Thursday, August 30, 2007

ولكن ماذا يريد الإخوان؟!

ولكن ماذا يريد الإخوان؟! بقلم حلمى النمنم المصري يوم ٣٠/٨/٢٠٠٧
في لقاء تليفزيوني أجري مؤخراً مع وزير خارجية تركيا «عبدالله جول»، حول الظروف التي تم فيها تأسيس «حزب العدالة والتنمية»، قال إنه كان هناك رأي بأن يحمل الحزب الجديد مسمي أو صفة إسلامية، لكنهم وجدوا أن إطلاق صفة إسلامي علي حزب في بلد معظم سكانه من المسلمين، يعني أن أعضاء الحزب وحدهم المسلمون وغيرهم ليسوا كذلك، لذا قرروا تجنب هذه الحالة واستقروا علي الاسم الحالي لحزبهم.
وأنا أستمع إلي «جول» قفزت إلي ذهني الحالة المصرية وتحديداً جماعة «الإخوان المسلمين»، لقد تأسست الجماعة سنة ١٩٢٨، وقبلها قامت جمعية الشبان المسلمين ففي ذلك الزمان وبعد سقوط الخلافة الإسلامية وانتشار جماعات التبشير في العشرينيات، كان مقبولاً أن تمر هذه التسمية لجماعة وعظية أو صوفية تدعو إلي مكارم الأخلاق، أما أن تكون لسان حال تيار سياسي، يسعي إلي الوصول للحكم فالأمر مختلف تماماً، وما أعنيه أن الحالة التركية لم تعرف الجمود ولا بكائيات الضحية، بل تواءمت مع ظروف وأحوال المجتمع التركي والدولة التركية أيضاً.
في مصر نري جماعة الإخوان تقف، حيث سنة ١٩٢٨ بظروفها وخلفياتها وكذلك مفاهيمها، وحين نشرت «المصري اليوم» مؤخراً مشروع برنامج حزب الإخوان، وجدنا البرنامج يتحدث عن «الولاية العظمي» وليس رئاسة الجمهورية، والمعني أن من وضعوا البرنامج وهم الأكثر تفتحاً في الجماعة مازالوا يقفون حتي بالمفردات والمصطلحات عند عصر مضي وانقضي بماله وما عليه، واستدعاء مفهوم «الولاية العظمي»، يعني إسقاط المفاهيم السياسية المعاصرة بدلالاتها وسياقاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية.
واليوم فإن الجماعة في حالة صدام حقيقي مع الدولة، وهذه ليست المرة الأولي، فقد وقع ذلك من قبل في عصر الملك فاروق ثم مع ثورة يوليو ١٩٥٢ وعبدالناصر وبعدها في عهد السادات وها نحن اليوم بإزاء المشهد نفسه، ربما بنفس الآليات والخطوات، حيث يحدث التقارب بين الجماعة والحكم، ولا نعرف أيهما يوظف الآخر ويستفيد منه وبه ثم يكون التباعد والانقضاض.
ساندوا الملك فاروق زمن إسماعيل صدقي ضد الوفد ثم حدث الانقلاب، الذي انتهي إلي اغتيالهم النقراشي، فكان الرد باغتيال المرشد المؤسس حسن البنا. وفي عصر ٢٣ يوليو، كان التقارب الشديد مع محمد نجيب وعبدالناصر وتم ضرب معظم القوي السياسية وكانوا هم في الصدارة ولنقل «علي الحجْر»، ثم حدث التباعد، الذي انتهي إلي المأساة في أكتوبر ١٩٥٤، حيث حاولت إحدي خلاياهم اغتيال عبدالناصر في المنشية، فرد عليهم بعنف أشد.
وفي السبعينيات تكرر المشهد، كان السادات كريماً معهم ولعبت وساطة الملك فيصل والشيخ كمال أدهم لهم لدي السادات دورها، والتقت مصلحته مع مصلحة الجماعة في إدانة عبدالناصر وعصره، وما إن انتهت المصلحة حتي دب الخلاف والشقاق، الذي انتهي علي النحو المعروف في ١٩٨١.
وفي العهد الحالي كانت سنوات الثمانينيات ومعظم التسعينيات وئاماً وكانت الاتصالات تتم وإن لم تكن علنية، وقد ذكر د. مصطفي الفقي شيئاً عن هذه الاتصالات كان هو طرفاً فيها، حين كان سكرتير الرئيس للمعلومات وتحدث د. عبدالحميد الغزالي من الجماعة هو الآخر عن اتصالات وتنسيق لهم مع د. فتحي سرور في انتخابات مجلس الشعب قبل الأخيرة، وها نحن اليوم نري الصفحة قد طويت وبدأ الصدام ونتمني ألا يصل إلي أكثر أو أعنف من ذلك.
والمعني في كل هذا أن الفريق الغالب في النخبة الحاكمة بمصر، أياً كانت طبيعة النظام ورأسه، لا يجد غضاضة في وجود الإخوان، والواضح أن تلك النخبة تري دوراً للجماعة، يظل في حدود العمل السياسي والاجتماعي كما ترسمه النخبة، فلا يكون لهم صدام مع القضايا الكبري ورؤوس النظام، باختصار - يكون ذلك الدور - كما قال لهم د. فتحي سرور ذات مرة «مشاركة لا مغالبة»، وأظن أن موقف الدولة واضح لم يتغير وقواعدها في التعامل لم تتغير وأجهزتها كما هي بأساليبها.
غير الواضح هو رؤية الجماعة لنفسها، فالإشارات تصدر متضاربة ومتناقضة، تتحدث الجماعة عن اقتناعها بالدورة المدنية وتداول السلطة لكن برنامجهم الذي نشر لايشي بذلك، فضلاً عن إشارات العنف بين حين وآخر، تأمل مشهد الميليشيات بجامعة الأزهر، ثم مساندتهم المطلقة لحماس، فيما تقوم به في غزة، رغم أن ما قامت به حماس، يكشف عن سلطة استبدادية ودموية في تصفية الخصوم والمخالفين، وتقول الجماعة إنها ليست في عداء مع النظام ثم يقول نائب المرشد د. محمد حبيب: «لقد اغتلنا النظام في انتخابات ٢٠٠٥» أي أن العملية ليست انتخابات واختياراً حراً، بل اغتيال وتصفية..
ولا يتحدث المرشد العام مهدي عاكف مرة إلا ويثير حوله القلق، ولنتذكر تصريحاته للدستور قبل فترة عن الأقباط وتصريحاته لـ«المصري اليوم»، عقب انتهاء المرحلة الأولي من انتخابات مجلس الشعب، سنة ٢٠٠٥، وكان في موقع النصر والظفر، حين راح يشيد برجال الأمن والقضاء والحكومة وقصر مشكلتهم علي المثقفين والإعلاميين الذين أطلق عليهم وصف «العلمانيين الملحدين»، أي أننا بإزاء جماعة تكفيرية وليست تياراً مدنياً سياسياً!
علي الجماعة أن تحدد ما تريده، لنفسها، أما أقوال حسن البنا، التي يقفون عندها من أنهم طريقة صوفية وجماعة خيرية وحزب سياسي و.... و.... فهذا يمكن أن يصلح في خطبة عامة أدبيات لإثارة الحماس، لكن لا يمكن أن يقوم عليه برنامج سياسي في مجتمع، يسعي إلي ضبط الحقوق والواجبات وإرساء الحريات العامة والخاصة.

حزب مدني ذو مرجعية إسلامية


: مشكلة قانونية أم سياسية؟ بقلم د.عمرو الشوبكى ٣٠/٨/٢٠٠٧
تزايد الجدل مؤخرا حول مسألة تأسيس حزب سياسي مدني يحمل مرجعية إسلامية، وتصاعدت نبرة الحيرة والقلق من قبل قطاع يعتد به من المثقفين والسياسيين، يعززها حملات تشكيك وهجوم حكومية، وتردد بعض قادة هذه الأحزاب عن حسم مجموعة من القضايا التي من شأنها أن ترفع كل لبس عن الطبيعة المدنية لهذه الأحزاب.
ومنذ رحلة الوسط المتعثرة عام ١٩٩٥ لتأسيس حزب مدني ذي مرجعية إسلامية، والحديث عن هذه النوعية من الأحزاب لا يتوقف، فهناك بعض الاجتهادات الإخوانية لتأسيس حزب مدني ذي مرجعية إسلامية، وهناك «المحاولات الجهادية» لكل من حزب الشريعة والإصلاح، الذي عاد الأول وكرر محاولة الحصول علي رخصة رغم ما في برنامجه من ثغرات، وجاءت أخيرا محاولة حزب الاتحاد من أجل الحرية، لتمثل أخيرا وليس آخرا رقما جديدا في طابور الأحزاب المدنية المرفوضة من قبل الحكم تحت حجة مرجعيتها الإسلامية.
والمؤكد أنه لن يرخص لأي من هذه الأحزاب في هذا العهد، ولن ينتقل ملف الحركات الإسلامية بكل تنوعاتها المعتدلة والمتشددة، المستنيرة والمحافظة، إلي مكان آخر غير الأجهزة الأمنية، خاصة بعد أن وضعت المادة الخامسة من الدستور قيدا علي تأسيس أحزاب علي أساس مرجعية دينية، في تناقض مع المادة الثانية التي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
والسؤال المطروح لماذا الإصرار الحكومي علي رفض هذه الأحزاب بصورة قاطعة، وما هي دلالات تعددها وانتشارها؟.
المؤكد أن الرفض الحكومي لهذه الأحزاب لا يرجع إلي حرصها علي مدنية الدولة أمام ما تراه خطرا دينيا عليها من هذه الأحزاب، إنما هو في الحقيقة يرجع إلي أسباب سياسية تتعلق بعجز الحزب الحاكم عن الدخول في منافسة مع هذه الأحزاب أو غيرها من الأحزاب الجادة، لكونها أحزاباً لديها جمهور وكوادر حقيقية، وليس لكونها إسلامية، وهذا في الحقيقة أمر من الوارد تكراره مع أي حزب آخر إذا امتلك قدرات سياسية سواء كان ليبراليا أو يساريا، وربما تكون تجربة أيمن نور ذات دلالة في هذا الإطار والذي استبعد بقسوة من الساحة السياسية لأنه تجرأ علي منافسة الرئيس في الانتخابات، ومثل تهديدا حقيقيا لمشروع التوريث، رغم خلفيته السياسية الليبرالية.
والمؤكد أنه لا يوجد معيار سياسي وقانوني يعتمده النظام للحفاظ علي مدنية الدولة والنظام الجمهوري، بل إنه مسؤول عن الترويج لثقافة تغيب العقل وتروج في أحيان كثيرة لطائفية بغيضة، وتقتل روح المبادرة والعمل الجاد، بل إنه تعامل مع مخاطر حقيقية تهدد كيان الدولة وسلامتها وحقوق وكرامة موطنيها بتبلد نادر وغير مسبوق، وصار كل شيء مسموحاً به في مصر إلا المنافسة علي السلطة بدءا من التدخلات الخارجية في كل التفاصيل اليومية التي تتعلق بالدولة، وانتهاء بفرض توجهات سياسية بعينها، ويكشر الحكم عن أنيابه فقط، حين يعترض الخارج علي اعتقال معارض سياسي، أو تعذيب مواطنين، وتخرج في هذه الحالة فقط شعارات السيادة الوطنية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية.
ومن هنا سيندهش المرء لتلك المساحة الهائلة التي حصل عليها رجال الدين الرسميون في الإعلام الحكومي، وهذا الصعود الهائل لهذا النمط الجديد من التدين الشكلي الذي قاده «الدعاة الجدد» وأفتي كثير منهم في كل صغيرة وكبيرة تخص حياة المواطنين البسطاء، حتي بدا التنفس وكأنه مطروح للفتوي إذا ما كان حلالا أم حراما، وصارت البرامج الدينية الساذجة بجوار أحاديث «الكباتن» في كرة القدم لهما تقريبا نفس الجمهور الذي يتنقل معهما بين كل قناة للتلفيزيون المصري.
والمدهش أن بعض هذه الأحاديث التي ركزت علي إصلاح السلوك الفردي تبخرت أمام وطأة الواقع السياسي المعاش وزاد حديث الدعاة الجدد عن الأخلاق في الوقت الذي انهارت في الواقع العملي، لأن إصلاح الشعوب لم يكن في أي يوم قضية أخلاقية تخص الدعاة، إنما هو تغيير في الواقع السياسي الاجتماعي والثقافي المحيط، يقوم به سياسيون بالأساس.
واختارت الحكومة دعم النمط الأول من التدين مهما كانت سطحيته وجهله لأنه بعيد عن المجال السياسي، في الوقت الذي قاومت فيه بشدة أي مشروع سياسي للتيارات الإسلامية، رغم أنها في معظمها أكثر استنارة من كل رجال الدين الرسميين الذين تركتهم الحكومة يعبثون في عقول الشعب المصري لثلاثة عقود كاملة.
أما بالنسبة لدلالة التعدد الذي تشهده هذه الأحزاب المدنية ذات المرجعية الإسلامية، فيتمثل في أن التعبير السياسي عن أي فكرة دينية أو عقائدية، سياسية أو اجتماعية، بصورة تنقلها من مصاف الفكرة النقية أو المقدسة، إلي الممارسة العملية النسبية التي تغيب عنها أي قداسة، ويكون لميول الأفراد والتجمعات دور حاسم في صياغة أفكارها وبرامجها، وتلعب خبراتهم السياسية والاجتماعية والواقع المحيط بهم دوراً حاسماً في صياغة أفكار كل حزب حتي لو قالوا جميعا إنها تستند إلي «مرجعية إسلامية».
التحدي أمام قبول هذه الأحزاب في الحياة السياسية قانوني أم سياسي؟ في الحقيقة إنه بالأساس سياسي لأن الجانب القانوني ــ وليس سياسة التفتيش في النوايا ــ يتطلب أن تقدم هذه الأحزاب برامج سياسية تعلن فيها احترامها للدستور والقانون والتزامها بالدولة المدنية وبالنظام الجمهوري وبالمواطنة، وهو ما أعلنه بشكل واضح برنامجان من هذه الأحزاب، هما برنامج حزب الوسط، وبرنامج «حزب» الإخوان، وأعلن حزب «الاتحاد من أجل الحرية» التزامه بهذه المبادئ، وبدا برنامج حزبي الشرعية والإصلاح في حاجة إلي مراجعة ليصبحا مقبولين من الناحية الدستورية والقانونية.
ولكن يبقي التحدي الحقيقي في دمج هذه التيارات سياسياً، يتطلب من الأساس نظاما حريصاً علي دولته المدنية ومؤسسات نظامه الجمهوري، التي ستصبح جميعها ضمانة كبري أمام عدم انحراف هذه الأحزاب عن الديمقراطية، وستنظم هذه المؤسسات القوية ساحة الممارسة السياسية والديمقراطية، التي ستمثل الطريق الوحيد أمام تطور وانفتاح هذه الأحزاب علي حقيقة «كوارث» الداخل وتحديات الخارج، وهذا من غير المنتظر حدوثه في ظل العهد الحالي لنبقي كما نحن بعيدين عن إصلاح في السياسة ونهضة في الاقتصاد.

Wednesday, August 29, 2007

الهجوم على الإخوان


فى الممنوع بقلم مجدى مهنا ٢٨/٨/٢٠٠٧
أعترف بأنني لدي الاستعداد للاقتناع بخطورة جماعة الإخوان المسلمين.. وتبرير كل الإجراءات التي تتخذها السلطات الأمنية ضدها.. وضد قياداتها.. وبأنها تشكل خطراً داهماً علي الأمن العام، وأمن المجتمع وسلامته.. لكن السلطات الأمنية لا تقدم لي أو لغيري مبررات مقنعة.. بل اتهامات مرسلة.. لا دليل علي صحتها.. وكلام من نوعية: بث مجموعة من الشائعات التي تستهدف النيل من بعض المسؤولين.. والتأثير علي الأوضاع الداخلية.. وإثارة البلبلة لدي الرأي العام.
وفي تقرير أعده الزميل «أحمد موسي» نشرته صحيفة «الأهرام» في عددها الصادر يوم السبت الماضي.. كشف عن لسان مصدر أمني مسؤول عن الدور الذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين المحظورة خلال الأيام الماضية.
والأخطر ـ كما ورد في التقرير ـ اتهام بعض وسائل الإعلام المصرية، وعلي لسان المصدر نفسه، بالتحريض علي اغتيال المسؤولين وأحد القضاة.
يا نهار مش فايت! ما هذا الكلام غير المسؤول، الذي صدر علي لسان مسؤول أمني كبير.. والذي يؤدي بصاحبه إلي الأشغال الشاقة.
أزعجني جدا أن يفتح الزميل أحمد موسي تقريره بهذه العبارة: «بات واضحا للجميع أن جماعة الإخوان المحظورة، تقف وراء الشائعات ومحاولة التشكيك والادعاء بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان والإسقاط علي رموز الدولة.. بل والتحريض علي القيام بعمليات اغتيال لبعض المسؤولين.. واستغلال ٤ صحف يومية وأسبوعية في نشر قضايا، واختلاق أمور لا أساس لها علي أرض الواقع.. والمبالغة في الانتقام من الشرطة».. إلي آخر ما جاء في افتتاحية التقرير.
كلام خطير.. واتهامات مرسلة بلا دليل واحد يؤكد صحتها.
وصدقوني.. أنا لا أستهدف نفي مثل هذه الاتهامات، التي بلا دليل عن جماعة الإخوان المسلمين.. بل إنني مرة أخري علي استعداد لتصديقها واستيعابها.. بشرط أن تكون تلك الاتهامات حقيقية.. وقائمة علي أدلة، وليس علي عبارات مرسلة ومبهمة.
ونحمد الله أن التقرير لم يعتبر تصدي أجهزة الأمن لمحاولات الجماعة المحظورة الخروج علي الشرعية.. هو أحد الإنجازات العظيمة للشعب المصري.. لأن الشعب المصري لا يفهم ماذا يدور وراء الكواليس.. وما الذي تستهدفه الحملة الأمنية العنيفة وغير المبررة علي الإخوان.. والتي تستهدف إقصاءهم عن العمل السياسي.. وهذا مستحيل.. بل تستخدمه السلطة في كل مرة مبررا لإعاقة مسيرة الإصلاح السياسي الحقيقي ولتنفيذ سياسات خفية لا تحقق مصالح الشعب المصري.. بل تحقق مصالح جماعات وأفراد في داخل نظام الحكم.
أعلم أن الديمقراطية لن تتحقق علي أيدي جماعة الإخوان.. بل إن الكثير من ممارساتهم ضد الديمقراطية.. لكنهم حتي الآن تستخدمهم السلطة كشماعة لاغتصاب السلطة بالقوة.. وبترويج الأكاذيب عن خطورتهم علي أمن المجتمع.. في حين أن خطورتهم علي أمن نظام الحكم وعلي سيناريوهاته المعلبة.

لماذا يصمت .. الإخـوان ؟!ا


لماذا يصمت الإخوان؟
د. رفيق حبيب : بتاريخ 29 - 8 - 2007
تتوالى الضربات الأمنية لجماعة الإخوان المسلمين منذ ما حققته من فوز في انتخابات مجلس الشعب المصري عام 2005. وبعض هذه الحملات كانت وكأنها تعقيب على نتائج الانتخابات، وبعضها أرتبط بدور الجماعة في مظاهرات الإصلاح وتأييد استقلال القضاء، وبعضها أرتبط بانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى. حتى جاءت ضربات صيف 2007، لتبدو أنا ضربات غير موجهة لحادث بعينه ولكنها ضربات موجهة للجماعة، بغرض تحقيق أهداف معينة، وهي في النهاية تتعلق بضرب القدرة التنظيمية والتواجد الجماهيري للجماعة. وربما لهذا نقول أننا أمام حملة لضرب تنظيم الإخوان المسلمين، لا تهدف لتحقيق أهداف مرحلية، بل تهدف لتحقيق أهداف بعيدة المدى، وربما تحقيق أهداف تؤثر على مسار الجماعة ودورها السياسي في المستقبل القريب أو البعيد. وأمام هذه الضربات المؤثرة، نجد حالة من الصمت من جانب جماعة الإخوان المسلمين، والتي تكتفي ببيانات الإدانة والاحتساب، دون أن تأخذ موقفا سياسيا فاعلا مما يحدث لها. وعلى صعيد آخر، نجد من يدفع الجماعة للتظاهر، أو يدفع كوادرها للاعتراض الشعبي العلني، أي الخروج في مظاهرات منددة بالحملة الأخيرة. وربما تأتي للأذهان صورة جماعة العدل والإحسان، وهي جماعة بعيدة عن مدرسة الإخوان المسلمين، والتي تخرج في مظاهرات حاشدة كلما قام النظام بحملات اعتقال ضدها. رغم أن هناك فارق في حجم المواجهة بين النظام المغربي وجماعة العدل والإحسان، وخاصة وأن الجماعة تقاطع العمل السياسي وتكتفي بالعمل الدعوي، في حين أن القوى الممثلة لمدرسة الإخوان المسلمين في المغرب تشترك في العمل السياسي من خلال حزب شرعي، وهو حزب العدالة والتنمية، ولا تواجه حملات ضدها. إذن الصورة تختلف من بلد لآخر، ولكن صمت جماعة الإخوان المسلمين على ما يحدث معها يثير التساؤل. فهل تستطيع الجماعة تحمل كل ما يحدث لها، وهل تترك النظام يحطم بنيتها التنظيمية، ويحد من قدرتها على العمل السياسي، ويحد من انتشارها بين الجماهيري؟الغالب أن نتصور أن رد الفعل الطبيعي لما يقوم به النظام تجاه جماعة الإخوان المسلمين، يتمثل في التظاهر ضد هذه التصرفات التي تنتهك حقوق الإنسان وتتعارض مع كل القوانين. والمراد بالتظاهر هنا، قد يكون مجرد الاعتراض وتوجيه الرأي العام تجاه ما يحدث للجماعة. ويمكن أن يتحقق ذلك بمظاهرات رمزية، لا تستفز النظام بقدر ما تكون إعلان عن موقف الجماعة، وإعلان عن قدرتها على اتخاذ موقف تجاه النظام. ولكن هناك رؤية أخرى تقوم على مواجهة النظام ومواجهة سياساته الأمنية من خلال التصعيد الشعبي والجماهيري ضد النظام، من خلال سلسة متصلة ومن المظاهرات الشعبية الحاشدة ضد النظام وسياسته الأمنية، وضد الاستبداد والفساد. على أن تستمر هذه المظاهرات دون توقف، رغم أي إجراءات يتخذها النظام، حتى تصبح حالة رفض شعبي جماهيري، لا يمكن أن يتعامل معها النظام. والبعض يرى أن قواعد وكوادر جماعة الإخوان المسلمين، والمؤيدين لها، تكفي لقيام حالة تظاهر شعبي جارف لا يستطيع النظام القبض على كل من فيها، وتلك في الواقع حقيقة لأن النظام لا يستطيع القبض على جماعة الإخوان ومؤيديها. وكثير من المراقبين ينتظروا هذه اللحظة، قد يكون البعض منهم يتمنى أن تحدث لتكون نهاية جماعة الإخوان المسلمين، ولكن البعض الآخر ينتظر هذه اللحظة حتى يرى الرفض الشعبي الجارف لنظام الاستبداد والفساد، على أمل التخلص من هذا النظام بالطرق الديمقراطية، أي بفرض الديمقراطية والانتخابات النزيهة بالقوة الشعبية على النظام الحاكم. وتلك في الواقع صورة وردية، تعود لما حدث في بعض دول شرق أوربا، ولكن الظروف مختلفة، والحديث عن التغيير بالثورة البرتقالية كما سميت حديث آخر، ولكن البعض يتصور أن احتجاج جماعة الإخوان المسلمين على ما يحدث معها، قد يكون مقدمة لما هو أكثر من ذلك، أي مقدمة لضغط شعبي على النظام الحاكم، يفرض عليه التغيير والإصلاح السياسي.ولكن الجماعة ترفض مثل تلك المقترحات، حتى وإن خلصت النوايا، وترى أنها ليست الطريقة المناسبة للرد على ما يحدث لها، ولا هي الطريقة التي ستؤدي إلى وضع نهاية لما يمارس ضد الجماعة من ضربات أمنية خارج إطار القانون. وفي تصوري، رغم أن التظاهر فعل سياسي مهم وإيجابي وله تأثيره على الجماهير وعلى قدرتها على الاعتراض والتمرد تجاه الظلم، أن جزء من المخطط الأمني الحالي يقوم على استفزاز جماعة الإخوان المسلمين، لتقوم بأعمال اعتراض على ما يحدث لها، ويصبح رد فعل الجماعة مبرر لضربة أمنية جديدة. لأن خروج الجماعة الآن في مظاهرات حاشدة، مع وجود غطاء دولي يحمي النظام من أي احتجاجات دولية ضد ممارساته، سيؤدي إلى حملات اعتقال للآلاف من أعضاء الجماعة. وعلينا تصور الأتي، إذا خرجت الجماعة في مظاهرة ضد الاستبداد الواقع عليها وعلى المجتمع المصري ثم أعتقل الآلاف من مناصريها، ثم عاودت التظاهر مرة أخرى، وتزايد الاعتقال، سيصبح على الجماعة الاستمرار وعدم التراجع عن المظاهرات، وهو ما يتيح للنظام شن حملة اعتقال على الألوف من أنصار الجماعة. هذا المشهد لا يمكن أن ينتهي بهزيمة النظام في الظرف الدولي الراهن، فالإدارة الأمريكية والدول الغربية، لن تترك النظام المصري يسقط وهو يمثل حجر الزاوية في الحلف الأمريكي الصهيوني العربي المواجه للحركات الإسلامية. وإذا أضطر النظام أمام مظاهرات الإخوان للتوقف عن سياسة الاعتقال والإفراج عن معتقلي الجماعة، يكون النظام قد سقط فعلا. الرد المناسب الذي يجب على الجماعة أن تقوم به، هو إفشال خطة النظام، والنظام يريد تدمير التنظيم والحد من شعبيته ودفعه للانتحار، والجماعة لهذا تصمت ولا تندفع، ويبقى عليها أن يكون التنظيم بعد هذه الضربات أقوى، وأكثر شعبية، وله دور سياسي أكثر تأثيرا.

الإخوان المسلمون من التأديب إلى الاستئصال

فهمي هويدي ـ الشرق الأوســـــط
.
في حين تتجه أسهم التيار الإسلامي المعتدل الى الصعود في تركيا، وتشير الدلائل الى أنه بصدد تحقيق صعود مماثل، ولو بصورة نسبية، في المغرب، الذي تجري الانتخابات التشريعية فيه خلال الاسبوع المقبل، فإن الرياح في مصر تمضي في اتجاه معاكس تماماً حيث يبدو أن السلطة تعد لمواجهة شاملة ضد جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل الحركة الأهم لذلك التيار في العصر الحديث. أحدث حلقات تلك المواجهة أطلقت هذا الاسبوع، وتمثلت في المعلومات التي خرجت من وزارة الداخلية واتهمت قيادات الجماعة بالتحريض على اغتيال مسؤلين كبار في مصر، والتحضير لقلب نظام الحكم، والترويج لإشاعات التعذيب في السجون المصرية. وتوازت هذه التعبئة الإعلامية مع استمرار الاعتقالات لقيادات الاخوان، ومنع بعضهم من السفر الى الخارج، ومصادرة أموال وممتلكات آخرين من الأعضاء الذين وصفوا بانهم يمثلون قناة التمويل للجماعة.
والى جانب الاعتقالات، فإن المحكمة العسكرية المصرية تحاكم الآن بعض القياديين في الحركة بتهم مختلفة، وهذه الخطوات تلاحقت في أعقاب تمرير التعديلات الدستورية التي أدخلت على الدستور، وكان من بين أهم أهدافها إقصاء الاخوان تماماً، ومنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي والمشاركة في أية انتخابات مقبلة، وهي التعديلات التي تضمنت نصاً يحظر إقامة الأحزاب على أساس ديني، بل وممارسة أي نشاط سياسي على أساس ديني. والعبارة الاخيرة وسعت كثيراً من نطاق الحظر، بحيث شمل أي نشاط عام من خوض الانتخابات الى عقد الندوات الفكرية وإقامة المؤسسات الخيرية. تسوغ لنا هذه الاجراءات أن نقول إن المواجهة ضد حركة الإخوان الأكبر في نوعها منذ تأسيس الحركة عام 1928. ذلك أن المواجهات السابقة في العهد الملكي والمرحلة الناصرية والساداتية كانت تأديبية وقمعية في أحسن فروضها إثر عمليات الاغتيال التي قامت بها بعض عناصر التنظيم الخاص وأدت الى حل الجماعة سنة 1949. واثر محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر سنة 54 وقد كان حظهم من التأديب محدوداً في عهد الرئيس السادات، الذي أطلق سراح أعداد كبيرة منهم. ولكنه عاد واعتقل بعض قياداتهم ضمن حملة الاعتقالات الكبرى التي أمر بها أواخر عهده (عام 1981).
المواجهة الراهنة ذهبت الى أبعد أو يراد لها ذلك، حيث تشير مختلف الدلائل الى أنها تبدو استئصالية، وليست تأديبية أو قمعية. أعني أنها تستهدف شل حركة الجماعة إن لم يكن نفي وجودها وإلغائها تماماً، اذ أنها تحاصر الحركة من النواحي السياسية والقانونية والأمنية بما يقطع الطريق على أي تقدم لها. وليس سراً أن النص في التعديلات الدستورية الاخيرة على جواز إحالة المدنيين الى المحاكم العسكرية له هدف واحد هو أن يصبح القضاء العسكري سيفاًً يهدد الإخوان باستمرار، إذا ما حاولوا تجاوز القيود التي فرضت على حركتهم. وقد اتخذ هذا الإجراء لسد «الثغرة»: التي ترتبت على نظر قضايا الاخوان أمام القضاء المدني الذي كان يبرئ أكثرهم لضعف أدلة الاتهام.
في الوقت الراهن هنالك 300 من اعضاء الإخوان رهن الاعتقال، وهناك أربعون مقدمون الى المحاكم العسكرية. وما طال الأفراد انسحب على المؤسسات، حيث وضعت الحكومة المصرية يدها على المدارس التي أنشأها أعضاء الجماعة، وكذلك المؤسسات العلاجية. أما النقابات المهنية التي اعتاد الاخوان أن يحصلوا على الأغلبية فيها، فقد وضعت تحت الحراسة (نقابة المهندسين مثلاً). وبسبب القلق من فوز الاخوان في تلك النقابات، فقد عطلت الانتخابات في كافة النقابات المهنية (أكثر من 20 نقابة) ولم يسمح بإجرائها الا في نقابتين فقط (للمحامين والصحفيين) اطمأنت أجهزة الأمن إلى أن نفوذ الاخوان فيهما محدود بدرجة أو أخرى.
في متابعة عملية التصعيد من الملاحظ أن مؤشراتها بدأت في الظهور مع الانتخابات التشريعية التي تمت عام 2005، وبدا فيها أن نفوذ الاخوان يمكن أن يكون كبيراً على نحو يهدد الاغلبية الساحقة التي اعتاد ان يحصدها الحزب الوطني الحاكم. ولأن الانتخابات آنذاك تمت على ثلاث مراحل. ولاحت فيها احتمالات ذلك الفوز المغلق في المرحلتين الأولى والثانية، حيث حصل مرشحو الاخوان فيها على 76 مقعداً، فقد كثفت الاجهزة المعنية ضغوطها وتدخلاتها في المرحلة الثالثة، بحيث لم يحصل الاخوان الا على 12 مقعداً فقط، بحيث أصبح لهم 88 مقعدا في مجلس الشعب. ورغم التدخل الذي حدث، فإن عددهم تجاوز بمراحل ممثلي أحزاب المعارضة الاخرى في المجلس. وكانت المفارقة لافتة للنظر لأن الجماعة «المحظورة» حصدت هذا الرقم، بينما كل الأحزاب الشرعية (الوفد والتجمع) لم تحصل على اكثر من ثلاثة او اربعة مقاعد، هذا الوضع أقلق الجهات المعنية الى حد كبير. ولذلك فحين جرت انتخابات مجلس الشورى في شهر يونيو (حزيران) الماضي، لم يسمح لأي مرشح للإخوان بدخوله، منتخباً كان او معيناً.
في هذا الصدد، لا نستطيع أن نتجاهل الدور الذي لعبته الضغوط الدولية فيما بين عامي 2005 و2007. ففي ذلك الوقت المبكر نسبياً، كان الحديث عن ضرورة الالتزام بالتطبيق الديمقراطي يتردد بقوة، ولكن هذه اللغة اختلفت بعد ذلك سواء بعد الذي حدث في العراق ولبنان أو بعد فوز حركة حماس في فلسطين، لذلك فإن القدر النسبي من التسامح الذي حدث عام 2005 وأدى الى فوز الاخوان بـ 88 مقعداً لم يسمح للاخوان بالحصول ولو على مقعد واحد سنة 2007.
ولو ظهرت مؤشرات قلق الاجهزة المعنية مع فوز الاخوان في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 إلا أن مؤشرات المواجهة والصدام مع الجماعة لاحت في العام الذي يليه مباشرة حين برزت قصة مليشيات جامعة الازهر في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي قام فيها بعض طلاب الاخوان باستعراض احتجاجي داخل حرم الجامعة، وارتدى بعضهم ثياباً رياضية ووضعوا أقنعة على وجوههم، تشبهاً بعناصر المقاومة الفلسطينية. واثناء الاستعراض قاموا ببعض «العاب الكاراتيه». فتم تصويرهم وقدموا في الاعلام باعتبارهم مليشيات مسلحة، رغم أن التحقيق مع 150 منهم لم يثبت أن أحداً منهم حمل في يده عصا أو حتى موسى حلاقة. وكانت تلك التعبئة الاعلامية مقدمة لحملة ارتكزت على فكرة ان الاخوان يعدون العدة للانقضاض على السلطة وتغيير المجتمع بالقوة، وان المليشيات المذكورة مقدمة لذلك المخطط الشرير.
لماذا هذا التصعيد الذي يقترب من ذروته هذه الايام؟ هذا السؤال شغل عددا غير قليل من الباحثين الذين تعددت تعليقاتهم حول الموضوع في الصحف المستقلة والمعارضة واكثرهم طرحوا ثلاثة احتمالات؛ الاول أن نمو الجماعة اصبح يشكل منافساً للنظام القائم، وقد يرى فيه البعض بديلاً مطروحاً، في مرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك. ولذلك قررت الاجهزة الأمنية تشديد ضرباتها للجماعة لشل حركتها وتقويض بنيانها، بما يضعفها ويخرجها من دائرة البدائل المرشحة. الاحتمال الثاني ان تشديد الضربات الى الجماعة يجيء ردا على اعتزامها تشكيل حزب سياسي، نشرت بعض الصحف مسودته المقترحة، مما ازعج السلطات ودفعها الى اجهاض المحاولة. الاحتمال الثالث أن هذه الضربات متزامنة مع تجدد الحديث وتواتره حول توريث السلطة، وقد اعتبر توجيهها الى الجماعة في الوقت الحالي من مقتضيات تمهيد الطريق.
السؤال الآخر المثار في كتابات المعلقين والباحثين هو: هل من الممكن حقاً القضاء على الجماعة واستئصالها؟. ثمة اجماع على أن هذه العملية غير ممكنة، وأن فشل الضربات التي وجهت الى الاخوان خلال الثمانين عاماً الماضية دال على عمق حضورها في المجتمع، بل ذهب البعض الى ان هذه الضربات تقوي الجماعة ولا تضعفها، في الاقل من حيث انها تدفع الجماهير الى التعاطف معها باعتبارها ضحية للانظمة المتعاقبة.
بقيت بعد ذلك نقطتان مهمتان؛ الاولى ان الاخوان لم يثبت بحقهم اشتراك في اي مظهر من مظاهر العنف ضد السلطة طيلة الثلاثين عاما الاخيرة. وتوجه قيادتها نحو المشاركة السلمية اصبح موقفا استراتيجيا يحتاج الى رعاية وتشجيع. وهناك قلق حقيقي بين بعض قيادات الجماعة من خشية أن يدفع الاحباط بعض شبابها إلى اللجوء للتطرف ومقابلة العنف بعنف آخر لا تحمد عقباه. النقطة الثانية أنه ايا كانت ملاحظاتنا على برنامج الاخوان وأدائهم الا أن أحداً لا ينكر أن فكرهم يتطور ولو ببطء. وقد أثبتت التجربة أن الممارسة الديمقراطية هي من أفضل السبل لإنضاج الفكر وتطويره بما يجعله أكثر تجاوباً مع الواقع واحتراما له، وهو ما اثبتته التجربة التركية، التي مر الاسلاميون فيها بخبرة في العمل السياسي استمرت حوالي ثلاثين عاماً، قبل أن تنتهي بتشكيل حزب العدالة والتنمية، وفوزه الساحق في الانتخابات.

Tuesday, August 07, 2007

في معنى المقاومة

8/8في معنى المقاومة! ـ عبد المنعم سعيد
فقدت الكلمات معناها في منطقتنا العربية بطريقة تتحدى العقول وأصحاب الحس السليم وما تواضع عليه العالم من تعريفات للمفاهيم حتى بتنا نعيش وسط دنيا لا يعرفها أحد سوانا. وفي وقت من الأوقات كان الظن أن جماعة الغرب هم الذين يختلفون عنا في النظر للوجود لأنهم في النهاية كانوا من المستعمرين وأصحاب الهوى الإسرائيلي؛ ولكن مع مرور الزمن أصبح لدينا قاموسنا الخاص نعرف به الإرهاب والمقاومة والثورة والإصلاح والشرعية والقومية وغيرها يختلف عن ذلك الذى يعرفه الهنود والصينيون والروس والأتراك وكل من كان له ملل ونحل وقوميات أخرى.
وفي الحقيقة فإننا كنا مثل بقية دول العالم نخضع لنفس قواميسه وتعريفاته حتى الخمسينيات من القرن الماضي عندما نبت في المشرق العربي مدارس قومية جديدة أخذت هذه المفاهيم كلها ونزعت عنها مقامها الإنساني وآفاقها العالمية. ومع الستينيات كانت الفاعلية قد نزعت منها تماما كما ينزع الدسم من الحليب حتى لا يبقى منه شيء له فائدة. وكان متصورا أن الكارثة العظمى في يونيو 1967 سوف تعيد العقول إلى مكانها، وسوف نعيد الإنجاز والفاعلية إلى آفاق المصطلحات، ولكن «الجملة الثورية» المحاطة بالطفولة اليسارية ما لبثت أن مدت آفاقها المشرقية العربية لكى تصل مع نهاية القرن إلى الخطاب الدينى بأكمله بعد أن شهدت السبعينيات والثمانينيات انتشار الإسلام السياسي وسيطرته على المجال «الثوري». وعندما تمدد الإعلام العربي طولا وعرضا من الصحافة المكتوبة إلى الفضائيات التلفزيونية كان التسطيح قد بلغ مبلغة فأصبح من يحررون الأرض من الخونة بينما صار من تسببوا في احتلالها أو إعادة احتلالها من الأحرار.
وخلال هذه الفترة التى جرت فيها الجريمة الفكرية كان تعبير "المقاومة" قد صار مقتصرا على الأعلى صوتا الملتهبة حنجرته بما يكفي من شعارات الإمبريالية والصهيونية والعمالة بعد نقعها في استراتيجيات الرفض والصمود والتصدي التي تعني في الواقع أن يبقى كل شيء على ما هو عليه وتبقى الأرض محتلة إلى الأبد. وخلال نفس الفترة كان الأكثر مقاومة هو الذي لا تنطلق من أرضه طلقة رصاصة واحدة بينما هو على استعداد للنضال حتى آخر فلسطيني طالما أن لديه ما يكفي من الكلمات عن الثورة والفورة. وفي وقت آخر صارت المقاومة هي الانتحار والقتل الجماعي والانتقام، ولكن دون علاقة حقيقية مع الهدف السياسي المطلوب تحقيقه وهو تحرير الأراضي العربية المحتلة. ولعل ذلك آخر فصول التفرقة بين جماعة حماس المتمردة في غزة، والسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية المفوضة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. فطالما كان شعار حماس هو المقاومة فإنها تقع في جانب الشرفاء حتى ولو توقفت عملياتها، أو إذا جاءت عملياتها الصاروخية فلن تعلم أبدا ما هي الإستراتيجية التي تخدمها، فقد توقف هدف التحرير عن كونه هدفا للعمل العسكري والسياسي وبقي الإعلان عنه وشفاء الغليل وشهوة الانتقام حتى ولو أدى كل ذلك إلى تكالب الأعداء علي الشعب الفلسطيني، أو أدى إلى حرمان القضية الفلسطينية من كل تعاطف عالمي.
وبعد أن انفصل العمل العسكري عن العمل السياسي، أصبح كل عمل سياسي نوعا من الاستسلام، وأصبح الاتهام سهلا لمحمود عباس وسلام فياض بالتواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة والاستسلام لهما. وأصبحت المقاومة هي أن تبقى الأرض المحتلة على حالها، أما الخيانة فتكون عندما تعمل على استردادها أو تحاول انتهاز فرصة لاحت من خلال ظروف إقليمية ودولية مثل الفرصة الراهنة التي نقلت سلوك الولايات المتحدة نقلة كيفية تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي خلال الأسابيع الأخيرة. لاحظ هنا حالة الهلع التي انتابت جماعة الحفاظ على الاحتلال واستخدامه تحت شعارات المقاومة في تصفية الدولة العربية الحديثة قبل مواجهة المحتل مواجهة واحدة منجزة وفاعلة. وعندما توالت التطورات الأخيرة من أول خطاب بوش حول الشرق الأوسط، وزيارة وفد الجامعة العربية لإسرائيل وحتى اجتماع شرم الشيخ لدول مجلس التعاون والأردن ومصر والولايات المتحدة كانت التعليقات التي توالت من أصحابنا هي ترقبوا الخديعة وتجاهلوا خطاب رئيس الدولة العظمى الوحيدة في العالم، لا تفعلوا شيئا حتى يقول الأعداء بوضوح أنهم سوف يسمحون فورا بحق العودة بل ربما يجهز كل إسرائيلي حقائبه ويرحل عن المنطقة، ولا تجهضوا المقاومة وكأن المقاومة – أى العمليات الانتحارية ـ مستعرة وتحرر قرية فلسطينية بعد أخرى.
هذه الحالة من الهلع والفزع من استئناف عملية السلام راجعة إلى تلك الحالة من الانحراف المفهومي الذي لا يجعل السياسة والدبلوماسية امتداد للحرب بوسائل أخرى، ولا يجعل العنف جزءا من منظومة سياسية توسع دائرة الحلفاء والأصدقاء، وتقلص ما بين الخصوم وحلفائهم وأصدقائهم. ولكن جماعتنا التى نست فكرة التحرير من الأصل مكتفية بزفرات الكلمة وآهات الشعارات ونغمات توزيع الاتهامات ذات اليمين وذات اليسار فإنها لا تستريح إلا كلما أضافت عدوا جديدا إلى قائمة أعدائنا، أو إذا جعلت خصما قديما عدوا دائما. وفي العموم فقدت الكلمات والتعبيرات والمفاهيم إنسانيتها، فالشعب الفلسطيني الذي يعيش عمليا على المعونات والهبات الدولية، والذى تمزقت أوصال مؤسساته وهيئاته، والذي يعيش في ظروف معيشية بالغة القسوة، أصبح غائبا تماما عن السياسة التي تقول بها حماس والجماعات الإسلامية الأخرى. وفي تاريخ حركات التحرر الوطني كانت الشعوب تعاني ظروف وعنت الاحتلال، ولكن هذه الحركات كانت تبذل أقصى ما تستطيع من أجل تخفيف هذا العنت وليس زيادته، وعندما يأتي لها شخص نظيف اليد وصاحب كفاءة اقتصادية مشهودة لها مثل الدكتور سلام فياض في الحالة الفلسطينية فإنه بالتأكيد يصبح في صفوف المقاومين الذين يعينون على الصمود في ظروف قاسية.
وعلى الأحوال فإن مثل هذا الانقلاب الفكري في مفاهيم المقاومة يشكل مفارقة كبرى وهو الذي يجعل محمود عباس وسلام فياض من المتواطئين وأولهما كان أول من حرر أراض فلسطينية من خلال اتفاق أسلو وثانيهما كان أول من وضع أساسا حقيقيا للاقتصاد الفلسطيني، بينما يجعل من الأبطال خالد مشعل المقيم في دمشق البعيدة وإسماعيل هنية الذي نزع غزة من اللحم الفلسطيني. ولكن الانقلابات الفكرية على الأرجح تشكل الموسيقى التصويرية لانقلابات واقعية أخرى قادمة لأنه لن يكون مسموحا استئناف العملية التفاوضية مرة أخرى، والقبول بأراض فلسطينية أخرى محررة يمكن للشعب الفلسطينى أن يديرها ويفرض حق تقرير مصيره عليها. فمثل هذه الحالة غير مقبولة، وكما جرى خلال العقدين السابقين فلن تكون مهمة المقاومة تحرير الأراضى المحتلة وإنما القيام بعمليات العنف اللازمة لإفساد العملية التفاوضية كلها. فبهذه الطريقة تمت عملية تدمير أسلو التي كانت أول عودة للمقاومين الفلسطينيين الحقيقيين إلى أراض محررة يمارسون فيها الحكم وتقرير المصير وتعليم الأولاد لأول مرة في التاريخ الفلسطيني.
وفي النهاية فإن التذكير بتعريف المقاومة ضروري، فهي الاستراتيجية السياسية والدبلوماسية والعسكرية لتحقيق التحرير للأراضي المحتلة من قبل عدو غاصب وقاس. وهي استراتيجية ليست معلقة في الهواء وإنما في إطار عالمي وإقليمي يضع محددات، ويطرح مخاطر، ويعطى فرصا لمن يستغلها. المقاومة ليست حفنة من الشعارات والاتهامات وقرع الطبول المجوفة في جنازات التاريخ، وإنما هي قبل كل شيء وبعده سياسة تغير واقعا غير مقبول، وتحقق إنجازا غير متاح، وتحافظ على أمة ولا تفرط فيها.

كي تختفي سنوات الرصاص من العالم العربي

كي تختفي سنوات الرصاص من العالم العربي
فهمي هويدي ـ الشرق الأوسـط 8 /8 /2007
لأن الأخبار الباعثة على التفاؤل في العالم العربي أصبحت نادرة في هذا الزمان، فإن إعلان المغرب عن طي صفحة سجل التعذيب بدا لي خبرا مبهجاً، بدد بعض الكآبة التي أصبحت من التداعيات اليومية لقراءة صحف الصباح. لا أنكر أنني فرحت مرتين لما تحقق في مسابقات كأس آسيا لكرة القدم، مرة لأن العرب فازوا بالكأس، ومرة ثانية لأن العراق كان الفريق الفائز، لكن هذه كانت لحظة فرح، نسيتها حين قلبت صفحة الجريدة ووقعت على بقية أخبار العراق الذي أرجو ألا يدرج في أدبياتنا باعتباره بلد المليون قتيل.
استأذن في تلخيص التقرير الإخباري الذي نشرته «الشرق الأوسط» على صدر صفحتها الأولى يوم الأحد الماضي (5/7) علكم تشاركونني جرعة التفاؤل والأمل. فقد احتوى التقرير على النقاط التالية:
* عقد رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، السيد احمد الحرزني، مؤتمرا صحفيا في الرباط أعلن فيه انه اكتمل ـ تقريبا ـ دفع التعويضات الفردية للمتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان خلال الفترة ما بين عام 1960 و 1999، التي أصبحت توصف في الأدبيات المغربية بأنها «سنوات الرصاص».
* قدر عدد الذين استفادوا من التعويضات بـ 23 ألفا و676 شخصاً، وزع عليهم نحو 1.56 مليار درهم مغربي (140 مليون يورو). وقد سلمت تلك التعويضات للضحايا وأهاليهم. وتم في المؤتمر الصحفي تسليم خمسة منهم درهما واحدا، اكتفوا بالمطالبة به كتعويض رمزي.
* هناك 12 ألف عائلة لضحايا سابقين سوف يستفيدون من التأمين الصحي، بناء على اتفاق أبرمته الحكومة مع تعاونية التأمين المغربية.
* قال الحرزني، وهو معتقل سياسي سابق، إن الأهم من التعويض النقدي الذي سلم للضحايا وأسرهم، هو اعتراف السلطة بالتجاوزات الخطيرة التي ارتكبت بحق الأفراد والمجموعات في تلك الفترة، واعتذارها عن تلك التجاوزات.
لست في موقف يسمح لي بالتثبت من مدى دقة المعلومات، ولا اعرف إن كانت صفحة سجل التعذيب قد طويت تماما أم أن طي الصفحة مقصور فقط على «سنوات الرصاص»، وهي المرحلة التي توحشت فيها أجهزة الأمن المغربية، وصار يضرب بها المثل في القسوة والبطش بالمعارضين السياسيين بوجه أخص. لكن مع كل ذلك لا أخفي حفاوة بالشجاعة الكامنة في الفكرة؛ وهي حفاوة عبرت عنها في أكثر من مناسبة. ليس فقط لأن إطلاق الفكرة وتنفيذها ولو بنسبة 50% أمر جدير بالتقدير والاحترام بحد ذاته، ولكن أيضا لأن سمعة العالم العربي في مجال انتهاكات حقوق الإنسان في الحضيض. وبالتالي فأي درجة من احترام تلك الحقوق تغدو خبرا سارا وباعثا على التفاؤل.
قبل أيام قرأنا في الصحف حديث الطبيب الفلسطيني الذي اتهم في قضية الممرضات البلغاريات وأطلق سراحه مؤخراً، عن صور التعذيب البشعة التي تعرض لها خلال سنوات السجن. وفي يوم نشر خبر طي صفحة سجل التعذيب في المغرب، كانت بعض الصحف المصرية تتحدث عن الإبلاغ عن 16 واقعة تعذيب في أقسام الشرطة خلال شهر يوليو/تموز، بمعدل حالة كل يومين. وهو ما رصدته منظمات حقوق الإنسان، بعدما تعددت في الآونة الأخيرة حوادث التعذيب التي أفاضت الصحف المستقلة والمعارضة في تفاصيلها. وكان من بينها إقدام احد ضباط الشرطة «في واحة سيوه» على إشعال النار في جسد شاب اتهم في حادث سرقة، مستهدفا بذلك إجباره على الاعتراف. وبعده بأيام قليلة اعتدى احد الضباط على شاب آخر في إحدى محافظات الدلتا (الدقهلية)، مما أدى إلى وفاته من جراء التعذيب والضرب. وفي الحالتين أدى ذلك إلى إثارة الأهالي واشتباكهم مع الشرطة، مما صدم الرأي العام واستدعى في الوعي العام ملف «سنوات الرصاص» التي لم يطو سجلها بعد. ومما لاحظته منظمات حقوق الإنسان أن عمليات التعذيب وقعت في أقسام الشرطة، الأمر الذي أثار قلق الكثيرين على المحتجزين في السجون والمعتقلات. ذلك ان تلك الأقسام واقعة في قلب المدن والأحياء. وما يجري فيها يظل في متناول اطلاع الرأي العام (وهو ما حدث بالفعل) في حين أن السجون والمعتقلات بعيدة عن الأعين، بحكم وجودها في أطراف المدن أو المناطق النائية. لكن الذي لا يقل عن ذلك أهمية أن ضحايا التعذيب في الحوادث التي تم رصدها كانوا من المواطنين العاديين، ولم يكونوا من المعارضين السياسيين. وخطورة هذه الملاحظة تكمن في أنها تعني اتساع الدائرة وتحول مثل هذه الانتهاكات من ممارسات استثنائية بحق المعارضين السياسيين، إلى قاعدة للتعامل مع عموم المشتبهين والمتهمين، وأسلوب مستقر في استنطاقهم. وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن تعذيب البشر أصبح جزءا من ثقافة أجهزة الأمن.
قبل أن استطرد في تحليل الظاهرة، ألفت الانتباه إلى أن ما يحدث في مصر ليس استثناء في العالم العربي، ولكن تقارير منظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية حافلة بالشهادات التي تسجل انتهاكات حقوق الإنسان في أغلب دول المنطقة، وإذا كانت هناك تفصيلات منشورة في الصحف المصرية حول الموضوع، فذلك راجع إلى أن ثمة هامشا لحرية الكلام والنقد في مصر، يحتمل نشر هذه الأخبار أولا بأول، والتفصيل في وقائعها من خلال استطلاع آراء الضحايا واستعراض تقارير المنظمات الأهلية، واستطلاع آراء الخبراء والمحللين في صددها.
في هذا السياق ينبغي أن نقر بأن انتهاكات حقوق الإنسان والتوسع في عمليات التعذيب بوجه أخص جرى غض الطرف عنها واحتمالها في أعقاب أحداث سبتمبر(أيلول) 2001. ولم يعد سرا أن الولايات المتحدة رعت هذا التحول وشجعته بدعوى شن الحرب العالمية ضد الإرهاب؛ فمن جانبها مارست أنواعا ودرجات من التعذيب، كما أنها استعانت بخبرات العالم العربي وكفاءاته المشهورة في الاستنطاق، فأرسلت أعدادا غير معروفة العدد إلى أربع عواصم عربية ـ كما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» ـ للقيام بما يلزم في هذا الصدد، خصوصا الممارسات والانتهاكات التي لا ترغب الولايات المتحدة في أن تمارسها على أرضها وبواسطة أجهزتها، مفضلة أن يتحمل الآخر أية مسؤولية قانونية أو جزائية عن ذلك في المستقبل.
ينبغي أن نقر أيضا بأن بعض البلدان العربية استخدمت لافتة «الحرب ضد الإرهاب» في تصفية معارضيها وتأديبهم، الأمر الذي كان له دوره في توسيع نطاق الانتهاكات، وإسكات الأصوات الناقدة لممارساتها. لأنه طالما أن تلك الإجراءات ظلت تمارس باسم الحرب على الإرهاب، فقد تردد كثيرون في انتقادها حتى لا يتم تصنيفهم ضمن المدافعين عن الإرهاب أو الراعين للإرهابيين.
ثمة اعتبار خاص بالساحة المصرية، يتمثل في فرض العمل بقوانين الطوارئ لفترة تجاوزت ربع قرن. وهي القوانين التي أطلقت يد أجهزة الأمن في الضبط والاعتقال وسمحت بإجراء المحاكمات العسكرية والاستثنائية. الأمر الذي أشاع بين العاملين في تلك الأجهزة ما أصبح يوصف في مصر بإدمان الطوارئ، الذي حول الانتهاكات إلى ممارسات عادية، يغض الطرف عنها دائماً. وفي الحالات الصارخة التي تتحدث عنها الصحف فان بعض إجراءات المحاسبة والتحقيق تتم، وتنتهي إما بالبراءة أو بإجراءات لا تتجاوز «شد الأذن».
هذه الأجواء تدفع واحدا مثلي إلى الحفاوة بأي معالجة نزيهة لذلك الملف البائس. الذي يسيء إلى الأنظمة بقدر إساءته إلى المجتمعات العربية. وحين تذهب تلك المعالجة إلى حد الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه وتعويض ضحاياه، فإننا نصبح إزاء سلوك متحضر، ونهج فريد لا نعرف له مثيلا في العالم العربي. وقد كانت جنوب أفريقيا رائدة في طرح فكرة الحقيقة والمصالحة، في أعقاب سقوط نظامها العنصري. حيث كانت تلك الصيغة سبيلا إلى معالجة جراح الماضي ومراراته، الأمر الذي كان له دوره في إنجاح الانتقال إلى السلطة وفي توفير أسباب الاستقرار للمجتمع.
إن الباحث لا يستطيع أن يفصل بين ذلك التطور الذي شهدته المملكة المغربية، وبين الحيوية التي يتمتع بها المجتمع المدني، وبين الانفراج الديمقراطي النسبي الحاصل هناك. ولا بد أن يسجل للمغرب في هذا السياق انه من الدول العربية القليلة التي سمحت بتعددية سياسية حقيقية، خلت من مساعي الإقصاء والاستئصال خصوصا للتيار الإسلامي. وهو ما وفر فرصة جيدة لمشاركة الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية، الذي يتوقع له المتابعون حظوظا جيدة في الانتخابات النيابية التي تجري هناك في الشهر القادم.
بطبيعة الحال، لم يخل الأمر من مضايقات وضغوط وتحالفات وربما أيضا مؤامرات لإضعاف فرص الحزب في النجاح، إلا أن ذلك يمكن احتماله إذا ما ظل في إطار التنافس السياسي السلمي، ناهيك عن أن هذا الوضع بكل ما فيه يظل أفضل من أوضاع أخرى في عدة أقطار عربية مغربية وشرقية.
ليس مصادفة ذلك التزامن بين الانفراج الديمقراطي في المغرب وبين مسعى طي صفحة التعذيب وتجاوز أحزان سنوات الرصاص، ولعلي لا أبالغ أن ثمة علاقة وثيقة بين الحالتين، هي اقرب ما تكون إلى علاقة السبب بالنتيجة ـ بمعنى الحالة الديمقراطية النسبية التي يعيش في ظلها المغرب كانت العنصر الضاغط الذي أدى إلى إطلاق فكرة الإنصاف والمصالحة، والوصول إلى طي صفحة سجل التعذيب. وإذا صح ذلك، فربما كان حافزا لنا لكي نشدد على أن ظاهرة التعذيب في العالم العربي لن يحسم أمرها ولن يتم تجاوزها إلا إذا استطعنا أن نحل المشكل الديمقراطي ونخرج من أزمته. وهذا الحل لن يوهب إلى مجتمعاتنا أو يهدى إليها في إحدى المناسبات السعيدة، ولكن يستخلص بقوة المجتمع المدني وضغوط أبنائه من خلال نضالهم السلمي، الذي لا يحيد عن الهدف ولا يلين بمضي الوقت. وعندئذ فقط نتفاءل بيوم تختفي فيه سنوات الرصاص في كل العالم العربي.

المعونة الأمريكية والتمييز بين المسلمين والمسيحيين‏!

المعونة الأمريكية والتمييز بين المسلمين والمسيحيين‏!
‏بقلم : صلاح الدين حافظ
‏ هذا موضوع حساس يحتاج إلي تحقيق دقيق‏,‏ إن لم يكن من جانب الدولة فمن جانب المجتمع المصري‏,‏ بمنظماته ومؤسساته‏,‏ بمسلميه ومسيحييه‏.‏موضوع حساس لأنه يتعلق بأساليب انفاق الجزء الرئيسي من المعونة الاقتصادية الموجهة لمصر‏,‏ والتي يجري تخفيضها سنويا‏,‏ فصارت الآن نحو‏400‏ مليون دولار‏,‏ بعد أن كانت في التسعينيات‏815‏ مليون دولار‏,‏ لمن توجه‏,‏ ومن الذي ينفرد باختيار المشروعات التي تمولها‏,‏ وعلي أي أساس يتم اختيار هذه المشروعات وأصحابها‏..‏ علي أساس سياسي‏,‏ أم فكري‏,‏ أم عقائدي وديني‏!!.‏لقد تعرضنا في المقال السابق لاختراق المعونة الأمريكية للمنظومة الثلاثية لصناعة العقل وتوجيه الرأي‏,‏ وهي منظومة التعليم والإعلام والثقافة‏,‏ وقدمنا ما رأيناه محاولة أمريكية‏,‏ لتغيير العقول والأفهام والرؤي والأفكار‏,‏ وبالتالي المواقف والسياسات في مجتمعنا‏.‏اليوم نطرق اختراقا آخر له حساسيته المفرطة‏,‏ ولذلك طالبنا منذ البدء بضرورة التحقيق والتدقيق فيه‏,‏ ونعني أن المعونة الأمريكية أصبحت سلاحا لشق المجتمع المصري ولتغذية الفتنة الطائفية‏,‏ ولإثارة الشحناء بين المسلمين والمسيحيين‏,‏ من خلال التمييز بينهم والتفرقة علي أساس ديني‏,‏ عند تمويل المشروعات بالمعونة الأمريكية هذه‏!.‏والأمر جلل يستدعي التساؤل‏:‏ لماذا تتورط السياسة الأمريكية بهذا الشكل العلني الخطير في أدق علاقة بين مسلمي مصر ومسيحييها‏,‏ وصولا إلي تمييز بعض المسيحيين للاستفادة من هذه المعونة دون أقرانهم ومواطنيهم من المسلمين‏,‏ وهل هذه دعوة جديدة للكراهية تغطي بها أمريكا كراهية شعوب المنطقة لمجمل سياساتها وحروبها وانحيازاتها؟‏!.‏أمامي في هذا الأمر واقعتان‏..‏‏**‏ الواقعة الأولي‏,‏ حدثت في منتصف التسعينيات‏,‏ حينما جاءتني باحثة جامعية‏,‏ تستشيرني في رسالتها للماجستير‏,‏ وكانت حول تأثير المعونة الأمريكية علي مصر‏,‏ ولفت نظري أن الباحثة ذكرت أن أهداف المعونة الأمريكية وأساليب انفاق أموالها‏,‏ تثير مؤشرات سلبية في مصر‏,‏ واتفقت معها‏,‏ لكن ما صدمني حقا‏,‏ ذكرها أن هيئة المعونة الأمريكية في سبيل تحقيق أهدافها‏,‏ تفضل تمويل مشروعات صغيرة للشباب لإيجاد شريحة جديدة من الرأسماليين الجدد‏,‏ يكبرون يوما بعد يوم‏,‏ وقد وجدت ذلك مفهوما في إطار ما تفعله واشنطن لتغيير المجتمع المصري‏,‏ ودفعه نحو السوق الحرة واندماجه في العولمة‏.‏الذي صدمني هو ما ذكرته الباحثة‏,‏ من أن هيئة المعونة الأمريكية تفضل اختيار الشباب المسيحيين لتشجيعهم في هذا المجال‏,‏ وخصوصا أولئك الذين ينتمون لعائلات مسيحية مصرية قديمة ومعروفة‏,‏ ولأن الأمر خطير‏,‏ خصوصا في فترة التسعينيات حين كانت الهجمات الإرهابية والصدامات الطائفية ملتهبة‏,‏ فقد نصحتها بالتحقق من هذه المعلومات‏,‏ والأفضل عدم ذكرها تفصيلا‏,‏ حتي لا تساعد في تأجيج الفتنة الملتهبة‏,‏ وتتهم بالتعصب والتحريض ضد المسيحيين‏!.‏لكنها فاجأتني بأمرين‏,‏ أولا أخرجت من حقيبتها ورقة‏,‏ سجلت فيها‏84‏ اسما لشباب مسيحيين استفادوا من هذه المعونة‏,‏ وهم أضعاف من استفادوا من المسلمين‏,‏ وثانيا قالت لي لا تقلق فلن اتهم بالتعصب وإثارة المشاعر ضد هؤلاء الشبان المسيحيين‏,‏ لسبب بسيط هو أني مسيحية‏!!.‏‏***‏‏**‏ الواقعة الثانية‏,‏ مرت سنوات علي الواقعة الأولي‏,‏ سقطت من الذاكرة بحكم عوامل التعرية‏,‏ حتي تذكرتها من جديد قبل أيام قلائل‏,‏ حين قرأت في جريدة المصري اليوم ـ‏2007/7/10),‏ تقريرا منشورا علي نحو نصف صفحة‏,‏ بعنوان وثيقة أمريكية‏:‏ اتجاه لتركيز المعونة علي أماكن تجمع الأقباط في مصر‏..‏والتقرير منسوب إلي وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك‏,‏ تقول فيه إنها حصلت علي نص وثيقة مقدمة للكونجرس يقر فيها مسئول بارز بهيئة المعونة الأمريكية‏,‏ بأن واشنطن غيرت في السنوات الأخيرة‏,‏ هيكل المعونة المدنية ـ الاقتصادية لمصر‏,‏ لتركز بشكل غير مسبوق علي المناطق السكنية‏,‏ التي يمثل الأقباط أغلبية فيها‏,‏ وعلي ماسمته الوثيقة تقوية منظمات مسيحية غير حكومية‏.‏يضيف التقرير المنشور‏,‏ إن جيمس اركوندر مساعد مدير هيئة المعونة قدم هذه الوثيقة أمام اللجنة الفرعية لشئون الشرق الأوسط‏,‏ وأنها تضم عشر صفحات وصدرت بتاريخ‏17‏ مايو‏2006,‏ وجري تحديثها أخيرا‏.‏صدمتني المعلومات الواردة في الوثيقة المنشورة في صحيفة مصرية سيارة‏,‏ وتوقعت أن تحدث دويا‏,‏ وأن تنتفض الدولة والمؤسسات المصرية لتكذيبها‏,‏ أو أن يأتي التكذيب من أمريكا‏,‏ ولكن شيئا لم يحدث‏,‏ وظللت حريصا لأيام مضت علي التدقيق‏,‏ في كل ما ينشر في الصحف المصرية‏,‏ بتنويعاتها الثلاثة‏,‏ القومية‏,‏ والحزبية‏,‏ والخاصة‏,‏ لعلني أجد تعليقا أو تكذيبا أو تأكيدا‏,‏ فلم أجد ولم اسمع حسا ولا خبرا‏.‏ساعتها قلت لنفسي إن الوثيقة تحتمل الصحة والدقة‏,‏ أكثر مما تحتمل شيئا آخر‏,‏ ولذلك لجأ الجميع إلي مداراة الأمر رهانا علي أن الناس في بلادي عادة ما ينسون‏.‏الآن وجب علينا طرح هذه الواقعة الخطيرة علي الرأي العام‏,‏ لنكشف له كيف تلعب السياسة الأمريكية‏,‏ وبرامج معوناتها‏,‏ لعبا خطيرا في أدق علاقات ووشائج المجتمع المصري حين تفرق في الانفاق‏,‏ بين من هو مسلم ومن هو مسيحي‏,‏ بين تجمع قبطي وآخر‏,‏ وهي تفرقة لن تنتج إلا مزيدا من التمييز‏,‏ ومزيدا من الصراع والشحناء والصدام‏,‏ ولدينا منه ما يكفي‏..‏ فهل يكفي الصمت والمداراة انتظارا لكارثة‏,‏ أم علي الدولة المصرية سرعة التحقيق‏,‏ وحسم التمييز‏,‏ والاستقطاب‏,‏ ووقف التدهور واصطناع الصدام‏!.‏تقول الوثيقة نصا إن مشروعات هيئة المعونة الأمريكية في مجالات الصحة‏,‏ والتعليم‏,‏ والبنية التحتية‏,‏ وتنمية المجتمع المدني‏,‏ تعمل الآن في كل منطقة ذات نسبة سكانية قبطية كبيرة‏,‏ خصوصا في جنوب مصر والقاهرة والإسكندرية‏..‏ وتضيف في مكان آخر‏..‏ أعادت المعونة الأمريكية تأهيل وتوسيع محطات المياه في‏18‏ قرية من ذات النسبة السكانية القبطية الكبيرة‏,‏ وقد زادت نسبة التمويل للقري ذات النسبة القبطية الكبيرة‏,‏ لبرامج معالجة المياه وحدها‏,‏ علي‏200‏ مليون دولار خلال السنوات الخمس الماضية‏...‏اقتطفنا من الوثيقة معلومات أخري‏,‏ تقول إن هيئة المعونة قدمت‏12‏ مليون دولار لتجديد عشرات من الأماكن القبطية المقدسة في مصر‏,‏ مثل الكنيسة المعلقة‏,‏ وكنيسة مارجرجس‏,‏ وكنيسة سرجيوس وتقول المعلومات إن هيئة المعونة قدمت‏2,2‏ مليون دولار منحة لأربعين منظمة قبطية غير حكومية خلال السنوات الست الماضية‏,‏ دون علم الحكومة المصرية‏..‏‏***‏ثم تضيف الوثيقة المنشورة‏,‏ أن المعونة الأمريكية تقدم دعما مباشرا للمنظمات المسيحية التي تعمل في مجال تنمية المحليات‏,‏ وتقوية قادة هذا المجتمع عن طريق التعليم‏,‏ والقيادة والتدريب علي المهارات‏...‏إلخ‏.‏هذا إذن كلام منشور في صحيفة معروفة بدقة مصادرها‏,‏ منقول أو منسوب لوثيقة رسمية أمريكية قدمت للكونجرس‏,‏ لتشرح التوجهات الحالية والجديدة لهيئة المعونة الأمريكية في مصر‏..‏ كلام لم يكذبه أحد من قريب أو بعيد‏,‏ فهو لذلك يميل إلي أنه صحيح ودقيق‏,‏ وكان علينا أن نتعامل معه بهذا المعيار‏..‏وربما تدافع هيئة المعونة الأمريكية عن نفسها‏,‏ بتمييز المسيحيين عن المسلمين‏,‏ بأن المسيحيين مهمشون ومضطهدون‏,‏ كما تقول دوائر أمريكية كثيرة‏,‏ وكما تدعي منظمات أقباط المهجر‏,‏ غير أن الحقيقة أن التهميش قائم‏,‏ لكنه لا يفرق بين مصري وآخر علي أساس الدين‏,‏ وانظر إلي ملايين الفقراء وأغلبيتهم الساحقة بحكم عدد السكان من المسلمين‏.‏مثل هذه الادعاءات لا تصلح مبررا لهذا التمييز الأمريكي في أدق شئون حياتنا‏,‏ بل إن الأصل هو أن تكف أمريكا‏,‏ وسياساتها عن اختراق المجتمع المصري‏,‏ باغراءات المال‏,‏ وضغوط السياسة واغواء السلطة المنتظرة‏.‏وهذه سياسات نراها معادية لمصر‏,‏ ولغيرها من الدول التي تتكرر فيها هذه النماذج‏,‏ ونراها جزءا رئيسيا من سياسة الفوضي الخلاقة‏,‏ الهادفة إلي تقسيم بلادنا علي أسس طائفية ودينية وعرقية‏,‏ بإثارة الفتن‏,‏ وتأجيج المشاعر‏,‏ وإلهاب الأزمات‏,‏ بينما حكوماتنا لا تعمل بما فيه الكفاية‏,‏ لقطع الطريق ومعالجة الأزمات وتحقيق المساواة علي أساس المواطنة وإقامة دولة القانون والمؤسسات‏,‏ التي تطلق الحريات للجميع دون تمييز‏.‏نعم‏..‏ هذه سياسات أمريكية معادية‏,‏ تحتاج لمواجهة حاسمة ولوقفة جريئة تعرف الرفض‏,‏ وتستطيع أن تقول لا‏,‏ هذه سياسات ووقائع تستحق التحقيق علي أعلي مستوي‏.‏فإن لم تقم الدولة المصرية بمثل هذا التحقيق‏,‏ فإن علي منظمات المجتمع المدني الوطنية حقا أن تفعل الآن قبل الغد‏,‏ دفاعا عن حرية الوطن‏,‏ ووحدة شعبه‏!.‏‏***‏‏**‏ خير الكلام‏:‏ يقول عباس العقاد‏:‏لا تحسدن غنيا في تنعمهقد يكثر المال مقرونا به الكدر

الإسلاميون والسياسة.. زواج أم طلاق



د. رفيق حبيب ـ المصـريون : بتاريخ 7 - 8 - 2007

الجدل الدائر حول دور الإسلاميين في العمل السياسي، وصل لمرحلة من التعقيد، بسبب وجود حيرة حول الاختيارات المختلفة للعمل السياسي أو الموقف من العمل السياسي. ولذلك من المهم البحث عن المشكلة، وسبب تعدد الآراء حول دور الإسلاميين في العمل السياسي. أعتقد أن المشكلة الأساسية في طبيعة البيئة السياسية في مصر والبلاد العربية، فهي تمثل المشكلة الأساسية، وليس طبيعة الحركات الإسلامية. فقد ثبت عبر الوقت أن الحركات الإسلامية تتغير وتتكيف مع الواقع بصورة أفضل من النخب السياسية الحاكمة، ومن البيئة السياسية بكل مفرداتها. وفي البداية كانت مشكلة الحركات الإسلامية أنها تريد العمل في المجال السياسي، ولكن خارج الإطار السياسي المتاح، وخارج إطار قواعد العمل الديمقراطي. وكانت رؤية الحركات الإسلامية للديمقراطية تقوم على أساس أنها جزء من النظام السياسي الغربي، وجزء من العلمانية. وتم حل هذه المشكلة من خلال قدرة الحركات الإسلامية على استيعاب أدوات الديمقراطية، حيث وجدت الحركات الإسلامية المعتدلة أن تلك الأدوات كافية لتحقيق اتفاق وإجماع الأمة، وكافية لتحقيق الشورى الملزمة. واستطاعت الحركات الإسلامية، والمفكرون الإسلاميون، التمييز بين الديمقراطية والعلمانية، والتمييز بين الديمقراطية والليبرالية، مما جعل الديمقراطية منهجا للعمل السياسي، وأداة التعددية والتداول السلمي للسلطة. وبهذا تم حل مشكلة الديمقراطية، ولكن البيئة السياسية والنخب الحاكمة لم تقبل بالحركات الإسلامية كمنافس لها. وبدأت تظهر تجارب متسامحة نسبيا مع الحركات الإسلامية، في بعض البلاد العربية مثل الكويت واليمن، وتجارب أخرى غير متسامحة مثل مصر، وتجارب للتراجع والتذبذب في التسامح مثل الأردن. وهنا أصبحت المشكلة في البيئة السياسية، لأنها بيئة غير ديمقراطية، وتعمل فيها حركات إسلامية أصبحت تتبنى آليات العمل الديمقراطي.
هذه المشكلة أثارت فكرة أن الصدام الحادث بين الحركات الإسلامية والأنظمة الحاكمة ليس في صالح الحركات الإسلامية، وربما ليس في صالح العمل الدعوي الإسلامي ككل. وتلك في الواقع مشكلة مهمة، فالحركات الإسلامية التي تقوم بالعمل السياسي تدفع ثمنا باهظا لهذا العمل، وفي نفس الوقت تطرح تلك الحركات الفكرة الإسلامية باعتبارها بديلا عن الأنظمة الحاكمة، مما يجعل الأنظمة الحاكمة تحاصر مجمل الفكرة الإسلامية، وليس فقط الحركات الإسلامية التي تعمل في المجال السياسي، بل وتلك الحركات التي تعمل في المجال الدعوي، والجمعيات التي تعمل في المجال الاجتماعي، خوفا من أن تكون تلك الحركات والجمعيات سندا للحركات التي تعمل في المجال السياسي. بل أن النظام الحاكم في مصر، وإتباعا لسياسة النظام التونسي، بدأ في حصار المساجد كلها، وحصار الخطاب الإسلامي الديني والدعوي، حتى لا يكون هذا الخطاب مصدرا لمعارضة إسلامية بأي صورة. ووصل النظام في النهاية إلى خلاصة، تتركز في أهمية سيطرة النظام على مجمل المجال الإسلامي، وتوجيه الدين الإسلامي لمصلحته، وحصاره حتى لا يكون مصدرا لأي معارضة ضده. وبهذا تعقدت المشكلة أكثر، حيث رأى البعض أن كل هذا الحصار بسبب الحركات الإسلامية التي تعمل في المجال السياسي، وعليه يصبح من الأفضل ترك المجال السياسي كاملا، وتفرغ كل الحركات والقوى والرموز الإسلامية للعمل الدعوي والاجتماعي، حتى يتاح لهم حرية الحركة الكاملة من أجل نشر الدعوة الإسلامية.
هنا علينا البحث في جدوى تلك الفكرة، فهي تعني أنه بعد عدة سنوات، سوف يقتنع النظام الحاكم في مصر بأن الحركات الإسلامية الوسطية، أصبحت حركات دينية فقط، وليس لها دور سياسي ويتركها تعمل. وهنا نلاحظ أنه ربما يتركها تعمل في المجال الدعوي، ولكن بدون تنظيمات لها هيكلها المحددة، وفي شكل عفوي. لأن النظام يرفض وجود تنظيمات مؤسسية، لأنها تمثل قوة يمكن أن تتحرك ضده في أي لحظة، أو تنافسه سياسيا. ثم سيكون من المهم لدى النظام مراقبة تلك الحركات الدعوية، والتأكد أنها لا تدعو لأفكار دينية تدين النظام الحاكم بأي صورة من الصور، أو حتى تدين الفساد المستشري في السلطة. ثم سيكون على تلك الحركات الدعوية، الدعوة لأهمية طاعة الحكام، وعدم الخروج عليهم. ثم سيكون على تلك الحركات، وكي تحمي ما حققته من انتشار دعوي، أو تؤيد ترشيح النظام الحاكم، خاصة في انتخابات الرئاسة. وهذه الصورة موجودة بالفعل، فالحركات الصوفية منتشرة في البلاد أكثر من غيرها من التيارات والحركات الإسلامية، والنظام يترك لها كامل الحرية للحركة، ولكنه يوظفها لصالحه، ولا تستطيع الحركات الصوفية أن تواجه النظام أو ترفض توظيفها، أو تدعي بعدها عن السياسة وترفض تأييد الحاكم عندما يطلب منها ذلك. لأنه إذا شعر النظام بأن الحركات الصوفية تحاول أن يكون لها استقلالها النسبي، سوف يعتبر ذلك من العلامات السلبية، والتي تجعله يغير سياسيته تجاه تلك الحركات. وهنا علينا ملاحظة أن الخطاب الإسلامي، عقيدة وشريعة، لذلك يحاول النظام السيطرة عليه، وليس فقط إبعاد الحركات الإسلامية عن العمل السياسي.
وأعتقد أن فكرة وجود حركات دعوية تحت سيطرة النظام ويوظفها النظام لن ترضي أحد. ولذلك نرى أن عمل الإسلاميين السياسي ضرورة، ولكن ليس كل الإسلاميين، فالعمل الدعوي ضرورة أيضا، والعمل الاجتماعي ضرورة أيضا، وتعدد الحركات الإسلامية وتعدد ما تختاره من مجالات للعمل أمر أساسي. ووجود حركات متخصصة في مجال ما، وحركات تعمل في العديد من المجالات، ومن بينها العمل السياسي، أو ليس من بينها العمل السياسي، مهم أيضا. فليس صحيحا أن تكون كل الحركات الإسلامية سياسية، ولا أن تهجر كل الحركات الإسلامية العمل السياسي. المطلوب هو تنوع الحركات وتنوع وسائلها، وصمودها في وجه النظام، حتى يكون تنوعها قوة لها، ويستحيل مع الوقت السيطرة الكاملة عليها.

Monday, August 06, 2007

مصر في ظل الوطني ومبارك: بلد من الأسرار


مصر في ظل الوطني ومبارك: بلد من الأسرار بقلم ضياء رشوان ٦/٨/٢٠٠٧
يوماً بعد آخر يتأكد المرء من أن مصر تعرف واحداً من أعجب وأغرب النظم السياسية علي مستوي العالم كله، لم يرد له مثيل أو حتي شبيه في أي تصنيف للعلوم السياسية المتخصصة في هذا المجال.
ومصادر العجب والغرابة ومظاهرهما في أداء النظام المصري ليست فقط في طبيعته الاستبعادية المتزايدة لأي مشاركة حقيقية عن طريق الإجراءات أو التشريعات، ولا في تمحوره حول الفرد - الرئيس الذي يملك كل شيء ويحكم في كل شيء، ولا في قيامه واستمراره علي تحالف متين من الفساد والاستبداد لا يلقي بالاً إلي مصالح ورغبات عموم المصريين ويواصل تدمير حياتهم وما بقي من مستقبلهم، بل هي أيضاً في الطريقة السرية التي يدير بها الشؤون والسياسات العامة في البلاد.
ففي ظل هذا النظام الذي تتابعت حكوماته وقيادات حزبه من مختلف الأجيال والأسماء، أصبحت مصر بلداً من الأسرار التي لا يستطيع أحد من المصريين - مهما بلغ علمه واطلاعه - أن يطلع عليها أو يعرف ولو جزءاً صغيراً منها، بالرغم من أنها جميعاً تمس حياة ومصالح ومستقبل كل المصريين في جميع المجالات، التي يمكن تخيلها.
وحتي لا يصبح الحديث محض خيال أو قول مرسل، تعالوا نحصي معاً عدد ونوعية القضايا - الأسرار المثارة في الأسبوعين الماضيين وحدهما، والتي لا يعرف أحد من عموم المصريين أو نخبتهم ما هو القرار النهائي الذي ينتويه النظام بشأنها. فعلي الصعيد الاقتصادي، تأتي قضية بيع بنك القاهرة لمستثمر أجنبي رئيسي بنسبة ٨٠%، والتي طرحت إجراءاتها فجأة وبعد شهور بل وسنوات طويلة من النفي الحكومي والحزبي الرسمي لأي نية لهذا البيع، لتدفع للتساؤل عن الطريقة السرية التي تدار بها أخطر ملفات الاقتصاد المصري من جانب الحزب الوطني وحكومته.
وفي التوقيت نفسه تقريباً ثارت عاصفة التغيير الوزاري المحتمل بعد أن صرح الرئيس مبارك بأنه غير مستبعد، لتدخل البلاد بنخبتها ووسائل إعلامها ومنتدياتها السياسية في جولات متتابعة من التكهنات والتخمينات حول حدود هذا التغيير ومن سيشملهم دون أن تتوافر معلومة واحدة أولية مؤكدة حول حقيقة هذا التغيير وموعده وحدوده.
ولعله ليس هناك من داع، بعد كل ما كتب وقيل في وسائل الإعلام المصرية، للتفصيل في مخاطر مثل تلك الأجواء السرية الغامضة والمربكة علي أداء الحكومة الحالية وأجهزتها وتأثيرها شديد السلبية علي مصالح المصريين وقضاياهم الحيوية، وهو إرباك مفهوم، في ظل أن أحداً من أعضاء هذه الحكومة وفي مقدمتهم رئيسها لا يعرف إذا ما كان هناك تغيير وزاري أم لا ولا إذا ما كان هو من المطروحين للخروج من الحكومة أو البقاء فيها.
وفي نفس الوقت الذي تُغير فيه - أو لا تُغير - حكومة البلاد بصورة سرية تغيب عمن تحكمهم تلك الحكومة، يفاجئنا أمين عام الحزب الوطني ورئيسه بعد ذلك باتخاذ قرار باختيار كافة مستويات الحزب الداخلية بالانتخاب، وصولاً إلي رئيس الحزب وأمانته العامة ومكتبه السياسي. ولا شك أن اللجوء لمبدأ الانتخاب في حد ذاته يعد توجهاً إيجابياً،
إلا أنه عندما يتعلق باختيار قيادات عليا للحزب الذي يهيمن علي حكم مصر منذ عام ١٩٧٨ يصبح أمراً عاماً يهم كافة المصريين وليس أعضاء هذا الحزب وحدهم، الأمر الذي كان - ولا يزال - يستلزم عدم إخفاء ما يدور من ترتيبات أو تدابير سرية لاختيار هؤلاء القادة الجدد عنهم، إلا أن الطبع يغلب التطبع فتحول الأمر برمته إلي سر آخر من الأسرار التي لا يجب علي عامة المصريين أو حتي نخبتهم معرفتها.
وعندما نذهب إلي المجال التشريعي نكتشف أنه يشهد استعدادات محكمة السرية من جانب قطاعات ضئيلة في الحزب والدولة لإصدار ثلاثة قوانين علي الأقل تمس حياة ومصالح ومستقبل كل المصريين بلا استثناء، دون أن يعرف أحد منهم ما يجري إعداده في الكواليس المظلمة.
فهناك أولاً قانون مكافحة الإرهاب الذي يجري العمل فيه منذ أكثر من عام دون أن يعرف أحد من المصريين الذين تزعم الحكومة وحزبها أنه سيصدر من أجل حمايتهم أي شيء عن نصوصه أو اتجاهاته.
وهناك ثانياً قانون المجالس المحلية وموعد انتخاباتها القادمة والتي يشاع أنها ستؤجل مرة أخري لما بعد عام ٢٠٠٨، والذي هو أيضاً من الأسرار العليا التي تضن بها قيادة الحزب والحكومة علي كل المصريين بالرغم من أنه يمس كل تفاصيل حياتهم اليومية عبر تلك المجالس.
وهناك ثالثاً قانون مجلسي الشعب الشوري، واللذين سيحددان شكل النظام الانتخابي الذي سيختار المصريون عبره أعضاء مجلسي البرلمان الذي سيشرع لهم قوانينهم ويراقب الوزارات التي تحكمهم، فلاشيء يعرفه أحد في البلاد، بمن فيهم نواب الحزب الحاكم أنفسهم، عن هذا النظام الانتخابي الذي تحتفظ به فئة قليلة بداخل النظام السياسي لنفسها وحدها كأنه أحد الأسرار العسكرية التي لا يجوز اطلاع العامة عليها.
خلاصة الأمر أن الحزب الوطني بعد نحو ثلاثين عاماً من هيمنته الشاملة علي مصر وأكثر من ربع قرن من حكم الرئيس مبارك لها قد نجح في ابتداع نظام سياسي جديد لم يرد له ذكر في مصنفات العلوم السياسية ولم يتكرر له مثيل في الواقع العملي الدولي، وبمقتضاه أصبحت مصر فعلاً بلدًا من الأسرار.

Sunday, August 05, 2007

مع أفراح الديمقراطية في تركيا


مع أفراح الديمقراطية في تركيا بقلم د.سعد الدين ابراهيم المصري اليوم ٤/٨/٢٠٠٧
شاركت مع مئات من المراقبين الأجانب في أيام الديمقراطية في تركيا، حيث وصلت إلي اسطنبول في اليوم السابق لإجراء الانتخابات البرلمانية «٢١/٧»، والتي تمت بنجاح منقطع النظير يوم الأحد ٢٢/٧، وشاركت في اليوم التالي في مائدة مستديرة، ضمت عشرة آخرين من الأساتذة والخبراء والسياسيين الأتراك، نظمتها المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، وجامعة صابنجي. وأدار النقاش الدكتور منصور أكوجن، رئيس قسم العلاقات الدولية.
ومن المفارقات المبكرة أنه لم يوجد بين المشاركين في الحوار أحد من الحزب الذي فاز في الانتخابات، وهو حزب « العدالة والتنمية»، والذي يختصر الجميع اسمه بالحروف اللاتينية الثلاثة .
AKP
وقيل إن جميع أقطاب الحزب، إما مرهقين من الحملة الانتخابية التي استمرت شهرين مكثفين، أو أنهم مشغولون بتشكيل الحكومة الجديدة، أو يشاركون في احتفالات دوائرهم بالنصر الكبير.
أما لماذا دعيت أنا للمشاركة في مائدة مستديرة لا تضم إلا الأتراك، فقد كان لرغبتهم ورغبة الجمهور في التعرف علي وجهة نظر مصرية ـ عربية لتداعيات هذا الحدث الكبير علي المنطقة الشرق أوسطية عموماً، ومصر خصوصاً، التي تتمتع بين الأتراك بمكانة خاصة، ويتابعون ما يحدث فيها بشغف واهتمام.
أما لماذا اعتبر الأتراك هذه الانتخابات، تحديداً حدثاً حاسماً، فهو للأسباب التالية:
١ـ وقعت الانتخابات في تاريخ مبكر عدة شهور، عن موعدها الاعتيادي في أواخر الخريف، وهذا أمر يسمح به الدستور التركي ـ وهو التعديل أو التأجيل في حدود ستة شهور، بناء علي قرار من الحكومة وموافقة البرلمان.
٢ـ وجاء هذا التعجيل من حكومة حزب العدالة والتنمية، برئاسة رجب طيب أردوغان، كنوع من التحدي للمؤسسة العسكرية التركية، التي تدير معظم الشأن السياسي التركي من وراء الستار. فإذا لم يستجب لرغباتها فإنها قد تتدخل مباشرة، بانقلاب عسكري، تستولي فيه علي السلطة، لسنة أو أكثر إلي أن تعيد ترتيب الأوضاع الداخلية، أو الإقليمية، طبقاً لأولوياتها. وهو ما حدث عامي ١٩٦٠ و١٩٨٠ وعام ١٩٩٩.
٣ ـ ولكن المفارقة التي جعلت أردوغان وحزبه يقبلان علي هذه المغامرة، التي تنطوي علي تحد للجيش التركي، الذي يحظي بتأييد أكثر من ٧٠% من الأتراك كأكثر مؤسساتهم مدعاة للثقة والاحترام. وكانت المعركة حول اختيار رئيس للجمهورية. فالجيش لا يريد رئيساً ترتدي زوجته حجاباً، وللحيلولة دون ذلك أوعز لما يكفي من أعضاء البرلمان المعارضين لحزب العدالة بالتخلف عن جلسات البرلمان، الذي ينتخب فيها رئيس الجمهورية، حتي لا يتوفر النصاب المطلوب لشرعية انعقاد الجلسة، وهو ثلثا الأعضاء.
٤ ـ كان مرشح حزب العدالة والتنمية لرئاسة الجمهورية، هو عبد الله جول، وزير الخارجية، وكان يمكن أن تتخلي زوجته عن غطاء الرأس، والذي لا ترتديه أغلبية التركيات. وحتي هي لم تبدأ في ارتدائه إلا منذ سنوات قليلة. ولكنها وزوجها ومعهما الحزب اعتبروا الأمر قضية مبدأ، وهي حرية المواطن أو المواطنة التركية في اختيار الزي الذي يريده ما دام ليس هناك قانون يمنع أو يفرض زياً بعينه «كقانون الشرطة أو القوات المسلحة، مثلاً». أما وجهة نظر الجيش والقوي العلمانية التركية فهي استنكاف أن ترتدي زوجة رئيس الجمهورية زياً إسلامياً محافظاً،
يعتبرونه "متخلفاً"، ويمثل خروجاً علي الإصلاحات الحداثية للأب الرمزي لتركيا «أتاتورك»، وهو مصطفي كمال، الذي قاد ثورة علي سلاطين آل عثمان، وألغي نظام الأزياء العثمانية، بما فيها الطربوش واستبدلها بأزياء غربية، بما فيها القبعة. وتنص المادة ٥٨ من قانون الجيش التركي علي أنه حامي حمي النظام الجمهوري والعلمانية في تركيا.
٥ ـ يشعر الجيش التركي بالإحباط لعدم صدور أوامر من الحكومة له بالتحرك لقمع حزب العمال الكردي، جنوب شرق تركيا، في الشريط المحاذي لشمال العراق، وحيث يري حزب العدالة والتنمية، أن الأفضل هو التوصل إلي حلول سياسية بالتفاوض مع الجيران «العراق وسوريا وإيران» وحيث يوجد أكراد علي جانبي الحدود. وهو اتجاه يؤيده الاتحاد الأوروبي، التي ترغب تركيا بالانضمام إليه، ويعتقد أردوغان أن إطلاق يد الجيش التركي في هذا الملف الكردي يمكن أن يؤدي إلي صراع مسلح ممتد،
لا نحُمد عقباه، فضلاً عن تبديد فرص تركيا في الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي، والذي تبحث بعض دوله، وفي مقدمتها فرنسا عن أسباب للاعتراض علي انضمام تركيا. وكانت "المسألة الكردية" هي إحدي أهم المسائل التي احتدم الجدل حولها قبل وأثناء المعركة الانتخابية. وقد أراد أردوغان وحزبه حسم هذا الجدل بالحصول علي تفويض واضح من أغلبية الناخبين الأتراك في هذه المسألة وغيرها من مسائل خلافية، يعطي الجيش التركي نفسه حق الفيتو فيها.
٦ ـ يضاعف من إحباط المؤسسة العسكرية التركية، إلي جانب مسألة الحجاب في القصر الجمهوري والكوابح الحكومية في المسألة الكردية، أن أحد شروط قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي هو السيطرة المدنية علي القوات المسلحة. وهذا يعني أن يكون وزير الدفاع «أو الحربية» مدنياً، وان يكون القائد الأعلي للقوات المسلحة مدنياً منتخباً ديمقراطياً، أي رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء. وكما هو الحال في معظم بلدان العالم الثالث، يصعب علي العسكريين نفسياً واجتماعياً، أن يتلقوا أوامر من قيادة مدنية، حيث تعودوا هم أن يعطوا الأوامر للآخرين!
في كل الأحوال، شعر الجميع هنا في تركيا، من سائق التاكسي بالمطار، إلي العاملين في الفندق، إلي المثقفين ورجال الأعمال، أن انتخابات الأحد ٢٢ يوليو ٢٠٠٧، ستحسم كثيراً من المسائل الحيوية المعلقة في حياتهم، ولو إلي حين. لذلك عاد المصطافون خارج تركيا من مدنها الشاطئية إلي مقار دوائرهم الانتخابية، واستيقظ الجميع مبكرين،
كما لو كان يوم عيد، واصطفوا أمام المدارس، حيث توجد، كما هو الحال عندنا، مراكز الاقتراع. ولم ألمس أنا في خمسة من مقار الاقتراع التي طُفت عليها بالتاكسي مع مرافق تركي، أي مشكلات أو حتي مظاهر توتر أو صياح أو هتاف، ولم أر أي لافتات انتخابية، حيث تم منع وإزالة أي دعايات قبل الانتخابات بأربع وعشرين ساعة. وقد ذكر مراقبون آخرون ممن راقبوا في مدن أخري، ورأيتهم في الفندق مساء يوم الانتخابات وفي اليوم التالي، نفس الشيء: الهدوء والنظام، ومظاهر الفرح والبهجة من الأطفال خارج مراكز الاقتراع.
كما كان إقبال النساء والشباب ملحوظاً. وضمن ما رأيته من مشاهد مؤثرة، أحد المواطنين يحجل علي عكازين، وإحدي ساقيه في الجبس، وهو يسعي إلي مركز للاقتراع في حي السلطان أحمد، قرب مسجد أيا صوفيا،
وآخر عجوز في كرسي متحرك تدفعه ابنته، أو ربما حفيدته إلي مركز آخر، قرب المسجد الأزرق. وسهر الأتراك إلي الحادية عشرة مساء، إلي أن أعلنت آخر النتائج، واستمعوا إلي خطاب قصير من رجب طيب أردوغان، الذي فاز حزبه بأكثرية مقاعد البرلمان الجديد، بنسبة ٤٧% من جملة من أدلوا بأصواتهم.
وفي كلمته، شكر أردوغان من منحوه ومن لم يمنحوه أصواتهم، وذكر أن الأتراك كانوا تحت أنظار العالم بأسره في ذلك اليوم، وقد شرّفوا تركيا، وبهروا العالم بسلوكهم الحضاري المسؤول،
وبإقبالهم غير المسبوق علي التصويت، بنسبة ٨٢%، والذي هو أعلي من المعدلات المقارنة في بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما أكد التزامه بأن يكون رئيس وزراء لكل الأتراك، بأن يلتزم حزبه «العدالة والتنمية»، AKP بحماية الجمهورية واحترام علمانية تركيا، والاستمرار في تنمية تركيا بنفس المعدلات التي تحققت في السنوات الخمس الأخيرة «٦% سنوياً» أو أعلي، والمثابرة في طلب عضوية الاتحاد الأوروبي.
تكررت عبارة «الاكتساح»، landslide في وصف نتيجة الانتخابات، رغم أن حزب العدالة والتنمية لم يحصل إلا علي ٤٧% من جملة الأصوات، أي أقل من الأغلبية، التي هي أكثر من ٥٠%. وجاءت الإجابة خلال محاورات المائدة المستديرة في اليوم التالي، وهي:
١ ـ أن كثرة عدد الأحزاب في تركيا تؤدي إلي تفتيت الأصوات، ولم يحصل أي حزب في أي انتخابات سابقة علي ٥٠% منذ عام ١٩٥٠ والمرة الوحيدة التي تحقق فيها ذلك كانت في أول انتخابات بعد الأخذ بنظام التعددية الحزبية عام ١٩٤٦، وبهذا المعني فإن ما حصل عليه حزب العدالة والتنمية «٤٧%» هو الأقرب إلي ٥٠% خلال النصف قرن الأخير.
٢ ـ أن هذه هي المرة الأولي في تاريخ الديمقراطية التعددية التركية التي يفوز فيها نفس الحزب مرتين متتاليتين.
٣ ـ أن الحزب لم يفز فقط للمرة الثانية علي التوالي، ولكنه أيضاً رفع هامش فوزه، أكثر من عشر نقاط مئوية، من ٣٤ إلي ٤٧%. هذا رغم المظاهرات المضادة التي كانت قد نظمتها الأحزاب القومية العلمانية في كبريات المدن التركية، ضد حزب العدالة والتنمية، تعبيراً عن الخوف علي جمهورية «تركيا العلمانية» من زحف إسلامي.
رغم أن أعضاء المائدة المستديرة من الأتراك لم يكونوا من أنصار حزب العدالة والتنمية، فإنهم جميعاً عبّروا عن إعجابهم الشديد بزعيم الحزب، والطريقة التي أدار بها الأزمات والاستفزازات التي اختلقها الجيش والعلمانيون المتشددون، كذلك أشادوا بمهارته في كسب رجال الأعمال، وعدم التعرض للحريات الشخصية وأسلوب حياة المواطنين الأتراك.
وإلي أن تتاح فرصة تلخيص وجهة النظر المصرية والعربية التي شاركت بها في المائدة المستديرة، أقول هنيئاً للأتراك بآخر أعراسهم الديمقراطية، وعقبال المصريين والعرب، آمين.

