفكر عنها من تعتبرهم «كفاراً»، ولا يهمها ارضاؤهم. وطبعاً اليسار الراديكالي لم يهتم تاريخيا بمثل هذه التمييزات فقد كان الرياء والنفاق برأيه أسوأ من الفاشية، ولم ير فرقا بين الاشتراكية الديموقراطية والنازية فكلاهما في نمط تفكيره الجوهري من اشكال حكم البورجوازية، حتى شعر بالفرق على جلده وجلد الشعوب. ونحن نقول إن النازية والفاشية أسوأ من النفاق، وكذلك التكفيرية أسوأ من النفاق. ونحن لا نعتبر التغير الذي تمر به الحركات الإسلامية الجماهيرية نفاقا بل ضرورة تاريخية للإصلاح اللازم للعملية الديموقراطية. ولا مفر من رؤية ذلك والتعامل معه.
إن من لا يرى ان حركة «الإخوان المسلمين» مرت بتغييرات فعلية منذ سيد قطب، وان حركة «حماس» اليوم هي غيرها قبل اعوام، وان «حزب الله» اليوم ليس «حزب الله» نفسه أيام اغتيال اليساريين الشيعة في الثمانينات، هو بذاته اصولي يتمسك بثوابت ولا يخضعها لأي فحص تجريبي، أو ليست لديه مصلحة ان يفهم. وربما السبب انه هو أيضا مثلهم قد مر بتغيير. فنحن لا نفهم يساراً يجد نفسه في جبهة المتعاونين مع أميركا وإسرائيل ضد الإسلاميين، ولا نفهم يساراً يعيش هذا الاغتراب عن الفقراء وثقافتهم وهذا البعد عن العدالة الاجتماعية، وهذا القرب من الطبقات الميسورة المغتربة عن هذا المجتمع.
* كاتب ومفكر عربي

Sunday, July 29, 2007

هل يمكن أن يحدث بالعالم العربي ما حدث بتركيا


هل يمكن أن يحدث بالعالم العربي ما حدث بتركيا ؟َ!
د.عصام العريان :ـ المصريون بتاريخ 29 - 7 - 2007
سؤال تكرر في نفسي قبل أن يتكرر على سمعي عدة مرات في أسئلة الإخوان والسياسيين والصحفيين وفي الفضائيات وكانت الإجابة الواضحة : نعم يمكن إذا تكررت نفس الشروط خاصة شرط نزاهة وحرية الانتخابات ومعها حرية تشكيل الأحزاب .كان هذا هو الموجز وإليك عزيزي القارئ الصيفي الذي يبحث عن المواد الخفيفة في هذا الحر الخانق "نسأل الله أن يقينا حر جهنم" بعيدا عن السياسة والفكر ودهاليزها إلا أن السياسة تأبى إلا أن تطاردنا حتى في هذا الصيف الساخن جدا والذي يزداد سخونة يوما بعد يوم وتتلاحق فيه الأحداث من باكستان للعراق وفلسطين ولبنان وفي الطريق سوريا وإيران والصومال والسودان .لقد شغلتنا أحداث تركيا منذ أزمة الانتخابات الرئاسية التي فشل حزب العدالة والتنمية في تمرير مرشحه "عبد الله جل" لموقع الرئيس وبذلك يحكم سيطرته على مؤسسة الرئاسة بعد البرلمان والحكومة وبذلك يحاصر المؤسسة المستعصية"الجيش"من كافة الجهات ويمرر ما يراه مناسبا من قوانين لاستكمال الإصلاح الدستوري والسياسي بجانب الإصلاح الاقتصادي ويتهيأ بذلك للرد على الشروط الأوروبية المتعنتة مقابل الانضمام للاتحاد الأوروبي .أعادت هذه الأحداث المتلاحقة أزمة الرئاسة والتعديلات الدستورية لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب والانتخابات البرلمانية المبكرة وأعادت الاعتبار إلى التيار الإسلامي السلمي الوسطي المعتدل الذي يقول بالتوافق بين الإسلام ومنهجه ونظمه في الحكم والإدارة وبين الديمقراطية الغربية في أسسها ومبادئها الأساسية مثل : التعددية في الرأي والفكر والعقيدة والتعددية في التنظيم والحزبية النظام الدستوري الذي ينظم سلطات الدولة ويحدد العلاقة بينها ويوازن بين السلطات الثلاث : التنفيذية والتشريعية والقضائية وحماية الحريات العامة بكل أنواعها : حرية الرأي حرية التعبير حرية الاعتقاد حرية التملك حرية التنقل ...إلخ، النظام النيابي التمثيلي الذي يقوم على حرية الانتخابات الدورية والسماح بتداول السلطة بين القوي والأحزاب السياسية في إطار منظومة إسلامية .وخلال العقد الأخير في البلاد التي احترمت الحد الأدنى من الحريات العامة وتحققت فيها انتخابات حرة نزيهة من المغرب إلى أندونسيا كان الفوز من نصيب الأحزاب السياسية الإسلامية والحركات الإسلامية التي لم يسمح لها بتكوين أحزاب مثل الإخوان في مصر ..و إما أن تكون الأولى أو الثانية أو الثالثة على الأكثر .ونحن ننتظر انتخابات في بداية شهر سبتمبر القادم في المغرب حيث يتوقع المراقبون أن تتأكد هذه النظرية التي تقول إن البديل المتاح والقوي للحكومات الفاسدة المستبدة هي الحركات الإسلامية .لقد أثبتت الانتخابات التركية صدق هذا الاحتمال فقد فاز الحزب ذات الجذور الإسلامية الذي تحرم عليه القوانين العلمانية أن يعلن عن هويته أو يتحدث عن الإسلام والجميع يعلم جذوره الإسلامية القوية وتظهر ذلك في تمسك زوجات رئيس الوزراء ونوابه ووزرائه بالحجاب الإسلامي رغم الحرب التي يشنها الجيش والقضاء والجامعات على المحجبات مما دفع اردوغان إلى إرسال ابنتيه إلى أمريكا لإكمال الدراسة الجامعية .ومن قبل كان إربكان : أستاذ الحركة الإسلامية التركية السياسية الحديثة عندما يريد الحديث عن الإسلام يسميه "النظام العادل" فاز حزب العدالة رغم المظاهرات المليونية الحاشدة التي نظمها العلمانيون بمباركة ورعاية الجيش الذي يتربص بالحزب الحاكم ورغم موقف المحكمة الدستورية الذي أجهض انتخاب البرلمان للرئيس المرشح "جل" فكان رد الشعب في صناديق الاقتراع .فاز حزب العدالة والتنمية في بلد يتمتع فيها الجميع بحريات متساوية وحقوق متكافئة بل حكم فيها العلمانيون عقودا ثمانية منفردين...وضد أحزاب قوية حكمت منفردة وحكمت متحالفة مما يجهض المقولة المضادة التي تقول : إن الأحزاب الإسلامية تفوز بسبب حصار الحكومات المستبدة للأحزاب المدنية أو العلمانية وهي التي تتمتع في بلاد العرب بالحريات الأساسية : التنظيم والتعبير وقدر معقول من الحركة والنشاط إلا أنها فشلت في تجربة الحكم ورسخت الفساد السياسي والإداري والاقتصادي وفشلت في التعبير عن أمال وأحلام الشعوب والجماهير .في برنامج للتليفزيون البريطاني كانت حجة السيدة بنازير بوتو رئيسة وزراء باكستان هي نفس الحجة القديمة : إن النظام الديكتاتوري الباكستاني لم يترك بديلا له إلا التيارات الإسلامية المتشددة ونسيت أنها حكمت عدة مرات وحكم أبوها من قبلها وأنهم حلفاء وأصدقاء للأمريكيين وانتهى حكمهم إلى الانقلاب الأول الذي قام به ضياء الحق ثم الثاني ضد نواز شريف غريمها السياسي العلماني بقيادة برويز مشرف ديكتاتور باكستان الذي ينازع النوع الأخير الآن بعد ان تخلت عنه أمريكا وقام بمذبحة المسجد الأحمر وأعادت المحكمة العليا رئيسها السابق "افتخار شودري" إلى موقعة ليعيد مطالبة مشرف بالإفصاح عن مصير مئات المعتقلين السابقين في الحرب على الإرهاب والذي كان السبب في إقالته غير الدستورية والآن أضاف إليهم مئات الطلاب الذين اعتصموا في المسجد الأحمر ويقول مشرف أن القتلى 400 فقط بينما يطالبه شردي ببيان مصير أكثر من 1500 طالب كانوا يدرسون واعتصموا داخل المسجد الأحمر الذي افتتح لصلاة الجمعة بعد تغيير لونه إلى الأخضر وتسليمه إلى الجماعة البريليونية الصوفية بديلا عن المدرسة "الديوبوندية" الحنفية فكانت مذبحة جديدة .أسقطت الانتخابات التركية هذه الحجة الواهية وستسقطها الانتخابات المغربية القادمة وعززت ذلك كل الانتخابات التي جرت في بلاد تتعدد فيها الأحزاب وتتم فيها الانتخابات بقدر معقول من النزاهة مثل الأردن واليمن وأندونسيا .إلا أن الحركات السياسية الإسلامية والأحزاب أيضا مطالبة بالاستفادة من التجربة التركية وأهم هذه الدروس المستفادة:1ـ العمل في ظل ظروف بالغة القسوة مع عدم الرضا بالواقع المر أملا في تغييره مع التدرج في ذلك والنفس الطويل. 2ـ القدرة على بناء حزب سياسي حقيقي مفتوح لكل المواطنين، يشعر كل من ينتمي إليه بقدرته على المشاركة في القرار والاستفادة من عضوية الحزب، وأن الحزب يمثل مظلة وطنية للجميع في ظل القواسم المشتركة.3ـ الحوار والتنافس مع القوى السياسية من مختلف التيارات حتى تلك المغالية جدًا والمتشددة في عدائها لكل ما هو إسلامي، وعدم القطيعة معها، واحترام ثقلها ووجودها السياسي أملاً في تحييدها أو تغييرها إلى الأفضل فإن لم يكن تأملاً في تحجيم وزنها السياسي فليس شطبها من الحياة السياسية شرط التزامها بالدستور والقانون ولا شك أن عدم نزول مظاهرات مضادة إبان اشتداد الأزمة الرئاسية كان قرارًا حكيمًا وصائبًا.4ـ الحفاظ على التوازن في العلاقة مع المؤسسات الوطنية الهامة كالجيش والمخابرات والقضاء ورجال الأعمال والصناعة وعدم الصدام معها.5ـ التعبير عن مصالح الغالبية العظمى من الشعب والدفاع عن حقوقه القانونية والدستورية والسعي إلى تحقيق العدل والمساواة والدفاع عن الحريات العامة.6ـ الإصلاح الاقتصادي اليوم هو المفتاح السحري لكسب ثقة الشعب، فلا شك أن المؤشرات الاقتصادية التي حققتها حكومة حزب العدالة والتنمية خلال أقل من 5 سنوات من خفض العجز والتضخم، ونمو الدخل القومي، ونسبة نمو عالية وكانت بداية ذلك هو ما أعلنه أردوغان في خطاب الفوز الكبير عندما قرر الاستمرار في مقاومة وحزب الفساد وكشف المافيا ، وعندما يواجه الإسلاميون الفساد فإنهم يحاربون على نفس جبهة الاستبداد ، فهما قرينان وشريكان في إفساد المجتمعات.على الحركات والأحزاب الإسلامية بناء تصور اقتصادي واقعي للحرب على الفساد والمافيا وبناء اقتصاد وطني وقومي سليم.7ـ التواضع وخفض الجناح وعدم الغرور شرط لاستمرار النجاح.8 ـ بناء علاقة جيدة مع الغرب والخارج بعيدًا عن الصفقات السرية وفي العلن من موقع القوة الشعبية مع عدم الرضوخ للإملاءات والشروط المجحفة، بل تقوم هذه العلاقة على الاحترام والقيم المشتركة والمصالح المشتركة من أجل بناء حضارة إنسانية وتحقيق الأمن والاستقرار في العالم كله.إن إقناع الغرب بأنه لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في العلاقات الدولية وأن الغرب عليه أن يغير من نظرته إلى الإسلام كعقيدة ويحترم حق المسلمين في اختيار طريقة حياتهم وشريعتهم التي تحكمهم ولا يفرض عليهم نظامًا معينًا على عكس ما يقوله "بوش" إن المتطرفين الإسلاميين هم الذين يريدون تغيير نظام الحياة في الغرب. هذا الإقناع يمكن أن يتبناه عقلاء الغرب من أجل تحقيق أمن واستقرار ورخاء في البلاد العربية والإسلامية، ومن هذا المنطلق يمكن أن يساهم المسلمون في بناء الحضارة الإنسانية العالمية من منطلق قوة التنوع في الثقافات والحوار بين الحضارات ولا نظل ندور في فلك الغرب دومًا.***

الإسلاميون الجدد

الإسلاميون الجدد»: من عقلية التفجير إلى عقلانية التحرير
محمود المبارك الحياة - 30/07/07//
مجرد الحديث عن «الإسلام السياسي» غالباً ما يثير خلافات بين المدافعين عنه والمتهجمين عليه. ففي الوقت الذي ترى فيه الجماعات الإسلامية في الإسلام السياسي المنقذ للعالم الإسلامي من ويلاته التي يمر بها، يخالفهم خصومهم هذا الرأي بشدة، ويرون أن أسباب النهوض بالمسلمين لا تكون بالرجوع إلى الماضي والتعلق بالتراث كما يريد الإسلاميون، وإنما تكون بالأخذ بالأسباب الاقتصادية والسياسية والتقنية التي أخذ بها الغرب ذاته في التقدم.
وحيث إن صورة الإسلام السياسي في عمل بعض الجماعات الإسلامية في الماضي تركزت على نظرية التغيير بالقوة، من باب أن تغيير المجتمع لا يكون إلا بالوصول إلى سدة الحكم، فقد تمثل رد فعل حكومات عدة ضد من اصطلح على تسميتهم بـ «الإسلاميين»، في حظر نشاطهم السياسي وحرمانهم من المشاركة في الانتخابات الداخلية، إضافةً إلى تشويه صورتهم في المجتمع.
وعلى رغم تحفظي على استخدام تعبير «الإسلاميين» كمصطلح لوصف الحركات الإسلامية المعاصرة، كونه ترجمة لبعض المصطلحات التي جاء بها الاستشراق الحديث، وكونه أيضاً دخيلاً على اللغة العربية، إلا أنني أقبل استخدامه بصفته مصطلحاً شائعاً عند الكثيرين لوصف ما نحن بصدد الحديث عنه، ليس إلا.
وبغض النظر عن الاختلاف على المصطلحات، فالواضح اليوم أن هناك شعبية عارمة بين أوساط الشعوب الإسلامية لمفهوم «الإسلام السياسي». يدل على ذلك نجاح الحركات الإسلامية في المنافسة السياسية بشكل غير مسبوق في عدد من البلدان الإسلامية، كالمغرب ومصر والأردن وفلسطين، وأخيراً النجاح الكبير الذي حققه حزب «العدالة والتنمية» في تركيا. وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة واحتمالات نجاحها من إخفاقها وأفضل الطرق للتعامل معها.
بدايةً، لعله من المفيد القول إن ظاهرة الإسلام السياسي المنتشرة في البلاد الإسلامية اليوم ليست سوى واحدة من مظاهر عدة تمثل عودة أو «صحوة» - كما يطيب للإسلاميين تسميتها- العامة من الشعوب الإسلامية إلى التراث الديني. هذه العودة أو «الصحوة» لم تقتصر على الجانب السياسي، وإنما شملت «أسلمة» جوانب أخرى، بعضها اجتماعي كانتشار الحجاب بين الفتيات، وبعضها اقتصادي كظاهرة انتشار البنوك الإسلامية، وبعضها عسكري. وإن كانت قد نتجت عنها مصطلحات قد تضر أكثر مما تنفع، مثل مصطلح «القنبلة الإسلامية»!
بيد أن ظاهرة قبول «الإسلام السياسي» وسط الشعوب الإسلامية، قد تعود إلى ثلاثة أسباب: السبب الأول هو التصاق هذه الشعوب بتراثها. فالشعوب الإسلامية ما زالت تحنّ إلى ماضيها، وترى أن السياسة لم تكن مفصولة عن الدين عبر تاريخها الطويل. وعلى رغم أن الشعوب الإسلامية اعتنقت المذاهب المتناقضة من شيوعية واشتراكية ورأسمالية، إلا أنها كانت تقبل كثيراً منها من باب أنها مقبولة إسلامياً.
من أجل ذلك، حين أرادت القيادات الثقافية في العالم العربي تسويق مفهوم الاشتراكية أو الديموقراطية، كانت هذه الطبقة المثقفة تجد نفسها تربط بين الاشتراكية أو الديموقراطية والإسلام ليتم قبولها من عامة الناس. ففي أوج ازدهار الاشتراكية في فترة الخمسينات والستينات، كانت الطبقة المثقفة تقرن مبادئ الاشتراكية بالإسلام، وتحدث عددٌ من الكتاب عن «الإسلام الاشتراكي»، وأن الصحابي «أبا ذر» كان أكبر اشتراكي في الإسلام، ولم يأل الكتاب جهداً في استخراج حديث «الناس شركاء في ثلاث: الماء والنار والكلأ». ثم لما بدأ مفهوم الديموقراطية الغربية في الانتشار، ما لبث مثقفونا يلقنوننا دروساً في «الديموقراطية الإسلامية»، وكيف أن عمر بن الخطاب كان أول حاكم ديموقراطي في الإسلام، وأن مفهوم «الديموقراطية الغربية» هو فكرة «سرقها الغرب من المسلمين»!
وبالتالي استخدم الدين لقبول تلك الأفكار، تماماً كما استخدم من قبل الطرف الآخر لدحضها. أي أن المعارضين لتلك المفاهيم السياسية عارضوها من باب مخالفتها الدينية لتعاليم الشرع. فالنتيجة إذاً أن الدين كان هو «المعيار» في قبول أو رفض كثير من الأفكار السياسية والاقتصادية خلال الثمانين عاماً الماضية، إن صدقاً وإن كذباً.
السبب الثاني لانتشار ظاهرة «الإسلام السياسي» في المجتمعات المسلمة، هو انعدام وجود البديل. فحين أخفقت تجربة القومية في البلاد العربية والإسلامية (بما في ذلك إيران وتركيا)، وحين لم تثمر الاشتراكية عن تحقيق الرفاه الاقتصادي المنشود للشعوب التي لبست ثوبها، وحين فشلت الإمبريالية الرأسمالية في جلب الحرية للمجتمعات التي نادت بها، عادت الشعوب الإسلامية إلى أدراجها القديمة كالتاجر المفلس.
السبب الثالث والأخير في شعبية «الإسلام السياسي» العارمة بين الشعوب الإسلامية، هو أنه ونتيجة لثقافتهم العالية ونقاشهم المنطقي، بدا «الإسلاميون الجدد» في مظهر جذاب، استطاعوا من خلاله استقطاب الناس لمشروعهم المقترح. فالإسلاميون اليوم لم يعودوا مجرد مجموعة دراويش يلبسون العمائم والجلابيب الواسعة، ويفكرون بعقلية القرن السابع الميلادي. بل إنهم يحملون ثقافة عالية في جميع التخصصات، وعندهم تجارب مفيدة في العمل السياسي في بلاد الغرب، واكثرهم من أصحاب المؤهلات العالية في مختلف التخصصات. يضاف إلى ذلك بعدهم عن الفساد، ونجاح تجاربهم الباهرة على رغم قصرها.
فتجربة حزب «العدالة والتنمية» التركي ذي الميول الإسلامية، تعد تجربة فريدة. خصوصاً أنها تجيء في دولة تقوم أسسها على فصل الدين عن الدولة، وفي بلد يراقب فيه الجيش بحذر شديد أي توجه إسلامي للحزب الحاكم للانقضاض عليه. ومع ذلك فقد استطاع الإسلاميون في تركيا بمعادلة مذهلة، السير في مخططهم الاقتصادي والسياسي، من دون الاعتداء على مبادئ الدولة العلمانية، وبرغبة شعبية أكيدة، أعرب عنها الشعب في نتائج الانتخابات الأخيرة. وها هم الإسلاميون في تركيا، بعد أن سيطروا على رئاسة الوزراء من جديد، يقفون اليوم على أعتاب الطرف الآخر من قمة السلطة السياسية في رئاسة الدولة.
وغني عن القول إن ما حصل في تركيا هو صورة واحدة يمكن أن تتكرر في أكثر من بلد متى ما توافرت النزاهة في العملية الديموقراطية. ولعل أهم إنجاز حققه «الإسلاميون الجدد» عند شعوبهم هو أنهم أفسدوا على خصومهم محاولة النيل منهم، حين قبلوا بقواعد اللعبة الديموقراطية، ونأوا بأنفسهم عن العنف. فالشعوب الإسلامية اليوم تبدو ناضجة سياسياً، ولم تعد تقبل طريق العنف وسيلة لتحقيق المآرب السياسية.
فقد أكد مركز «بيو لاستطلاعات الرأي» في الولايات المتحدة في دراسة حديثة، أعلنت نتائجها قبل يومين، انحسار تأييد عمليات التفجير ضد المدنيين وأشكال العنف الأخرى في ثمانية بلاد إسلامية شملها المسح. وأشار الاستطلاع إلى انخفاض نسبة مؤيدي عمليات التفجير إلى 34 في المئة مقارنة بـ74 في المئة عام 2002.
ويبدو أن وعي «الإسلاميين الجدد» لهذا الواقع الجديد، قد جعلهم يرفضون «عقلية التفجير»، كي يبدأوا برنامج «عقلانية التحرير» التي عن طريقها يتم تحرير أنفسهم من التهم التي تكال ضدهم بالتخلف والبعد عن الواقعية، ثم تحرير بلادهم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. ومعلوم أن قبول الإسلاميين بالمشاركة السياسية سيدفعهم إلى أن يكونوا أكثر عقلانية، وأن حرمانهم منها يدفعهم إلى الجانب الآخر من المعادلة.
اليوم وبعد النجاح العارم للتجربة الإسلامية في تركيا، هل يؤذن بقبول مشاركة «الإسلاميين» في اللعبة الديموقراطية خارج حدود تركيا؟ أم يستمر التآمر على منع مشاركة «الإسلام السياسي» كما فعل بـ «حماس» وكما فعل بـ «المحاكم الإسلامية» في الصومال؟
* حقوقي دولي.

نتائج الانتخابات التركية


نتائج الانتخابات التركية
أبوالعلا ماضي : بتاريخ 29 - 7 - 2007
ظهرت في الأسبوع الماضي نتائج الانتخابات البرلمانية التركية عقب نشر مقالي عن نفس الموضوع ، والتي أظهرت نتائج باهرة حققها حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوجان ورفاقه ، وكنا نتوقع أن يفوز الحزب بنسبة 40 – 45 % من أصوات الناخبين ولكن النتائج الحقيقية زادت عن هذا التوقع إذ حصل على نسبة تتراوح بين 46.6% إلى 48 % (حسب النتائج الأولية حيث أن النتائج النهائية لم تعلن حتى الآن) ولقد ترجمت هذه النتائج المقاعد إلى (340 - 342) مقعد من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ عددهم 550 مقعدًا ، وحصل التالي له في الأصوات حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي قاد المعركة ضد العدالة منذ عملية انتخابات رئيس الجمهورية وتواطأ مع الجيش والمحكمة الدستورية لتعطيل وصول عبد الله جول نائب أردوجان ووزير الخارجية إلى مقر الرئاسة مما دفع حزب العدالة إلى الدعوة للانتخابات المبكرة ، أقول حصل هذا الحزب برئاسة دينز بايكال على حوالي 20 % من الأصوات أي عدد مقاعد 112 مقعد وحصل الحزب الثالث وهو حزب الحركة القومية على نسبة 14 % من الأصوات بعدد مقاعد حوالي 72 مقعد وحصل المستقلون على 28 مقعد أغلبهم من الأكراد . فما هي دلائل هذه النتائج الباهرة ؟ فبالرغم من أن عدد مقاعد البرلمان التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية أقل عن المرة الماضية بحوالي 10 مقاعد حيث حصل على حوالي 342 هذه المرة والمرة الماضية على حوالي (352) مقعد إلا أن حصوله على أصوات أزيد من الشعب عن نسبة 12 % عن الانتخابات الماضية هي رسالة قوية وحاسمة من الشعب التركي بأن إرادته ذهبت إلى طرف حزب العدالة والتنمية ضد العلمانيين المتطرفين في الجيش والمحكمة الدستورية وحزب الشعب الجمهوري الذي كان رأس الحربة في الهجوم على حزب العدالة والتنمية ، لقد شارك في التصويت حوالي 85 % من الأصوات المسجلة في قوائم الناخبين وهي نسبة غير مسبوقة في تركيا وتفوق نسبة المشاركة في أغلب الديمقراطيات الغربية في أوربا وأمريكا ، فدلالة هذا العدد الهائل من المصوتين والذي بلغ إجمالي أصوات الناخبين 42 مليون ناخب حضر منهم حوالي 10 مليون ناخب من اجازاتهم واماكنهم خارج تركيا للتصويت والعودة ، هي رسالة شديدة القوة في رفض تطرفها العلماني هي وحزب الشعب أكبر الخاسرين الذي ملأ رئيسه دينز بايكال تركيا صخبًا بأنه قادم للحكم منفردًا وأشبع حزب العدالة ورموزه اتهامات وألفاظ قاسية ترفعوا عنها جميعًا وقادوا معركة انتخابية نزيهة ، حسموا فيها النتيجة ، ولقد أعجبني جدًا موقفهم حينما سير العلمانيون مظاهرات من عشرات الألوف من أنصارهم من كل تركيا في مظاهرات ضد ترشيح جول للرئاسة فلم يسير حزب العدالة مظاهرات ضدهم وكان يستطيع أن يحشد ملايين وليس بضع عشرات من الألوف ولجأ إلى صناديق الاقتراع ليعرف كل طرف حجمه الطبيعي حتى وصف أحد الكتاب ما حدث بأن إنجاز الصمت انتصر على ضجيج العلمانية ، كما أن النتائج أظهرت أن القضيتين اللتين أثارهما العلمانيون المتطرفون في المعركة الانتخابية كسب فيها حزب العدالة والتنمية ، وهي كما قلت في مقالي السابق قضية العلمانية والإسلام والقضية الكردية ، فلقد أظهر الشعب التركي موافقته التامة على فهم العدالة والتنمية للعلمانية بأنها الحكم المدني الذي لا يستند إلى رجال الدين ولا يتعارض مع قيم الإسلام الحاكمة ، كما صوت أيضًا أغلب الشعب التركي بما فيهم المناطق الكردية ، على طريقة معالجة العدالة والتنمية للمسألة الكردية وهي مزيد من الحريات والعدالة والتنمية في مناطقهم ويرفض استخدام العنف والقوة من قبل الجيش في قمع المناطق الكردية ولذلك كما أظهرت النتائج أن حزب العدالة والتنمية حصل على أكبر الأصوات في المناطق الكردية بل وأحيانًا صوت له الأكراد أكثر من مرشحيهم الأكراد المستقلين.لقد استخدم أردوجان وقادة حزبه تكتيكات ناجحة بكل المقاييس منها الإنجاز الاقتصادي والاستقرار مما دفع أغلب رجال الأعمال للتصويت له ، وانحاز أيضًا للفقراء والبسطاء والطبقات الوسطى في نفس الوقت مما دفعهم أيضًا للتصويت له ، وكذلك الشباب الذي مل النظريات الأيدلوجية ويبحث عن فرص عمل وهو ما حققه حزب العدالة والتنمية أيضًا فصوت أغلبهم له ، كما قطع الطريق على العلمانيين المتطرفين بأن رشح في قوائمه عددًا من العلمانيين المعتدلين وزاد في ترشيحه للنساء حتى جاوزت نسبة المرشحين على قوائمه 11% من القوائم من المرأة وهي نسبة أكبر من الحزب العلماني المنافس حزب الشعب الجمهوري ولذلك زادت نسبة المرأة في البرلمان إلى حوالي 46 إمرأة منهم حوالي 26 سيدة من حزب العدالة والتنمية فقط وبالتالي أثبت أنه بالرغم من خلفيات الحزب الإسلامية إلا أنه يمثل الشعب التركي بكل تكويناته ، وكذلك لم يدخل في صراع مع حزبه القديم حزب أربكان المسمى الآن "السعادة" بالرغم من التهم سابقة التجهير بالعلمانية والتفريط في الإسلام والانحياز للغرب وإسرائيل و...... إلخ، ولذلك حصل حزب السعادة على 2.3% فقط من الأصوات وبالطبع لم يمثل في البرلمان بأي مقعد في الوقت الذي حصل فيه حزب العدالة على ما يقرب من نصف أصوات الشعب التركي منفردًا.والحقيقة أن الرسائل والدروس الصادرة من التجربة التركية كثيرة وهامة وتحتاج لتفصيل أكبر وإن كان المطلوب الآن الإجابة عن موقفهم من انتخابات الرئاسة التركية التي فجرت الأزمة الأخيرة وهو ما سنحاول الإجابة عليه بإذن الله في المقال القادم .

هل يمكن أن يحدث بالعالم العربي ما حدث بتركيا ؟؟


هل يمكن أن يحدث بالعالم العربي ما حدث بتركيا ؟َ!

د.عصام العريان ــ المصـريون : بتاريخ 29 - 7 - 2007
سؤال تكرر في نفسي قبل أن يتكرر على سمعي عدة مرات في أسئلة الإخوان والسياسيين والصحفيين وفي الفضائيات وكانت الإجابة الواضحة : نعم يمكن إذا تكررت نفس الشروط خاصة شرط نزاهة وحرية الانتخابات ومعها حرية تشكيل الأحزاب .كان هذا هو الموجز وإليك عزيزي القارئ الصيفي الذي يبحث عن المواد الخفيفة في هذا الحر الخانق "نسأل الله أن يقينا حر جهنم" بعيدا عن السياسة والفكر ودهاليزها إلا أن السياسة تأبى إلا أن تطاردنا حتى في هذا الصيف الساخن جدا والذي يزداد سخونة يوما بعد يوم وتتلاحق فيه الأحداث من باكستان للعراق وفلسطين ولبنان وفي الطريق سوريا وإيران والصومال والسودان .لقد شغلتنا أحداث تركيا منذ أزمة الانتخابات الرئاسية التي فشل حزب العدالة والتنمية في تمرير مرشحه "عبد الله جل" لموقع الرئيس وبذلك يحكم سيطرته على مؤسسة الرئاسة بعد البرلمان والحكومة وبذلك يحاصر المؤسسة المستعصية"الجيش"من كافة الجهات ويمرر ما يراه مناسبا من قوانين لاستكمال الإصلاح الدستوري والسياسي بجانب الإصلاح الاقتصادي ويتهيأ بذلك للرد على الشروط الأوروبية المتعنتة مقابل الانضمام للاتحاد الأوروبي .أعادت هذه الأحداث المتلاحقة أزمة الرئاسة والتعديلات الدستورية لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب والانتخابات البرلمانية المبكرة وأعادت الاعتبار إلى التيار الإسلامي السلمي الوسطي المعتدل الذي يقول بالتوافق بين الإسلام ومنهجه ونظمه في الحكم والإدارة وبين الديمقراطية الغربية في أسسها ومبادئها الأساسية مثل : التعددية في الرأي والفكر والعقيدة والتعددية في التنظيم والحزبية النظام الدستوري الذي ينظم سلطات الدولة ويحدد العلاقة بينها ويوازن بين السلطات الثلاث : التنفيذية والتشريعية والقضائية وحماية الحريات العامة بكل أنواعها : حرية الرأي حرية التعبير حرية الاعتقاد حرية التملك حرية التنقل ...إلخ، النظام النيابي التمثيلي الذي يقوم على حرية الانتخابات الدورية والسماح بتداول السلطة بين القوي والأحزاب السياسية في إطار منظومة إسلامية .وخلال العقد الأخير في البلاد التي احترمت الحد الأدنى من الحريات العامة وتحققت فيها انتخابات حرة نزيهة من المغرب إلى أندونسيا كان الفوز من نصيب الأحزاب السياسية الإسلامية والحركات الإسلامية التي لم يسمح لها بتكوين أحزاب مثل الإخوان في مصر ..و إما أن تكون الأولى أو الثانية أو الثالثة على الأكثر .ونحن ننتظر انتخابات في بداية شهر سبتمبر القادم في المغرب حيث يتوقع المراقبون أن تتأكد هذه النظرية التي تقول إن البديل المتاح والقوي للحكومات الفاسدة المستبدة هي الحركات الإسلامية .لقد أثبتت الانتخابات التركية صدق هذا الاحتمال فقد فاز الحزب ذات الجذور الإسلامية الذي تحرم عليه القوانين العلمانية أن يعلن عن هويته أو يتحدث عن الإسلام والجميع يعلم جذوره الإسلامية القوية وتظهر ذلك في تمسك زوجات رئيس الوزراء ونوابه ووزرائه بالحجاب الإسلامي رغم الحرب التي يشنها الجيش والقضاء والجامعات على المحجبات مما دفع اردوغان إلى إرسال ابنتيه إلى أمريكا لإكمال الدراسة الجامعية .ومن قبل كان إربكان : أستاذ الحركة الإسلامية التركية السياسية الحديثة عندما يريد الحديث عن الإسلام يسميه "النظام العادل" فاز حزب العدالة رغم المظاهرات المليونية الحاشدة التي نظمها العلمانيون بمباركة ورعاية الجيش الذي يتربص بالحزب الحاكم ورغم موقف المحكمة الدستورية الذي أجهض انتخاب البرلمان للرئيس المرشح "جل" فكان رد الشعب في صناديق الاقتراع .فاز حزب العدالة والتنمية في بلد يتمتع فيها الجميع بحريات متساوية وحقوق متكافئة بل حكم فيها العلمانيون عقودا ثمانية منفردين...وضد أحزاب قوية حكمت منفردة وحكمت متحالفة مما يجهض المقولة المضادة التي تقول : إن الأحزاب الإسلامية تفوز بسبب حصار الحكومات المستبدة للأحزاب المدنية أو العلمانية وهي التي تتمتع في بلاد العرب بالحريات الأساسية : التنظيم والتعبير وقدر معقول من الحركة والنشاط إلا أنها فشلت في تجربة الحكم ورسخت الفساد السياسي والإداري والاقتصادي وفشلت في التعبير عن أمال وأحلام الشعوب والجماهير .في برنامج للتليفزيون البريطاني كانت حجة السيدة بنازير بوتو رئيسة وزراء باكستان هي نفس الحجة القديمة : إن النظام الديكتاتوري الباكستاني لم يترك بديلا له إلا التيارات الإسلامية المتشددة ونسيت أنها حكمت عدة مرات وحكم أبوها من قبلها وأنهم حلفاء وأصدقاء للأمريكيين وانتهى حكمهم إلى الانقلاب الأول الذي قام به ضياء الحق ثم الثاني ضد نواز شريف غريمها السياسي العلماني بقيادة برويز مشرف ديكتاتور باكستان الذي ينازع النوع الأخير الآن بعد ان تخلت عنه أمريكا وقام بمذبحة المسجد الأحمر وأعادت المحكمة العليا رئيسها السابق "افتخار شودري" إلى موقعة ليعيد مطالبة مشرف بالإفصاح عن مصير مئات المعتقلين السابقين في الحرب على الإرهاب والذي كان السبب في إقالته غير الدستورية والآن أضاف إليهم مئات الطلاب الذين اعتصموا في المسجد الأحمر ويقول مشرف أن القتلى 400 فقط بينما يطالبه شردي ببيان مصير أكثر من 1500 طالب كانوا يدرسون واعتصموا داخل المسجد الأحمر الذي افتتح لصلاة الجمعة بعد تغيير لونه إلى الأخضر وتسليمه إلى الجماعة البريليونية الصوفية بديلا عن المدرسة "الديوبوندية" الحنفية فكانت مذبحة جديدة .أسقطت الانتخابات التركية هذه الحجة الواهية وستسقطها الانتخابات المغربية القادمة وعززت ذلك كل الانتخابات التي جرت في بلاد تتعدد فيها الأحزاب وتتم فيها الانتخابات بقدر معقول من النزاهة مثل الأردن واليمن وأندونسيا .إلا أن الحركات السياسية الإسلامية والأحزاب أيضا مطالبة بالاستفادة من التجربة التركية وأهم هذه الدروس المستفادة:ا
1ـ العمل في ظل ظروف بالغة القسوة مع عدم الرضا بالواقع المر أملا في تغييره مع التدرج في ذلك والنفس الطويل.
2ـ القدرة على بناء حزب سياسي حقيقي مفتوح لكل المواطنين، يشعر كل من ينتمي إليه بقدرته على المشاركة في القرار والاستفادة من عضوية الحزب، وأن الحزب يمثل مظلة وطنية للجميع في ظل القواسم المشتركة.
3ـ الحوار والتنافس مع القوى السياسية من مختلف التيارات حتى تلك المغالية جدًا والمتشددة في عدائها لكل ما هو إسلامي، وعدم القطيعة معها، واحترام ثقلها ووجودها السياسي أملاً في تحييدها أو تغييرها إلى الأفضل فإن لم يكن تأملاً في تحجيم وزنها السياسي فليس شطبها من الحياة السياسية شرط التزامها بالدستور والقانون ولا شك أن عدم نزول مظاهرات مضادة إبان اشتداد الأزمة الرئاسية كان قرارًا حكيمًا وصائبًا.
4ـ الحفاظ على التوازن في العلاقة مع المؤسسات الوطنية الهامة كالجيش والمخابرات والقضاء ورجال الأعمال والصناعة وعدم الصدام معها.
5ـ التعبير عن مصالح الغالبية العظمى من الشعب والدفاع عن حقوقه القانونية والدستورية والسعي إلى تحقيق العدل والمساواة والدفاع عن الحريات العامة.
6ـ الإصلاح الاقتصادي اليوم هو المفتاح السحري لكسب ثقة الشعب، فلا شك أن المؤشرات الاقتصادية التي حققتها حكومة حزب العدالة والتنمية خلال أقل من 5 سنوات من خفض العجز والتضخم، ونمو الدخل القومي، ونسبة نمو عالية وكانت بداية ذلك هو ما أعلنه أردوغان في خطاب الفوز الكبير عندما قرر الاستمرار في مقاومة وحزب الفساد وكشف المافيا ، وعندما يواجه الإسلاميون الفساد فإنهم يحاربون على نفس جبهة الاستبداد ، فهما قرينان وشريكان في إفساد المجتمعات.على الحركات والأحزاب الإسلامية بناء تصور اقتصادي واقعي للحرب على الفساد والمافيا وبناء اقتصاد وطني وقومي سليم.
7ـ التواضع وخفض الجناح وعدم الغرور شرط لاستمرار النجاح.
8 ـ بناء علاقة جيدة مع الغرب والخارج بعيدًا عن الصفقات السرية وفي العلن من موقع القوة الشعبية مع عدم الرضوخ للإملاءات والشروط المجحفة، بل تقوم هذه العلاقة على الاحترام والقيم المشتركة والمصالح المشتركة من أجل بناء حضارة إنسانية وتحقيق الأمن والاستقرار في العالم كله.إن إقناع الغرب بأنه لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في العلاقات الدولية وأن الغرب عليه أن يغير من نظرته إلى الإسلام كعقيدة ويحترم حق المسلمين في اختيار طريقة حياتهم وشريعتهم التي تحكمهم ولا يفرض عليهم نظامًا معينًا على عكس ما يقوله "بوش" إن المتطرفين الإسلاميين هم الذين يريدون تغيير نظام الحياة في الغرب. هذا الإقناع يمكن أن يتبناه عقلاء الغرب من أجل تحقيق أمن واستقرار ورخاء في البلاد العربية والإسلامية، ومن هذا المنطلق يمكن أن يساهم المسلمون في بناء الحضارة الإنسانية العالمية من منطلق قوة التنوع في الثقافات والحوار بين الحضارات ولا نظل ندور في فلك الغرب دومًا.

