Thursday, August 28, 2008

الطريق إلى الحريق ـ د. أحمد دراج

الطريق إلى الحريق ـ د. أحمد دراج

د. أحمد دراج المصريون : بتاريخ 27 - 8 - 2008

مرت مصر عبر تاريخها القديم والحديث بعدة أنواع من الحرائق المادية منها: حرائق الجرد السنوي ( اللصوصية )، وحرائق الفشل السياسي مثل حريق قطار الصعيد، وحريق مسرح بني سويف، أما الحريق الأخير في مجلسي الشعب الشوى الذي دمر مقار 18 لجنة، فهو حريق سياسي بدلالات جديدة تثبت أمرين: أولهما: فشل مؤسسات النظام الحاكم ورسوبها في أسهل اختبار، وثانيهما: سقوط منظومة التلفيق والتلبيس في شر أعمالها.
إذا كان من الممكن التغلب على آثار الحرائق المادية المتكررة بفرض الضرائب والإتاوات على الفقراء ومحدودي الدخل، فإنه من المستحيل إطفاء الحرائق المعنوية المشتعلة في قلوب الشعب المصري بنفس الوسائل، ولم تدرك معظم النخب السياسية والثقافية أن هذه النيران تزداد اشتعالا كل يوم طيلة السنوات والشهور الماضية وتتغذى على ظلم الأبرياء والزج بهم في أتون المعتقلات وأقسام الشرطة ويزيد من أوارها أحكام البراءة في قضايا الرأي العام الكبرى مثل: هيدلينا وضحايا عبارات ممدوح إسماعيل، ثم يحولها حريق الأسعار إلى بركان ثائر تحت الجلد يلتهم أكباد الشعب وثمرات كده وعمله انتظارا ليوم مشهود، يوم ترد فيه المظالم وتنطفيء جذوة الحرائق المادية والمعنوية، ولا يخرج فيه عتاة المجرمين أبرياء مرفوعي الرأس لم يمسسهم سوء، ولا يقدم صغار الموظفين وعابرو السبيل كباش فداء لمماليك اليوم.
وإذ كان المثل الشعبي يقول " إن مصائب قوم عند قوم فوائد " يفهم منه أن هناك مستفيدين من هذه الكارثة التي لحقت بالقاعات التاريخية والمستندات الخطيرة، ولكي نتوصل إلى الجناة الفعليين لابد من التفتيش والبحث عن كبار وصغار المستفيدين الذين يدافعون بالروح والدم عن المستشار الرسمي لنظام التخريب.
والآن، ترى من المستفيد المباشر وغير المباشر من إشعال حريق مجلسي الشعب والشورى الذي جدد منذ شهور قليلة بما يقارب مائة مليون جنيه ؟ أم أن المسألة برمتها إهمال فادح وفشل ذريع لنظام أغلق نوافذ التداول السلمي للسلطة وتفرغ لتصفية حساباته مع الشعب بينما هو عاجز عن إطفاء حريق في مؤسساته التشريعية ؟ وهل هناك خيط يربط بين هذا الحريق المادي والحريق المعنوي المشتعل في قلوب الناس وحياتهم وأرزاقهم جراء الظلم والهوان ؟ وكيف تمكن المستفيدون استمرار إشتعال النار لوقت طويل في الوثائق والمستندات خطيرة في غيبة أو حراسة أمن الدولة ؟ أم أن هذا الحريق غطاء لجريمة أو حريق أكبر ؟ وما العلاقة بين كبار المستفيدين من الخراب وأذنابهم بالمقصرين في أداء واجبهم لحماية المنشآت والملفات والوثائق الحساسة ؟ أما الحديث عن المتضررين فلا أهمية له، لماذا ؟ لأنهم يغطون في السلبية المقيتة مع أنهم الخاسر الأكبر في كل الأحوال فهم يدفعون دائما من عرقهم وكدهم وفقرهم بلا تأوه أو تأفف، لم لا وكل ما يعرفونه عن هذين المجلسين أنهما رموز تزوير إرادتهم ونهب أموالهم وفرض الضرائب عليهم ومحلل بيع المصانع والمؤسسات وثروات الشعب لأعدائه بأبخس الأسعار!!.
إن توجيه الاتهام إلى السيد الماس الكهربائي من وزير الداخلية وكبار المسئولين فور وقوع الحريق لأمر يدعو إلى السخرية والشفقة معا لأن النيران كانت تحت رماد مخلفات الحريق الكبير ولم تستطع الكلاب البوليسية اجتياز المكان المحترق، فكيف عرف الوزير وخبراء وجهابذة التلفيق نتائج عينات ودراسات لم تجر بعد، بل لم يقترب منها أحد بعد ؟! وهل هذا الماس الكهربائي من شهود الزور الواقفين على أهبة الاستعداد لتحمل جرائم الفوضي والإهمال بأنواعه ؟.
هذه التصريحات المتعجلة تصادر على نتائج البحث الجنائي من وزير يسيطر على هذا الجهاز وتؤكد جهل جهات التحقيق وفقدانها للمصداقية لأنها تري في علوم البحث الجنائي الحديثة مجرد واجهة رسمية لإغلاق الملفات إما لعدم كفاية الأدلة أو بتحميل الكارثة لأقرب كبش على طريقة " الماس الكهربائي أو لمختل عقليا ".
ورغم اشتراك هذه الحرائق المادية والمعنوية في المسمى وتخريب وتدمير ثروات هذا البلد وطاقاته الشرية إلا أن الجناة في كل حريق الأمس القريب يمثلون شريحة مختلفة من أصحاب المصالح، فإذا كنا نعرف أن حرائق المخازن في موسم الجرد يشعلها صغار اللصوص في المؤسسات والشركات والمصالح الحكومية للتستر على جرائم السرقة وتبديد المال العام، وأن المتهم الأول في حريق قطار الصعيد ومسرح بني سويف هي إدارة الإهمال والفشل السياسي في مؤسسات الدولة والهيئات التابعة لها، فإلى من توجه أصابع الاتهام في الحريق الكبير لجزء من مجلسي الشعب والشورى وحرائق أسعار السلع والخدمات التي مازالت مشتعلة في جيوب الفقراء ومتوسطي الحال من أبناء الشعب المصري ؟
ياسادة، لقد بدأ الحريق الأكبر منذ سنوات وشهور وما زال مشتعلا في قلوب الفقراء ومعدومي الدخل وامتدت آثار الحريق لتعبر عن نفسها في مواقف متعددة منها تلك التعليقات وردود الأفعال في الشارع ومن المواطنين البسطاء على الحريق في مواقع مختلفة، من هذه التعليقات التي رصدتها ( حريق القاهرة.. عاد من جديد )، و( ياخسارة... النواب كانوا في مارينا ) و ( الحمد لله... بشرة خير ) و( من أعمالكم سلط عليكم ) و( يمهل ولا يهمل ) و( هي دي بلد الأمن والأمان ؟ ) و( اللهم لا شماتة ) وأختتمها بتعليق مصري محروق دمه ( ألف مبروك عقبال الباقي ) " نقلا عن مصراوي "
هذه التعليقات المغلولة تدعو العقلاء إلى مراجعة أنفسهم فما تضمره قلوب ونفوس الشعب المصري تنبيء عن حجم رهيب للدخان المكبوت في إناء يحترق، وهي تقول ببساطة إن الأسوأ قادم، وإذا لم تنطفيء نار الظلم المشتعلة في قلوب كل المظلومين ونار الأسعار الحارقة لآمال الناس وأحلامهم إن لم تستقم المعادلة الوطنية مرة أحرى فإن مصر مرشحة – في القريب العاجل- لأكبر حريق يأتي على الأخضر واليابس ولايعلم مداه ولا نتائجه إلا الله، وهذا الرأي ليس ضربا بالغيب ولكنه استشراف للمستقبل القريب الذي تلوح بوادره في الأفق، وعندها فقط لا ينفع الندم
!!!.

No comments: