Monday, June 04, 2007

حقيقة الصحوة الإسلامية في مصر

نصف الكوب الفارغ: حقيقة الصحوة الإسلامية في مصر

بقلم ضياء رشوان المصري يوم : ٤ /٦/ ٢٠٠٧

عندما يطالع المرء مختلف وسائل الإعلام المكتوبة في مصر، وبعض برامج وحوارات قنوات التليفزيون الفضائية وغير الفضائية، وما يطرح في عديد من الندوات والمؤتمرات السياسية والإعلامية والبحثية، يكاد يتيقن أن مصر باتت اليوم تشهد ظاهرة واحدة كاسحة تجتاح كل شبر في مجتمعها ونخبتها ومختلف مؤسساتها السياسية والثقافية، وهي العودة إلي الإسلام أو كما يسميها البعض "الأسلمة" والبعض الآخر "التأسلم".

ويزداد اليقين بهيمنة تلك الظاهرة الوحيدة علي البلاد، حين يطالع المرء ما يكتب في عديد من وسائل الإعلام والبحوث الغربية حولها، أو عندما يلتقي مباشرة مع بعض كاتبيها، فلا يجد لديهم من شيء يلفت النظر فيما تشهده مصر من تحولات كبري سوي تلك الظاهرة.


وعلي الرغم من حقيقة أن مصر، ومعها مناطق كثيرة من العالم تشهد اليوم، ولسنوات خلت، ظاهرة العودة إلي الدين بكل تجلياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، فإن الأكثر حقيقة هو أن تلك العودة إلي الدين، لم تكن قط إلي دين واحد هو الإسلام، بل إن الصحوة الدينية باتت اليوم أكثر شمولاً واتساعاً منه، وامتدت بصور مختلفة إلي الأديان السماوية الثلاثة، واتخذت في كل منها ما يتناسب مع طبيعة كل دين منها.

ففي أقلها اتباعاً، أي اليهودية، باتت مظاهر تلك الصحوة الدينية بكل تجلياتها السياسية المتشددة معروفة لكل متابع، سواء في إسرائيل أو بين الجاليات اليهودية الكبيرة في مختلف دول العالم. أما في أكثرها انتشاراً، أي المسيحية، فقد باتت مظاهر تلك الصحوة واضحة في أكبر كنائسها وهي الفاتيكان منذ وصول البابا الراحل يوحنا بولس الثاني إلي قمتها ثم مع البابا الجديد الحالي بنديكت السادس عشر،

وهي أكثر وضوحاً في معظم الكنائس الإنجيلية خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تقل مظاهر الصحوة وضوحاً بين أتباع الكنائس الأرثوذكسية سواء في روسيا أو اليونان أو مصر. وبين المظاهر المتعددة للصحوة الدينية العامة علي مستوي العالم التي تركز الاهتمام عليها كان دوماً هناك النشاط السياسي، والذي علي الرغم من بروزه أكثر بداخل الصحوة الإسلامية، فهو لم يقل خطورة وتأثيراً بداخل الصحوات الأخري، خاصة في الديانة اليهودية، بانعكاساته المباشرة علي أداء الدولة العبرية، أو في الأوساط الإنجيلية الأمريكية، بما ساهم في جلبه علي العالم من أزمات وحروب لا تزال مشتعلة.


وبالعودة إلي مصر، يبدو الحديث عن الظاهرة الإسلامية باعتبارها الوحيدة التي تكتسح المجتمع والدولة والنخبة بمثابة نظر لنصف الكوب الفارغ، والانطلاق منه لتعميم ذلك علي الكوب كله دون أي اعتبار للنصف الآخر الممتلئ. فهناك في مصر اليوم ظاهرتان أخريان علي الأقل، تسيران في خطوط متوازية مع تلك الصحوة الإسلامية، وتكملان معها المشهد المصري الحقيقي أو الكوب كاملاً وليس نصفه فقط. فمن الواضح من كثير من الملاحظات المباشرة والمعلومات المتناثرة والكتابات غير المنظمة، أن هناك ظاهرة عودة واسعة للدين في أوساط المسيحيين المصريين بمختلف كنائسهم وإن كانت أكثر بروزاً بين أبناء الكنيسة الأرثوذكسية، فمنذ وقت طويل لا يبتعد كثيراً عن ذلك بدأت فيه الصحوة الإسلامية.

وتتشابه مظاهر الصحوة الدينية المسيحية مع نظيرتها الإسلامية في كثير من الجوانب خاصة فيما يتعلق بالصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي. وهنا لابد من التأكيد علي أنه لا يدخل هنا في مفهوم ومظاهر الصحوة الإسلامية المعاصرة في مصر الأفكار والجماعات والتنظيمات المتطرفة العنيفة، التي تحمل السلاح، والتي ظهرت في البلاد حتي النصف الثاني من التسعينيات، وإنما يدخل ضمنها جميع الأفكار والجماعات والحركات ذات الطابع السياسي والاجتماعي والديني السلمية، أيا كانت درجة المحافظة في توجهاتها.

وهنا نري أن تلك الصحوة الإسلامية مثلها مثل المسيحية، تتشابهان في كثير من المظاهر، بدءاً من الدور المركزي الذي بات المسجد والكنيسة يلعبانه، مروراً بالعودة إلي إطلاق الأسماء ذات المغزي الديني علي الأطفال، وإنشاء الجمعيات الأهلية والنوادي الاجتماعية والرياضية والمدارس المنغلقة علي أبناء كل دين، وإقامة شبكات ومشروعات ومؤسسات مختلف الخدمات الاجتماعية - مثل المصحات والعيادات الطبية - التي تحمل أسماء دينية، وتخدم بصورة رئيسية أبناء كل دين علي حدة.


أما الظاهرة الثانية التي تسير متوازية مع الصحوة الإسلامية وتكاد تختفي وراء الضجيج المثار حول الأخيرة فهي ظاهرة التغريب السلوكي والثقافي والاجتماعي التي تجتاح شرائح عديدة من قمة الهرم الاجتماعي المصري، وأخري في وسطه. فالملاحظات المباشرة والمعلومات المتناثرة والكتابات غير المنظمة تؤكد هنا أيضاً أن هذا التغريب، أو التقليد لكثير من القيم والمظاهر الاجتماعية والسلوكية الغربية الحديثة وما بعد الحديثة بات ينتشر بمعدلات هائلة في أوساط الشباب المصري خصوصاً في الشرائح والطبقات الاجتماعية المشار إليها وأضحت مظاهره واضحة لمن يريد أن يراها وينتبه إليها.

ومن بين تلك المظاهر- دون حصر- هناك مئات الآلاف الذين يحضرون الحفلات الغنائية الراقصة في المسارح المفتوحة وما يرتدونه فيها من لباس، ويمارسونه من سلوكيات، وآلاف "الكافيهات" والكافتيريات ونوادي الإنترنت المزدحمة دوماً، والزيادة الهائلة في مشاهدي ومتابعي القنوات الفضائية الغنائية الراقصة التي زاد عددها زيادة كبيرة لتلبية ذلك الطلب المتصاعد، والعدد الكبير المتزايد لمحال بيع الشرائط والإسطوانات الصوتية والمرئية للأغاني الشبابية الراقصة والمبيعات الهائلة التي تحققها،

وأيضاً العدد الضخم المتزايد لمحال بيع آخر "موضات" الملابس الغربية الحديثة، بما فيها ملابس السباحة للفتيات، وأخيراً الإقبال الشديد المتصاعد علي ارتياد المصايف والمنتجعات المنفتحة علي الطريقة الغربية من جانب مئات الآلاف من المصريين، وزيادة عددها لتغطي سواحل البلاد الشمالية والشرقية وشبه جزيرة سيناء.


هذه لم تكن سوي ملامح عامة للنصف الآخر للكوب في مصر، أما رؤية النصفين معاً، وكيف يتفاعلان، وإلي أي مسار تتجه البلاد في ظل ذلك، فهذا يحتاج لسطور أخري قادمة.

No comments: