Thursday, September 11, 2008

القبض علي هشام طلعت: شكراً للإمارات

القبض علي هشام طلعت: شكراً للإمارات

بقلم د. عمرو الشوبكي ١١/٩/٢٠٠٨

كان من الصعب علي أكثر المتفائلين بدور الرأسمالية المصرية أن يتصور أن يأتي اليوم الذي يتحول فيه سلوك بعض رجال الأعمال المصريين إلي سلوك عصابات، ويتحول دور الرأسمالية في خلق منظومة قيم تحث علي العمل والجدية والابتكار، إلي سلوكيات مشينة تقدم أسوأ نموذج لعموم المصريين.

والمؤكد أن خطورة حالة هشام طلعت ليست في مناقشتها من زاوية أنها حالة فردية أم لا، إنما في كونها عاكسة لبيئة ونظام صنعها ودعمها حتي آخر لحظة، فالرجل من أركان مجموعة المال والسياسة الحاكمة، وهو قيادي في الحزب الحاكم ومقرب من مجموعة الفكر الجديد،

وبالتالي إذا كان اتهامه بهذه الجريمة أمراً فردياً فإن الظروف التي ساعدته علي الصعود المالي والسياسي لا تجعل جريمته مجرد حالة فردية، إنما هي جريمة نظام بأكمله صارت رموزه الاقتصادية تحمل كل هذا السواد تجاه البشر.

لقد وصلت غطرسة القوة إلي ارتكاب جريمة قتل خارج الحدود ليس فيها أي مهارة في التنفيذ، لأن من قام بها تصور أنه لن يمس وفوق القانون والمحاسبة، ولا يحتاج حتي لإخفاء آثار الجريمة، بل إنه تحدث عنها علنا عبر الهواتف النقالة.

ولأن الجريمة لم تقع علي أرض مصر، ولأن الضحية لم تكن مصرية أيضا، فصعَّب ذلك بالتالي من فرص تجهيز قاتل «مختل عقليا» ليشيل الجريمة، كما هي العادة في بلد لم يعتد محاسبة أي مسؤول كبير، إلا في حال وجود أوراق ضغط خارجية أو رغبة سياسية أو شخصية (لا تخضع لأي حسابات قانونية لمحاسبة هذا الشخص).

والخطورة أن حجم الدعم الحكومي لهؤلاء الناس كان مرعبا، ولولا تواطؤ الدولة معهم لما أصبحوا رأسماليين ولا رجال أعمال، فمواهبهم وكفاءتهم الحقيقية لا تضعهم إلا في مرتبة التجار الفشلة الذين تقف «إبداعاتهم» عند حدود القيام بسرقات صغيرة وفي «خَمّ» الزبائن بوضع ٨٠٠ جرام من السكر أو الطماطم بدلا من كيلو واحد وهكذا.

وعلينا ألا ننسي أن واحداً من مشاريع هشام طلعت الكبري بدأه من خلال المضاربة في أراضي الدولة، التي اشتراها بـ«ملاليم» وباعها بـ «ملايين»، فقد اشتري متر الأرض من الحكومة في مدينة الرحاب بـ١٠ جنيهات فقط، (يقدر حالياً بحوالي ٣٠٠٠ جنيه)، وحين قرر أن يبيع هذه الأرض كان سعرها قد وصل إلي ٢٥٠٠ جنيه، وهو ما حقق لمجموعته الاقتصادية فائض ربح قدَّره زميلنا محمد بصل بأكثر من ٤ مليارات جنيه.

وبعد «نجاح» هشام الاقتصادي أصبح عضوا في مجلس الشوري بدعم مباشر من لجنة السياسات، التي زكته كرئيس لجنة الإسكان بالمجلس، وبدأ صراعه مع رفيقه الآخر في الحزب أحمد عز علي النفوذ المالي والاقتصادي نظرا لاحتكار الأخير للحديد، والانعكاسات السلبية لذلك علي سوق العقار، بصورة اعتبرها طلعت تقلص هامش أرباحه الذي يقدر بالمليارات.

ولولا هذا التواطؤ الحكومي مع هشام طلعت ومع غيره من أبناء هذه الطبقة الجديدة، لما أصبح هؤلاء هم رموز المجتمع بالتحايل والفساد، فهم صنيعة الوضع السياسي الحالي الذي غابت عنه تقاليد مكافأة المبدع والمجتهد، لصالح الإغداق علي الفاسد والمنافق.

وبدأ التعامل المصري مع قضية هشام طلعت بفرض طوق من التعتيم الإعلامي عليها، وبغسل الجريمة تليفزيونيا من خلال البرنامجين الحكوميين «صباح الخير يا مصر» و«البيت بيتك»، اللذين ظهر فيهما هشام طلعت باعتباره داعماً للعفاف والطهارة ونصير الفقراء وأحد صناع نهضة مصر الاقتصادية في مشهد مخز ومخجل لما آل إليه حال الإعلام الحكومي.

ودشن الرجل حملة إعلانية ضخمة تردد أنها كلفته عشرات الملايين من الجنيهات في محاولة لإثبات أنه لا علاقة له بهذه الجريمة، وطالب بتبجُّح ـ نحسده عليه ـ بسن قانون لمكافحة مروجي الشائعات.

ولم يسأل أحد عن رأي من هللوا للرجل ودافعوا عنه بطريقة فجة تفوح منها روائح كريهة عن رأيهم الآن بعد أن دخل «العامل الإماراتي» في القضية وأحيل للمحاكمة.

والمؤكد أن دور الإمارات في محاكمة الرجل واضح، ليس فقط بسبب الأنباء التي تناثرت حول الضغوط الإماراتية (الاقتصادية والسياسية) علي الحكومة المصرية، إنما لأننا لم نعتد مثل هذا النوع من المحاكمات لأي مسؤول كبير، إلا إذا غضب عليه الحكم لأسباب لا علاقة لها بمخالفة القانون أو حتي ارتكاب جرائم.

إن المهنية الشديدة التي تعاملت بها شرطة دبي مع الجريمة تكشف حجم الانهيار الذي حدث في مصر، فالإمارات ليست دولة ديمقراطية، ولا يوجد فيها أحزاب ولا تداول للسلطة، ولكنها دولة قانون، ونخبتها عرفت مبكرا أنه لتحقيق أي نجاح مالي واقتصادي في تلك الإمارة الصغيرة، التي جذبت بنجاح استثمارات من العالم كله، لابد أن يكون هناك قانون،

وأن تكون هناك مهنية وشفافية في إدارة النظامين الاقتصادي والسياسي، علي عكس الحالة المصرية التي فرطت الدولة في تقاليدها العريقة، وحولت دولة القانون إلي دولة مواءمات تحسب موازين القوة والضعف والثراء والفقر، قبل أن تحاسب أي شخص، وتنحاز دائما لكل من يمتلك سطوة مالية أو سياسية أو إدارية حتي لو كان مثلا لا يحتذي في الفساد وعدم النزاهة.

المؤكد أن اتهام هشام طلعت مصطفي بتحريض أحد ضباط الشرطة الفاشلين علي ارتكاب تلك الجريمة، هو اتهام لمجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي نما وترعرع فيها الرجل، وأنه لا يمكن أن نتحدث عن رأسمالية حديثة أو رأسماليين إصلاحيين دون تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية،

لتصبح مصر دولة قانون تحاكم من يمتلك السطوة قبل أن تحاكم المواطن الضعيف، وهو أمر من المستحيل تخيله في ظل نظام احترف الفشل وحافظ عليه ببراعة يحسد عليها، علي مدار ما يقرب من ثلاثين عاما،

فالفشل في إطفاء حريق مجلسي الشعب والشوري، والفشل في التعامل مع كارثة الدويقة والفشل في حل مشكلات المرور والمجاري وانقطاع التيار الكهربائي والعشوائيات والمواصلات، وغيرها، لن يستطيع أن يطبق القانون علي مسؤول كبير دون حسبة ما، لا علاقة لها بالقانون والعدالة.

وتعليق

رحل المشير أبوغزالة في صمت، وفقدت مصر واحدا من ألمع وأهم رموز المؤسسة العسكرية الأوفياء، رحل رجل من أبرز عقول مصر الاستراتيجية، قبل أن تتاح له فرصة الحديث عن العهد الحالي بصراحة وشفافية، تاركا لهم الدنيا ليودعوه بصمت وفتور.