Wednesday, August 01, 2007

إسقاط خيار المقاومة يصدمنا ولا يفاجئنا

إسقاط خيار المقاومة يصدمنا ولا يفاجئنا
أحدث هدية قدمها الرئيس محمود عباس للإسرائيليين هي إسقاط حق المقاومة في برنامج حكومة سلام فياض، الأمر الذي كان له صداه الذي تابعه في أوساط المقاومين في مختلف الفصائل الفلسطينية، وهي خطوة تفاجئنا ولا تصدمنا، ليس فقط لأن أبو مازن اختار في نهاية المطاف أن يراهن على الأمريكيين والإسرائيليين، وبالتالي فإنه لم يكف عن محاولات استرضائهم طيلة الوقت، وإنما أيضا لأن الرجل لديه عقدة تاريخية ضد المقاومة التي هي وسام على صدر كل مواطن شريف يسعى لتحرير بلده. فهو لم يحمل سلاحاً في حياته ولم يطلق رصاصة ضد العدو المحتل (الدكتور فياض لا يختلف عنه في ذلك). ليس ذلك فحسب وإنما أحسبه الوحيد بين القياديين الفلسطينيين الذي سب المقاومين في العلن حين وصف إحدى العمليات الاستشهادية بأنها «حقيرة». وليست مصادفة في هذا السياق أن يصدر الرجل كتاباً من 600 صفحة حول محادثات أوسلو لم يستخدم فيه مصطلح الاحتلال ولو مرة واحدة. وهذه الخلفية تساعدنا على تفسير وفهم موقف حكومة سلام فياض الأخيرة الذي عبرت عنه في برنامجها. فإذا كان رئيس السلطة قد اسقط مصطلح الاحتلال من كتابه، فلا غرابة في أن يتخير رئيساً للوزراء يسقط المقاومة من برنامج حكومته. وحين اتخذ هذه الخطوة، فانه كان يعبر عن قناعة حقيقية لديه تعتبر المقاومة ضد الاحتلال التي تكفلها كل القوانين والأعراف والديانات عملا شريرا. أما المقاومة المسلحة فهي عنده كارثة لم تجلب إلا الخراب والدمار للفلسطينيين، علماً بأن السلطة التي يتربع على رأسها ما كان لها أن تقوم إلا نتيجة لضغوط المقاومة. الأهم من ذلك أن أبو مازن منذ حسم خياره السياسي وقرر المراهنة على الأمريكيين والإسرائيليين، فقد ظل شاغله الأساسي في كل قرار اتخذه هو هل يمكن تسويقه أمريكيا وإسرائيليا أم لا؟!. وليس ذلك موقفاً جديداً لأنه عبر عن ذلك مرات عديدة منذ تولي السلطة. وكان ذلك أوضح ما يكون في موقفه من وثيقة الأسرى، التي عرفت باسم وثيقة الوفاق الوطني، التي تبناها في العام الماضي وهدد بإجراء انتخابات عامة إذا ما رفضتها حركة حماس، لكنه تخلى عنها بعد التوافق على مضمونها، وكانت حجته الأساسية أن الوثيقة يتعذر تسويقها أمريكيا.
لم يقف الأمر عند حد إسقاط حق المقاومة، ولا توجيه الاتهامات التي استهدفت تشويهها واعتبارها عملا غير شريف، وإنما بذل أبو مازن جهداً مثيراً للدهشة لإضعاف صف المقاومة وتثبيط عناصرها. تجلى ذلك بشكل واضح في اتفاقه مع حكومة اولمرت على «العفو» عن المقاومين المطاردين، إذا ألقوا سلاحهم وتعهدوا بعدم مهاجمة العدو المحتل. وهي التمثيلية الفجة التي أريد بها إغواء المقاومين للتخلي عن دورهم، مقابل تأمينهم وإعطاء بعض المال للذين يلقون سلاحهم منهم، في سابقة نادرة في التاريخ النضالي. حيث لا نعرف نموذجاً لحالة مماثلة، أن يتولى رئيس لمنظمة «للتحرير» رشوة المقاومين لكي يتخلوا عن رسالتهم، ولا ننسى أن اتفاقه مع الإسرائيليين على وقف مطاردة الذين يلقون سلاحهم يعني ضمناً إطلاق يدهم في ملاحقة وتصفية الذين يتمسكون بخيار المقاومة ويرفضون إلقاء السلاح.
قلت إن عملية «العفو» عن المطلوبين ليست سوى تمثيلية فجة، لأن الأغلبية الساحقة من الـ 180 مطارداً الذين قيل أنهم استفادوا من «العفو» الإسرائيلي، لم يكونوا من المقاومين أصلا، وإنما هم من عناصر من أجهزة أمن السلطة انتحلوا صفة المطاردين لكي يعيثوا فساداً في البلاد، ويقوموا بالأعمال القذرة التي لا يراد لها أن تنسب إلى الأجهزة الرسمية. من النماذج البارزة لذلك شخص حليق الرأس يدعى «أبو جبل» من نابلس، عرضت شاشات التلفزيون صوره وهو يقوم باختطاف قادة وشيوخ حركة حماس ويهينهم في الإحداث الأخيرة، وقد ظهر ممتشقاً رشاشه «الجاليلي» الإسرائيلي الصنع. وهو الذي لم يتورع عن اصطحاب فريق تصوير تابع للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي لكي ينقلوا على الهواء مباشرة عمليات خطف نشطاء حماس، لطمأنة المشاهد الإسرائيلي إلى أن ثمة شريكاً فلسطينياً حقيقياً لإسرائيل في حربها ضد المقاومة. وللعلم فان مصادر المقاومة الفلسطينية تقول أن أبو جبل هذا الذي شمله «العفو» لم يطلق في حياته رصاصة واحدة ضد أي هدف إسرائيلي، برغم أن جنود العدو يقتحمون يومياً مدينة نابلس التي يقيم بها والمخيمات المتاخمة لها.
ومن أسف أن أجهزة السلطة تمارس ضغوطاً على المقاومين لحثهم على إلقاء سلاحهم، وتستدرج قياداتهم لعقد صفقات معهم بهذا الخصوص. ففي رسالة تلقيتها من الضفة الغربية أن مدير مكتب وزير الداخلية في حكومة فياض، أجرى اتصالا مع احد قيادات حركة الجهاد الإسلامي في جنين وعرض عليه أن يقوم قادة وكوادر «السرايا» بتسليم أسلحتهم للأجهزة الأمنية وان يتعهدوا بوقف المقاومة مقابل أن توقف إسرائيل بدورها ملاحقتهم. وهو ما أكده الشيخ وليد العبيدي قائد سرايا القدس ـ الجناح العسكري لحركة الجهاد ـ في شمال الضفة الغربية، الذي قال إن الحركة رفضت العرض وطلبت عدم مفاتحة قياداتها في الموضوع.
أضافت الرسالة التي تلقيتها أن إعلان قائمة «المطلوبين» الذين شملهم العفو الإسرائيلي أريد بها أيضا استدراج العشرات من نشطاء حركة فتح الذين لا يزالون يمارسون المقاومة في الضفة الغربية. أما نشطاء حماس في الضفة فإن أجهزة الأمن التابعة لابو مازن تلاحقهم بوسائلها الخاصة، التي من بينها الاختطاف والتعذيب. وبالمناسبة فإن أجهزة السلطة تستدعي الآن عناصر حماس لاستجوابهم والتحقيق معهم حول امتلاكهم للسلاح. في الوقت الذي تدفع فيه مكافآت لمن يلقي سلاحه، هل هذا معقول؟
إن المرء حين يتابع المكاسب التي جنتها إسرائيل على الصعيد الاستراتيجي خلال الآونة الأخيرة، فسيجد أن القائمة طويلة ومخيفة، في مقدمتها ما يلي:
* استثمار فكرة مبادرة السلام العربية لأجل الالتفاف على التطبيع، الذي تحدث عنه صراحة الرئيس بوش في خطابه الأخير، ولم يقصر اولمرت في الإلحاح عليه حين زار إسرائيل وزيرا خارجية مصر والأردن، وحين التقاهما تمنى عليهما أن يصطحبا معهما في الزيارة القادمة عدداً آخر من الوزراء العرب الذين يمثلون دولا أخرى.
* تقسيم العالم العربي إلى معسكرين، احدهما «معتدل» يتجاوب مع الطروحات الأمريكية والإسرائيلية، والثاني متمرد على تلك الطروحات ومن كل هذه القسمة جرى مد الجسور بين دول الاعتدال وإسرائيل في أركانها بطبيعة الحال.
* إسقاط حكومة الوحدة الفلسطينية، وشق الصف الفلسطيني من خلال إيقاع الطلاق بين فتح وحماس، ودفع أبو مازن إلى التخلي عن مرجعيات العمل الوطني الفلسطيني: وثيقة الوفاق الوطني ـ وتفاهمات القاهرة ـ واتفاق جدة.
* احتماء أبو مازن بالمربع الإسرائيلي الأمريكي في مواجهته لحركة حماس، والمراهنة على ذلك المربع في رفض دعوة الحوار التي أطلقتها القاهرة وأيدتها دول أخرى مثل السعودية وسورية.
ـ إعادة التنسيق الأمني الكامل بين الأجهزة الفلسطينية والإسرائيلية، الذي كان قد توقف في أعقاب انتفاضة عام 2000. ومفهوم أن الهدف الأساسي لذلك التنسيق هو حماية إسرائيل من هجمات المقاومة، وقد انضاف إليه مؤخراً هدف آخر هو القضاء على حماس وتصفية المقاومة الفلسطينية.
* إسقاط حق المقاومة الذي سبقت الإشارة إليه. علماً بان أبو مازن صرح لصحيفة «معاريف» هذا الأسبوع بأنه يتفهم موقف إسرائيل من رفض حق عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم التي طردوا منها، ولكنه يفكر في ابتكار حل آخر يرضي الطرفين. وليس كافياً أن ذلك الحل المبتكر سوف يستجيب للمطالب الإسرائيلية بأكثر من تعبيره عن الأشواق الفلسطينية، ولا ينسى في هذا الصدد أن احد مساعدي أبو مازن البارزين ـ ياسر عبد الله ـ كان قد أسهم في مشروع إسرائيلي للحل يسقط حق عودة اللاجئين.
كما رأيت فان إسرائيل حصدت الكثير، ولم تقدم شيئاً يذكر للفلسطينيين، باستثناء بعض الأمور التفصيلية المتعلقة بتحويل الأموال وتمرير السلاح والحديث عن تخفيض الحواجز. إن شئت فقل إن إسرائيل أنجزت الكثير على الصعيد الاستراتيجي، في حين أن ما حققه أبو مازن لم يتجاوز بعض الأمور التكتيكية والفرعية والتي لا علاقة لها بموضوع الصراع أو مستقبله.
أغرب ما في المشهد أن يعبر بعض المسؤولين العرب عن تفاؤلهم بتقدم مسيرة السلام. وان يصرح أبو مازن بأن التسوية النهائية للقنصلية يمكن أن تتم خلال عام. وجه الغرابة في هذه الإشارات المتفائلة أن أي باحث منصف لا يكاد يرى قرينة واحدة على التقدم المنشود. لان كل ما نراه هو تراجعات وتنازلات من طرف إلى آخر. ولكي أكون أكثر دقة فربما جاز لي أن أقول بأن صدور هذا الكلام عن الاسرائيليين مبرر ومفهوم، لأنهم يتقدمون بالفعل وينجزون لصالح مشروعهم، الذي هو على النقيض تماماً من الحلم الفلسطيني والأمن القومي العربي. إذ بوسع اولمرت أن يطمئن الإسرائيليين إلى أن الأمور على ما يرام تماما على الجبهة الفلسطينية، وان أبو مازن مشغول الآن وفي الأجل المنظور بتصفية حماس، ولم تعد بنود القضية الفلسطينية ضمن أولوياته. بل إنه بعد كل الذي دفعه لم يستطع أن يحصل من إسرائيل على تعهد بوقف الاجتياحات والاغتيالات، أو وقف الاستيطان. وحين يكون ذلك موقفه فلن نتوقع منه أن ينجز شيئاً يذكر في ملفات السور والقدس والحدود والمستوطنات والعودة. وسيظل في نهاية المطاف واقفاً ينتظر ما تجود به إسرائيل، لتحفظ له ماء الوجه الذي يمكنه من الاستمرار في الدور المنوط به والمتورط فيه.
لقد قلت في مقام آخر إن أبو مازن يركض سريعاً على طريق الندامة، وها هو يبرهن لنا يوماً بعد يوم إن ذلك هو الخيار الذي لا يريد أن يحيد عنه. حتى يحقق لإسرائيل ما تريد، ولكي يبلغ إلى واشنطون أنها تستطيع أن تعد عدتها لضرب إيران، مطمئنة إلى أن تسكين المنطقة مستمر، وان المخدرات السياسية التي توزع على عواصمها قوية المفعول.

الإخوان وفرصة 2005


الإخوان وفرصة 2005
د. رفيق حبيب : المـصـريون بتاريخ 31 - 7 - 2007
هناك الكثير من الجدل يدور حول القرارات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، والبعض يرى أن تلك القرارات ليست من العمق السياسي بالقدر الكافي، فالبعض يتحفظ على القرارات السياسية للجماعة، ويشكك في قدرة الجماعة على اتخاذ القرارات السياسية الصحيحة، كما أن البعض يرى أن الجماعة تفتقد للعقول السياسية، وأن الكوادر السياسية للجماعة قليلة ومحجمه. ومن الطبيعي أن يختلف المحللون حول قرارات جماعة الإخوان المسلمين السياسية، بل ومن الطبيعي أن تختلف الآراء حول قرارات أي قوة سياسية. وفي مصر لدينا مشكلة إضافية، وهي أن المشهد السياسي برمته يمثل حالة شاملة من الاستبداد الكامل، والمحصن بالإجراءات الأمنية. ولذلك يصعب الوصول إلى وسيلة لتحريك هذا الاستبداد أو مواجهته والحد منه، ولهذا تختلف الآراء كثيرا حول أنسب السبل للحد من الاستبداد ومواجهته، خاصة في ما يتعلق بموقف جماعة الإخوان المسلمين.لهذا نرى أهمية فهم القرارات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وأهمية الحوار حولها، بوصفها جزءا من منهج عمل الجماعة، فالوصول إلى المنهج الأفضل للعمل السياسي في ظل الاستبداد السياسي الراهن، يمثل بالنسبة لنا جميعا، الوسيلة المناسبة لمواجهة الاستبداد والقضاء عليه في النهاية. بالطبع هناك من يريد جر الجماعة إلى حرب طاحنة مع النظام تقضي عليها، وتفجر الأوضاع في البلاد، وهناك من يريد من الجماعة الانسحاب من الحياة السياسية، لأنه يرفض العمل السياسي للحركات الإسلامية. ونتصور أن القرار السياسي لجماعة الإخوان يمثل موضوعا مركبا وله العديد من الأبعاد، ولكنه يحتاج أيضا لاقتراب متتالي لفهمه والتفاعل معه، ولهذا نرى أن قرارات الجماعة في عام 2005، وهو ما سمي بعام الحراك السياسي في مصر، تمثل نموذجا مهما. وقد رأينا أن الجماعة كانت تعمل منذ عام 2004 لتحقيق تحالف بين القوى السياسية، وعندما بدأت مرحلة الحراك في عام 2005، تجاوبت الجماعة مع فكرة العمل المشترك، والتي تمثلت في تأسيس الجبهة الوطنية للتغيير، كما قامت الجماعة بتأسيس تحالف مرحلي سمي بالتحالف الوطني. وثبت من تلك التجارب، أن الجماعة لا تتأخر عن العمل المشترك، ولكن طبيعة العلاقة بينها وبين القوى الأخرى تواجه العديد من الصعوبات، أهمها اختلاف طبيعة الحركة، وهي حركة اجتماعية شاملة، متعددة الأدوار، وعدم اقتصار نشاطها على العمل السياسي، بالإضافة إلى أن الحركة لها وزنها الجماهير الكبير. وفي التحالفات السياسية تتعامل الحركة مع نخب سياسية، وحركات سياسية صغيرة، وأحزاب تقليدية، يغلب عليها العمل السياسي فقط، كما يغلب عليها محدودية الأعضاء والجماهير. ولم يستطع أحد حل تلك المشكلة، لأنها مرتبطة أساسا بطبيعة الأطراف المشتركة في العمل الجماعي، ولكن القرار الأساسي لجماعة الإخوان، كان الحفاظ على العمل المشترك بكل طريقة، رغم عدم قدرة الجماعة على مسايرة كل المقترحات السياسية، خاصة تلك المرتبطة بالتظاهر الجماهيري كوسيلة وحيدة وأساسية للوقوف ضد الاستبداد.وهنا نأتي للقضية المحورية، فقد قام الإخوان بمظاهرات حاشدة في 4 مايو عام 2005، وبعدها قاموا بعدد من المظاهرات الأخرى. والبعض يرى أن الجماعة فوتت فرصة الضغط على النظام، حيث كانت مساحة الحرية أو مساحة المتاح أكبر مما سبقها وما تبعها. وذلك رغم أن معتقلي الإخوان بسبب مظاهرات الرابع من مايو، وصلوا إلى ثلاثة آلاف معتقل. وكانت هناك آراء داخل الجماعة تحبذ الاستمرار في المظاهرات، وآراء أخرى ترى الاستمرار في مظاهرات صغرى، ثم التوقف. والسؤال هنا يدور حول أهمية التظاهر، والنتائج المتوقعة من خلاله. والبعض تصور أن المظاهرات تسقط النظام، وهذا لا يبدو حقيقيا، والبعض الآخر تصور أن النظام يمكن أن يخضع للمظاهرات ويأخذ بما تريده المعارضة في تعديل المادة 76 من الدستور، وهذا أيضا لا يبدو مرجحا. والمشكلة هنا تدور حول التوقعات من أي تصرف سياسي، فعندما نتصور أن المظاهرات في عام 2005 من قبل الإخوان كانت كفيلة بالحد من استبداد النظام أو الضغط عليه ليتحول إلى الديمقراطية، ينتج عن هذا لوم جماعة الإخوان المسلمين، لأنهم تراجعوا عن أداء هذا الدور. والحقيقة أن الصورة تظهر لنا الآن بصورة أفضل، فالمظاهرات أدت إلى تراجع قدرة النظام على السيطرة على الشارع وشجعت المصريين على التظاهر. والمظاهرات بالنسبة للإخوان، أدت أيضا إلى طرح دورهم المركزي في عملية الإصلاح، وتأكيد تواجدهم في الشارع المصري. وهنا نتصور أن جماعة الإخوان المسلمين، توقفت سريعا عن التظاهر، فقد كان يمكنها تكرار المظاهرات الحاشدة مرة أو مرتين. وكان هذا سيحقق لها عملية ردع للنظام، بتأكيد تواجدها الجماهيري، مما يفيدها في ما بعد انتهاء مرحلة الحراك السياسي، وعودة الاستبداد لسابق عهده، رغم أن ذلك كان سيؤدي إلى ارتفاع عدد المعتقلين والتأثير على كفاءة الجماعة في انتخابات مجلس الشعب. لهذا نرى أن القرار السياسي للجماعة، يبتعد في الغالب عن الأفكار الثورية، والتي تقوم على التغيير بالثورة، ويبتعد أيضا عن أفكار الانسحاب من الحياة السياسية، وهذا يمثل أسس المنهج السياسي للجماعة. وبهذا تأتي قرارات الجماعة في مساحة التغيير السلمي التدريجي المستمر. وهنا نلمح أن الجماعة تتحرك بحذر شديد، قد يكون أحيانا مؤثرا على مواقفها وقرارها، في حين أن العمل السياسي يحتاج لسرعة الحركة، وهذا الحذر ينتج من الحسابات المعقدة للجماعة، حيث أن تواجدها الاجتماعي الواسع يفرض عليها العديد من الحسابات. ونظن أن تلك النقطة تمثل واحدة من مواضع الجدل والخلاف داخل الجماعة وخارجها.