Saturday, June 30, 2007

هل فشل الإسلاميون في السلطة؟


بقلم د. سعد الدين إبراهيم ــ المصري يوم ٣٠/٦/٢٠٠٧
أدعي أنني كنت من أوائل الداعين لإدماج الإسلاميين في المجري الرئيسي للحياة السياسية والعربية، بل كانت دعوتي بحزب سياسي للإخوان المسلمين في مقال بمجلة «المجلة» عام ١٩٨٧، هو بداية تدهور العلاقة، التي كانت طيبة، بالرئيس المصري حسني مبارك، قبل عشرين عاماً،
كما أنني دعوت إلي ذلك علي صفحات كبريات الصحف العالمية، مثل «النيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست» (٢٠٠٤ و ٢٠٠٥)، وكنت أول من دعي في الصحافة العربية والعالمية للتعامل مع «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس)، عقب انتخابها في يناير ٢٠٠٦، في انتخابات ديمقراطية حرة،
ساهم مركز ابن خلدون ومركز جيمي كارتر في مراقبتها، بل أكثر من ذلك رافقت أربعين من طلابي في الجامعة الأمريكية وباحثي ابن خلدون إلي فلسطين ثلاث مرات (أبريل ٢٠٠٦، ويناير ٢٠٠٧، وأبريل ٢٠٠٧)، حيث تحاورنا مع قيادات حماس حواراً مكثفاً علي امتداد أسبوع في كل المرات الثلاث، وقد كتبت عن ذلك تفصيلاً في «المصري اليوم» في حينه.
لم تكن هذه الدعوة التي امتدت أكثر من عشرين عاماً، «غزلاً» مع الإخوان المسلمين أو غيرهم من الإسلاميين، كما ذهبت السلطة وعملاؤها، أو الزملاء العلمانيون، ولكن دعوتي كانت ومازالت تنبع من التزامي العميق بحقوق الإنسان، وإيماني بالديمقراطية والحرية للجميع، سواء كانوا إسلاميين أو ماركسيين أو مُلحدين، ومن نفس هذا المنطلق دافعت، وما زلت أدافع، عن حقوق الأقباط، والشيعة، والقرآنيين، والبهائيين، في حرية العقيدة وممارسة عباداتهم، أسوة بغيرهم من المواطنين المسلمين السُنة، فحقوق المواطنة لا تتجزأ.
وكان ضمن من دافعنا عنهم المسلمون الشيعة في الخليج ولبنان ومصر، وأيضاً فعلنا ذلك علي صفحات هذه الجريدة، أشدنا بالمقاومة الباسلة "لحزب الله" اللبناني للعداون الإسرائيلي فيما سُمي بـ «حرب الصيف»، العام الماضي (٢٠٠٦)، ولكن حينما انحرف حزب الله، عن مقاومة العدو الخارجي، إلي محاولة إسقاط حكومة لبنانية شرعية، منتخبة ديمقراطياً، فإننا لم نتردد عن نقد حزب الله علناً وعلي صفحات الجرائد اللبنانية بعنوان «بين حسن نصر الله وعبدالناصر: هل يعيد التاريخ نفسه؟» (الحياة ١٤/١٢/٢٠٠٦) والعربية.
إن هذه المقدمة الطويلة، هي استعداد لنقد سلوك الإسلاميين حينما وصلوا إلي السلطة أو شاركوا فيها مؤخراً، فإلي أجل قريب كان الإسلاميون عموماً، والإخوان خصوصاً، يرددون شعارهم المحبب «الإسلام هو الحل»، كذلك كانوا يقولون إن القوميين، واليساريين، والناصريين، والملكيين، والجمهوريين،
قد تداولوا السلطة تباعاً خلال القرنين الأخيرين، وقد تعثر هؤلاء جميعاً، أو فشلوا فشلاً ذريعاً. الإسلام والإسلاميون فقط، هم الذين لم يحكموا في العصر الحديث، فلماذا لا يأخذون فرصتهم، لكي يثبتوا لشعوبهم وللعالم عظمة الإسلام، وعدالة الشريعة، وقوة الإيمان؟
وكان هذا التساؤل وجيهاً ومنصفاً. نعم، لماذا لا يأخذ الإسلاميون فرصتهم في اعتلاء مواقع السلطة، كما فعل غيرهم من مختلف ألوان الطيف السياسي والأيديولوجي؟، وضاعف من إلحاح التساؤل وما ينطوي عليه من تداعيات نجاح الإسلاميين في تقديم خدمات اجتماعية واسعة للمحرومين والمحتاجين في مصر وفلسطين والأردن، ولبنان، والجزائر، والمغرب.
ورد المحرومون علي هذا الجميل، بتأييد الإسلاميين حينما وحيثما سُمح لهم بالتصويت في عدد من البلدان مثل تركيا والمغرب وفلسطين والأردن ومصر ولبنان، وفي اثنين منها، فاز الإسلاميون بأكثرية مكنتهم من تشكيل الحكومة، وهي تركيا (٢٠٠٢) وفلسطين (٢٠٠٦) وبينما مضت التجربة التركية بنجاح، فإن التجربة الفلسطينية اصطدمت بعقبات موضوعية عديدة. من ذلك أن فلسطين لاتزال تحت الاحتلال الإسرائيلي.
ومنها أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اشترطا لاستمرار مساعدة فلسطين، أن تعترف حكومتها، أي حماس، بإسرائيل وأن تكف عن المقاومة المسلحة، وأن تحترم الاتفاقيات التي سبق للسلطة الفلسطينية، في ظل حكومة فتح، توقيعها، وحين رفضت حكومة حماس الموافقة علي هذه الشروط، جفت معظم المساعدات المباشرة، وإن استمر جزء منها يقدم للشعب الفلسطيني مباشرة، أو من خلال هيئات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية.
ولكن مشكلات حكومة حماس لم تكن مالية فقط، ولكنها كانت أيضاً سياسية واجتماعية وثقافية، فقد استمر أو تفاقم صراعها مع منافستها الفلسطينية، فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد وصل هذا التدهور لدرجة الاشتباك المسلح، رغم سابق إعلان جميع الأطراف، أن «الدماء الفلسطينية» أي الاقتتال الفلسطيني ـ الفلسطيني، هو خط أحمر لن يتعداه أو يتجاوزه أي منهم،
ولكنهم جميعاً تجاوزوه، وأدت الاشتباكات المسلحة بين مقاتلي حماس (كتائب عز الدين القسّام) ومقاتلي فتح (كتائب شهداء الأقصي) إلي حوالي أربعمائة قتيل وجريح خلال شهر يونيو وحده، وكانت قمة هذا الاقتتال يومي ١٤و١٥ يونيو، وشهد العرب والعالم علي شاشات التليفزيون مناظر القتل والتدمير واسع النطاق في قطاع غزة،
وحيث كانت كفة حماس هي الأرجح. فقد أعلنت انتصارها، وحررت قطاع غزة من أعدائها الكفرة «الفتحاويين» (نسبة إلي فتح)، وساق المنتصرون الفلسطينيون «المؤمنون» أسراهم الفلسطينيين «الكافرين»، شبه عرايا، وهم موصدون بالأغلال في شوارع غزة. كما أعدم المنتصرون عدداً من قيادات ومقاتلي فتح رمياً بالرصاص أو بإلقائهم من أسطح المباني، دون محاكمات، ولو صورية.
لقد تصرف مقاتلو حماس بشكل همجي دموي، وهم يرددون تكبيرات وابتهالات دينية، أو افترشوا ساحات المؤسسات التي «حرروها» من «الفتحاويين» لتأدية صلوات الشكر علي هذا النصر المبين، وقد تزامن هذا المشهد الانتقامي الدموي في غزة الفلسطينية، مع مشهد لا يقل دموية وغدراً في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة طرابلس في شمال لبنان،
حيث قام مسلحون من تنظيم يسمي نفسه «فتح الإسلام»، بإطلاق النار علي جنود كتيبة من الجيش اللبناني، أثناء مرورها الروتيني قرب المخيم، فأردوا حوالي عشرين منهم قتلي، وقد أدي ذلك إلي رد فعل غاضب من الجيش وكل الأحزاب والمنظمات المدنية اللبنانية،
ورغم أنه لا توجد علاقة معلومة بين ما حدث في غزة وطرابلس، فإن كثرة استخدام تسميات إسلامية (حركة المقاومة الإسلامية، فتح الإسلام، حزب الله، جند الشام، الجهاد الإسلامي) قد جعل الرأي العام العربي والإسلامي يتساءل عما إذا كان شيء في الإسلام، كعقيدة، أو كممارسة، يؤدي إلي كل هذا العنف والعدوانية، والناس في ذلك معذورون، فمازالت ذكري ما حدث في تفجير برجي مركز التجارة العالمي، سبتمبر ٢٠٠١، والذي راح ضحيته ٣٠٠٠ إنسان، من جنسيات عديدة، حية في عقول الكثيرين،
فإذا أضفنا صور التفجيرات اليومية في العراق، والتي تتم أيضاً تحت أسماء إسلامية، أو قبلها العمليات الانتحارية في بلاد إسلامية وغير إسلامية، من بالي في شرق آسيا إلي الدار البيضاء في غرب أفريقيا، مروراً بما يحدث في دارفور بالسودان علي يد قوات نظام عمر البشير الذي يدعي أنه يحكم أيضاً باسم الإسلام، أو القتال الممتد في الصومال، ويقوده ما يسمي المحاكم الإسلامية، لكان لنا أن نلتمس العذر لمن يطرحون الأسئلة عن علاقة الإسلام بالعنف والإرهاب.
صحيح أن التعميم في الإجابة عن هذه الأسئلة محفوف بالأشواك المنهجية والموضوعية، وصحيح أن هناك إسلاميين أسوياء يحكمون في تركيا أو يشاركون في السلطة في المغرب والكويت والأردن، ولكن صوت هؤلاء الأسوياء يضيع في ضوضاء وصخب الانفجارات التي يحدثها فرقاء آخرون باسم الإسلام، ثم يتردد الأسوياء في إدانتها علناً، أو يحاولون تبريرها والاعتذار عنها. فيا ليت العقلاء من الإسلاميين يهبّون للدفاع عن أنفسهم وعن دينهم في وجه السفهاء من الإسلاميين.
اللهم بلغنا اللهم فاشهد.