دخل أبوغزالة التاريخ حتي لو لم يرض البعض، لأن التاريخ سيقول كلمته حين يتحرر من قيود السلطة، وسيعترف حتما بالرجل كقيمة فكرية واستراتيجية، امتلك حساً سياسياً مرهفاً وطموحاً لإصلاح أحوال هذا الوطن، لايزال الناس يحلمون به ويأملون أن يتحقق يوماً ما. وكما قالت صحيفة «البديل» في وداع أبوغزالة إنه كان «قدر مصر الذي لم يأت».

Friday, September 05, 2008

إبراهيم عيسى ..طلعت والرئيس

طلعت والرئيس PDF تصدير لهيئة طباعة ارسال لصديق

لا أنا ولا أنت ولا أي مخلوق عاقل في مصر، يتصور أن هشام طلعت مصطفي نائب الشوري وعضو أمانة سياسات جمال مبارك وواحد من أهم المقربين للرئيس ونجله والمدلل بامتيازات هائلة في عالم المال والعقار والأراضي، وأبرز المشاركين في حملات التبرع والدعم والتمويل لأنشطة قرينة الرئيس الاجتماعية، تمت إحالته لمحكمة الجنايات بتهمة قتل الفنانة سوزان تميم بدون معرفة مسبقة من الرئيس مبارك شخصياً، فمن المؤكد أنه أول شخص عرف بالقرار وقبل أن يكون قراراً!

لكن هل فجأة أصبحت مصر بلد لا أحد فوق القانون؟

احتمال، جائز، ونتمني وإن كان لا يوجد دليل واحد علي ذلك، فبعض المصادر القريبة من أضلاع الحزب الوطني تقول إن الرجل وقع في فخ؟ وكما أن هناك من يدافع عنه ويستبعد إدانته، فإن هناك من يتصور أن الصخب سوف يهدأ بعد أيام أو شهور، وأن الرجل سيجد البراءة في انتظاره في نهاية الممر كما جري مع سابقيه، ومع ذلك فالسؤال: هل فجأة قرر النظام أن يحارب المتورطين في الجرائم من ذوي النفوذ الاقتصادي والسياسي الضاري؟ وهل استيقظ النظام وقرر مواجهة جرائم رجاله بل أبرز رجاله (هل تتذكر البلاغات التي حفظها منذ أسبوع تقريباً، هل تشعر بالصمت الكتوم علي تورط أحد أصحاب الحصانة الكبار في رشوة في موضوع كبير لا أحد ينطق فيه!!) عموماً دعنا نحترم أن هشام طلعت مصطفي برئ حتي تثبت إدانته، فهذا حقه كاملاً الذي أرجو ألا يغيب عما أكتب ولا عمن يقرأ!

يبدو أن هناك عوامل ثلاثة تضافرت وأدت إلي اتخاذ قرار الموافقة علي إعلان تورط طلعت مصطفي في جريمة القتل البشعة وإحالته للجنايات، والثابت أن هشام مصطفي لم يكن علي علم إطلاقًا بهذه الخطوة، فقد حصل علي إشارات علي أعلي مستوي (أو فهم أنها إشارات) بأن القضية في مسيرها للدفن البطئ، وكانت كل المؤشرات تؤكد له إشاراته، فها هو يظهر في «البيت بيتك» شباك الدولة علي تمرير أوامرها لأجهزة وجهات الدولة ورجالها في جميع المؤسسات، وفي «صباح الخير يامصر»، ويستقبله وزير الإعلام بنفسه ويصحبه إلي مكتبه ثم إلي الاستديو في الدخول والخروج، وتنقل الوكالة الرسمية تصريحاته عن التليفزيون، حيث تحدث عن بنك العفاف (لاحظ العفاف)، ويؤكد أنه ينفذ برنامج الرئيس مبارك الانتخابي (وهو البرنامج الذي لا نعرف مواعيد إذاعته!) ثم حوارات وتصريحات في جميع صحف الحكومة تكاد تضربنا بالنار لأننا فكرنا ونشرنا أسئلة حول ما يثار عن قضية الرجل في دبي ولبنان وقد قاتل مندوبو الداخلية في الصحف الحكومية وميكروفونات الحزب في الإعلام الموالي والمنافق علي نفيها واتهامنا بخيانة الوطن (هكذا مرة واحدة علي اعتبار كشف الجرائم خيانة للوطن، أما دفن الجريمة فمهمة للوطني!!)