نتائج الانتخابات التركية


نتائج الانتخابات التركية
أبوالعلا ماضي ـ المصـريون : بتاريخ 29 - 7 - 2007
ظهرت في الأسبوع الماضي نتائج الانتخابات البرلمانية التركية عقب نشر مقالي عن نفس الموضوع ، والتي أظهرت نتائج باهرة حققها حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوجان ورفاقه ، وكنا نتوقع أن يفوز الحزب بنسبة 40 – 45 % من أصوات الناخبين ولكن النتائج الحقيقية زادت عن هذا التوقع إذ حصل على نسبة تتراوح بين 46.6% إلى 48 % (حسب النتائج الأولية حيث أن النتائج النهائية لم تعلن حتى الآن) ولقد ترجمت هذه النتائج المقاعد إلى (340 - 342) مقعد من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ عددهم 550 مقعدًا ، وحصل التالي له في الأصوات حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي قاد المعركة ضد العدالة منذ عملية انتخابات رئيس الجمهورية وتواطأ مع الجيش والمحكمة الدستورية لتعطيل وصول عبد الله جول نائب أردوجان ووزير الخارجية إلى مقر الرئاسة مما دفع حزب العدالة إلى الدعوة للانتخابات المبكرة ، أقول حصل هذا الحزب برئاسة دينز بايكال على حوالي 20 % من الأصوات أي عدد مقاعد 112 مقعد وحصل الحزب الثالث وهو حزب الحركة القومية على نسبة 14 % من الأصوات بعدد مقاعد حوالي 72 مقعد وحصل المستقلون على 28 مقعد أغلبهم من الأكراد . فما هي دلائل هذه النتائج الباهرة ؟ فبالرغم من أن عدد مقاعد البرلمان التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية أقل عن المرة الماضية بحوالي 10 مقاعد حيث حصل على حوالي 342 هذه المرة والمرة الماضية على حوالي (352) مقعد إلا أن حصوله على أصوات أزيد من الشعب عن نسبة 12 % عن الانتخابات الماضية هي رسالة قوية وحاسمة من الشعب التركي بأن إرادته ذهبت إلى طرف حزب العدالة والتنمية ضد العلمانيين المتطرفين في الجيش والمحكمة الدستورية وحزب الشعب الجمهوري الذي كان رأس الحربة في الهجوم على حزب العدالة والتنمية ، لقد شارك في التصويت حوالي 85 % من الأصوات المسجلة في قوائم الناخبين وهي نسبة غير مسبوقة في تركيا وتفوق نسبة المشاركة في أغلب الديمقراطيات الغربية في أوربا وأمريكا ، فدلالة هذا العدد الهائل من المصوتين والذي بلغ إجمالي أصوات الناخبين 42 مليون ناخب حضر منهم حوالي 10 مليون ناخب من اجازاتهم واماكنهم خارج تركيا للتصويت والعودة ، هي رسالة شديدة القوة في رفض تطرفها العلماني هي وحزب الشعب أكبر الخاسرين الذي ملأ رئيسه دينز بايكال تركيا صخبًا بأنه قادم للحكم منفردًا وأشبع حزب العدالة ورموزه اتهامات وألفاظ قاسية ترفعوا عنها جميعًا وقادوا معركة انتخابية نزيهة ، حسموا فيها النتيجة ، ولقد أعجبني جدًا موقفهم حينما سير العلمانيون مظاهرات من عشرات الألوف من أنصارهم من كل تركيا في مظاهرات ضد ترشيح جول للرئاسة فلم يسير حزب العدالة مظاهرات ضدهم وكان يستطيع أن يحشد ملايين وليس بضع عشرات من الألوف ولجأ إلى صناديق الاقتراع ليعرف كل طرف حجمه الطبيعي حتى وصف أحد الكتاب ما حدث بأن إنجاز الصمت انتصر على ضجيج العلمانية ، كما أن النتائج أظهرت أن القضيتين اللتين أثارهما العلمانيون المتطرفون في المعركة الانتخابية كسب فيها حزب العدالة والتنمية ، وهي كما قلت في مقالي السابق قضية العلمانية والإسلام والقضية الكردية ، فلقد أظهر الشعب التركي موافقته التامة على فهم العدالة والتنمية للعلمانية بأنها الحكم المدني الذي لا يستند إلى رجال الدين ولا يتعارض مع قيم الإسلام الحاكمة ، كما صوت أيضًا أغلب الشعب التركي بما فيهم المناطق الكردية ، على طريقة معالجة العدالة والتنمية للمسألة الكردية وهي مزيد من الحريات والعدالة والتنمية في مناطقهم ويرفض استخدام العنف والقوة من قبل الجيش في قمع المناطق الكردية ولذلك كما أظهرت النتائج أن حزب العدالة والتنمية حصل على أكبر الأصوات في المناطق الكردية بل وأحيانًا صوت له الأكراد أكثر من مرشحيهم الأكراد المستقلين.لقد استخدم أردوجان وقادة حزبه تكتيكات ناجحة بكل المقاييس منها الإنجاز الاقتصادي والاستقرار مما دفع أغلب رجال الأعمال للتصويت له ، وانحاز أيضًا للفقراء والبسطاء والطبقات الوسطى في نفس الوقت مما دفعهم أيضًا للتصويت له ، وكذلك الشباب الذي مل النظريات الأيدلوجية ويبحث عن فرص عمل وهو ما حققه حزب العدالة والتنمية أيضًا فصوت أغلبهم له ، كما قطع الطريق على العلمانيين المتطرفين بأن رشح في قوائمه عددًا من العلمانيين المعتدلين وزاد في ترشيحه للنساء حتى جاوزت نسبة المرشحين على قوائمه 11% من القوائم من المرأة وهي نسبة أكبر من الحزب العلماني المنافس حزب الشعب الجمهوري ولذلك زادت نسبة المرأة في البرلمان إلى حوالي 46 إمرأة منهم حوالي 26 سيدة من حزب العدالة والتنمية فقط وبالتالي أثبت أنه بالرغم من خلفيات الحزب الإسلامية إلا أنه يمثل الشعب التركي بكل تكويناته ، وكذلك لم يدخل في صراع مع حزبه القديم حزب أربكان المسمى الآن "السعادة" بالرغم من التهم سابقة التجهير بالعلمانية والتفريط في الإسلام والانحياز للغرب وإسرائيل و...... إلخ، ولذلك حصل حزب السعادة على 2.3% فقط من الأصوات وبالطبع لم يمثل في البرلمان بأي مقعد في الوقت الذي حصل فيه حزب العدالة على ما يقرب من نصف أصوات الشعب التركي منفردًا.والحقيقة أن الرسائل والدروس الصادرة من التجربة التركية كثيرة وهامة وتحتاج لتفصيل أكبر وإن كان المطلوب الآن الإجابة عن موقفهم من انتخابات الرئاسة التركية التي فجرت الأزمة الأخيرة وهو ما سنحاول الإجابة عليه بإذن الله في المقال القادم .