Tuesday, June 26, 2007

إنهم يتلاعبون بالشرعية الفلسطينية

إنهم يتلاعبون بالشرعية الفلسطينية
فهمي هويدي ـ الشرق الأوسـط : أربعاء 27 / 6

أما وقد أصبح الجميع يتحدثون عن الشرعية الفلسطينية، فإن ذلك يغدو مبرراً لتحرير المسألة وتقصي حقيقتها.. ذلك اننا تعلمنا من دراسة الفقه الدستوري أن للشرعية ركنين، أولهما قبول الأغلبية التي تعبِّر عن رأيها من خلال الانتخاب الحر، وثانيهما احترام الدستور والقانون. وبهذا المفهوم، فان الشرعية الفلسطينية تصبح حاصل جمع رئيس السلطة المنتخب، ورئيس الحكومة التي تمثل الاغلبية، والمجلس التشريعي المنتخب، وهو ما يعني أن اختزال الشرعية في رئاسة السلطة دون غيره يعد خطأ محضاً، وربما كان حقاً أريد به باطل. رئيس السلطة له شرعيته لا ريبَ، ولكنه يظل جزءاً من الشرعية وليس كلا لها. وحصر الشرعية فيه وحده، لسحب الشرعية عن الحكومة والمجلس التشريعي هو من قبيل التغليط والباطل الذي يُرَادُ الترويج له. بسبب من ذلك فإننا حين نتطرق الى المسألة الشرعية فينبغي ان يظل حاضراً في الأذهان ان لها ثلاثة أعمدة، وليس لواحد فيها أن يهدم أو يلغي شرعية العمودين الآخرين.
الركن الآخر في الشرعية المتمثل في احترام الدستور والقانون شابَهُ لبس كبير، ويتطلب وقفة أطولَ. لكن قبل أن أتحدث عن هذا الجانب ألفت الانتباه إلى مسألة شكلية ذات مغزى. ذلك ان الطريق التي تمت بها صياغة المراسيم الرئاسية التي صدرت تباعاً في الآونة الأخيرة تبعث على الدهشة حقاً. فرئيس السلطة صدق نفسه وتصرف كأنه رئيس حقيقي في دولة مستقلة، وليس مجرد موظف كبير في نظام خاضع للاحتلال. كما ان صياغة تلك المراسيم استخدمت لغة غامضة، اندثرت في أدبيات الخطاب السياسي والقانوني. من ناحية لأن الرئيس عباس في مراسيمه احال الى «الصلاحيات المخولة لنا». ولم يشر الى طبيعة تلك الصلاحيات ومرجعيتها، لسبب جوهري هو انه ليس في القانون الاساسي (الدستور) اية نصوص يمكن الاستناد إليها فيما ذهب إليه. وحتى مصطلح تحقيق المصلحة العامة لا قيمة له من الناحية القانونية، لأنه مطاط ولا حدود له، ثم انه يرهن مستقبل المجتمع لتقدير المسؤول ومزاجه الخاص. وكان ملاحظاً في صياغة تلك المراسيم، أنها استخدمت عبارة «رسمياً بما هو آت»، وتلك لغة تعبر عن انتفاخ لا مبرر له في قاموس الصياغة السياسية والوطنية، منذ اكثر من مائة عام في الأقل.
اذا انتقلنا من الشكل الى الموضوع، فان الاجراء الدستوري الوحيد الذي اتخذه رئيس السلطة الفلسطينية هو إقالة الحكومة، وهو الحق الذي مارسه طبقاً للمادة 45 من القانون الاساسي، أما كل ما تلا ذلك من مراسيم، فانها لا تستند إلى أية مرجعية دستورية أو قانونية. وفي ظل أي نظام قانوني وسلطة قضائية مستقلة، فان هذه المراسيم يمكن الطعن فيها وإبطال مفعولها. وحتى نكون أكثر دقة، فربما استثنينا مرسومه باعلان حالة الطوارئ، لأن ذلك من حقه دستورياً «عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب او غزو او عصيان مسلح او حدوث كارثة طبيعية»، هذا اذا افترضنا ان ما جرى في غزة يمثل تطوراً ينطبق عليه أحد تلك العناوين. ومع ذلك، فنص المادة 110 من الدستور تشترط ان تتحدد مدة الطوارئ التي يعلنها رئيس السلطة في ثلاثين يوماً، يجوز تمديدها ثلاثين يوماً أخرى بعد موافقة ثلثي اعضاء المجلس التشريعي (وهو ما يلتزم به الرئيس ابو مازن). (لقد نص المرسوم الذي اصدره رئيس السلطة في 14/6 على تشكيل حكومة مكلفة بتنفيذ أنظمة وتعليمات حالة الطوارئ)، وتزاول هذه الحكومة مهمتها بعد تأدية اليمين القانونية أمام رئيس السلطة الفلسطينية. وذلك كله لا أصل ولا سند له في الدستور أو القانون. وما أقدم عليه أبو مازن في هذا الصدد تصرف خارج القانون بإطلاق، لماذا؟
أولا: لأنه ليس من حق رئيس السلطة تشكيل حكومة جديدة من جانبه، وطبقاً للدستور، فان حق الرئيس في إقالة الحكومة لا يمنحه أية صلاحية لتشكيل حكومة جديدة من تلقاء نفسه، وانما يؤكد الدستور مسؤولية الحكومة المنتهية ولايتها في القيام بعملها لتسيير الاعمال التنفيذية، الى حين تشكيل حكومة جديدة، يمنحها المجلس التشريعي ثقته.
ثانيا: لأنه لا يوجد في الدستور او القانون الفلسطيني شيء يمكن تسميته بحكومة إنفاذ الطوارئ، وليست هناك اية اشارة الى ما سمي انظمة وتعليمات حالة الطوارئ، وانما هذه المسميات الجديدة من اختراع
«فقهاء السلطان» الذين يطلق عليهم في مصر «ترزية القوانين»، الذين يقومون بتفصيل النصوص القانونية على النحو الذي يستجيب للهوى السياسي، بصرف النظر عن الاصول والمبادئ الواجب الالتزام بها في التقنين. وللعلم، فان نص المادة 114 من القانون الاساسي ينص صراحة على إلغاء جميع الأحكام التي تنظم حالات الطوارئ المعمول بها في فلسطين قبل نفاذ القانون الاساسي، بما في ذلك جميع احكام انظمة الدفاع (الطوارئ) الانتدابية لعام 1945.
ثالثاً: لانه في غياب اية مرجعية قانونية لما سمي أنظمة وتعليمات الطوارئ، فلا مفر من الاعتراف بان البديل في هذه الحالة هو أن يقوم رئيس السلطة باصدارها، ثم تقوم الحكومة المذكورة بتنفيذها، وهو ما يثير سؤالاً آخر هو: هل يعقل من الناحية الدستورية والقانونية ان يقوم رئيس السلطة الوطنية باصدار أنظمة تكلف الحكومة باصدارها، أم أن الحكومة التي تشكل وفقاً لأحكام بإصدار الأنظمة واللوائح، وهو ما تقضي به المادة 70 من الدستور.
رابعاً: لأن ابتكار صلاحيات دستورية اضافية لرئيس السلطة الفلسطينية، من خلال مرسوم رئاسي بتشكيل حكومة بمسمى إنفاذ أحكام الطوارئ، يعد مخالفاً لاحكام نص المادة 38 من القانون الاساسي، التي اكدت الصلاحيات الدستورية الحصرية لرئيس السلطة الوطنية، حين نصت على انه: يمارس رئيس السلطة الوطنية مهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون.
لا يفوتنا في هذا الصدد ان نذكر ان ابتكار صلاحيات دستورية اضافية لرئيس السلطة الوطنية من خلال المرسوم المذكور، وعلى نحو مخالف لأحكام ونصوص القانون الاساسي يعد مخالفاً لجوهر ومضمون القسم الدستوري لرئيس السلطة، الذي ألزم نفسه بمقتضاه باحترام النظام الدستوري والقانوني. وفي ذلك الوقت، فإن نص الدستور على أن رئيس الوزراء وأعضاء حكومته يرددون ذلك القسم، يعني ان اية حكومة جديدة تشكل بخلاف الأصول الدستورية المتفق عليها تكون قد خرقت القانون الاساسي الفلسطيني واعتدت عليه في لحظة اداء القسم.
ذلك كله في كفة، والمرسوم الذي اصدره ابو مازن لاحقا في (15/6) بتعليق بعض احكام الدستور في كفة أخرى، ذلك ان اي معنيٍّ بالشأن القانوني أو حتى بالعمل السياسي الرشيد حين يطلع على ذلك المرسوم، سوف يدرك على الفور انه يمثل سابقة هي الاخطر في نوعها بتاريخ العمل التشريعي في عهد السلطة الوطنية، ذلك انه كفيل بان يؤدي إلى انهيار النظام الدستوري وإهدار قيمة القانون في فلسطين. ولعلها المرة الاولى التي ستوثق فيها الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) من خلال المرسوم المذكور ـ وللأجيال القادمة، ان رئيس السلطة الوطنية سجل انعطافاً خطيراً في مسيرة التجربة الديمقراطية التي قدرها الجميع في فلسطين، فتجرأ على القانون الاساسي، وهو التشريع الأسمى، بما يحمل في طياته من قيم ومبادئ وأحكام دستورية سامية، ومن ثم رسم طريق النهاية لمستقبل الديمقراطية والحكم الصالح في فلسطين.
ولان ديباجة المرسوم اشارت الى احكام الباب السابع من القانون الاساسي، التي نصت على انه: لا يجوز حل المجلس التشريعي الفلسطيني أو تعطيله خلال فترة حالة الطوارئ او تعطيل احكام هذا الباب، فأغلب الظن أن فقهاء السلطان سوغوا هذه الخطوة بواحدة من الحيل التي يجيدونها. ذلك انه اذا كان النص الدستوري المشار اليه يقول انه لا يجوز تعليق أحكام الباب السابع خلال فترة الطوارئ، فان مفهوم مخالفة النص يعني انه يجوز تعليق جميع ابواب القانون الاساسي باستثناء احكام الباب السابع، وهو ذات المنطق الذي روج له بعض ترزية القوانين ذاتهم، الذين أفتوا بأنه إذا كان نص الدستور يقضي بأنه لا يجوز حل المجلس التشريعي الفلسطيني خلال فترة الطوارئ، فإن مفهوم المخالفة يعني انه يجوز حل المجلس التشريعي في الظروف والاحوال العادية!
ان السؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: مَنْ الذي أعطى رئيس السلطة الوطنية الصلاحية الدستورية التي تسمح له بأن يعلق مواد القانون الأساسي، علماً بأنه ليس في نصوص الدستور ما يخوله ذلك الحق من أي باب، كما ان صلاحياته المذكورة في الدستور واردة على سبيل الحصر، وليست بينها ثغرة يمكن النفاذ منها للانقلاب على الدستور على النحو الذي تم.
خطورة هذه الخطوة التي تسمح لرئيس السلطة بان يعلق بعض مواد الدستور، انها تفتح الباب واسعاً لتعليق مواد اخرى، الأمر الذي يفقده قيمته واحترامه، ويحوله في نهاية المطاف الى لعبة يمكن العبث بها في اي وقت، وتلك من آيات انهيار النظام الدستوري والقانوني، بل من علامات الانقلاب على الدستور، لانه اذا كانت يد رئيس السلطة ملتزمة بأية مرجعية أو إطار قانوني، فان الامر كله يصبح مرهوناً بارادته وحساباته، فضلاً عن انه يغلق تماماً باب الحديث عن الشرعية.
ذلك كله أمر غريب ومدهش لا ريب، لكن الأشد غرابة منه ان تستقبل تلك الخطى الموغلة في العدوان على الدستور والقانون، بحفاوة من جانب الاغلبية الساحقة من الديمقراطيات الغربية، الامر الذي يكشف لنا عن وجه آخر في السياسة الدولية، شديد القبح والكآبة، إذ نرى في هذا الوجه المبادئ والتضحية بها، في مقابل المصالح والمنافع. ونرى فيه حماساً شديداً لإهدار قيمة القانون والدستور والاطاحة بهما، ومن ثم العبث بالشرعية طالما أنها تنتهي بحصار المقاومة وضربها، وتعزيز موقف اسرائيل واستعلائها ـ وا اسفاه.

ما بــعد غـــــزوة غـــــزة هـو الأخــــطر‏!

أهرام الأربعاء ــ 27 /6 ‏بقلم : صلاح الدين حافظ
العار‏..‏هي الكلمة الوحيدة المنطقية علي ما جري ويجري في غزة‏,‏ العار هو أن يذبح الأشقاء بعضهم بعضا‏,‏ تصارعا علي السلطة تحت رايات براقة وشعارات خادعة‏,‏ تتحدث عن الديمقراطية والإسلام‏,‏ عن الشرعية والدستورية‏,‏ عن الأخلاق ومحاسن السلوك‏.‏العار هو أن يتفق هابيل وقابيل معا‏,‏ لأول مرة‏,‏ علي قتل أهلهم وتشريدهم واغتصاب حرياتهم وانتهاك خصوصياتهم‏,‏ واستدعاء القوي الخارجية بما فيها القوي المعادية‏,‏ لنصرة جانب علي حساب الآخر‏,‏ ولوضع كلمة النهاية المأساوية لقصة كفاح طويلة لشعب قاسي وعاني‏,‏ طلبا للحرية والاستقلال‏!‏بعد أكثر من خمسين عاما من الكفاح ها هو المشروع الوطني الفلسطيني يرتطم بجذور انشقاقه بهذه الحدة ومن داخله‏,‏ والمؤكد أن هذا المشروع القائم علي أسس شرعية وواقعية وتاريخية‏,‏ لم يعرف طوال مسيرته الشاقة‏,‏ مثل هذا الانشقاق الدموي الذي تورط في أتونه أهم فصيلين‏,‏ هما‏:‏ فتح وحماس‏,‏ وبالتالي فإن الشرخ عميق‏,‏ والانشقاق شاذ‏,‏ والاقتتال مشبوه‏,‏ والنتائج كارثية ومأساوية‏.‏ولسوء الحظ‏,‏ بل لسوء التفكير والتدبير فإن ما جري بين فتح وحماس في فلسطين عموما‏,‏ وفي غزة خصوصا‏,‏ هو نتيجة مباشرة للصراع والانقسام العربي الشائع الضائع‏,‏ بين معسكرين أو أكثر‏,‏ معسكر المعتدلين المحافظين‏,‏ ومعسكر المتشددين الثوريين أو المتمردين وفق التعابير الأمريكية‏.‏وبنفس المنطق فإن ما جري بين فتح وحماس أخيرا هو سبب إضافي لتعميق الانقسام العربي‏,‏ ولإعادة ترتيب المعسكرين وحشد جهودهما لمزيد من الصراع‏.‏ما جري بين فتح وحماس‏,‏ سبب ونتيجة في الوقت نفسه‏,‏ دون مواربة أو مناورة‏,‏ وها نحن نري الأطراف كلها تستغل كل ما جري لاستنفار أسبابها وأسلحتها لتحقيق أهداف بعيدة عن حلم المشروع الوطني الفلسطيني‏,‏ ولاقتناص مكسب من هنا‏,‏ أو مكافأة من هناك‏,‏ بينما الضحية الوحيدة هو شعب كامل لم يعد يعرف من أين تأتيه الضربات القاتلة‏!!‏ولعل من أخطر نتائج هذا الاقتتال الفلسطيني المشبوه‏,‏ هو ما نراه اليوم من اصطفاف المعسكرين المتواجهين‏,‏ خلف الفصيلين الفلسطينيين المتقاتلين‏,‏ فثمة من يقف وراء فتح ومحمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية‏,‏ باسم مساندة الشرعية‏,‏ وثمة من يقف خلف حماس وإسماعيل هنية رئيس الحكومة‏,‏ حكومة ما يسمي الوحدة الوطنية‏,‏ أيضا باسم الشرعية‏.‏الشرعية هي السلاح المخادع الخاوي‏,‏ الذي يحارب به كل طرف أصلي‏,‏ وكل طرف داعم ومساند‏,‏ دون أن يفسر لنا معني الشرعية‏,‏ في ظل اقتتال دموي تمسكا بالسلطة‏,‏ وصراعا علي حكم لم تكتمل أركانه الشرعية الأصلية بعد‏,‏ الكل تحت الاحتلال الصهيوني يعاني إذلاله ومهاناته‏,‏ فالأرض محتلة‏,‏ والسلطة فاقدة لأركان شرعيتها من الأساس لأنها تحت الاحتلال‏,‏ والشعب فاقد لحريته واستقلاله بالتالي‏,‏ فماذا بقي من المشروع الوطني الفلسطيني‏,‏ الأرض محتلة‏,‏ والسلطة شكلية‏,‏ والشعب مشرد ضائع جائع؟‏!‏فإن كان سلاح الشرعية قد سقط من بين أيدي فتح وحماس‏,‏ أو السلطة في الضفة الغربية والحكومة في غزة‏,‏ فإن سلاح الاحتماء بالقوي الخارجية لحسم الصراع‏,‏ أو تأجيجه‏,‏ يبدو الآن الأعلي صوتا‏,‏ وإن كنا نعتقد أنه سيكون الأقل تأثيرا علي المدي البعيد‏.‏‏فلم يعد خافيا أن السلطة الفلسطينية وفتح بقيادة محمود عباس‏,‏ المحتمي برام الله‏,‏ أصبحت أكثر التصاقا وأسرع التجاء إلي ما يسمي معسكر المعتدلين‏,‏ في العالم العربي‏,‏ ذلك المدعوم بالغرب الأوروبي ـ الأمريكي‏,‏ المسنود بقوة من حكومة إسرائيل المهتزة الضعيفة‏,‏ الباحثة عمن يدعمها في الأساس لتظل في السلطة‏,‏ وها هي تسعي عبر معسكر المعتدلين لمساندة وتعويم محمود عباس وسلطته‏,‏ وفي أعماقها تستغل هذا الحدث المأساوي في الجانب الفلسطيني لتعويم إيهود أولمرت وحكومته الهشة‏,‏ غريق يستعين بغريق‏,‏ وأعمي يقود أعمي في بحر الظلمات‏!‏وفي المقابل نري حماس وحكومة هنية القابضة بقوة السلاح‏,‏ وليس بقوة الشرعية علي قطاع غزة‏,‏ تسفر عن تحالفاتها علي الجانب الآخر‏,‏ وتستدعي دعم المعسكر الراديكالي من الجماعات الإسلامية المتشددة‏,‏ إلي إيران زعيمة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا‏,‏ ولم تكن الجماعات الإسلامية‏,‏ المقاتلة منها والدعوية‏,‏ لتترك فرصة اكتساح رفيقتها الكبري حماس لغزة خلال ثمان وأربعين ساعة‏,‏ تفلت من يدها دون أن تسارع إلي نجدتها بكل السبل المادية والمعنوية‏,‏ فها هي البشري تهب من غزة‏!!‏ولم تكن إيران تتقاعس عن اغتنام الفرصة والإمساك باللحظة النادرة هذه لكي تدخل بقوة علي الخط‏,‏ دعما لحماس في الظاهر‏,‏ ودعما لموقفها الصراعي مع الغرب الأوروبي ـ الأمريكي ومعسكر المعتدلين والمحافظين العرب‏,‏ تأكيدا للعلاقة القوية بين حماس وطهران التي بنيت في هدوء حتي هبت العاصفة لتخرج إلي العلن‏.‏ولعل الهلع الحقيقي الذي أصاب حكومات ونظما عربية وغربية وإسرائيلية‏,‏ جراء انتصار حماس المفاجئ في غزة‏,‏ يرجع إلي تلقي ضربة جديدة من الحركات والتيارات الإسلامية المتشددة‏,‏ تلك التي تقاتل بشراسة في العراق مسنودة بإيران‏,‏ وتصارع بقوة في لبنان مسنودة أيضا بإيران‏,‏ وها هي تحقق ما لم يحلم به أحد في غزة مسنودا بإيران أيضا وأيضا‏,‏ فربما تكر المسبحة‏!!‏وبقدر ما يأخذ كثيرون‏,‏ خصوصا من المعتدلين والمحافظين العرب‏,‏ علي حماس تحولها إلي مخلب لإيران في فلسطين وعلي حدود مصر‏,‏ بقدر ما يرد أنصار حماس التهمة بتهمة مضادة لخصومها من أنصار السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن‏,‏ وهي أن هؤلاء أيضا عملاء للأمريكيين‏,‏ وحلفاء للإسرائيليين‏,‏ وشركاء للمستبدين والفاسدين العرب‏,‏ وكما أن الشرعية أصبحت بضاعة متنازعا عليها‏,‏ فضاعت قيمتها ومعناها‏,‏ فإن العمالة والخيانة أصبحتا العملة المتداولة في ساحة الصراع علي حساب الوطن والمواطنين‏,‏ علي حسابنا جميعا‏.‏وبرغم اعترافنا بقوة تأثير القوي الإقليمية والدولية‏,‏ في إيجاد أسباب‏,‏ وترتيب نتائج الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني‏,‏ وتخفيف صدامه مع المحتل الصهيوني‏,‏ فإننا نعتبر أن لمصر دورا رئيسيا في هذا الصراع في هذه اللحظة المأساوية‏,‏ والمعركة الكارثية سارقة الحلم الفسطيني والعربي‏.‏فلسطين مسئولية أمن قومي مصري بالدرجة الأولي‏,‏ في الماضي والحاضر والمستقبل‏,‏ وغزة تحديدا مسئولية مصرية صميمة علي الأقل بحكم الجوار الجغرافي اللصيق‏,‏ وبقدر ما بذلت مصر من مجهودات وقدمت من تضحيات مادية وبشرية في مسارات القضية الفلسطينية عبر الماضي والحاضر‏,‏ فإن مصر مطالبة اليوم أكثر من أي يوم آخر‏,‏ وأكثر من أي طرف آخر‏,‏ بلعب دور رئيسي وحاسم‏,‏ غير دور الانحياز لطرف فلسطيني علي حساب آخر‏,‏ وغير دور تعويم رمز فلسطيني مقابل إغراق غيره‏.‏دور مصر الحاسم المطلوب الآن ليس مجرد دعم عباس باسم الشرعية‏,‏ ومقاطعة حماس باسم فقدها الشرعية‏,‏ وليس التنسيق مع أطراف عربية وإقليمية ودولية لا ترغب إلا في تعميق الانقسام الفلسطيني الدموي حماية لإسرائيل‏,‏ وتعويما لأولمرت وبوش وباقي العصابة‏,‏ لكن دور مصر أن ترتقي فوق كل هؤلاء وأجنداتهم المشبوهة‏,‏ لتعيد الصف الفلسطيني إلي سابق عهده من الوحدة والتماسك وراء المشروع الوطني‏,‏ بحوار القوة الناعمة‏,‏ أو بحدة القوة الخشنة‏!!‏‏لقد كانت لمصر جهودها في الحوار والتهدئة قبل غزوة غزة‏,‏ ولكن الجهد المطلوب الآن أبعد وأعمق من كل هذا‏,‏ يبتعد بمسافة محسوبة من الحسابات الضيقة لفتح وحماس‏,‏ والحسابات الأكبر لإيران وإسرائيل وأمريكا وأوروبا‏,‏ وهو جهد غير متوافر من حيث القدرة والإمكانية‏,‏ بل والمصلحة‏,‏ لدولة أخري‏,‏ كما هو متوافر لمصر التي يجب ألا تستجيب لإغراءات بوش‏,‏ أو تلميحات أولمرت‏,‏ أو تخويفات أحمدي نجاد‏,‏ أو لاستغاثات عباس‏,‏ واتهامات هنية‏,‏ أو لدعوات المتطرفين بنفض يد مصر كليا وانسحابها من هذ الأزمة‏!!‏هذه لحظة حاسمة تنادي دورا مصريا رائدا حاسما في قضية صاخبة ملتهبة‏,‏ إن أقلقت الآخرين فإنها تزعج مصر إزعاجا شديدا‏,‏ لأنها ببساطة تقع علي حدودها الشرقية‏,‏ البوابة التاريخية لكل الحروب والغزوات التي هددت وحدتها وأمنها‏.‏ولكم أن تتذكروا ما كتبناه في هذا المكان قبل أشهر عن المشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا‏,‏ باستقطاع مساحة من سيناء المصرية‏,‏ تصل إلي العريش‏,‏ لتوسيع كانتون غزة‏,‏ وترسيخا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين‏,‏ وتعميقا للشرخ الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية‏,‏ وكل منهما كانتون محاصر برا وبحرا وجوا‏,‏ لا يقوي علي البقاء والاستمرار‏,‏ تنفيذا للحلم الإسرائيلي‏,‏ والحل الأمريكي‏.‏ثم لكم أن تتخيلوا إن لم تبادر مصر بدور مغاير‏,‏ أن تظل غزة مختنقة تحت الحصار الإسرائيلي‏,‏ والتجويع الدولي‏,‏ وصراع الأشقاء المتناحرين‏,‏ فإذا بها تقذف حممها البشرية بمئات الآلاف‏,‏ تقتحم الحدود وتفرض أمرا واقعا جديدا داخل سيناء‏,‏ لتقام فيها معسكرات جديدة للاجئين الهاربين من حصار الجوع والاقتتال العبثي‏!‏ما بعد غزوة غزة‏,‏ ليس أقل خطورة مما قبلها‏.‏‏**‏ خير الكلام‏:‏ قال عمرو بن كلثوم‏:‏إذا ما الملك رام الناس خسفاأبينا أن نقر الخسف فينا

الإخوان وحصاد الشورى


د. رفيق حبيب ـــ المصريون : بتاريخ 26 - 6 - 2007

قرار جماعة الإخوان المسلمين بالاشتراك في انتخابات الشورى، أثار جدلا داخل وخارج الجماعة، وبعد انتهاء الانتخابات التي زورت بالكامل، ولم تحصل فيها الجماعة على أي مقعد، أصبح من الضروري تقييم التجربة، وهو ما تفعله الجماعة والمراقبون المهتمون بشئونها، وأيضا المراقبون المتربصون بها. وتقييم التجربة ليس لمعرفة صحة أو خطأ قرار الاشتراك في الانتخابات فقط، بل من أجل تحديد الموقف من أي انتخابات قادمة. ولهذا أصبح من الضروري تعريف الواقع السياسي المصري قبل محاولة تقييم قرار أي فصيل سياسي، فتعريف الواقع يعرفنا أساسا بنوع الاختيارات المتاحة والنتائج التي يمكن تحقيقها. والواقع السياسي المصري بعد التعديلات الدستورية يظهر بشكل مؤكد أن النظام السياسي المصري استغل مرحلة الحراك السياسي التي بدأت في عام 2005، حتى يعطي لنفسه صلاحيات استثنائية واسعة تمكنه من السيطرة الكاملة على الحياة السياسية.والحقيقة أن النظام السياسي في مصر، كان يسيطر بالفعل على الحياة السياسية منذ ثورة يوليو، ولكنه منذ بداية عصر الرئيس الراحل أنور السادات، بدأ في محاولة وضع نظام ديمقراطي مقيد. ومن خلال التجربة السياسية في عهد الرئيس مبارك، أتضح للنظام أن الديمقراطية المقيدة يمكن أن تنفلت في لحظة غير معروفة، حتى وإن كان احتمال ذلك ضعيفا.وعندما حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية أي انتخابات بدون الإشراف القضائي الكامل، وجرب النظام انتخابات عام 2000 بمساحة واسعة من التزوير رغم الإشراف القضائي، وهو تدخل يتم قبل العملية الانتخابية وخارج المقرات، ثم داخلها في حالات معينة، وجرب النظام انتخابات عام 2005 بإشراف قضائي وبقدر أقل من التدخل للتزوير، هنا اكتشف النظام الحاكم أن الانتخابات شبه الحرة لا يمكن السيطرة عليها أو على نتائجها، كما اكتشف أن شعبيته منهارة تماما، والكراهية له تكاد تكون كاملة، وأن جماعة الإخوان المسلمين لها شعبية حقيقية، لذلك ألغى النظام الإشراف القضائي في التعديلات الدستورية، كما حظر الشعارات والمرجعية الدينية، وأسس لنفسه إمكانية إحالة القضايا إلى القضاء العسكري. بهذا تحولنا من الديمقراطية المقيدة، إلى إلغاء الديمقراطية بالكامل، وسيطرة النظام السياسي على المجال السياسي وعلى نتائج الانتخابات، بحيث نستطيع القول أن المجال السياسي صودر بالكامل.في تلك الصورة نتوقع مثلا انسحاب التيارات السياسية من العمل السياسي برمته، لأن الاختيارات المتاحة لديها تكاد تكون اختيارا واحدا وهو اختيار أن لا تفعل شيء، أي الاختيار الصفري. وهنا كان أمام جماعة الإخوان المسلمين، أن تختار بين المشاركة من أجل امتحان الوضع السياسي، وبين عدم المشاركة من أجل إحداث حالة فراغ سياسي في البلاد، فعدم اشتراك الجماعة في الانتخابات سيؤدي إلى حالة من عدم التنافس السياسي، وحالة من عدم الاهتمام الكامل بالانتخابات، وعدم وجود مادة تتناولها الصحف عن الانتخابات. ولكن قرار الجماعة لم يكن بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات. والمتابع للحوار الداخلي في الجماعة، سيجد أن هناك أراء مع المقاطعة وأخرى مع المشاركة، وأن قرار المشاركة تغلب بفارق أصوات ضئيلة. والسبب في ذلك، أن المشاركة في الانتخابات بمعنى تحقيق فوز بعدد من المقاعد ليس أمرا محتملا، وعدم المشاركة في الانتخابات لإحداث فراغ سياسي يحرج النظام ليس أمرا محتملا، لأن النظام يريد بالفعل الانفراد الكامل بالمشهد السياسي، أي أنه يريد بالفعل هذا الفراغ السياسي، ولا يعتبره أمرا محرجا له إعلاميا، لأنه قرر أن لا يشارك في العملية السياسية إلا أحزاب معارضة يختارها هو ويتفق معها على النتائج قبل الانتخابات.نقصد من هذا عدم وجود اختيارات سياسية طبيعية أمام جماعة الإخوان المسلمين، وأي قوى سياسية حقيقية غيرها. فالواقع يقول أننا أمام مشهد انسداد سياسي، واستبداد شامل، وبالتالي الاختيارات أمامنا تدور حول مواجهة الاستبداد، وليس حول دخول الانتخابات وتحقيق نتائج. ومن هذا التصور علينا النظر إلى قرار جماعة الإخوان المسلمين بدخول الانتخابات. فالجماعة رأت أن المشاركة في الانتخابات هي تفعيل لحركة كوادرها، وتفعيل لنشاطها بين الجماهير، بجانب اختبارها لنتائج التعديلات الدستورية، ولمعرفة طريقة النظام في تزوير الانتخابات بعد تلك التعديلات وإلغاء الإشراف القضائي، وهنا كانت الجماعة تريد معرفة واقع ما سيحدث في أي انتخابات قادمة. وبعيدا عن أهداف اكتشاف واقع ومنهج النظام الحاكم، وهو هدف مشروع، سنجد أن أهداف الجماعة الأساسية كانت هي التحريك السياسي لكوادرها وبين الجماهير. وفي الانتخابات تحقق الجماعة رغم أي قيود أمنية، حالة من التحريك السياسي الحقيقي لكوادرها وللجماهير بصورة لا تتحقق في غير مناسبة الانتخابات. والطبيعي أن يكون متاحا لأي تيار أو تنظيم سياسي ممارسة هذا الحراك أو التحريك طوال الوقت، ولكن الممارسات الأمنية المانعة للأنشطة السياسية الجماهيرية العامة، تجعل مناسبة الانتخابات هي الفرصة المتاحة للعمل بصورة مكثفة بين الجماهير.وما حدث في انتخابات الشورى بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، كان تحريكا سياسيا على أرض الواقع، له مردود إيجابي على مشروع الجماعة ورسالتها، رغم الثمن الفادح الذي تدفعه الجماعة. ومن الواضح أن الجماعة وغيرها من الحركات، لن تستطيع تحريك الجماهير دون أن يكون لذلك ثمن فادح من قبل النظام الحاكم. وهنا علينا التأكيد على أن أكثر ما يهم النظام الحاكم هو استمرار سلبية الجماهير، مادام لا يضمن تأييدها له. وعليه يصبح هدف النظام هو السيطرة على القوى السياسية الحية، والسيطرة على الجماهير وحبسها في حالة سلبية وعزلة عن المشاركة السياسية. لهذا نرى أن أهداف العمل السياسي تغيرت، ولم تعد المشاركة في الانتخابات من أجل الفوز بعدد من المقاعد، بل أصبح الهدف الأهم هو عملية التحريك السياسي، سواء للكوادر السياسية أو للجماهير، بهدف الضغط على حالة الاستبداد، حتى نصل لمرحلة يكون فيها الاستبداد الشامل صعبا، ثم يكون الاستبداد نفسه صعبا. بهذا المعنى لا يمكن اختيار بديل الفراغ السياسي، ويصبح البديل المناسب هو المشاركة والتحريك في كل انتخابات قادمة، وفي كل مناسبات أو ظروف سياسية مهمة

المصري الذي نريده


المصري الذي نريده بقلم د.عمار على حسن المصري يوم ٢٦/٦/٢٠٠٧
تحول السلطة المستبدة دون الارتقاء بالشخصية المصرية، بعد أن دمرها البطش، والفساد الاجتماعي، والتراجع الاقتصادي، والتردي الأخلاقي، وتحول التدين إلي طقوس شكلية وقشرية. وفي ظني فإن أول خطوة لانتشال المصري مما آل إليه يجب أن تقطع تجاه السلطة. فالمصريون يتغيرون حال تغير الوضع السياسي، الذي يمثل قاطرة تشد وراءها كل شيء، بدءاً بالأخلاق وانتهاء بقيمة الإنجاز.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذ١ المقام هو: كيف نتغير؟ وكيف نحول الاستسلام للوضع الراهن إلي طاقة إيجابية تعيد صياغة العلاقة النفسية بين المصريين والسلطة؟ بحيث تصبح الأخيرة مصدراً للحماية والعدل، وليست مؤسسة للقهر والإكراه والطغيان، وبما يقود بالتبعية إلي تغيير كل ما أعوج أو حاد عن جادة الصواب والحق في حياتنا، وتفكيك السياق المغذي للتخلف في المجالات كافة، وفتح الطريق أمام بناء المصري الذي نحلم به.
والإجابة ليست سهلة أبدا، فتغيير النفس البشرية أصعب بكثير من تغيير الأوضاع المادية مهما صعبت، ومهما تردت أحوالها، وهو ما تعبر عنه حكمة أثيرة تقول «بناء المصانع يسير، وبناء الرجال عسير». ولذا يرفض كثيرون فكرة «الإصلاح من أسفل»، أي تغيير القاعدة العريضة توطئة لإصلاح القمة، لأنها بطيئة، ويطالبون بـ «الإصلاح من أعلي» علي أساس قاعدة «من أفسد شيئا فعليه إصلاحه»، فنظراً لأن الفساد والاستبداد هو من فعل السلطة وترتيبها، فعليها أن تبدأ بنفسها، ولا تتذرع بأن الثقافة السياسية السائدة في مصر لا تشجع علي التطور الديمقراطي.
وأولي خطوات مقاومة هذا التصور المريض هي فتح الطريق أمام بناء النفسية القادرة علي المقاومة والانخراط، ما يعني قطيعة مع موروث طويل من سلبية ظاهرية للمصريين، رصدتها الدراسات السياسية والنفسية والاجتماعية والفلكلورية، وعزتها إلي عناصر عدة، منها «الفرعونية السياسية»، التي جعلت المصريين يؤلهون حكامهم علي مدار أربعة آلاف سنة، و«سمات المجتمع النهري»، حيث تتحكم السلطة في موارد الري فيخضع لها الفلاحون، و«انتشار الطرق الصوفية» جنباً إلي جنب مع الدعوة الانسحابية الكامنة في الفكر المسيحي، والتي تقاوم رغبة قطاع من المصريين في ممارسة حياة سياسية مدنية إيجابية، وتجعلهم يتوهمون أن بإمكان الكنيسة أن تلعب دور الزعامة السياسية، مثلما حدث في الآونة الأخيرة.
إن الوقوف عند ترديد الآية الكريمة «إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم»، من دون البحث عن طرائق وأساليب لتحقيقه في الواقع، أمر عديم الجدوي. وقد اكتفي الكثير من أدبيات «التغيير» التي انهالت كالسيل في السنوات الأخيرة، عند حد ذكر الآية، ولم تجهد نفسها في تحري وسيلة لتطبيقها. لكنها لم تهمل جانبا مهما، يقاوم الجزء السلبي من الارتكان إلي القدر، في مجتمع متدين بطبعه، مثل المجتمع المصري، فحرصت علي أن تشرح مدلول هذه الآية، وهي أن الله سبحانه وتعالي بين للناس، الخير من الشر، وأعطي الإنسان عقلاً وقلباً ووجداناً، وجعله خليفته في أرضه، وعليه هو، بإرادته الحرة الطليقة، أن يتلمس سنن التغيير، وأن يرفع راية الحق في وجه السلطان الجائر، لاسيما إن تردت الأحوال وفسدت، ولم يكن هناك بد من حركة فتية قوية في الواقع، لإنهاء هذا التردي، ووضع حد لذلك الفساد، بما يؤدي إلي «استصلاح الخلق بإرشادهم إلي الطريق المنجي في العاجل والآجل... وتدبير المعاش مع العموم علي سنن العدل والاستقامة»، حسب تعريف الفقه الإسلامي للسياسة، وليس حسب الممارسة التاريخية التي انزلقت، في الغالب الأعم، إلي الطغيان.
واستغل بعض الفقهاء آية كريمة أخري وهي... وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، ليطلبوا من المحكومين أن ينصاعوا لمشيئة السلاطين، مهما كان تجبرهم وتوحشهم، وابتعادهم عما رتبه الدين من علاقة سوية بين الحاكم والمحكوم. ونسي هؤلاء أن الآية تقول: «أولي الأمر منكم» وليس «أولي الأمر عليكم»، وشتان بين «منكم» أي باختيارنا و«عليكم» أي بفرضهم علينا فرضاً.
إن الإنسان المصري في حاجة إلي تقدير ذاته، وهذا لن يتم إلا باستلهام جذوره الحضارية، والوعي بالنقاط المضيئة في التاريخ الاجتماعي والسياسي للبلاد، وإدراك ما في الأديان (الإسلام والمسيحية) من دعوة إلي مقاومة الظلم، ومكافحة الشر والفساد، وإلي البحث عن الحل الجماعي، وليس الحلول الفردية المفرطة في الأنانية، التي لا تنتج سوي تمزق النسيج الاجتماعي، وبذلك تجد السلطة الحاكمة فرصا متجددة للتجبر والتوحش

النظام زوجة شرعية للأمريكان ويزعجه اقترانهم عرفيا بالإخوان

د. جلال أمين: النظام زوجة شرعية للأمريكان ويزعجه اقترانهم عرفيا بالإخوان
المواجهة الكاملة مع «الغول» لم تتحقق شروطها بعد، لذا يدعو المفكر المرموق دكتور جلال أمين إلي أن تتحد قوي المعارضة لتحقيق مصالح مهمة مثل الحفاظ علي حقوق العمال وأموال التأمينات. وأشار أمين في حوارنا معه إلي أن النظام الحاكم قد أصبح زوجة «شرعية» للأمريكان ولذا يغضبه جدا اقتران الأمريكان ولو «عرفيا» بالإخوان
كما أكد الدكتور جلال أمين أن عبدالناصر كان لديه مشروع أما السادات فجاء لتفكيك هذا المشروع وبالنسبة لمبارك فهو لا يملك مشروعا ويسير علي بركة الله.

< كيف تري المشهد السياسي في مصر الآن؟ـ أري أن ما جري من تعديلات دستورية وما تبعها من تمرير لبعض القوانين تهدف وبشكل أساسي إلي التمهيد لما هو آت «حلول ابن الرئيس مكان والده».< تقصد أن ما يحدث يهدف إلي توريث السلطة إلي جمال مبارك؟ـ لا أرغب في أن أطلق علي ما يحدث أو سيحدث توريث، فالنظام دائما ما ينكر هذا السيناريو بحجة أن مصر جمهورية وليست ملكية، ما يجري التخطيط له هو التمهيد لإحلال جمال مكان أبيه عبر انتخابات صورية لا يوجد فيها مرشحون حقيقيون، فالتعديلات الدستورية التي جري تمريرها منعت وجود منافسة حقيقية وحجبت التيار الديني الذي يحظي بشعبية واسعة عن الشرعية حتي لا يشارك في أي انتخابات قادمة، وكممت أفواه باقي المعارضة حتي لا يعارضوا تمرير هذا السيناريو.< تقصد بالتيار الديني «الإخوان المسلمين»؟ـ التيار الديني كلمة أوسع لأن التعديلات هدفها حجب الإسلاميين بشكل عام.معني هذا أن النظام يخشي من خوض الإسلاميين أي انتخابات قادمة بعد ما تحقق لهم في انتخابات 2005؟!ـ بالطبع، فالجميع يعلم أنه لو جرت انتخابات حرة ونزيهة 100% لفاز فيها التيار الديني، فالإسلاميون يحظون بتعاطف العامة.. هذا ما أتوقع وليس ما أريد.< جري في الأسبوع الماضي لقاء بين أعضاء من كتلة الإخوان المسلمين بمجلس الشعب وأعضاء من الكونجرس وهو اللقاء الثاني في أقل من شهرين.. بما تفسر هذه اللقاءات؟ـ الأمريكان مهتمون بمعرفة ما يجري علي الساحة السياسيةفي مصر وهم علي علم بما حققه الإخوان من شعبية، وبالتالي فالاتصال بهم أمر متوقع، وذلك لسببين الأول فهم طريقة تفكيرهم وتوجههم والثاني محاولة التأثير في بعضهم، أما ما الذي يدور في هذه اللقاءات «الله أعلم»، من جانب آخر هناك بعض العناصر من الإسلاميين ترغب وبشدة في التقرب من الأمريكان فهم يهدفون للوصول إلي السلطة وإلي الحكم، وعلي علم أن مفتاح الوصول إلي الحكم في مصر في أيدي الإدارة الأمريكية وأحب أن أوضح أن من يرغب في ذلك البعض فقط!!< استنكرت مؤسسة الرئاسة هذا اللقاء بشدة تري ما السبب؟ـ الزوجة الشرعية لا تحب أن يتزوج زوجها عرفيا!!< علي ذكر العلاقات بين النظام والإدارة الأمريكية هل تري أن التوتر في العلاقات بين مصر والسعودية بات في إطار المنافسة علي التقرب من الولايات المتحدة، أم المنافسة علي الزعامة؟ـ نظام الحكم في مصر الآن لا يهمه موضوع الزعامة علي عكس عبدالناصر والسادات «النظام مش فارقة معاه بين الزعيم»، ما يحدث أن النظام خائف من أن يكون اعتماد الإدارة الأمريكية علي السعوديين ما هو الإ إشارة علي عدم رضا الأمريكان!! الكلام عن توتر العلاقات بين النظام المصري والنظام السعودي أظن أنه ليس حقيقياً فكيف يكون هناك توتر ونقوم بتصدير 120 ألف خادمة للسعودية!!عاصرت ثلاثة رؤساء لمصر.. ما أهم ملامح كل تجربة من التجارب الثلاث؟ـ باختصار عبدالناصر كان عنده مشروع.. السادات قام بتفكيك هذا المشروع، مبارك لا عنده مشروع ولا بيفكك مشاريع هو فقط يكمل ما بدأه السادات إلي جانب ما يستجد من أعمال مثل «الخصخصة.. إلغاء الدعم.. تحرير سعر الصرف.. إلخ»، فقد وضع السادات الإطار العام ومبارك «مشي فيه علي بركة الله.. عبدالناصر حافظ علي الدولة بحيث تكون قوية في مواجهة أعداء مشروعه في الداخل أو الخارج.. السادات أضعف الدولة حتي يسهل اختراقها تمهيدا لدخول الاستثمارات والسلع الغربية و(الإسرائيلية) وضعف الدولة كان متناغما مع ضعف السادات كإنسان، فالسادات كان ذا شخصية ضعيفة «يزعق» ويعلي صوته لكنه ضعيف مع ذلك كان مغرورا وفاكر نفسه شيء مهم إنما هو ضعيف!! حتي انتصارنا في 1973 لم يكن لأن السادات قام بأعمال خارقة كما يدعي البعض، أظن أن هناك ترتيبا تم مع بعض الأطراف لتحريك بعض الأشياء!< هل تظن أن احداث التوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين والتي بدأت في 1972 بأحداث الخانكة هي إشارة علي انتهاء الدولة القوية المتماسكة وبداية الدولة الرخوة؟ـ لو أن الدولة بها «رائحة» قوة لما بدأت هذه الأحداث، فالدولة واقفة تتفرج.. وهذا دليل علي رخاوتها مما شجع الطرفين علي تصعيد الأمور طرف يضرب الآخر، وهذا الآخر يشتكي للغرب والغرب يضغط علي النظام، أظن أن النظام أيضا مستفيد من هذه الأحداث مادامت الامتيازات الخاصة بأركان هذا النظام لم تصاب.. «فخلي الناس تضرب بعضها» لو فهم الجميع الإسلام بشكل سليم علي أساس أنه وسيلة لنهضة هذه الأمة لما حدثت مشاكل بين المسلمين والأقباط، فالإسلام وسيلة للنهضة والإصلاح وهناك من الأقباط من يدرك ذلك فمكرم عبيد كانت له مقولة لا تنسي فقال: «أنا مسيحي دينا ومسلم وطنا»، فالإسلام جزء من هوية وثقافة هذه الأمة.< وماذا عن التشكيك في عروبة مصر؟ـ أنا مختلف مع أسامة أنور عكاشة في كلامه عن القومية العربية.. عروبة مصر حقيقية لا يمكن إنكارها ووحدة العرب حلم وهدف نبيل وإن كان مستحيلا في ذلك الوقت.. كل ما هنالك أن العرب انضربوا لكن هذا ليس مبررا لأن نتنكر لعروبتنا «مش معني أن العرب بينضربوا من 40 سنة إننا نقول إحنا مش عرب!! فالوحدة العربية وإن كانت مستحيلة فهي ضرورة لنهضة هذه الأمة.< هل تري أن فوضي الفتاوي التي تصدر من المؤسسة الدينية الرسمية «الأزهر» هو دليل أيضا علي تفكك الدولة؟ـ فتوي التبرك ببول النبي، وإرضاع المرأة لزميلها في العمل دليل علي أن الشعب كاد يصاب بلوثة لدرجة أن الناس ممكن تقطع بعض وتطعن بعض وتصرخ بجنون في الشوارع بدعوي التدين وأظن أن لهذا علاقة بصبرنا علي مكبرات الصوت في الجوامع، وصبرنا علي سماع الأحاديث الدينية الهستيرية داخل التاكسي والميكروباص! أظن أن كل هذه التجليات هي دليل علي التفكك الذي أصاب الدولة.< لكن ألا تعتقد أن الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات التي انتشرت في الأوساط العمالية دليلا علي أن الشعب قد بدأ في استعادة الوعي؟ـ أظن أن العمال قد تأثروا بما يسمي بالحراك السياسي الذي حدث في مصر في العامين الأخيرين فقد تشجعت تلك الفئات وطالبت بمطالب اقتصادية، محتمل أن يكون فيها أسباب أخري وأظن أن هناك عناصر تحرك تلك الكتل بعضهم إسلاميين.< هل من الممكن أن تؤدي تلك الاحتجاجات في النهاية إلي انفجار اجتماعي ينتهي بتغيير شامل؟ـ موضوع الانفجار مبالغ فيه دائما ما يردده الشيوعيون أن الانفجار أوشك والثورة ستنطلق غدا لكن هذا الكلام غير صحيح، وأشك أن تؤدي تلك التحركات إلي تغيير، فالمعارضة في مصر لم تحسن استغلال هذه التحركات «فالمعارضة في مصر مشاكلها كثيرة وعايزين إعادة ولادة لمعارضة جديدة»!!لذا أري أن نستبدل الكلام عن مواجهة النظام والتغيير الثوري والكلام عن التوريث بالتركيز علي قضايا معينة مثل قضية الحفاظ علي أموال التأمينات أو الحفاظ علي حقوق العمال وأظن أن هذا أجدي من مواجهة «الغول» مواجهة كاملة.< كيف تستشرف مستقبل مصر بعد كل ما وصلنا إليه من تفكك ورخاوة؟ـ في 1840 تم إسقاط مشروع محمد علي وضربه من القوي الدولية في هذه الفترة وبعدما توفي محمد علي في 1849 تولي عباس الأول ثم سعيد الذي فتح الباب علي مصراعيه للتدخل الأجنبي مما أدي إلي تفكك الدولة، حاول إسماعيل أن يبدأ مشروعا لكنهم أفشلوه أيضا وولوا توفيق الذي سقطت في عهد مصر تحت وطأة الاحتلال الإنجليزي أحاول استرجاع التاريخ حتي أستشرف المستقبل، فالبرغم من أن الدولة ضعفت في عهد سعيد ووقعت في عهد توفيق إلا أنه كانت هناك بعض المؤشرات علي التقدم في بعض المجالات مثل الري والقناطر والتعليم، لذلك فالتشاؤم المطلق ليس في محله الآن فهناك إشارات علي وجود بعض الأشياء الإيجابية مثل ارتفاع معدلات النمو وتزايدت الاستثمارات الأجنبية لذا فأنا أري أن الدولة الرخوة ستتمر لكن أعتقد أن هناك إصلاحا اقتصاديا في المدي المتطور ليس بالضرورة أن يشعر به الناس حاليا!!< إذا ما جدوي هذا الإصلاح الاقتصادي مادام ليس له أي مردود علي المواطن «الغلبان»؟ـ أريد أن أميز بين معدلات النمو والاستثمارات وتوازن حساب المدفوعات وحل المشاكل اليومية الحياتية للناس.المسألة معقدة أكثر من ذلك فالثورة الصناعية البريطانية عاني منها «الغلابة» أشد المعاناة!< ذكرت في كتابك الأخير «ماذا علمتني الحياة» أنك كنت عضوا بحزب «البعث» في مطلع الخمسينيات ثم تحولت للماركسية في الستينيات وفي نهاية السبعينيات أصبحت جزءا مما أطلق عليه مجموعة «التراثيين الجدد»، ألا تري أن هذه التحولات تحمل الكثير من علامات الاستفهام حول شخصية المفكر جلال أمين؟ـ في مطلع الخمسينيات كنت ما أزال في العشرين من عمري تعرفت وقتها علي مجموعة من الشباب المثقف مثل حسان الوظيف من الأردن ومصطفي الحلاج من سوريا، ومن مصر فاروق شوشة والشاعر حجازي وأحمد بهاء الدين وعصمت سيف الدولة وأعجبني شعارهم «الحرية.. الاشتراكية.. الوحدة.. فانخرطت معهم في التنظيم البعثي في مصر، بعدها في نهاية الخمسينيات قرأت في الماركسية ففتنتني المادية الجدلية حتي سافرت إلي إنجلترا وقرأت عن الوضعية المنطقية فأعجبت بها واكتشفت أن الماركسية فيها كلام كثير «هلس» لكني احتفظت ببعض الأفكار من الماركسية ومن البعث فمازالت مقتنعا حتي الآن «بالحرية.. والاشتراكية.. والوحدة»، وأري أن ما حدث من تطور عقلي طبيعي، في أواخر السبعينيات التقيت بمجموعة من المثقفين مثل طارق البشري ومحمد عمارة وعادل حسين الذين أدركوا أن مشكلة مصر في التبعية الثقافية وليس في التبعية الاقتصادية فانضممت لهم. لم يدم ذلك طويلا وذلك لأن موقفي من الدين سسيولوجي وليس ميتافيزيقي بمعني أن الدين بالمناسبة لي محرك وطاقة لبناء أمة وإصلاحها وهو ما اختلفت فيه مع هذه المجموعة.انتهت علاقاتي بهم بعد الندوة التي أقاماتها جريدة «الأهالي» والتي دافع فيها واحد من هؤلاء التراثيين عن الشيخ الشعراوي وإن كنت لا أحبه وكنت أعتقد أنه من أسباب الفتنة بين المسلمين والمسيحيين حيث كان بينهم مساهمة غير لطيفة في إشعالها بعد هذا الموقف انسحبت من الجلسات التي كانت تنظمها تلك المجموعة. الآن أنا أحب أن أكون مستقلا لا انتمي إلا للأفكار التي استقريت عليها بغض النظر عن تبعيتها.
العربي الناصري
محمد سعد عبد الحفيظ

الصراع بين فتح وحماس: أين مصلحة مصر؟


بقلم ضياء رشوان ـ المصري يوم ٢٥/٦/٢٠٠٧
في كل مرة تندلع فيها أزمة كبيرة أو صغيرة في إحدي الدول العربية المجاورة أو القريبة لمصر، تتفرق آراء قطاعات النخبة السياسية المصرية في كيفية التعامل معها، وهو أمر طبيعي لا غرابة فيه، إلا أن الغريب هو أنه في كل مرة أيضاً يتم تقسيم تلك الآراء بين اتجاهين رئيسيين في التعامل مع تلك النوعية من الأزمات: أحدهما يري في نفسه منطلقاً مماً يسميه «المصالح المصرية الخالصة»، والآخر يتهم دوماً بإعطاء الأولوية لرؤيته القومية العربية أو الإسلامية في هذا التعامل علي تلك المصالح المصرية.
وبالرغم من أن جوهر رؤية كل من الاتجاهين يضع في اعتباره طوال الوقت تلك المصالح، ويرمي بصورة أو بأخري إلي تحقيق الحد الأقصي منها، فإن الاتهام الدائم الجاهز للاتجاه الثاني يظل مسلطاً عليه دون توقف.
وقد تكررت تلك الظاهرة فور اندلاع الأزمة الكبيرة الخطيرة الحالية بين حركتي فتح وحماس، حيث طغي حضور آراء الاتجاه الأول في وسائل الإعلام المصرية، مبرراً دعواته لوقوف الدولة المصرية إلي جانب فتح فيها، وعزل حماس وتصفية وجودها في الأراضي الفلسطينية، بما يري أنها المصالح المصرية التي تتصادم مع أي انفراد أو تشارك لحماس في السلطة الفلسطينية، أو مع حتي مجرد الوجود السياسي القوي لها في المجتمع الفلسطيني.
والحقيقة أن هذا الزعم بإعطاء الأولوية للمصالح المصرية الخالصة لترويج تلك الرؤية الأقرب للإقصائية أو الاستئصالية لحركة حماس، إنما يسعي لتغطية الجوهر الأيديولوجي لها، والذي يتجاوز الأزمة الفلسطينية ليمثل طريقة دائمة لتلك الرؤية في التعامل مع جميع الحركات الإسلامية السياسية - الاجتماعية السلمية انطلاقاً من واستهدافاً إقصاءها أو استئصالها عنوة من جميع مجريات ومحاور السياسة والمجتمع في البلدان العربية كلها.
والأقرب للحقيقة أن هذه الرؤية علي الرغم من ادعاء أصحابها بأنها تنطلق من وترمي إلي الحفاظ علي المصالح المصرية، إنما تؤدي في نهاية الأمر إلي الإطاحة بكثير من تلك المصالح وتهديد البعض الآخر منها.
ولكي لا نذهب بعيداً، ففي الأزمة الفلسطينية الحالية يبدو واضحاً أن الترويج لقيام مصر الرسمية، بدور مؤثر في السيناريو الدائر حالياً للتعامل معها والذي تقوده كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بالتحالف مع بعض أجنحة حركة فتح، سوف يهدد عديداً من المصالح المصرية الجوهرية بصورة جدية تكاد تطيح ببعضها بصورة تامة. فمن الواضح أن هذا السيناريو يقوم علي إحكام الحصار والعزلة علي قطاع غزة وعلي حركة حماس، وتصوير الأوضاع فيه بأنها محاولة من الأخيرة للانقلاب العسكري والاستقلال بالقطاع وإقامة إمارة إسلامية متطرفة فيه علي غرار أفغانستان - طالبان.
وفي الوقت نفسه الذي يجري فيه هذا الحصار يستمر الإعداد الأمني والعسكري بالتوافق بين أطراف عديدة فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية، حسب هذا السيناريو، للدخول في مواجهة عسكرية حاسمة مع حركة حماس يتم عبرها قصم ظهرها العسكري و«تحرير» قطاع غزة منها. كذلك فوفق السيناريو نفسه، فإن تدفق المعونات المالية والاقتصادية الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية علي الرئاسة الفلسطينية وحكومة الطوارئ، سيمكن حركة فتح من تهيئة الشارع الفلسطيني للتصويت لصالحها في انتخابات مبكرة للمجلس التشريعي، قد تتم في نهاية العالم الحالي، وعلي أساس نظام انتخابي مختلف، مما يعيد الأوضاع الفلسطينية الداخلية إلي ما كانت عليه قبل انتصار حماس في انتخابات ٢٠٠٦، ويكتمل هذا السيناريو بافتراض قيام الحكومة الإسرائيلية بالشروع في بدء المفاوضات مع حكومة الطوارئ والرئاسة الفلسطينية، والتساهل بقدر الإمكان فيها من أجل منحهم بعض المكتسبات الإيجابية التي تساعد أكثر علي دفع الفلسطينيين للتصويت لحركة فتح في الانتخابات المبكرة القادمة.
هذا السيناريو سوف يهدد، أول ما يهدد، الدور المصري المتميز والخاص دوماً في قطاع غزة منذ عشرات السنين، وما استطاعت مصر بناءه من شبكات معقدة للعلاقات مع مختلف قوي وقطاعات الشعب الفلسطيني هناك، حيث يفتح الباب لخسارة نصف تلك العلاقات علي الأقل باتخاذ موقف عدائي حاسم ضد حركة حماس، في حين يظل النصف الآخر غير مضمون نظراً للأدوار المهمة التي ستقوم بها واشنطن وتل أبيب في دعم حركة فتح، الأمر الذي سيقوي علاقتها معهما علي حساب العلاقات المصرية التقليدية.
ولا شك أيضاً أن فشل تطبيق هذا السيناريو، وهو الأكثر ترجيحاً، سوف يفتح الباب أمام صراعات واسعة فلسطينية - فلسطينية قد تصل في حالة التدخل العسكري الخارجي أو المدعوم خارجياً ضد حماس إلي حرب أهلية فلسطينية، ستكون دون شك أحد أهم مصادر تهديد الأمن القومي المصري في سيناء، التي تتسم بدرجة عالية من الحساسية والهشاشة من تلك الزاوية.
وسوف تزداد المخاطر علي الأمن القومي المصري في تلك الحالة، نظراً لما يمكن أن يثيره الانحياز الإسرائيلي والأمريكي ضد حماس من مشاعر غضب واسعة سواء في داخل الشعب الفلسطيني سواء في الضفة والقطاع أو خارجهما أو في داخل مصر نفسها وبخاصة في أوساط الشباب، ستتخذ علي الأرجح طابعاً إسلامياً متشدداً وعنيفاً ومزايداً علي حركة حماس نفسها في قبولها الانخراط في العملية الديمقراطية والانتخابية، الأمر الذي يمكن أن ينعكس في صورة عمليات عنف عشوائي، بعضها قد يقع داخل مصر، مما سيمثل بدون أي شك مصدراً خطيراً لتهديد أمنها القومي.
ويبقي أخيراً أن إضافة موضوع الموقف الرسمي المصري من الأزمة الفلسطينية إلي القائمة الطويلة للقضايا الخلافية المصرية الداخلية بكل ما له من حساسيات سياسية ودينية، يمكن له أن يزيد من تعقيد الأوضاع الداخلية ويزيد من احتمال وصولها إلي طريق مسدود.

Monday, June 25, 2007

قبــل أن نفـاجـأ بـزلـزال جـديــد

قبــل أن نفـاجـأ بـزلـزال جـديــد
بقلم‏:‏ فهمـي هـويـــدي ـ أهرام الثلاثاء 26 / 6
إذا أردنا أن نخرج سالمين من الزلزال الذي شهدته غزة‏,‏ فينبغي أن ننحي الانفعال جانبا‏,‏ وأن نتخلص من الأوهام والأساطير التي راجت حول ما جري‏,‏ لأن الخطأ في التشخيص يمكن أن يرتب أخطاء في العلاج‏,‏ قد تستدعي زلزالا آخر لم يخطر علي البال‏.
‏‏(1)‏من مفارقات المشهد وسخريات الأقدار أن الزلزال فاجأ كل القريبين منه‏,‏ بينما لم يستغربه البعيدون عنه‏.‏ فقد أدلي الجنرال كيت دايتون مسئول الاتصال العسكري المقيم في تل أبيب بشهادة أمام لجنة الشرق الأوسط في الكونجرس الأمريكي‏,‏ في شهر مايو الماضي‏.‏ وتحدث فيها عن انفجار قريب للأوضاع في غزة‏,‏ وعن دور الإدارة الأمريكية في تعزيز وتسليح القوي الأمنية في مواجهة القوة التنفيذية التي أنشأتها حماس لضبط النظام في القطاع‏,‏ وهذا الذي قاله الجنرال دايتون لم يختلف كثيرا عما تضمنه التقرير السري الذي قدم إلي الأمين العام للأمم المتحدة من نائبه‏,‏ ومبعوثه إلي الشرق الأوسط الفارودي سوتو‏.‏ وقد تسرب محتوي التقرير إلي صحيفة الجارديان البريطانية التي نشرت بعض مقتطفاته في عدد‏6/20,‏ وهو ما فعلته أيضا صحيفة ها آرتس الإسرائيلية في عدد‏6/19,‏ وفيه قال صراحة إن الإدارة الأمريكية عملت منذ البداية‏,‏ بالتواطؤ مع بعض عناصر السلطة علي إسقاط الحكومة الفلسطينية التي تشكلت بعد الانتخابات التشريعية بأي ثمن‏,‏ حتي إذا كان الثمن حربا أهلية دامية‏.‏ وأضاف المبعوث الدولي أنه كان من الممكن تشكيل حكومة وحدة وطنية عقب الانتخابات‏,‏ لولا أن الولايات المتحدة دفعت الرباعية إلي وضع شروط مستحيلة للاعتراف بها‏,‏ فضلا عن أنها عارضت مبدأ تشكيل حكومة من ذلك القبيل‏.‏ وأشار الرجل إلي أنه خلال اجتماع اللجنة الرباعية الذي عقد قبل أسبوع من لقاء مكة‏,‏ حين كانت المواجهات علي أشدها بين حركتي فتح وحماس‏,‏ فإن المندوب الأمريكي في الرباعية قال مرتين في الاجتماع‏:‏ إنني أحب ذلك العنف‏,‏ لأنه يعني أن ثمة فلسطينيين يقاومون حكومة حماس‏.‏لا أريد أن أستطرد في عرض الشهادات المحايدة والوثائق التي سلطت الضوء علي العناصر الأساسية في خلفية ما جري في غزة‏,‏ إلا أنني أنبه مجددا إلي حقيقتين غيبهما خطابنا السياسي والإعلامي‏,‏ الأولي أن الأصابع الأمريكية التي تحركها المصالح الإسرائيلية‏,‏ سعت جاهدة إلي تفجير الوضع في غزة منذ ظهرت نتائج الانتخابات التشريعية في بدايات العام الماضي‏,‏ الحقيقة الثانية أن الحكومة التي تشكلت عقب الانتخابات كانت لها مصلحة في تهدئة الأوضاع في القطاع‏,‏ علي الأقل لكي تنجح في مهمتها‏,‏ لذلك فإنها عملت طوال الوقت علي إبطال مفعول محاولات التفجير التي تمثلت في استمرار إشاعة الفوضي والفلتان الأمني‏.
‏‏(2)‏الالتباس في قراءة وفهم ما جري قبل الأحداث استمر بعدها بنفس الوتيرة تحت عناوين عدة‏.‏ وكانت حكاية الإمارة الإسلامية في غزة من بين تلك العناوين‏.‏ ذلك أن القراءة الموضوعية والمتأنية لما حدث في القطاع تشير إلي أن المشهد حركته أجندة أمنية بامتياز‏,‏ ولم تكن وراءه أي أجندة سياسية‏,‏ علي العكس تماما من الأسطورة التي يروج لها الإعلام الآن‏.‏ ذلك أن خبرة‏15‏ شهرا أقنعت الحكومة بأنه طالما بقيت الأجهزة الأمنية خارجة عن السيطرة‏,‏ وتؤدي دورها في إثارة البلبلة والفوضي‏,‏ فإنها لن تستطيع أن تنجز شيئا علي الأرض‏,‏ وحين لم تسفر استقالة ثلاثة وزراء للداخلية لهذا السبب عن إحراز أي تقدم إيجابي يخدم التعاون بين تلك الأجهزة والحكومة‏,‏ فإن رئيسها السيد إسماعيل هنية قدم مشروعا من ثماني نقاط لإعادة هيكلة تلك الأجهزة‏,‏ واخضاعها لسلطة الحكومة الشرعية‏.‏ وحين كانت الاجتماعات مستمرة لبحث المشروع‏,‏ فإن اشتباكا وقع في منتصف الأسبوع الماضي في رفح بين مجموعتين‏.‏ إحداهما تمثل القوة التنفيذية التي شكلتها حماس‏,‏ والثانية من عناصر الأمن الوقائي‏.‏ وأدي الاشتباك إلي قتل أحد عناصر القوة التنفيذية‏,‏ واثنين من الأمن الوقائي‏.‏ وكان الظن أن الحادث سيمر شأن غيره من الحوادث المماثلة التي وقعت خلال الأيام الأخيرة‏,‏ وتم تجاوزها بصورة أو أخري‏.‏ غير أن الأمر اختلف هذه المرة‏.‏ فقد أعقب الاشتباك انتشار لقوات الأمن الوقائي في الشوارع‏.‏ استصحب وضع الحواجز واعتلاء المسلحين للأبراج السكنية‏,‏ والإقدام علي إعدام اثنين من حماس‏,‏ وخطف آخرين‏.‏ وهو تحرك أيقظ شكوكا كثيرة لدي الحكومة التي لم تجد مفرا من اتخاذ قرار بالسيطرة علي مقار الأجهزة الأمنية‏,‏ لإنهاء الفلتان والفوضي في القطاع‏.‏المفاجأة التي حدثت أن تلك الأجهزة انهارت بسرعة لم تخطر علي بال أحد‏,‏ في حين استسلم بعض قادتها‏,‏ وهرب البعض الآخر‏,‏ منهم عبر الحدود‏,‏ وغادر القطاع‏,‏ ومنهم من لجأ إلي بيت رئيس الوفد الأمني المصري ليحتمي به‏.‏ثمة تفاصيل مثيرة في هذا الشق لا مجال للخوض فيها الآن‏,‏ لكن أهم ما يستخلصه المرء من وقائع تلك المواجهة أن تحرك الحكومة لم يكن موجها لا ضد أبومازن‏,‏ ولا ضد السلطة‏,‏ بل ولا ضد حركة فتح ذاتها‏.‏ وإنما كان موجها فقط ضد مقار الأجهزة الأمنية‏,‏ بهدف اخضاعها لسلطة الحكومة‏,‏ بعدما فاض الكيل وفشلت المساعي طيلة‏15‏ شهرا في التفاهم حول الموضوع‏.‏المدهش في الأمر أن الإجراء الذي اتخذ قرئ علي نحو مختلف تماما‏,‏ وجري تسييسه علي الفور‏,‏ وكأن الأجهزة الأمنية هي السلطة والدولة‏.‏ فتحدث كثيرون عن انقلاب في القطاع‏,‏ وذهب آخرون إلي حد الادعاء بأن ما جري في غزة يمهد لإقامة إمارة إسلامية‏,‏ أطلق عليها البعض اسم حماستان‏,‏ وتطوع نفر من المحرضين فتساءلوا عن الخطر الذي يهدد أمن مصر من جراء إقامة إمارة إسلامية علي حدودها‏,‏ وصفها أحدهم بأنها قنبلة موقوتة‏,‏ إلي آخر تلك الأساطير المسرفة في الخيال‏,‏ حتي بدا مضحكا أن يجري تخويف المصريين وإثارة فزعهم من قنبلة موهومة في غزة بدعوي أن مصر لا تحتمل وضعا كهذا‏,‏ في حين أنها احتملت‏200‏ قنبلة نووية حقيقية قامت إسرائيل بتخزينها علي حدودها‏,‏ ولم ير أولئك المتحدثون في ذلك أمرا يثير القلق أو يهدد أمن مصر‏.
‏(3)‏في استعراض ما جري وفهمه علي نحو صحيح‏,‏ تقتضي الموضوعية أن نفرق بين عناصره الجوهرية والممارسات التفصيلية‏,‏ وفي تتبعي للمناقشات والمساجلات التي جرت حول الموضوع‏,‏ لاحظت أن التفاصيل الفرعية استحوذت علي الاهتمام بأكثر من المسائل الجوهرية والكلية‏.‏ وأحسب أن الدور الأمريكي والإسرائيلي في إذكاء الصراع وتفكيره من تلك القضايا الجوهرية‏,‏ كما أن الموقف الذي اتخذته الأجهزة الأمنية التي صممت لتكون فتحاوية وفصائلية‏,‏ قبل أن تكون فلسطينية‏,‏ وتحولت بمقتضاه إلي أداة لإثارة الفوضي‏,‏ واسقاط الحكومة‏.‏ هذا الموقف هو مسألة جوهرية أخري تحتاج إلي تحقيق وتحرير‏.‏ يسري ذلك أيضا علي الهدف من تحرك الحكومة‏,‏ وهل كان أمنيا كما ذكرت أم أنه كان سياسيا؟‏.‏وهل كان إجراء حكوميا لاخضاع الأجهزة الأمنية لسلطة الحكومة الشرعية‏,‏ أم أنه كان انقلابا من جانب الحكومة الشرعية؟ حتي مسألة الشرعية ذاتها تحتاج إلي تحرير من زاويتين‏,‏ إحداهما ما إذا كانت مظلة الشرعية تغطي الرئاسة المنتخبة فقط أم أنها تتسع للحكومة المنتخبة بدورها من جانب الشعب الفلسطيني‏.‏ أما الزاوية الثانية فتتمثل في مدي شرعية القرارات التي أصدرها الرئيس أبومازن بما في ذلك قراره بتعطيل ثلاث مواد من القانون الأساسي الفلسطيني‏.‏هذه الأمور المهمة لم تنل حقها من الاهتمام والتمحيص‏,‏ في حين أن كثيرين تعلقوا بالتفاصيل المتفرعة عن تلك الكليات‏.‏ وهي التفاصيل الحافلة بعناصر الإثارة وبالأخطاء علي الجانبين‏,‏ خصوصا إذا لاحظنا أن كل طرف أراد أن يشوه صورة الآخر لكسب المعركة الاعلامية التي صارت موضوع الصراع الراهن‏,‏ بعدما حسمت المعركة عسكريا في غزة‏,‏ حتي الآن علي الأقل‏.‏ فجري الحديث عن جرائم ارتكبها كل طرف بحق الآخر‏,‏ والتنديد بالممارسات الانفعالية والتصريحات التي اتسمت بالرعونة التي صدرت عن بعض عناصر حماس بوجه أخص‏.‏ حتي وجدنا أن بيان المجلس المركزي لمنظمة التحرير‏,‏ وبعض الأبواق الإعلامية‏,‏ تتحدث عن حوادث القتل وإنزال العلم الفلسطيني من فوق بعض المباني‏,‏ والاعتداء علي مقر أبومازن‏,‏ وبيت أبو عمار‏,‏ ونهب بعض الممتلكات إلي غير ذلك من الممارسات التي لا تستغرب في أجواء الاشتباك والفوضي‏,‏ ويظل من الصعب للغاية تحديد فاعلها أو محاسبته‏.
‏‏(4)‏الآن يشهر كل طرف اتهامه للطرف الآخر‏.‏ فثمة حديث من جانب بعض قيادات فتح عن انقلاب حدث في غزة ومؤامرة لاغتيال أبومازن‏.‏ وثمة أحاديث صادرة عن حماس تتحدث عن انقلاب في رام الله‏,‏ وعن وثائق تم العثور عليها تكشف عن دور خطير وتخريب قامت به الأجهزة الأمنية‏.‏ ولا سبيل إلي حسم هذا التراشق إلا بعرض الموضوع برمته علي لجنة تقصي الحقائق التي قررها مجلس وزراء الخارجية العرب‏,‏ ولم أجد سببا مقنعا لاعتراض بعض ممثلي السلطة عليها‏.‏المثير للانتباه أن ثمة جدلا واسعا حول الموضوع في الصحف الإسرائيلية‏,‏ التي تعددت فيها الآراء بصدده‏.‏ ولكننا لا نكاد نري هذا التعدد في ساحاتنا الإعلامية‏,‏ التي تتبني أغلبها رأيا واحدا ينطلق من الاتجاه إلي التصعيد والدعوة إلي قمع حماس‏,‏ وإقصائها من المشهد السياسي الفلسطيني‏.‏ واستئصالها بالكلية من غزة والضفة‏,‏ وهو الرأي الذي يتبناه المتطرفون في فتح‏,‏ ويشجعه الإسرائيليون‏,‏ ويصفق له الأمريكيون بشدة‏.‏ ولست أعرف إن كان ذلك ممكنا علي أرض الواقع أم لا‏,‏ ولا ما هو الثمن الذي يمكن أن يدفع لقاء ذلك‏,‏ ولا ما هي النتائج التي يمكن أن تترتب عليه‏.‏ وفي هذه النقطة الأخيرة استوقفني تعليق لمحرر الشئون العربية في صحيفة هاآرتس‏,‏ داني روبنشتاين‏,‏ قال فيه إن من يرفض الحديث مع حماس اليوم‏,‏ سيجد نفسه غدا في مواجهة تنظيم القاعدة‏,‏ وهي ملاحظة مهمة للغاية لها شواهدها علي أرض الواقع‏,‏ ذلك أن القاعدة بدأت تتسلل إلي غزة والقطاع خلال العام الأخير‏,‏ ولم يحل دون انتشار تنظيمها سوي الوجود القوي لحماس في الشارع الفلسطيني‏,‏ وتقليص ذلك الوجود هو أثمن هدية تقدم إلي القاعدة‏,‏ التي ظهرت طلائعها في العراق‏,‏ ولبنان‏,‏ والمغرب‏,‏ والجزائر‏,‏ والأردن‏,‏ واليمن‏,‏ فهل نحن وداعون ومستعدون لذلك الاحتمال‏.‏أما كلمتي الأخيرة فهي تتمثل في السؤال التالي‏:‏ لماذا لم يعد هناك ذكر لاتفاق مكة‏,‏ ولماذا لا يتم تفعيله والاحتكام إليه فيما جري‏,‏ لعلنا نجد فيه مخرجا وطوق نجاة من آثار الزلزال الحالي‏,‏ والآخر القادم‏.‏

Monday, June 11, 2007

إذ صــار الجـرح أكــبر مـن الجريــح

إذ صــار الجـرح أكــبر مـن الجريــح
بقلم‏:‏ فهمـي هـويـــدي ثلاثــــاء 12/6 الأهرام
حينما تمر أربعين عاما علي النكسة‏,‏ يحق لنا أن نتساءل عن مواقع أقدامنا الآن‏,‏ ذلك أن النكسة في حينها كانت وصفا لهزيمة الجيش والنظام‏,‏ إلا أن الهزيمة حين تتجاوز تلك الحدود‏,‏ بحيث تضرب ركائز الأمة وتؤدي إلي تفكيك عراها‏,‏ فإنها تستحق وصفا آخر‏.‏(1)‏قبل عدة أسابيع‏(‏ في‏4/3)‏ كتبت مقالة نشرت تحت عنوان عقدنا الذي انفرط‏,‏ تحدثت فيها عن الشرخ الذي أصاب العلاقات الإسلامية ـ المسيحية‏,‏ في أثناء الجدل الذي ثار خلال مناقشات التعديلات الدستورية‏,‏ خصوصا ما تعلق بالمادة الثانية المتعلقة بمرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية في النظام السياسي المصري‏,‏ وهي المقالة التي تعددت الردود عليها سواء في الأهرام أو في الصحف الأخري‏,‏ لكنني لم أجد فيها ما أقنعني بأن الشرخ غير موجود‏,‏ وهو الانطباع الذي لايزال مستمرا عندي للأسف‏,‏ بل إنني أزعم الآن أن الشرخ قد اتسع‏,‏ وأن التوتر الذي تحدثت عنه في بداية شهر ابريل الماضي لا تزداد مؤشراته فحسب‏,‏ وانما أيضا تتعقد ظروفه‏,‏ حتي قلت في إحدي الندوات التي أثير فيها موضوع حقوق الأقباط إننا تراجعنا كثيرا الي الوراء في التعامل مع ذلك الملف‏,‏ لأن الكلام عن الحقوق يصبح واردا اذا كان هناك توافق علي ضرورة العيش المشترك‏,‏ حيث لا محل للبحث في حقوق وواجبات الشركاء في أي مشروع قبل الاتفاق علي إقامة المشاركة أولا‏,‏ وفي الوضع الراهن في مصر فإن الرغبة في العيش المشترك باتت محل تحفظ من جانب البعض لأسباب يطول شرحها‏,‏ لذلك فمن الأهمية بمكان أن يتم التوافق أولا علي تلك الرغبة‏,‏ مع ما تستصحبه من ثقة واحترام متبادل يقدر لكل طرف حجمه وقدره ويحفظ له مكانته‏,‏ وبعد ذلك يصبح الكلام عن الواجبات والحقوق واردا‏.‏ليس ذلك موضوعي علي أي حال‏,‏ لكني أوردت النموذج‏,‏ لا لكي ألفت النظر فحسب إلي أن قضية الوحدة الوطنية في مصر تراجعت أشواطا إلي الوراء‏,‏ ولكن لكي أنبه إلي أن الانفراط الذي زعمته قبل أسابيع أوسع بكثير من مسألة العلاقات الإسلامية ـ المسيحية‏,‏ وأن التراجع شمل عناوين أخري بنفس الدرجة من الأهمية‏,‏ حيث تعددت الشروخ وبلغ التفكيك مداه‏,‏ حتي لم يعد في مصر إجماع وطني علي أغلب القضايا الرئيسية‏,‏ الأمر الذي حول البلد الواحد إلي مجموعة من الجزر المتنافر‏.‏‏(2)‏خذ مثلا ذلك الجدل البيزنطي حول انتماء مصر العربي‏,‏ وهل هو مجرد انتماء ثقافي أم أنه عرقي وعنصري في الأساس‏,‏ وهل القومية العربية المعبرة عن ذلك الانتماء شيء أصيل في مصر‏,‏ أم أنها بدعة وخرافة جري تلفيقها وإطلاقها في المرحلة الناصرية‏,‏ لتحقيق طموحات بذاتها أضرت بأكثر مما نفعت‏,‏ فلا صار العرب موحدين ولا بقيت مصر علي مصريتها الخالصة‏,‏ وبرغم أن المرجعية الإسلامية تقيس الانتماء العربي بمعيار اللغة وليس العنصر‏,‏ وتعتبر كل من تمكن من الفصحي عربيا أصيلا‏(‏ ثمة حديث نبوي بهذا المعني‏)‏ أستغرب فتح ذلك الملف الآن‏,‏ في حين تسعي قوي عدة لطمس هوية المنطقة وتقليص المحيط العربي فيها‏(‏ الدستور العراقي الجديد نموذج لذلك‏,‏ إذ نص علي أن الشعب العربي في العراق ـ وليس كل العراق ـ جزء من الأمة العربية‏),‏ كما أن أفكارا عدة تطرح لإعادة تشكيل المنطقة التي يراد لها أن تنسي كونها عالما عربيا أو أمة عربية‏,‏ لتنخرط في إطار جديد يستوعب إسرائيل‏,‏ ويسمي بالشرق الأوسط الجديد أو الكبير‏.‏لا أستطيع أن أشكك في نيات كل الذين أعادوا فتح ملف عروبة مصر في الظروف الراهنة‏,‏ لكنني لست واثقا من جدوي ذلك الحوار وفائدته‏,‏ كما أنني لا أستطيع أن أعزله عن أجواء الاستقالة من العروبة أو إضعاف وشائجها‏,‏ التي هبت رياحها علي المنطقة عقب الحقبة الناصرية‏,‏ إما لمحو آثارها أو لتصفية الحساب معها‏,‏ لكنني في الوقت ذاته لا أستطيع أن أحسن الظن بكل الذين روجوا لتلك الاستقالة‏,‏ سواء من خلال تصفية فكرة القومية العربية والدعوة إلي الكفر بها‏,‏ أو من خلال رفع شعار بلدنا أولا‏,‏ ولا شأن لنا بأعباء الهم العربي‏,‏ وأذهب في ذلك إلي أن الترجمة العملية لتسويق هذه الأفكار تتمثل في إضعاف كل دولة عربية علي حدة‏,‏ وتسليم الفلسطينيين للإسرائيليين بالكامل‏,‏ وتشجيع إسرائيل علي اجتياح العالم العربي وتركيعه‏,‏ وإخضاع المنطقة كلها للهيمنة الأمريكية‏.‏هذه الاستقالة من العروبة المثيرة للجدل في مصر ـ التي لها صداها في أقطار عربية أخري ـ ليست كابوسا مؤرقا يلوح في الأفق‏,‏ ولكن لها شواهدها القائمة علي أرض الواقع منذ عقدين من الزمان علي الأقل‏,‏ بالتالي فليس فيها جديد‏,‏ باستثناء أن البعض يسعي في الوقت الراهن لتأصيلها وإضفاء الشرعية عليها‏.‏سأضرب مثلا لتلك الاستقالة بعيدا عن السياسة والاقتصاد وينصب علي مسألة اللغة‏,‏ التي أصبحت تجسد الكارثة العربية‏,‏ مسجلة في ذلك تدهورا وانحطاطا غير مسبوقين في تاريخ الأمة‏,‏ بل مسجلة درجة مخجلة من الشعور بالعار إزاء استخدام ليس فقط العربية الفصحي‏,‏ وإنما أيضا العامية الراقية التي تعد ابنة شرعية للفصحي‏,‏ حتي أصبحت مشكلتنا الآن ليس فقط أن ننقذ الفصحي من الغارة الخبيثة التي تشن عليها‏,‏ وإنما أن ننقذ العامية من السوقية والابتذال‏,‏ ومن أسف أن تلك العامية المبتذلة أصبحت لغة معتمدة في مختلف وسائل الإعلام‏,‏ بل صارت مع الانجليزية‏,‏ لغة إحدي القنوات التليفزيونية الجديدة في مصر‏,‏ ويزيد الأمر غرابة أن تستخدم العامية في اعلانات المؤسسات الحكومية‏,‏ التي لجأ بعضها إلي نشر إعلانات بالانجليزية في صحف عربية تخاطب المواطن العربي‏,‏ ولا يقف الأمر عند ذلك الحد‏,‏ وإنما وصلت عدوي الوباء إلي المجتمع المصري‏,‏ الذي أصبح يشارك في هجران العربية وازدرائها‏,‏ حتي أصبحت أمنية كل أب أن يلحق أبناءه بأي مدرسة تدرس الانجليزية أو الفرنسية‏,‏ أو أي لغةغير العربية‏.‏‏(3)‏لم يكن الإسلام أفضل حظا من العروبة‏,‏ إذ لاحقته بدوره دعوات الإلغاء والإضعاف‏,‏ وبرغم أن هذه الدعوات ليست جديدة‏,‏ وإنما هي إحدي ساحات المواجهة والصراع بين التيارين الإسلامي والعلماني‏,‏ فإن أجواء الحديث عن التعديلات الدستورية التي شهدتها مصر في مستهل هذا العام وفرت ظرفا مواتيا لتجديد الدعوة‏,‏ بجرأة غير مسبوقة‏,‏ دفعت نفرا من المثقفين والمتعصبين إلي المطالبة بإلغاء كل مرجعية للإسلام أو وجود له في الدستور المصري‏,‏ فضلا عن الحياة العامة بطبيعة الحال‏,‏ من ثم فإن ما كان يقال بحذر من جانب البعض‏,‏ وفي المنتديات والمجالس الخاصة من جانب آخرين‏,‏ أصبح يتردد في العلن‏,‏ ويصاغ في بيانات تنشرها الصحف وتجمع عليها توقيعات المثقفين‏,‏ بل وتعقد لأجلها حوارات تليفزيونية تنفر المشاهدين من الانتماء الإسلامي‏,‏ وتحرض المجتمع علي كل من يرفع صوته معبرا عن ذلك الانتماء‏,‏ كل ذلك بدعوي مكافحة التطرف والإرهاب وقطع الطريق علي إقامة الدولة الدينية واحترام حقوق غير المسلمين‏,‏ وقد حاولت في عدة كتابات نشرت حينذاك أن أنبه إلي مخاطر ذلك المنزلق‏,‏ الذي يحاول إقناع الرأي العام بأن الإسلام هو المشكلة‏.‏خطورة هذه الرؤية تتمثل في ثلاثة أمور‏,‏ أولها أنها تحدث شرخا عميقا في المجتمع المصري المتدين بطبيعته‏,‏ وثانيها أنها تشكل أرضية مواتية لأصحاب الفكر المتطرف الذين يستخدمون أطروحاتها لإقناع الشباب برفض المجتمع والانقلاب عليه‏,‏ بحجة أنه ضد الدين‏.‏أما الأمر الثالث فهو أن إضعاف التدين يسهل من مهمة رياح التغريب العاتية التي تتطلع إلي اقتلاع كل ثوابت الأمة‏,‏ التي تحفظ لها كيانها واستقلالها واستمرارها‏.‏‏(4)‏تطول القائمة اذا ما حاولت أن أحصي العناوين الخلافية الأخري‏,‏ التي غاب عنها الإجماع الوطني‏,‏ وتدلل علي المدي الذي بلغه انفراط العقد‏,‏ واذا جاز لي أن أضرب أمثلة لتلك العناوين فإنني أذكر منها ما يلي‏:‏في الشأن الداخلي‏,‏ نحن مختلفون حول استحقاقات الأمن القومي المصري وحول خطوات الإصلاح السياسي‏,‏ وحول مشاركة التيار الإسلامي في الحياة السياسية‏,‏ وحول بيع القطاع العام وبيع أراضي مصر للأجانب‏,‏ وحول خصخصة الخدمات ومجانية التعليم‏,‏ وحول الانحياز للمستثمرين والأغنياء علي حساب الفقراء‏.‏في الشأن الخارجي‏,‏ نحن مختلفون حول الموقف من القضية الفلسطينية‏,‏ وإقامة السلام المجاني مع إسرائيل‏,‏ وحول التحالف مع الولايات المتحدة‏,‏ وحول الموقف من الاحتلال الأمريكي للعراق‏,‏ والصمت المصري علي ما يجري في السودان‏,‏ والضغوط الشرسة التي تمارس ضده مما يؤثر في الأمن القومي المصري‏,‏ كما أننا مختلفون حول القطيعة المصرية غير المبررة لإيران التي تجاوزت‏25‏ عاما‏,‏ وأضعفت من موقف الطرفين في مواجهة التحديات المشتركة بينهما‏.‏أختم بتلخيص تقرير موجع يسجل اتساع رقعة الانفراط تلقيته من رام الله‏,‏ قبل أيام قليلة‏,‏ يصور المدي الذي وصلت إليه علاقات بعض الأنظمة مع إسرائيل بعد‏40‏ عاما من النكسة‏,‏ وفيه إشارة إلي حديث مع وزير الدفاع عمير بيريتس بثته القناة العاشرة للتليفزيون الإسرائيلي‏,‏ ذكر فيه أنه حين يلتقي مسئولين عربا يشعر بالدهشة من حجم امتعاضهم من وجود حركة حماس في الحكم‏,‏ هذا المعني رددته وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في تصريحات نقلتها الإذاعة العبرية في‏(5/18)‏ قالت فيها إن جميع الرسائل التي تتلقاها إسرائيل من الحكومات العربية تؤكد أن الزعماء العرب معنيون أكثر من إسرائيل بغياب حركة حماس بأسرع ما يمكن عن دائرة الفعل السياسي الفلسطيني‏,‏ وأضافت ما نصه‏:‏ كلهم يعيبون علينا وعلي الإدارة الأمريكية السماح بمشاركة حماس في الانتخابات الأخيرة‏,‏ ويتساءلون لماذا نكون نحن أكثر مرونة في التعامل مع الحركات الإسلامية من الأنظمة العربية التي تفعل المستحيل لمنعها من المشاركة في العملية السياسية‏,‏ في هذا السياق أشاد شمعون بيريز القائم بأعمال رئيس الحكومة‏,‏ في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي‏,‏ بالدور العربي الرسمي في الحفاظ علي حصار الفلسطينيين‏,‏ وأضاف‏:‏ الأنظمة العربية مثلنا معنية بعدم نجاح تجربة حماس في الحكم‏.‏الطريف أن معلقا إسرائيليا بارزا‏,‏ هو عنان كريستال‏,‏ شدد علي أن إسرائيل معنية بإسقاط حكومة حماس دون أن تبدي أي مرونة في موقفها السياسي‏,‏ وقال‏:‏ لو قام العرب وأبومازن بتقديم رءوس حركة حماس علي طبق من فضة لإسرائيل‏,‏ فإن أولمرت لن يقدم علي أي خطوة في مجال تسوية القضية الفلسطينية‏.‏ لقد أصبح الجرح أكبر من الجريح‏!‏

Monday, June 04, 2007

حقيقة الصحوة الإسلامية في مصر

نصف الكوب الفارغ: حقيقة الصحوة الإسلامية في مصر

بقلم ضياء رشوان المصري يوم : ٤ /٦/ ٢٠٠٧

عندما يطالع المرء مختلف وسائل الإعلام المكتوبة في مصر، وبعض برامج وحوارات قنوات التليفزيون الفضائية وغير الفضائية، وما يطرح في عديد من الندوات والمؤتمرات السياسية والإعلامية والبحثية، يكاد يتيقن أن مصر باتت اليوم تشهد ظاهرة واحدة كاسحة تجتاح كل شبر في مجتمعها ونخبتها ومختلف مؤسساتها السياسية والثقافية، وهي العودة إلي الإسلام أو كما يسميها البعض "الأسلمة" والبعض الآخر "التأسلم".

ويزداد اليقين بهيمنة تلك الظاهرة الوحيدة علي البلاد، حين يطالع المرء ما يكتب في عديد من وسائل الإعلام والبحوث الغربية حولها، أو عندما يلتقي مباشرة مع بعض كاتبيها، فلا يجد لديهم من شيء يلفت النظر فيما تشهده مصر من تحولات كبري سوي تلك الظاهرة.


وعلي الرغم من حقيقة أن مصر، ومعها مناطق كثيرة من العالم تشهد اليوم، ولسنوات خلت، ظاهرة العودة إلي الدين بكل تجلياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، فإن الأكثر حقيقة هو أن تلك العودة إلي الدين، لم تكن قط إلي دين واحد هو الإسلام، بل إن الصحوة الدينية باتت اليوم أكثر شمولاً واتساعاً منه، وامتدت بصور مختلفة إلي الأديان السماوية الثلاثة، واتخذت في كل منها ما يتناسب مع طبيعة كل دين منها.

ففي أقلها اتباعاً، أي اليهودية، باتت مظاهر تلك الصحوة الدينية بكل تجلياتها السياسية المتشددة معروفة لكل متابع، سواء في إسرائيل أو بين الجاليات اليهودية الكبيرة في مختلف دول العالم. أما في أكثرها انتشاراً، أي المسيحية، فقد باتت مظاهر تلك الصحوة واضحة في أكبر كنائسها وهي الفاتيكان منذ وصول البابا الراحل يوحنا بولس الثاني إلي قمتها ثم مع البابا الجديد الحالي بنديكت السادس عشر،

وهي أكثر وضوحاً في معظم الكنائس الإنجيلية خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تقل مظاهر الصحوة وضوحاً بين أتباع الكنائس الأرثوذكسية سواء في روسيا أو اليونان أو مصر. وبين المظاهر المتعددة للصحوة الدينية العامة علي مستوي العالم التي تركز الاهتمام عليها كان دوماً هناك النشاط السياسي، والذي علي الرغم من بروزه أكثر بداخل الصحوة الإسلامية، فهو لم يقل خطورة وتأثيراً بداخل الصحوات الأخري، خاصة في الديانة اليهودية، بانعكاساته المباشرة علي أداء الدولة العبرية، أو في الأوساط الإنجيلية الأمريكية، بما ساهم في جلبه علي العالم من أزمات وحروب لا تزال مشتعلة.


وبالعودة إلي مصر، يبدو الحديث عن الظاهرة الإسلامية باعتبارها الوحيدة التي تكتسح المجتمع والدولة والنخبة بمثابة نظر لنصف الكوب الفارغ، والانطلاق منه لتعميم ذلك علي الكوب كله دون أي اعتبار للنصف الآخر الممتلئ. فهناك في مصر اليوم ظاهرتان أخريان علي الأقل، تسيران في خطوط متوازية مع تلك الصحوة الإسلامية، وتكملان معها المشهد المصري الحقيقي أو الكوب كاملاً وليس نصفه فقط. فمن الواضح من كثير من الملاحظات المباشرة والمعلومات المتناثرة والكتابات غير المنظمة، أن هناك ظاهرة عودة واسعة للدين في أوساط المسيحيين المصريين بمختلف كنائسهم وإن كانت أكثر بروزاً بين أبناء الكنيسة الأرثوذكسية، فمنذ وقت طويل لا يبتعد كثيراً عن ذلك بدأت فيه الصحوة الإسلامية.

وتتشابه مظاهر الصحوة الدينية المسيحية مع نظيرتها الإسلامية في كثير من الجوانب خاصة فيما يتعلق بالصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي. وهنا لابد من التأكيد علي أنه لا يدخل هنا في مفهوم ومظاهر الصحوة الإسلامية المعاصرة في مصر الأفكار والجماعات والتنظيمات المتطرفة العنيفة، التي تحمل السلاح، والتي ظهرت في البلاد حتي النصف الثاني من التسعينيات، وإنما يدخل ضمنها جميع الأفكار والجماعات والحركات ذات الطابع السياسي والاجتماعي والديني السلمية، أيا كانت درجة المحافظة في توجهاتها.

وهنا نري أن تلك الصحوة الإسلامية مثلها مثل المسيحية، تتشابهان في كثير من المظاهر، بدءاً من الدور المركزي الذي بات المسجد والكنيسة يلعبانه، مروراً بالعودة إلي إطلاق الأسماء ذات المغزي الديني علي الأطفال، وإنشاء الجمعيات الأهلية والنوادي الاجتماعية والرياضية والمدارس المنغلقة علي أبناء كل دين، وإقامة شبكات ومشروعات ومؤسسات مختلف الخدمات الاجتماعية - مثل المصحات والعيادات الطبية - التي تحمل أسماء دينية، وتخدم بصورة رئيسية أبناء كل دين علي حدة.


أما الظاهرة الثانية التي تسير متوازية مع الصحوة الإسلامية وتكاد تختفي وراء الضجيج المثار حول الأخيرة فهي ظاهرة التغريب السلوكي والثقافي والاجتماعي التي تجتاح شرائح عديدة من قمة الهرم الاجتماعي المصري، وأخري في وسطه. فالملاحظات المباشرة والمعلومات المتناثرة والكتابات غير المنظمة تؤكد هنا أيضاً أن هذا التغريب، أو التقليد لكثير من القيم والمظاهر الاجتماعية والسلوكية الغربية الحديثة وما بعد الحديثة بات ينتشر بمعدلات هائلة في أوساط الشباب المصري خصوصاً في الشرائح والطبقات الاجتماعية المشار إليها وأضحت مظاهره واضحة لمن يريد أن يراها وينتبه إليها.

ومن بين تلك المظاهر- دون حصر- هناك مئات الآلاف الذين يحضرون الحفلات الغنائية الراقصة في المسارح المفتوحة وما يرتدونه فيها من لباس، ويمارسونه من سلوكيات، وآلاف "الكافيهات" والكافتيريات ونوادي الإنترنت المزدحمة دوماً، والزيادة الهائلة في مشاهدي ومتابعي القنوات الفضائية الغنائية الراقصة التي زاد عددها زيادة كبيرة لتلبية ذلك الطلب المتصاعد، والعدد الكبير المتزايد لمحال بيع الشرائط والإسطوانات الصوتية والمرئية للأغاني الشبابية الراقصة والمبيعات الهائلة التي تحققها،

وأيضاً العدد الضخم المتزايد لمحال بيع آخر "موضات" الملابس الغربية الحديثة، بما فيها ملابس السباحة للفتيات، وأخيراً الإقبال الشديد المتصاعد علي ارتياد المصايف والمنتجعات المنفتحة علي الطريقة الغربية من جانب مئات الآلاف من المصريين، وزيادة عددها لتغطي سواحل البلاد الشمالية والشرقية وشبه جزيرة سيناء.


هذه لم تكن سوي ملامح عامة للنصف الآخر للكوب في مصر، أما رؤية النصفين معاً، وكيف يتفاعلان، وإلي أي مسار تتجه البلاد في ظل ذلك، فهذا يحتاج لسطور أخري قادمة.