إذن لم يكن هشام مصطفي مستعدًا ولا مهيأ لأن يفاجأ قبيل فجر اليوم الأول من شهر رمضان بأن يذهب ضباط الداخلية (الذي طالما كان صديقاً لهم ومصدقاً عندهم) واتفضل معانا يا هشام بيه، الذهول كان هو رد الفعل الأول، ثم الإحساس الرهيب بالخيانة، نعم شعر أن طرفا ًما خانه وقد أعطاه الأمان الكامل، ثم في ضربة مدوية أنزل مطرقة حديد فوق رأسه، ومع غرور المال وغطرسة النفوذ والجهل التام بالسياسة يغشي العمي عيون رجال الأعمال عن توقع خطوات النظام وعن فهم دوافعه، فلم يكن الرجل والمحيطون به يدركون حجم العوامل والعناصر التي تداخلت وتدخلت فدفعت بهشام طلعت مصطفي لمحكمة الجنايات بقرار من النظام متجاوز كل الوعود التي تم قطعها لهشام مصطفي ومجازف بالتأثير الاقتصادي الذي يبدو أنه يقلق الجميع، وكذلك مخاطراً بضربة معنوية سياسية تتلقاها دولة أمانة السياسات.

لكن ما هي تلك العوامل فعلاً؟

1- العامل الخارجي: قضية سوزان تميم لم تكن قضية مصرية صميمة يمكن اللف والدوران حولها أو إخفاؤها أو الصمت عليها والضغط السياسي علي العصب القانوني، سوزان تميم تتداخل في حادثتها عدة دول وجهات وأنظمة عربية من الصعب السيطرة عليها أو كتم غضبها أو احتواء خطواتها، فهناك لبنان حيث جنسية القتيلة، مع مراعاة أن لبنان هي خريطة معقدة من العائلات والطوائف، وسوزان ابنة أحدهم (عائلة ثم طائفة ) والصمت هناك غالي الثمن، عالي الكلفة، ولا تستبعد أطراف لبنانية أن حادث مقتل سوزان تميم كان علي هامش الحوار أثناء زيارة رئيس الوزراء اللبناني لمصر مؤخراً، ثم سفر وزير خارجية مصر للبنان عقب ذلك بأيام، ثم هناك الطرف الأهم والأقوي وهو الشيخ محمد بن راشد ـ حاكم دبي ـ حيث جري القتل، وهي إمارة تعيش علي سياحة الأمن والأمان وصرامة تنفيذ القانون، وإذا عبرت هذه الحادثة وهم يعرفون مدبرها دون حساب ولا عقاب لتحولت دبي بعد ذلك إلي مسرح لعمليات قتل وتصفية حسابات شخصية ودولية علي أرض الإمارة، وهو ما جعل دبي حاضرة في صناعة القرار الأمني في هذه القضية خصوصاً مع العلاقات الوطيدة والمتينة بين حكام الإمارات العربية وقصر العروبة في مصر الجديدة.

2- العامل التنافسي: فهناك شخصيتان في منتهي النفوذ والقوة وكانتا علي درجة متفاوتة من التنافس الذي بلغ حد الصراع بينهما كل علي حدة وبين هشام طلعت مصطفي.

أ - الأمير وليد بن طلال وهو رجل الأعمال الأغني والأشهر والذي يملك في مصر استثمارات تجعله من الأسماء التي تؤثر في صورة مصر الاقتصادية في الخارج وهو في الفترة الأخيرة كان غاضباً علي شريكه وواجهته المصرية هشام طلعت مصطفي، ومن ثم كانت حماية الأخير بمثابة استفزاز للأول وهو ما لا يحتمله الآخرون في مصر.

ب - الملياردير أحمد عز الذي دخل في تلاسن اقتصادي ومالي، معبراً عن صراع معلن وخفي بين عز ومصطفي حول من استفاد من الحزب والحصانة والصداقة للبيت الرئاسي أكثر من الآخر، وبدأ كل طرف يمول حملات ضد الآخر لكشف أرباحه الأسطورية التي تفوق أرباح الآخر، وكان «عز» حريصاً علي إظهار أنه يضحي من أجل الحزب بتلقي الضربات والحملات الصحفية والسياسية بينما لم يكسب أبداً مليارات كما كسب هشام مصطفي الذي لا يهاجمه أحد، ولا يتحمل ما يتحمله المضحي أحمد عز.

وقد كان شبح غضب هذين الاسمين بنفوذهما الطاغي ماثلاً طول الوقت علي أكتاف كل الأطراف.

3- العامل النفسي: فقد خشيت جهات محترمة داخل النظام من رجال الأعمال ومحاربي البزنس ومجاهدي الصفقات ومناضلي البورصة من أن الصمت علي إتهام هشام مصطفي في جريمة قتل قد يشجع غيره من رجال الأعمال علي تصفية الحسابات بالدم وتأجير القتلة فتنفتح في عالم البزنس بوابة جهنم، وتصبح لغة القتل هي الحاسمة لأي صراع علي صفقات، خصوصاً أن 2مليون دولار (قرابة 11 مليون جنيه مصري) تكلفة جريمة قتل سوزان تميم لا تساوي ربح ليلة واحدة من ليالي صفقات القاهرة المفتوحة لتوحش المليونيرات الذين استباحوا أراضي ومصانع وشركات وقطاعاً عاماً وثروات الشعب المصري، وبدلاً من خصخصة القطاع العام خصخصوا مصر ذات نفسها!


إبراهيم عيس

Thursday, September 04, 2008

متبلدون رغم الكوارث

متبلدون رغم الكوارث

بقلم د. عمرو الشوبكي ٤/٩/٢٠٠٨

حين يكشف المقدم علي رزق، رئيس وحدة الإطفاء في مجلسي الشعب والشوري، أنه أرسل ٥٠ مذكرة تحذيرية لقادة المجلس المحترق، يحذرهم فيها من غياب نظام متطور للإطفاء، ويطالبهم بضرورة رفع كفاءة المباني وإنشاء نظام حديث للإنذار، ولا يتلقي أي رد علي مدار ما يقرب من عام، نصبح أمام مشهد نادر للتبلد وانعدام المسؤولية، عودنا عليه الحكم الحالي منذ عقود وبات يهدد كل شيء.

ومع أن حالة المقدم رزق ليست هي القاعدة داخل أجهزة الدولة المختلفة، إلا أنها بالتأكيد مازالت موجودة، وهناك كثير من العناصر التي تعمل في صمت ونزاهة داخل هذه الأجهزة رغم كل الانهيار الذي أصابها.

والحقيقة أن حالة اللامبالاة، التي أصابت المجتمع المصري مؤخرًا، جعلته في وضع عاجز، ليس فقط عن تحسين أوضاعه إنما أيضا عن مواجهة سلبياته، وصار الخروج من كارثة مجرد ممر للدخول إلي أخري.

وكشفت حالة الشماتة التي أبداها جانب من المصريين تجاه حريق مجلس الشوري عن حالة من الانفصام بين المجتمع والنظام السياسي، شعر فيها قطاع واسع من الناس بغربة شديدة عن الحكم وعن رموزه وصوره، والمفارقة أنه مهما كانت آلام الناس وأحزانهم وحجم كوارثهم فإنهم أصبحوا متأكدين أن الحكم لم يعد قادرا، حتي ولو رغب، في حل أي من هذه المشكلات.

وقد تلقيت علي بريدي الإلكتروني تعليقين مميزين من بين أخري عن «حريق القاهرة الثاني»، ويعكسان بصورة كبيرة حجم الانفصام الذي حدث، ليس فقط بين الشعب والسلطة، إنما أيضا بين قطاع واسع من النخبة والحكم الحالي.

وجاء التعليق الأول من المحامي الدولي الأستاذ نور محمد، المقيم في البلد الذي عشت فيه ٨ سنوات، وأختلف مع فكرته الرئيسية التي تقول إن حريق الشوري كان مدبرا، وجاء فيه:

قرأت مقالك الأخير في «المصري اليوم» بعنوان «حريق القاهرة الثاني»، وما زادني حيرة هو أنك لم تذكر أي شيء عن القلب الصلب للدولة المعارض للتوريث والذي تكلمت عنه من قبل.

(والحقيقة أن الذي تكلم عن موضوع القلب الصلب للدولة هو صديقنا الأستاذ ضياء رشوان، أما بالنسبة لي فأنا أتمني أن يكون موجودا، ولكني من المتشككين في وجود أي كيان صلب داخل ما تبقي من أطلال الدولة المصرية).

واسمح لي بإبداء بعض الملاحظات الهامة، لعلي قد أصيب بعضاً من الحقيقة في تحليلي لحريق القاهرة ٢:

بالنسبة لعنصر الزمان:

إن ما حدث في حريق القاهرة الثاني لم يكن من قبيل العفوية أو الصدفة، ويرجع هذا إلي اختيار الشهر فهذا شهر العطلات الرسمية.

ثم اليوم، فهذا اليوم يكون وجود الناس فيه قليلاً، لأنه ليس بداية أسبوع مثلا.

ثم الساعة، ففي هذه الساعة لا يكون هناك أحد ما في المكان إلا المنوط بهم التواجد الفعلي، وهؤلاء يكونون قلة في هذه الساعة.

ثم أيضا نأتي إلي تحليل عنصر المكان:

لماذا مجلس الشوري علي وجه الخصوص؟

ولماذا لم يكن مجلس الوزراء مثلا؟

ثم لماذا لم يكن مجلس الشعب أيضا؟

ثم لماذا لم يكن أي جهة سيادية في الدولة؟

يمكن القول إن حرق مجلس الشوري كان عن قصد للأسباب الآتية:

- أنه لم يعد ذا قيمة في هذا الوقت.

- أنه يعبر عن ترهل وفساد النظام وأغلبيته المزورة ورقابته غير القانونية علي إنشاء الصحف والأحزاب، الموافقة فقط علي أي حزب يتوافق مع النظام وخططه في التوريث، الذي فشلوا فيه رغم كل مايمتلكه من قمع وقوة وسطوة وقهر.

- أن من حرقه كان يريد أن يوصل رسالة قوية للنظام تفضحه داخليا وخارجيا دون أن يسبب أي تعطيل لمؤسسات الدولة ومصالح المواطنين اليومية، وأعتقد أنها وصلت وفهمت سياسيا أيضا.

- أن من حرقه كان يقصد ألا يتسبب في موتي وإصابات كثيرة وهذا جلي في زمان الحدث ومكانه كما أسلفت آنفا.

- أن من دبره ذو يد طولي في الدولة، لأنه عرف كيف يدخل ويخرج وبعلم تجهيزات المكان واختيار الأدوار العليا، حتي يتسني لمن هم تحت أن ينجوا بأنفسهم وقت الحريق.

- أن من دبره له أيضا سلطة عليا، لأنه تسبب في بعض الإرباك لفرق الإنقاذ عن طريق إصدار أوامر الهدف منها تأخير معالجة الحريق، هذا إلي جانب الإهمال والفساد المستشري أصلا، مما فاقم الأزمة وزاد من فضائح النظام.

- أن من دبره يعتبر مسؤولا أيضا عن أحداث في الشارع المصري لفضح النظام داخليا وخارجيا، وتوريطه من أجل النيل من سمعته الضائعة أصلا لتقليب الشارع من حين لآخر وتجهيزه للحظة حاسمة يختارها هذا المدبر.

- في النهاية، إن هذا المدبر يتمثل في القلب الصلب الشريف والرافض للتوريث والسياسة التخاذلية الانهزامية والفساد المستشري في هذا البلد الطيب.

أما التعليق الثاني فجاء من الأستاذ الباحث أمجد الجباس، وألقي الضوء علي جوانب أغفلتها مقالتي السابقة، وكثير من الكتابات التي تعرضت لحريق «الشوري»، وتضمنت:

إن سبب رغبتي في التعقيب علي مقالكم في «المصري اليوم» هو إزالة اللبس، أو الصورة المغلوطة، التي عمد الجميع إلي نقلها للشعب المصري بأن الحريق خاص بمجلس الشوري فحسب، والحقيقة أن المتضرر الأكبر من الحريق هو مجلس الشعب، وليس مجلس الشوري، ودعني أشرح لك الأمر.

المبني الذي احترق يطلق عليه مبني الري بمسطح يقترب من ثلاثة آلاف متر مربع، ويخص مجلس الشعب ويضم لجان: الزراعة، الشباب، حقوق الإنسان، الدفاع، الإسكان، النقل، العلاقات الخارجية، الإعلام، أي أكثر من نصف لجان المجلس، خاصة أن لجنة الزراعة هي الأكبر من حيث عدد الأعضاء.