الإسلاميون الجدد

«الإسلاميون الجدد»: من عقلية التفجير إلى عقلانية التحرير
محمود المبارك الحياة - 30/07/07//
مجرد الحديث عن «الإسلام السياسي» غالباً ما يثير خلافات بين المدافعين عنه والمتهجمين عليه. ففي الوقت الذي ترى فيه الجماعات الإسلامية في الإسلام السياسي المنقذ للعالم الإسلامي من ويلاته التي يمر بها، يخالفهم خصومهم هذا الرأي بشدة، ويرون أن أسباب النهوض بالمسلمين لا تكون بالرجوع إلى الماضي والتعلق بالتراث كما يريد الإسلاميون، وإنما تكون بالأخذ بالأسباب الاقتصادية والسياسية والتقنية التي أخذ بها الغرب ذاته في التقدم.
وحيث إن صورة الإسلام السياسي في عمل بعض الجماعات الإسلامية في الماضي تركزت على نظرية التغيير بالقوة، من باب أن تغيير المجتمع لا يكون إلا بالوصول إلى سدة الحكم، فقد تمثل رد فعل حكومات عدة ضد من اصطلح على تسميتهم بـ «الإسلاميين»، في حظر نشاطهم السياسي وحرمانهم من المشاركة في الانتخابات الداخلية، إضافةً إلى تشويه صورتهم في المجتمع.
وعلى رغم تحفظي على استخدام تعبير «الإسلاميين» كمصطلح لوصف الحركات الإسلامية المعاصرة، كونه ترجمة لبعض المصطلحات التي جاء بها الاستشراق الحديث، وكونه أيضاً دخيلاً على اللغة العربية، إلا أنني أقبل استخدامه بصفته مصطلحاً شائعاً عند الكثيرين لوصف ما نحن بصدد الحديث عنه، ليس إلا.
وبغض النظر عن الاختلاف على المصطلحات، فالواضح اليوم أن هناك شعبية عارمة بين أوساط الشعوب الإسلامية لمفهوم «الإسلام السياسي». يدل على ذلك نجاح الحركات الإسلامية في المنافسة السياسية بشكل غير مسبوق في عدد من البلدان الإسلامية، كالمغرب ومصر والأردن وفلسطين، وأخيراً النجاح الكبير الذي حققه حزب «العدالة والتنمية» في تركيا. وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة واحتمالات نجاحها من إخفاقها وأفضل الطرق للتعامل معها.
بدايةً، لعله من المفيد القول إن ظاهرة الإسلام السياسي المنتشرة في البلاد الإسلامية اليوم ليست سوى واحدة من مظاهر عدة تمثل عودة أو «صحوة» - كما يطيب للإسلاميين تسميتها- العامة من الشعوب الإسلامية إلى التراث الديني. هذه العودة أو «الصحوة» لم تقتصر على الجانب السياسي، وإنما شملت «أسلمة» جوانب أخرى، بعضها اجتماعي كانتشار الحجاب بين الفتيات، وبعضها اقتصادي كظاهرة انتشار البنوك الإسلامية، وبعضها عسكري. وإن كانت قد نتجت عنها مصطلحات قد تضر أكثر مما تنفع، مثل مصطلح «القنبلة الإسلامية»!
بيد أن ظاهرة قبول «الإسلام السياسي» وسط الشعوب الإسلامية، قد تعود إلى ثلاثة أسباب: السبب الأول هو التصاق هذه الشعوب بتراثها. فالشعوب الإسلامية ما زالت تحنّ إلى ماضيها، وترى أن السياسة لم تكن مفصولة عن الدين عبر تاريخها الطويل. وعلى رغم أن الشعوب الإسلامية اعتنقت المذاهب المتناقضة من شيوعية واشتراكية ورأسمالية، إلا أنها كانت تقبل كثيراً منها من باب أنها مقبولة إسلامياً.
من أجل ذلك، حين أرادت القيادات الثقافية في العالم العربي تسويق مفهوم الاشتراكية أو الديموقراطية، كانت هذه الطبقة المثقفة تجد نفسها تربط بين الاشتراكية أو الديموقراطية والإسلام ليتم قبولها من عامة الناس. ففي أوج ازدهار الاشتراكية في فترة الخمسينات والستينات، كانت الطبقة المثقفة تقرن مبادئ الاشتراكية بالإسلام، وتحدث عددٌ من الكتاب عن «الإسلام الاشتراكي»، وأن الصحابي «أبا ذر» كان أكبر اشتراكي في الإسلام، ولم يأل الكتاب جهداً في استخراج حديث «الناس شركاء في ثلاث: الماء والنار والكلأ». ثم لما بدأ مفهوم الديموقراطية الغربية في الانتشار، ما لبث مثقفونا يلقنوننا دروساً في «الديموقراطية الإسلامية»، وكيف أن عمر بن الخطاب كان أول حاكم ديموقراطي في الإسلام، وأن مفهوم «الديموقراطية الغربية» هو فكرة «سرقها الغرب من المسلمين»!
وبالتالي استخدم الدين لقبول تلك الأفكار، تماماً كما استخدم من قبل الطرف الآخر لدحضها. أي أن المعارضين لتلك المفاهيم السياسية عارضوها من باب مخالفتها الدينية لتعاليم الشرع. فالنتيجة إذاً أن الدين كان هو «المعيار» في قبول أو رفض كثير من الأفكار السياسية والاقتصادية خلال الثمانين عاماً الماضية، إن صدقاً وإن كذباً.
السبب الثاني لانتشار ظاهرة «الإسلام السياسي» في المجتمعات المسلمة، هو انعدام وجود البديل. فحين أخفقت تجربة القومية في البلاد العربية والإسلامية (بما في ذلك إيران وتركيا)، وحين لم تثمر الاشتراكية عن تحقيق الرفاه الاقتصادي المنشود للشعوب التي لبست ثوبها، وحين فشلت الإمبريالية الرأسمالية في جلب الحرية للمجتمعات التي نادت بها، عادت الشعوب الإسلامية إلى أدراجها القديمة كالتاجر المفلس.
السبب الثالث والأخير في شعبية «الإسلام السياسي» العارمة بين الشعوب الإسلامية، هو أنه ونتيجة لثقافتهم العالية ونقاشهم المنطقي، بدا «الإسلاميون الجدد» في مظهر جذاب، استطاعوا من خلاله استقطاب الناس لمشروعهم المقترح. فالإسلاميون اليوم لم يعودوا مجرد مجموعة دراويش يلبسون العمائم والجلابيب الواسعة، ويفكرون بعقلية القرن السابع الميلادي. بل إنهم يحملون ثقافة عالية في جميع التخصصات، وعندهم تجارب مفيدة في العمل السياسي في بلاد الغرب، واكثرهم من أصحاب المؤهلات العالية في مختلف التخصصات. يضاف إلى ذلك بعدهم عن الفساد، ونجاح تجاربهم الباهرة على رغم قصرها.
فتجربة حزب «العدالة والتنمية» التركي ذي الميول الإسلامية، تعد تجربة فريدة. خصوصاً أنها تجيء في دولة تقوم أسسها على فصل الدين عن الدولة، وفي بلد يراقب فيه الجيش بحذر شديد أي توجه إسلامي للحزب الحاكم للانقضاض عليه. ومع ذلك فقد استطاع الإسلاميون في تركيا بمعادلة مذهلة، السير في مخططهم الاقتصادي والسياسي، من دون الاعتداء على مبادئ الدولة العلمانية، وبرغبة شعبية أكيدة، أعرب عنها الشعب في نتائج الانتخابات الأخيرة. وها هم الإسلاميون في تركيا، بعد أن سيطروا على رئاسة الوزراء من جديد، يقفون اليوم على أعتاب الطرف الآخر من قمة السلطة السياسية في رئاسة الدولة.
وغني عن القول إن ما حصل في تركيا هو صورة واحدة يمكن أن تتكرر في أكثر من بلد متى ما توافرت النزاهة في العملية الديموقراطية. ولعل أهم إنجاز حققه «الإسلاميون الجدد» عند شعوبهم هو أنهم أفسدوا على خصومهم محاولة النيل منهم، حين قبلوا بقواعد اللعبة الديموقراطية، ونأوا بأنفسهم عن العنف. فالشعوب الإسلامية اليوم تبدو ناضجة سياسياً، ولم تعد تقبل طريق العنف وسيلة لتحقيق المآرب السياسية.
فقد أكد مركز «بيو لاستطلاعات الرأي» في الولايات المتحدة في دراسة حديثة، أعلنت نتائجها قبل يومين، انحسار تأييد عمليات التفجير ضد المدنيين وأشكال العنف الأخرى في ثمانية بلاد إسلامية شملها المسح. وأشار الاستطلاع إلى انخفاض نسبة مؤيدي عمليات التفجير إلى 34 في المئة مقارنة بـ74 في المئة عام 2002.
ويبدو أن وعي «الإسلاميين الجدد» لهذا الواقع الجديد، قد جعلهم يرفضون «عقلية التفجير»، كي يبدأوا برنامج «عقلانية التحرير» التي عن طريقها يتم تحرير أنفسهم من التهم التي تكال ضدهم بالتخلف والبعد عن الواقعية، ثم تحرير بلادهم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. ومعلوم أن قبول الإسلاميين بالمشاركة السياسية سيدفعهم إلى أن يكونوا أكثر عقلانية، وأن حرمانهم منها يدفعهم إلى الجانب الآخر من المعادلة.
اليوم وبعد النجاح العارم للتجربة الإسلامية في تركيا، هل يؤذن بقبول مشاركة «الإسلاميين» في اللعبة الديموقراطية خارج حدود تركيا؟ أم يستمر التآمر على منع مشاركة «الإسلام السياسي» كما فعل بـ «حماس» وكما فعل بـ «المحاكم الإسلامية» في الصومال؟
* حقوقي دولي.

Saturday, July 28, 2007

التجربة التركية

بقلم‏:‏ د‏.‏ محمد كمال ـــ أهرام السبت 28/7
تمثل الانتخابات البرلمانية التي اجريت في تركيا في الاسبوع الماضي تجربة جديرة بالاهتمام والدراسة من عدة نواح‏.‏ فقد تميزت هذه الانتخابات بنسب مشاركة عالية في التصويت بلغت‏84%‏ من عدد الناخبين المسجلين والبالغ‏42‏ مليون ناخب‏,‏ وبارتفاع عن نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة والتي اجريت عام‏2002,‏ وبلغت نسبة التصويت فيها‏79%(‏ وكلتاهما نسب تصويت مرتفعة تحسب للتجربة الديمقراطية التركية‏).‏كما شهدت الانتخابات مشاركة ايجابية من القوي السياسية المختلفة تمثلت في‏14‏ حزبا و‏700‏ مرشح مستقل تنافسوا علي مقاعد البرلمان‏.‏ وتتبني تركيا نظاما انتخابيا يجمع بين القوائم الحزبية والمقاعد الفردية التي تتيح الفرصة للمرشحين المستقلين غير الحزبيين‏.‏ وتقدم الاحزاب قوائمها الانتخابية علي مستوي المقاطعات‏,‏ وليس قائمة واحدة علي مستوي البلاد كلها‏,‏ ولكن يشترط ان يتقدم الحزب بقوائم في نصف المقاطعات علي الاقل‏,‏ كما يشترط حصول قائمة الحزب علي نسبة‏10%‏ من الاصوات علي المستوي القومي كي يكون له تمثيل في البرلمان‏.‏ وقد وجه البعض انتقادات لهذه النسبة باعتبارها مرتفعة‏,‏ ولكن ايدها البعض الاخر علي اساس انها ساهمت في استقرار الحكومة ومنع تفتت النظام السياسي بسماحها للاحزاب الكبري فقط بالتمثيل في البرلمان سواء كانت احزاب اغلبية او معارضة‏.‏ وقد اسفرت الانتخابات الاخيرة عن حصول ثلاثة احزاب فقط علي نسبة‏10%‏ احدها حزب الاغلبية والذي حصل علي نسبة‏47%‏ من الاصوات تم ترجمتها الي‏340‏ مقعدا من مقاعد البرلمان‏(‏ من اصل‏550‏ مقعدا‏).‏ والواقع ان النظام الانتخابي التركي هو ايضا جدير بالدراسة في اطار بحثنا عن النظام الانتخابي الامثل وخاصة تحقيق هدف تقوية الاحزاب من خلال تمثيلها بشكل افضل في البرلمان‏,‏ واتاحة فرصة للمرشحين المستقلين للتنافس علي مقاعد فردية‏.‏ وكذلك تحقيق تمثيل افضل للمرأة حيث فازت حوالي‏50‏ امرأة في الانتخابات التركية الاخيرة تم ترشيحها علي قوائم الاحزاب‏.‏شهدت الانتخابات التركية ايضا التزاما بقواعد الدستور والقانون المتعلقة بحظر اي نشاط انتخابي او دعاية انتخابية علي اساس ديني‏.‏ كما التزمت البرامج الانتخابية للاحزاب بالتأكيد علي الطابع المدني للدولة التركية‏.‏ والواقع ان الدستور التركي يتضمن نصا واضحا في هذا الشأن‏,‏ بل ينص ايضا علي حل اي حزب يخالف هذه المبادئ‏.‏ وقد التزم حزب العدالة والتنمية‏_‏ والذي يصنفه البعض بالخطأ او الجهل علي انه حزب ذو مرجعية دينية‏_‏ بهذه المبادئ‏.‏ ونص البرنامج الانتخابي لهذا الحزب‏_‏ والمنشور علي شبكة الانترنت‏_‏ علي ان الحزب‏'‏ يرفض استغلال القيم الدينية المقدسة او استخدامها لتحقيق اهداف سياسية ويعتبر ان المواقف والممارسات التي تميز بين المواطنين نتيجة تفضيلاتهم الدينية معارضة للديمقراطية ومناقضة لحقوق وحريات الانسان‏'.‏ بل واعلن زعيمه رجب طيب اردوغان بعد الفوز بالانتخابات بان حزبه وحكومته ملتزمان بالمبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية ومبادئ اتاتورك مؤسس الدولة‏.‏ومع ان تركيا وضعت قواعد واضحة لحظر استخدام الدين لتحقيق اهداف سياسية‏(‏ وهي قواعد جديرة ايضا بالدراسة‏),‏ وساهمت بشكل كبير في نمو التجربة الديمقراطية في تركيا وتطور القوي السياسية المختلفة في اطار النظام السياسي‏,‏ الا ان الدولة التركية تبنت مفهوما متطرفا للعلمانية يصعب قبوله في اي دولة يكون غالبية سكانها من المسلمين بل ومن اتباع اي دين اخر‏,‏ وجعل من الدولة خصما للدين‏,‏ وضد اي مظهر من مظاهر التدين وهو ما يتعارض مع ابسط قواعد حرية الاعتقاد وحرية التعبير‏.‏علي سبيل المثال ينص القانون التركي علي حظر دخول المحجبات المنشآت العامة مثل المدارس والجامعات الحكومية او مبني البرلمان‏.‏ فهل يمكن تصور مثلا منع طالبة محجبة من دخول جامعة القاهرة او منع نائبة برلمان محجبة من دخول مجلس الشعب‏,‏ او حتي تصور منع راهبة ترتدي زيها التقليدي من دخول الكونجرس الامريكي‏.‏ وقد ادي هذا التطرف في تطبيق النموذج التركي للعلمانية الي حالة استقطاب فكري وايديولوجي مازال يعاني منها المجتمع التركي‏.‏واخيرا تؤكد تجربة الانتخابات التركية ان السبب الاساسي لنجاح حزب العدالة والتنمية ليس قيامه بمواجهة القوي العلمانية المتشددة بشأن قضايا الهوية والثقافة ولكن ما حققه علي ارض الواقع من انجازات اقتصادية خلال السنوات السابقة‏,‏ ومنها تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي بلغ‏3,7%‏ وهو ما يمثل اربعة اضعاف معدل النمو في دول الاتحاد الاوروبي‏,‏ ومعدل جذب استثمارات اجنبية مباشرة بلغ‏20‏ مليار دولار‏,‏ وخفض مستويات التضخم‏,‏ وتقوية قيمة العملة المحلية‏,‏ وخفض معدلات البطالة‏,‏ وتحسين مستوي الحياة للملايين من الاتراك وتمتعهم بمستوي حياة الطبقي الوسطي وخاصة في المناطق الريفية‏.‏ وادي هذا التحسن الاقتصادي الي موافقة الاتحاد الاوروبي علي فتح المفاوضات حول عضوية تركيا في الاتحاد وهو هدف فشلت الحكومات التركية السابقة في تحقيقه‏,‏ وادي كل ذلك الي رفع نسبة الاصوات التي حصل عليها الحزب من‏34%‏ في انتخابات‏2002‏ الي حوالي‏47%‏ في انتخابات‏2007.‏وهكذا تعلمنا تجربة الانتخابات التركية ان تحسين الاحوال الاقتصادية للمواطن ومستوي معيشته هو اقصر طريق للحصول علي صوته في الانتخابات‏,‏ وهو اقوي من اي شعار اجوف او قضايا نظرية لا تمس حياة المواطن‏....‏ وتظل تركيا تجربة جديرة بالدراسة‏.‏

نحو مشروع إسلامي للسلام

دراسة: نحو مشروع إسلامي للسلام (1)

د. محمد سيد سعيد



Image
د. محمد سيد سعيد
في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية تبدو الحاجة ماسة إلي طرح رؤى جديدة ومشروعات جادة للخروج من المأزق الحالي، ويقدم د.محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في هذه الدراسة مشروعاً للسلام الإسلامي يشرح فيه الموقف الحقيقي للإسلام من قضايا الحرب والسلم والأسباب الحقيقية للعنف في الحقبة الراهنة من التاريخ العربي والإسلامي... طالع في الدراسة:

مقدمة

حق المسلمين أن يغضبوا لدينهم وكرامة نبيهم وكرامتهم كمؤمنين مما يشيع في العالم الغربي وفي بعض النظم الثقافية الأخرى من دعاية مقيتة ضد الإسلام. دأبت هذه الدعاية على إشاعة الاعتقاد بأن المسلمين ميالون للعنف والحروب والإرهاب التزاما بما يمليه عليهم دينهم من "جهاد"!. ولا شك إطلاقا، أن هذه الدعاية المنهجية المنظمة عنصرية وتنطلق من مصالح سياسية ومن عقلية جاهلة بمنظومة العقائد والأخلاق الإسلامية.

ويضاعف من قوة هذا الغضب ومشروعيته، أن هذه الدعاية تتدفق بقوة وتتوفر عليها إرادة سياسية يأتي بعضها من دول وتتعاون فيها أو تخططها قوى صهيونية وامبريالية تتآمر لتدمير شعوب عربية بكاملها، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني وحماية الامتيازات التي جنتها إسرائيل وجعلتها فوق القانون الدولي ومعفاة من أحكامه. لا شك مطلقا في مشروعية هذا الغضب وهذه الثورة الأخلاقية الشعبية التي تدفقت في أصقاع العالم الإسلامي بأسره.

غير أنه يتعين علينا أيضا أن نرى الجانب الآخر من الصورة. فمقابل توفر آلة دعائية منهجية ومقتدرة وكبيرة على التحريض ضد العرب والمسلمين؛ ثمة أعداد كبيرة من البشر في جميع النظم الثقافية الكبرى، بما فيها ما درجنا على تسميته بالغرب، يناهضونها ويرفضونها كدعاية عنصرية ومعادية لحقوق الإنسان، وممهدة أو محرضة على الحرب، ومعززة لنظرية صراع الحضارات أو الثقافات. ما بين رهبان ورجال دين مسيحيون ويهود ومن كافة الأديان والعقائد الأخرى، ويتطوع عشرات، بل ومئات من المفكرين والقادة الثقافيين والأدباء والمبدعين والنشطاء السياسيين لصد هذه الهجمة الشرسة ضد الإسلام على المستوى الفكري ويقومون بشرح الرسالة الإسلامية ومضمونها ألسلامي.

يتعين علينا أيضا، أن نعترف بأنه ليس جميع من تأثر بالدعاية الممقوتة ضد الإسلام حاقدين ذوي نوايا سيئة، أو كارهين "طبيعيين" للإسلام والمسلمين، أو معادين لهما بالسليقة أو بحكم تحيزات مسبقة.

بل إن جانبا كبيرا من المسئولية يقع على مسلمين تعاملوا مع دينهم بصورة خاطئة جذريا وصوروه بطريقة لا تختلف كثيرا عما نسبه له البابا بينيدكت السادس عشر في خطابه بإحدى الجامعات الألمانية أو غيره من الدعاة المحترفين أو الكارهين فعلا للإسلام والمسلمين.

فعندما يقوم تيار سياسي كامل بحمل السلاح في وجه العالم آمرا أتباعه بالقيام بعمليات تفجير عشوائية أو عمليات انتحارية يسقط فيها قتلى أبرياء من مختلف الجنسيات والأديان في مناطق مختلفة من العالم، بما فيها الجزائر والمغرب والمملكة السعودية، فضلا بالطبع عما حدث في نيويورك وواشنطن ومدريد ولندن وأعلنت قيادات تنتسب لهذا التيار مسئوليتها عنه، عندما يقوم هذا التيار، ومن تبعه من تنظيمات، بحملات إرهاب مروعة، وعمليات قتل وقطع الرءوس، وتشويه الجثث وإلقاءها في الأنهار، كما يحدث في العراق، وتبرير كل ذلك باسم الإسلام، نستطيع أن نفهم لماذا يسهل على أعداء وخصوم الإسلام إقناع ملايين من الناس حسني النية بدعاياتهم المسيئة للإسلام.

ويضاعف من قوة الانطباعات المسيئة للإسلام، أو بالأحرى للمسلمين، أنهم يمرون بحقبة حُبلى بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي مرت بها مجتمعات أخرى قبلهم بسبب التحول إلى "الحداثة" الرأسمالية، وهى حقبة تتميز بقدر كبير من العنف الداخلي. وفي نفس الوقت، فإن هذه المجتمعات وجدت نفسها مشتبكة في سلسلة من النزاعات والصراعات الدولية حول الحدود والانتماءات والهويات السياسية بعد خروجها من أتون التجربة الاستعمارية. وولدت هذه الصراعات بدورها قدرا كبيرا من العنف واستمر بعضها في إنتاج العنف حتى الآن.

نضيف إلى ذلك، ما أفرزه غرس إسرائيل في قلب المنطقة العربية على حساب الشعب الفلسطيني من إحباطات هائلة، وخاصة مع وقوع سلسلة من الهزائم القومية المهينة. فبسبب هذه الإحباطات واعتبارات أخرى معقدة، انبثقت موجات هائلة من الغضب في صدور الأجيال الشابة عبرت عن نفسها جزئيا من خلال أيديولوجيا العنف والتطرف التي تجسدت في تنظيمات من مثل "القاعدة".

أفرخ كل ذلك عددا كبيرا من الصراعات الممتدة زمنيا، والقاسية من حيث نتائجها الإنسانية والسياسية. وفي الحقبة الأخيرة ذاتها، تطوعت التنظيمات المتطرفة بتأطير العنف أو تبريره باسم الإسلام. وهو ما يكرس الانطباع السائد في بعض الدوائر العالمية بأن الإسلام ذاته يحض على العنف ضد الآخر الديني أو السياسي!.

تلزمنا هذه الوقائع بالقيام بجهد مضاعف لشرح الموقف الحقيقي للإسلام من قضايا الحرب والسلم والأسباب الحقيقية للعنف في الحقبة الراهنة من التاريخ العربي والإسلامي.

مفهوم الحرب في الإسلام

طفل فلسطيني يواجه دبابة إسرائيلية

الواقع، أن لا شأن للإسلام، كدين، بالحروب وموجات العنف التي شارك فيها مسلمون. ويؤكد هذه الحقيقة أن 28 من 55 حربا أهلية أو دولية شارك فيها مسلمون - كجماعات أو دول- منذ بداية عقد الستينات كان طرفاها مسلمون. وفي غالبية الصراعات الأخرى، كان المسلمون الطرف الأضعف أو الطرف المعتدى عليه من جانب آخرين. والصراع العربي-الإسرائيلي هو نموذج حي، وإن لم يكن وحيدا بالطبع على هذه الحقيقة.

ويشهد على هذه الحقيقة أيضا، أن التنظيمات الإسلامية المتطرفة لم تكن الوحيدة التي زجت بدينها أو وظفته في صراعات سياسية دولية أو أهلية.

ويكفينا في هذا الصدد، أن الحركة الصهيونية وإسرائيل كانت هي السباقة إلى توظيف الدين- أي اليهودية- في مشروع سياسي استعماري وفي خدمة سلسلة من الحروب الاستعمارية.

ويكفينا أيضا، أن ميليشيا عسكرية تسمى نفسها جيش الرب تيمنا بالسيد المسيح وبالمسيحية كانت، ولا تزال، مسئولة عن موجة غير مسبوقة من العنف الهمجي في بلد إفريقي، كأوغندا، وأن رجال دين أعضاء في الكنيسة الكاثوليكية شاركوا في واحدة من أكثر موجات الإبادة الجماعية قسوة في تاريخ العالم الحديث، وهى تلك التي وقعت في رواندا وبورندى.

ويمكننا أن نشرح للعالم أيضا، أنه لا مجال للمقارنة بين العنف الذي يشتبك فيه مسلمون وتاريخ العنف الغربي الحديث. كل ذلك ممكن وضروري، ولكنه لا يكفي إطلاقا لاستعادة صورة الإسلام المضيئة التي اختطفها المتطرفون لأسباب كثيرة.

إذ يُتوقع أن تستمر موجة الإرهاب لفترة إضافية طويلة أو قصيرة، لأن أسبابها الأعمق لم تنته ولا يُتوقع أن تنتهي قريبا. كما أن بعض الصراعات الدولية والحروب الأهلية في عدد من الدول العربية لن تتوقف قريبا.

في بداية عام 2007 كان ثمة 16 حربا أهلية أو دولية أحد طرفيها مسلمون من بين 42 حربا أهلية أو دولية على المستوى العالمي. وبعض هذه الصراعات سيبقى مشتعلا لفترة إضافية في المستقبل. ومن ناحية ثالثة، فان الجيل الراهن من فقهاء التطرف والعنف باسم الدين الإسلامي سيبقى مؤثرا لفترة إضافية وربما طويلة مقبلة.

كل ذلك يشير إلى قوة الانطباعات المتولدة عن نمط الممارسة وخاصة الممارسة السياسية. ولهذا السبب، نعتقد أنه أن الأوان لاستعادة زمام المبادرة من المتطرفين ولإقدام التيار الرئيس من الفكر الإسلامي الحديث بمبادرة كبيرة للسلام باسم "مشروع سلام إسلامي".

إن ما نعنيه بمشروع سلام إسلامي، هو أطروحة لبناء السلام على المستوى العالمي وأيضا على المستوى الداخلي بين المسلمين. ولا شك أن هذه الأطروحة يجب أن تكتسب قوة سياسية وزخما إعلاميا كبيرا يساندها من أجل استعادة صورة الإسلام، كموئل للرحمة ومسكن للسلام الروحي والسياسي أيضا. ولهذا المشروع أبعاد متعددة تضم:

الاجتهاد الفقهي والفكري

أول أبعاد مشروع السلام الإسلامي للعالم يتعلق بالجهد الفقهي المطلوب لبيان موقف الإسلام من الحرب والسلام. يكتسب هذا البعد أهمية بالغة نظرا لشيوع الاعتقاد بأن الفقه درج على ترديد ثنائية "دار الحرب ودار الإسلام أو السلام".

والواقع أن الرؤية الإسلامية للعالم لم تقم على هذه الثنائية، كما أن الممارسة الفعلية والتاريخية أبعد ما تكون عن تكريس هذه النظرة التبسيطية. فقد حارب المسلمون بعضهم بعضا أكثر كثيرا مما حاربوا غيرهم، كما أنهم تعرضوا للعدوان الخارجي أكثر كثيرا مما قاموا بالعدوان على غيرهم فيما يسمى بالفتح.

وبينما شاعت الحروب في التاريخ كأسلوب لاكتساب الأراضي والمغانم، لم يمنح المسلمون أنفسهم حق الهجوم ابتداء على غيرهم بدون شرط أو قيد. بل طور الفقهاء نظرة مميزة لقضية الحرب وجعلوها استثناء.

بيد أن الفكرة الشائعة عن الفقه ليست غير مبررة تماما. فقد تصرف الفقهاء كمنظرين للحروب أحيانا وهو ما فعله مختلف المفكرين قبلهم، وفي أكثر الأحيان، تصرف الفقهاء أو فكروا كقادة قوميين وعبر المنقولات والحمولات الذهنية العرفية لا الدينية.

وكثيرا ما يقال إن فقهاء الإسلام الأقدمين لم يعرفوا الفارق بين الحروب الدفاعية والحروب الابتدائية أو الهجومية أو أعمال العدوان، وهو الفارق الذي ينسب إلى القديس توما الأكوينى في نظريته المعروفة عن "الحرب العادلة".

الحروب العادلة في الإسلام

د.نصر فريد واصل

والواقع، أن المنظومة الكلية للفقه الإسلامي، فيما يتعلق بالحروب، تضمنت في الجوهر ما نسميه اليوم بالحروب العادلة. ولذلك وضعت اشتراطات وقيودا كثيرة على ممارسة البدء بالحرب وعلى كيفية ممارستها.

وتبرز هذه النظرة، بوجه خاص، في الاجتهادات الحديثة المحترمة حول الحرب والسلام في الفكر الإسلامي. فيؤكد المفكر السوري الكبير الدكتور مصطفي السباعي، أن الأصل في القرآن والإسلام هو السلام وأن الحرب شرعت للدفاع ولإنهاء الظلم والبغي فقط.

ويتفق خاصة علماء الإسلام وفقهاؤه من السنة والشيعة، على أن الإسلام لم يشرع الحرب إلا لرد العدوان على الدين والنفس والوطن. ويستدل د. نصر فريد على هذا الرأي بما ورد في الآيات الكريمة: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين". وقوله تعالى: "فان اعتزلوكم ولم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا". وقوله: "فإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم".

ومع أن هذه النظرة كانت ولا تزال تشكل التيار الرئيس في الفقه الإسلامي. إلا أنه لا يمكن التقليل من أهمية وتأثير الفقه المتطرف الذي انبثق من أعمال الفقيه الباكستاني أبو الأعلى المودودي والفقيه المصري سيد قطب والمصادر الفقهية القديمة التي استندا إليها في تأكيدهما لفكرة الحرب الابتدائية أو البدء بالحرب لنشر "دعوة الإسلام" أو لتأسيس "نظام الإسلام".

وتنبع هذه الأهمية من أن نظرتهما في الحرب والسلام صارت هي الرؤية المعتمدة لتيار العنف في حركة الإسلام السياسي خلال الربع الأخير من القرن العشرين وحتى الآن، وبصورة خاصة لدى تيار "القاعدة". ولم يتمكن التيار الرئيس في الفقه الإسلامي من إعادة استلام زمام المبادرة الفقهية ذات الثقل السياسي حتى الآن.

تُلزمنا هذه الحقيقة بإنجاز مهمة استعادة صورة الإسلام فيما يتعلق بقضية السلام بعد التشويه الذي لحق بها على يد الغلاة والمتطرفين وذلك من خلال ما نسميه بمشروع سلام إسلامي.

والواقع، أن الفكر الإسلامي طوال تاريخه يملك مكونات أساسية لهذا المشروع. غير أن هذه المقومات تتراوح بين القدم والحداثة وتختلط مع غيرها أحيانا بصورة تفضي إلى الخلط، بل وقد تبرر الغموض والإيحاءات المناقضة.

وقد أشرنا بالفعل إلى بعض المقومات الضرورية والكامنة في الرؤية القرآنية للسلام والحرب. ونتصور أنه يتعين على الفكر والفقه أن يستكملا هذه المقومات جزئيا من خلال قراءة أكثر شمولا وعمقا للرؤية القرآنية وجزئيا من خلال استلهام وتقويم بعض المنجزات الأساسية في مشروع الحداثة.

تمنحنا القراءة المتعمقة للرؤية القرآنية مقومات أساسية لم ينهها أو لم يحسمها الفكر الإسلامي بالقوة والوضوح الكافيين.
أول هذه المقومات (الناقصة): هي التأكيد على الإحداثيات الكلية للرؤية القرآنية فيما يتعلق بمكانة الإنسان في العالم. ويمكن لهذه الإحداثيات المساعدة في تشكيل ما يمكن تسميته "الإنسانية الإسلامية". ونشير هنا في الواقع إلى إشكالية العلاقة بين الدين والإنسان.

ففي الرؤية الغربية تشكلت الإنسانوية كرؤية للعالم ومكانة الإنسان فيه عبر معارضة ما هو ديني وما هو بشري. ونظرا لهيمنة رؤية كنسية تقوم على فكرة "القانون الإلهي" وامتثال الإنسان التام للتعاليم الإلهية فيما يتعلق بالحياة الأخلاقية أو المثالية على المستويين الفردي والاجتماعي، انبثقت الإنسانوية الغربية الحديثة لتعيد الإنسان إلى مركز العالم ولتمنحه حرية الاختيار والحق في تقرير مصيره بنفسه.

الرؤية القرآنية واستخلاف الإنسان

وبغض النظر عن الواقع التاريخي المتعين، فإن الرؤية القرآنية تحل معضلة العلاقة بين الإنسان والله بصورة كافية ابتداء. فالإنسان، في الرؤية القرآنية، "مُستخلفٌ" في العالم: أي مُكلف بمهمة إعمار الكون. ومن ثم، المحافظة على سلامه وسلامته.

ينظر القرآن لهذه المهمة كأمانه أو بالأحرى كعقد أمانه إيماني الطابع، وإن كان قابلا للترجمة القانونية أو العقدية في العالم من خلال القانون الديني والوضعي معا، فمن الناحية الوضعية : لا فارق حقيقي بين الفكرة الحديثة عن "البيئة" أو مهمة إنعاش البيئة من ناحية وفكرة "إعمار الكون" من ناحية ثانية. ذلك أن الفكرة الأخيرة تعد أكثر رقيا وتقدما من ناحيتين : تحريم (وتجريم) تخريب البيئة والحياة الإنسانية من ناحية، والالتزام بإثرائها دون إيذائها من ناحية ثانية.

يبدو أن المعنى الأعمق للسلام من وجهة النظر القرآنية "كونيا" بالفعل.
نحن نتحدث هنا عن سلام كوني: أي سلام بين الإنسان والطبيعة، ويظهر هذا المعنى بوضوح بالغ في فكرة إضافية تُجلي مبدأ الإعجاز الإلهي وتلزم الإنسان بنفس القيمة، وهي فكرة التوازن الكلي في الكون؛ والذي بدونه يقع الاختلال وتُباد الحياة.

إن السلام مبدأ كوني ولكنه أيضا بشري: أي يتعلق بتنظيم الحياة الاجتماعية. وببساطة آسرة تشرح لنا الرؤية القرآنية فكرة التوازن الكلي في المجتمع، بتعبير آخر في الحياة الإنسانية، وهو تعبير "التدافع" : أي ما يسميه الفقه الدستوري الحديث بالضوابط والتوازنات Checks and balances.

في هذا الإطار وضمن هذا السياق، يكتسب الإنسان حريته: ليست له حرية في تخريب توازنات الكون وانسجامه الطبيعي، وهو حر في اختيار مقترباته ووضع صياغاته الخاصة فيما يتعلق بكل قضاياه البشرية : أي الاجتماعية التاريخية فيما عدا ذلك.

ثمة توازن أيضا بين القانون الإلهي والقانون الوضعي. فالأول يشير إلى التحليل والتحريم كوازع أخلاقي وديني. والثاني، يشير إلى التكريم والتأثيم المجتمعيين. وفيما بين المستويين تقسيم للمجالات من ناحية وشيء من التكامل في التاريخ الاجتماعي من ناحية أخرى. والتقسيم واضح بذاته. فالثواب والعقاب الإلهيين يتمان في الآخرة بينما المكافأة والعقاب الوضعيين يتمان في الدنيا وعلى يد سلطات وضعيه مقيدة.

أما التكامل فواضح للغاية. إذ لم يفرض القرآن سوى عددا قليلا جدا من التشريعات اللازم تطبيقها، وبقدر واضح للغاية من المرونة في الواقع الاجتماعي، ويلزم أن يكون هناك قانون إلهي فيما يتعلق بالإحداثيات الكبرى للوجود وهدفها هو تعزيز الحياة.

وهناك أيضا إرشاد قوي عن وجوب قيام قانون وضعي يضعه البشر بأنفسهم وعبر اختيارهم الحر. تعنى فكرة القانون الوضعي هنا أمرا ضروريا للغاية وبسيطا كل البساطة، إذ يستند على البداهة أو الفطرة وهى ما تعنيه مدرسة القانون الحديث بالقانون الطبيعي.

إن الإحداثيات الكبرى في الكون، كما توضحها الرؤية القرآنية، ليست واضحة بذاتها للإنسان بالرغم من نداء الفطرة دائما. هنا يلزم أن يتدخل العقل في كل ما يتعلق بالاختيار البشرى الحر.
ولا تدانى كلمة تلك الوضعية التي اكتسبتها لفظة "العقل" ومرادفاتها في القرآن. ولا يني القرآن عن تذكيرنا بأن العقل هو مناط إدراك الإلوهية ذاتها، وهو أيضا الطاقة الإنسانية المكلفة بالأمانة. وهي ترتهن إلى امتلاك الإنسان تلك الصفة الكلية التي تصف بأفضل طريقة طبيعة الخالق : أي العقل.

يبدو العقل البشرى كقبس من الله. الله هو العقل المولد الأول والإنسان هو العقل بمستواه الثاني أو الثالث والمشتق من الأصل المولد. والفارق واضح: الله هو عقل محض والإنسان هو عقل مسكن في مادة لا عقلية. والخطاب هو أمر أو نداء باستخلاص أو استنقاذ ما هو عقلي مما هو لا عقلي.

وفقا لهذا، الإنسان مكلف بالدفاع عن السلام كاستنباط عقلي. ودون العقل لا مكان للسلام في العالم. والاختيار بين الحرب والسلام هو اختيار استنقاذ العقلي من اللاعقلي: أو الهمجي. وهو بهذا المعنى فعل نضالي في الأساس.

إعمار الكون أمانة تبدأ بادراك ما وضعه الله فيه من توازن. والإعمار هو الدفاع عن الحياة ومن ثم عن السلام كفعل نضالي. هنا تتلازم فكرة التوازن مع فكرة السلام بما يعيننا على فهم أن النضال ليس فعلا عسكريا أو بدنيا بل هو فعل عقلي. بل وعلى نفس الدرجة من الأهمية يعني هذا الفعل العقلي في الجوهر الدفاع عن "الاعتدال" بصفته التوازن في كل الأفعال. وقد أدرك فلاسفة الإسلام هذا المعنى للاعتدال وجعلوه جوهر كل أخلاق حميدة. فالصبر كقيمة أخلاقية هو الحد الوسط: أو الفعل المعتدل بين تطرفين أي التبرم والعجلة من ناحية والتسليم وفقدان الإرادة من ناحية ثانية. وهكذا تمضي قواعد الاستحسان والاستقباح في كل مظاهر السلوك البشرى.

إشكالية السلام والعدل

السلام يرتبط بالعدل

وهنا أيضا تقع إشكالية السلام والحيز الملائم لحلها في الوقت نفسه: أي العدل. فلا سلام في الرؤية القرآنية بدون العدل. والدفاع الشرعي عن النفس هو ابتداء إملاء الفطرة السليمة. وهو أيضا العدل باعتباره استنباطا عقليا. ولكن الأمر يتجاوز بكثير حق الدفاع الشرعي.

فالفطرة السليمة أو القانون الطبيعي يملي أيضا مقاومة الظلم والتوق للعدل. والأمران يمثلان الدافع الأقوى للنضال بما في ذلك النضال المسلح: أي الحرب سواء كانت داخلية (أهلية) أو دولية (بين الأمم والشعوب والدول).

تكرس الرؤية القرآنية الحق في شن الحرب ابتداء بغية نيل العدل. وعكس الحرب أو النضال بصورة عامة هو قبول الظلم والإذعان له ومن ثم قبوله فعليا وعقليا وهو ما ينتهي بخلل جسيم لا في نظام المجتمع والأخلاق فحسب بل بالإخلال بنظام الكون وتجانسه وجماله أيضا. لا تناقض هنا بين معنيي النضال والسلام. بل هناك تكامل فلسفي وأخلاقي بينهما. فالنضال هو مقاربة السلام عن طريق الفعل. وهدف الفعل النضالي هو استعادة التوازن في الكون والعدل في الأرض.

هنا تنحصر مشروعية الحرب في معنى "الحرب العادلة" وهى في اللغة القرآنية نقيض معنى العدوان الذي عبر الله سبحانه عن كراهيته له. ولكن هناك فارق كبير بين النضال أو ما نسميه في اللغة السياسية الراهنة بالمقاومة من ناحية والحرب من ناحية أخرى وبصورة أخص الحرب الابتدائية من ناحية ثانية. الحرب عموما هي نضال ولكن النضال لا يلزمنا بالحرب إلا كملجأ أخير أي كحالة أو موقف استثنائي.

هنا بالتحديد تكمن الإشكالية الوضعية في تعيين لزومية الحرب من الناحية النظرية. فثمة خطأ كبير في فهم الشعار الذي ترفعه مختلف الحركات المناهضة للظلم (مثال الهيكلية الراهنة للعولمة) والذي يقول "لا سلام بدون عدالة". الشعار بذاته سليم باعتباره استنتاجا أو استنباطا عقليا. فلا مقام للسلام في ظل الظلم. والظلم يفضي بالضرورة إن آجلا أو عاجلا للحروب.
ولكن هذا الاستنتاج ليس شعارا أو موقفا نهائيا أو مطلقا أو راهنيا وإلا وصلنا إلى تشريع العدوان.

فثمة أولا اختلاط شديد في تعيين معنى الظلم والعدل في أحيان كثيرة. فالحياة الإنسانية عموما والمجتمعية بوجه خاص لم تعرف عدالة كاملة أو مطلقة أيضا، لأنه لا توجد يوتوبيا على الأرض. وفي سياق تداعى وتكاثف العلاقات والتفاعلات بين الأفراد والجماعات والمجتمعات أو الدول والأمم ثمة تمازج أحيانا بين العدل والظلم أو بين الحق والباطل أو الحسن والقبيح. وليس من العقل ولا من الممكن كذلك أن ننادي بالحرب أو الكفاح أو المقاومة المسلحة في وجه كل ما يعتقده جماعة ما من الناس ظلما وإلا انتهينا إلى الفوضى الكاملة.

الفارق بين العدوان والمقاومة

وفي سياق التفاعلات والتداعيات اليومية الكثيفة بين الناس وسلاسل الأفعال وردود الأفعال التي تنشأ عن إدراك مظلمة ما قد يضيع الفارق تماما بين العدوان والمقاومة أو بين الهجوم والدفاع. ويملي المنطق أو حتى الفطرة السليمة التمييز بين الوقائع وإصدار حكم عن كل واقعة تبعا لمقاديرها أو أقدراها.

فليس من المعقول ولا من الفطرة السليمة أن نطلق سلسلة من عمليات الثأر مثلا قد يقتل فيها "بدون حق" آلاف الناس لمجرد أن وقع عدوان على شخص واحد في البداية أو وقع ظلم بسيط يمكن بكل تأكيد تداركه بالتفاوض.

ويحفظ لنا التاريخ السياسي والأدبي مثلا كيف وقعت حرب البسوس قبل الإسلام لمجرد خلاف بسيط على "جمل". وقد أدان الإسلام هذه العقلية الثأرية التي تنتهي بتخريب الحياة الإنسانية لعدة أجيال بسبب واقعة بسيطة اختلفت فيها تقديرات جيل واحد أو بنهاية المطاف شخصان.

وليس من المنطقي أو من باب الفطرة السليمة أن يتم إطلاق الحق في المقاومة أو الكفاح المسلح إلا عندما يقع ظلم كبير بجماعة صغيرة أو كبيرة من الناس. وقد احتفظت لنا الرؤية القرآنية بمثل يقاس عليه في تعيين الظلم الكبير وهو "الإخراج من الديار" وهو ما يذكرنا بالحالة الفلسطينية في الواقع العربي المعاصر. ولكن حتى في هذه الحالة لا يبدو إطلاق الحق في المقاومة المسلحة أمرا دون قيود أو شروط. إذ يصطدم هذا التفسير بأفضلية السلم على الحرب كقاعدة عامة في الرؤية القرآنية أو الإسلامية.

ويتدخل هنا شرطان جوهريان: الأول هو العقل والثاني هو الصبر. الشرط الأخير يبدو أمرا معقولا بذاته. فإن وقع ظلم فإن النضال بالمعنى العام: أي النضال السلمي هو تكليف ضروري في كل الأوقات والأحوال باعتباره تعبيرا عن فضيلة الصبر. والصبر لا يتحدد مطلقا بالاستسلام أو الإذعان أو قبول الظلم أو التعايش مع الابتلاء وإنما هو فعل ينطلق من تفضيل الحكمة: أو النضال السلمي على غيره من وسائل ومقاربات النضال ضد الظلم.

وينبغي بالطبع أن تعمل الحكمة ابتداء في تعيين معنى الحق والباطل أو العدل والظلم ثم بعد ذلك في تفضيل مقاربات النضال ضد الظلم. وهذا هو المعنى العظيم في الآية الكريمة التي تقول "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين".
فالإنسان مأمور بمقاومة الظلم ولكنه ليس مأمورا بأن يهتف بنداء الحرب كلما شعر بأن ظلما وقع به. وهنا يعني النضال في الجوهر المفاوضة بالمعنى الواسع للكلمة والتي قد تتجسد في الوساطة والمصالحة والتحكيم والتقاضي. فإن فشلت كل هذه المقاربات والوسائل تطرح الحرب نفسها كآلية ممكنه ومشروعة.

كون الحرب آلية مشروعة لا يعني الأخذ بها بالضرورة كاختيار. إذ يتدخل هنا الشرط الثاني وهو العقل. فلا يمكن أن نعقل مثلا أن يهتف الناس بالحرب التي قد تبيدهم مثلا من أجل الدفاع عن مصالح مادية مهما كانت قيمتها. والواقع، أن هذا التقدير ليس أمرا مجازيا بأي معنى. فكثيرا ما وقعت إبادة شعوب بكاملها بسبب الحروب المتصلة.

غير أن هذا المصير نفسه قد يقع الآن في دقائق قليلة إذا وقعت حروب نووية. بل يمكن القول بأنه لا توجد قيمة أو قضية جديرة بأن يشعل الناس بسببها الحرب لو أنها تعني إبادتهم. وهذا هو ما قالت به حركة مناهضة الحرب في فيتنام ردا على التحذير من خطر الشيوعية في الولايات المتحدة والغرب عموما: الأفضل أن يكون المرء أحمرا عن أن يكون ميتا Better red than dead

ومن المؤكد أنه يجب عقلا أن يكون هناك تناسبا بين تكلفة الحرب والقيم أو المصالح التي ينطلق الناس من الدفاع عنها بما فيها قيمة العدالة مفهومة بصورتها المادية الملموسة. ويجب أن يحترم الحكم العقلي الذي يقول بأن الدفاع السلمي عن العدالة له أولوية على الدفاع أو الهجوم العسكري وبصورة خاصة عندما تفرض الحرب تكلفة أكبر بكثير من الهدف منها.

وكأحد التعبيرات عن هذه القاعدة العقلية يجب أن تكون القوة الموظفة في سياق النضال بما فيه النضال العسكري من أجل قيم كلية ضد مخالف أو ظالم ما أكبر بصورة ملموسة مما يملك هذا الظالم توظيفه في حرب ما. وقد استخدمت الدول هذا المبدأ العام من خلال عقد التحالفات مما أدى أحيانا لسقوط هذا الشرط من الناحية العملية عندما تكون التحالفات متاحة على جانبي الصراع العسكري أو السياسي.

أما في ظل الفكرة الحديثة عن التنظيم الدولي، فإن هذه الفكرة تطورت إلى أطر أرقى نظريا فيما يسمى بمبدأ "الدفاع الجماعي". والواقع أن هذه الفكرة متجذرة في الرؤية القرآنية وخاصة في الآية الكريمة "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلو التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله....".

السلام الإسلامي والأمم المتحدة

ولكن قيام نظام للأمن الجماعي يقوم بهذه الوظيفة بصورة منهجية يعني قيام منظمة دولية تملك تفويضا من جانب دول العالم بهذا الاختصاص. ويمثل تأييد قيام الأمم المتحدة بهذه الوظيفة أحد أهم عناصر المشروع الإسلامي المقترح للسلام الدولي. ومع ذلك، فلا بد أيضا أن يقدم هذا المشروع نقدا شاملا لأداء الأمم المتحدة منذ نشأتها وأن يؤسس هذا النقد على رؤية مستقبلية لتثوير أداء هذه المنظمة الدولية وليس لهدمها.

وثمة عناصر ضرورية متفق عليها عالميا لهذا النقد مثل احتكار دولة واحدة وهي الولايات المتحدة ومعها عدد قليل من دول العالم للقرارات الخاصة بصيانة السلم والأمن الدوليين وإمكانية التلاعب بالمنظمة الدولية وتجميد الأداء القضائية للمنظمة الدولية أي محكمة العدل الدولية وسحب أو تكميش اختصاصات الجمعية العامة التي تمثل برلمان العالم الحقيقي لصالح مجلس الأمن وإهمال أو ضعف الاختصاصات التنموية للأمم المتحدة وعلى رأسها اختصاص أو مهمة القضاء على الفقر وتعزيز التمتع بحقوق الإنسان كمنظومة مكتملة.

لا يمكن الفصل بين وظيفة صيانة السلم بين الشعوب والأمم والدول من ناحية ووظيفة ضمان وإعمال آليات العدل من ناحية ثانية. ولذلك فمن الضروري أن يدعو مشروع السلام الإسلامي لقدر كاف من الاهتمام بل والتركيز على قضية العدالة والقضية الاجتماعية فيما بين الدول وداخلها.

القضية الاجتماعية

المرأة جزء رئيسي في أي مشروع للسلام

هذه هي بعض العناصر والمقومات الأساسية في الاجتهاد الفقهي الضروري لطرح مشروع سلام عالمي. ولكن هذا المشروع ينطوي على مقومات أخرى. ففي الأوضاع الدولية الراهنة يعد الفقر والمرض والجهل أحد أهم إن لم يكن الإعاقة الأولى للسلام على مستوى الكون.

إننا نعني بالفقر لا مجرد العوز المادي أو العجز عن تلبية الحاجات الأساسية الضرورية لتجديد وصيانة الحياة الإنسانية وإنما نعني أيضا القصور في الخيال والموهبة وفي الشروط الذاتية لصنع اختيار متعلم وراق أخلاقيا ومجتمعيا بل نعني أيضا العجز عن صنع أفضل اختيارات ممكنه تصون وتعزز وتنمى مجموع الشروط الكلية المناسبة للحياة الإنسانية بما فيها الشروط البيئية (الكونية).

إن هذا العجز كامن في أنماط متخلفة للتنظيم الاجتماعي. وبكل أسف لم يتمكن فقهاء المسلمين القدامى والمحدثون من فهم واستيعاب هذه القضية بقدر كاف من العمق والمعرفة بعلوم المجتمع. ولذلك تبقى هذه المهمة أحد أبرز مجالات التفاعل بين الفقه والعلوم الاجتماعية والإنسانيات. ويمتد هذا التجاهل أو الفقر المعرفي إلى مختلف صور التنظيم الاجتماعي بما فيها ابسطها وعلى رأسها الأسرة وعلاقات النوع الاجتماعي. ولهذه القضية ارتباط عميق بقضية السلام حيث أن المرأة والطفل هم أكثر من يدفعون ضريبة الحروب.

إن أي مشروع للسلام لا يتعرض لقضية المرأة والطفل يبقى ناقصا بشدة. ويتعين على نشطاء حقوق الإنسان أن يتفاعلوا بكثافة مع الفقهاء والمفكرين الدينيين لإقناعهم بأهمية الاعتراف بحقوق المرأة والطفل كما استقرت في وجدان العالم واتفقت عليه الوثائق الدولية وعلى رأسها اتفاقية القضاء على صور التمييز ضد المرأة. ويجب الاجتهاد في بحث وسائل القضاء على الاتجار في الأطفال والقضاء على كافة صور العبودية الحديثة. كما يجب الاجتهاد لتأمين حصول المرأة والأطفال على حقوقهم المشروعة بما في ذلك حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

ترتبط قضية التنمية والقضاء على الفقر بالسلام والعدل معا بصورة عميقة للغاية. ويمكن القول بأن الجذور الحقيقية للتخلف كامنة في الأنماط التقليدية للتنظيم الاجتماعي بكل مستوياته. وعندما يحرم التنظيم الاجتماعي النساء والأطفال من حقوقهم الأساسية فهو أيضا يسبب فقرا شديدا في الخيال وفي الطاقة الضرورية لإنهاء الفقر والتخلف.

ويؤدي التخلف في التنظيم السياسي للمجتمع إلى نفس النتيجة. فالحرمان من حقوق وحريات الضمير والاعتقاد وحرية الفكر والتعبير إلى إفقار الخيال وتنضيب المعرفة الضرورية لإطلاق الطاقات الإنسانية في مجال الإعمار والنهوض الاقتصادي. ويشيع الفقر والبؤس وتتمكن الأمراض والأوبئة من افتراس ملايين الناس. كما تنطلق نزعات التعصب والعنف من كل قيد.

رسالة الإعمار والتنمية

ومن هذا المنطلق فإن مشروع السلام الذي يجب أن يحمل اسم الإسلام يجب أيضا أن يطرح رسالة الاعمار بمعنى التنمية والنهوض بالبيئة وشئون الكون والثقافة والمعرفة والظروف المادية الضرورية لأرقى صور الحياة الاجتماعية والإنسانية بما في ذلك تنمية وتطوير التنظيم الاجتماعي والسياسي على كافة المستويات. وبتعبير آخر يجب أن يشتمل مشروع السلام الإسلامي على المكونات والعناصر التالية:

أ‌) تطوير التنظيم الاجتماعي بما يطلق إمكانيات التعليم وإنتاج المعرفة ويعزز حريات الفكر والتعبير فضلا بالطبع عن حرية الاعتقاد وحرية الضمير التي يشدد عليها التصور القرآني للدعوة.

ب‌) تأكيد الضرورة الخاصة لتأمين المساواة أمام القانون والمساواة بين النوعين الاجتماعيين والمكانة الخاصة لحقوق الطفل بدون تمييز على أساس النوع أو الجنس أو أي اعتبار آخر.

ت‌) النهوض بالبيئة وإنعاشها كالتزام وتدبير ضروري لإعمار الكون وتوازنه وبالطبع لصيانة وتعزيز الحياة الإنسانية.

ث‌) المسئولية الخاصة للبشرية في إنهاء الفقر بكل أشكاله والعمل على تعميم قواعد العدالة بما في ذلك ضمان معاملة تفضيلية للبلاد والفئات الأكثر فقرا وصياغة برامج عمل محددة فضلا عن إعادة التفاوض حول الاتفاقيات الاقتصادية الدولية لتعزيز فرص البلاد الأكثر فقرا في التقدم السريع اقتصاديا واجتماعيا.

ج) وإذا كانت هذه العناصر الضرورية في مشروع للسلام الإسلامي فإن إطلاق هذا المشروع يحتاج بكل تأكيد إلى عمليات تمهيدية على المستويين السياسي والثقافي وهو ما نناقشه في الجزء الثاني من هذه الدراسة