كما كان الدور الثالث يضم أيضاً ثلاث قاعات ضخمة للمؤتمرات والاجتماعات هي: الزرقاء، والبنية، والخضراء، وكان يضم عدداً من الإدارات الحيوية مثل: الترجمة، المعاشات، العلاقات العامة، المؤتمرات، البحوث، الحفظ، الإحصاء، والأخيرة هي المعنية بجميع البيانات والإحصاءات الخاصة بنشاط المجلس منذ نشأته، وأعتقد أنه لا توجد لها نسخة بديلة في أي مكان آخر بالمجلس.

ويعمل في الدور الثالث ما لا يقل عن ٤٠٠ موظف ضاع عملهم وجهدهم علي مدي عشرات السنين في غمضة عين، ولا سبيل لاسترجاعه ولو بعد حين.

أما الدور الثاني فيضم هيئات مكاتب الأحزاب الرئيسية كالوطني والوفد والتجمع والمستقلين، فضلا عن إدارة التدريب وإدارة شؤون اللجان ومتحف الحياة النيابية (وهو غير المتحف الرئيسي الملحق بقاعة مجلس الشعب والذي لم يمسسه سوء) والمحفوظات ومكتب للإذاعة ومكتب المعلومات ومكتب لرئيس المجلس ونائب الأمين العام، فضلاً عن قاعة فخمة جداً للاجتماعات اسمها قاعة مبارك.

أما الدور الأرضي فكان يشتمل علي عدد من الإدارات المهمة بالمجلس ومكاتب قياداته الإدارية، ولعل أخطر ما كان يحويه هذا الدور هو مخزن المضابط البرلمانية، الذي كان يحوي نسخاً من المضابط البرلمانية منذ نشأة الحياة البرلمانية في مصر وحتي تاريخه.

لقد تعجبت كثيراً من تركيز وسائل الإعلام علي أن الحريق كان خاصًا بمجلس الشوري، وكأن مفهوم المجلس - أي مجلس - ينصرف بالدرجة الأولي إلي قاعة اجتماعاته «القبة»، وما دامت قبة مجلس الشعب بخير فإن الحريق كان لمجلس الشوري لا الشعب وذاك إخلال خطير بالحقائق علي أرض الواقع.

فالبرلمان، أي برلمان، هو في المقام الأول كيان، هيكل إداري، وثائق، وإذا كان مجلس الشعب قد فقد في هذا الحريق أكثر من نصف لجانه المتخصصة، وعشرات الإدارات الحيوية، وتاريخه من البيانات والوثائق المرجعية التي لا سبيل لتعويض الكثير منها فما فائدة «القبة» إذن؟

لقد عمد مسؤولو مجلس الشعب إلي التهوين من حجم الضرر الذي أصاب مبناهم لمعرفتهم اليقينية أن ثمة خللاً وتقصيراً من جانبهم كانا السبب فيما حدث، وبخاصة أن الحريق بدأ فعلاً من الدور الثالث الخاص بمجلس الشعب، كما أنهم شعروا بالعجز عن مواجهة الرأي العام بفداحة الكارثة، فآثروا التهوين منها علي الرغم من أن المصاب جلل والخسارة فادحة.

elshobaki@ahram.org.e

تأديب هشام طلعت مصطفى !

تأديب هشام طلعت مصطفى !

جمال سلطان : المصريون ـ بتاريخ 3 - 9 - 2008

أيا كانت التفسيرات لما حدث في واقعة هشام طلعت مصطفى ، والقرار المفاجئ بإحالته محبوسا إلى محكمة الجنايات متهما بالتحريض على قتل سوزان تميم ، فإن هناك حقيقة واحدة أكيدة ، وهي أن جهة ما في الدولة قررت "تأديب" هشام ، ليس لعلاقته الشائنة مع المغنية اللبنانية ذات السمعة "الحميدة" ، ولا لأنه تواطأ على قتلها في عمل لا يقوم به إلا رجال المافيا والعصابات ، ولكن لسبب جوهري هو الإحراج الشديد الذي سببه للسلطة وللرئيس مبارك نفسه وأسرته ، بكل استهتار وانعدام الإحساس بالمسؤولية وليس فقط ضعفها ، ليس خافيا أن هشام يرتبط بعلاقات خاصة جدا وأسرية جدا مع بيت الرئيس ، وقد دلله الرئيس مبارك نفسه تدليلا زائدا عن الحد وبصورة لافتة ، حتى أنه ذهب بنفسه لكي يفتتح فندق سان استيفانو الذي أنشأه في الاسكندرية في واقعة أثارت استهجان الكثيرين ، لأنه من غير اللائق برئيس دولة في حجم مصر أن يذهب لافتتاح فندق أقامه رجل أعمال أيا كان ، كما أن الرئيس أصدر توجيهاته إلى كافة قطاعات الدولة بفتح أبوابها أمام طموحات هشام وشركته وبيعت له أراضي الدولة بأبخس الأسعار لكي يجني من ورائها المليارات ، كما أن مشروع مدينتي الأخير عندما تعثر في البداية ذهب هشام وقابل الرئيس مبارك في مقابلة خاصة طويلة ، انفرجت بعدها كل الأبواب ووصلت الرسالة إلى الجميع بمن فيهم أحمد نظيف رئيس الوزراء ، كما أن جمال مبارك هو الذي قرر اختيار هشام لعضوية مجلس الشورى وهو الذي وجه بتعيينه وكيلا للجنة الاقتصادية وكان بمثابة ذراعه الأيسر ، وكان هشام مرشحا فوق العادة كوزير للإسكان في أي تعديل وزاري قادم ، وكان الإعلام الرسمي المصري مسخرا بصورة استثنائية لخدمة هشام ، صحيح أنه هو نفسه كان سخيا مع صحفيين وإعلاميين وقنوات فضائية خاصة وعامة ، واشترى ذمم الكثيرين ، لكن الأهم هو الانطباع السائد لدى الجميع بأن هشام "واصل" وسكته سالكه ، كما كان هشام يمثل في نظر القطاع الاقتصادي بكافة أذرعه الرجل الثالث في لجنة السياسات المتحكمة الآن في كافة قطاعات الدولة والحكم باستثناء الوزارات السيادية ، بعد جمال مبارك وأحمد عز ، بل إن النزاع كان قائما حتى الحادثة الأخيرة بين عز وهشام ، على من يكون "الرجل الثاني" ، وبالتالي فعندما فعل هشام فعلته التي كشفت عنها تحقيقات النائب العام ، فقد آذى اليد التي امتدت إليه بالمساعدة ، ولوث سمعة الأسرة التي دللته واعتبرته ابنا من أبنائها ، وتعامل باستهتار بالغ لم يتحسب فيه لأي توابع خطيرة يمكن أن تنتج عن سلوكه في واقعة قتل المغنية اللبنانية ، وبالتالي كان لا بد من معاقبة هشام ومن تأديبه ، والمؤكد أن هشام عندما طلبوا منه العودة إلى مصر كان واثقا من أنه لن يتعرض للتحقيق أو الاعتقال ، وأنه تلقى وعودا بذلك ، والحملة التي تم حشدها له في التليفزيون الرسمي وفي فضائيات خاصة وفي الصحف القومية مع حظر النشر المفصل على مقاس صحف المعارضة كانت تؤكد ذلك ، غير أن حجم الاستهتار الذي كشفت عنه التحقيقات والغضب الذي استبد بأسرة الرئيس كان دافعا أكيدا لتأديب هشام ، وحتى يكون عبرة لغيره ، خاصة وأن الأشهر الماضية كانت هي الأسوأ على مجموعة لجنة السياسات والمنطقة الحساسة المحيطة بالرئيس ، بعد فضيحة أكياس الدم وفضيحة ممدوح إسماعيل وفضائح أحمد عز السياسية والبرلمانية التي وصلت إلى حد بالغ الاستهتار بوجود الدولة ذاتها ، وبالتالي لم تكن أسرة الرئيس لتتحمل المزيد من استهتار المجموعة المحظوظة والمدللة ، لأن الأسرة في النهاية تدفع الثمن أو جزءا منه ، لذلك كان الاتجاه إلى إحالة هشام إلى محكمة الجنايات محبوسا وإلغاء أي سيناريوهات أخرى لتسوية الموضوع أو دفنه ، .. كان تأديبه ضرورة .