بقلم ضياء رشوان ـ المصري يوم ٢٥/٦/٢٠٠٧
في كل مرة تندلع فيها أزمة كبيرة أو صغيرة في إحدي الدول العربية المجاورة أو القريبة لمصر، تتفرق آراء قطاعات النخبة السياسية المصرية في كيفية التعامل معها، وهو أمر طبيعي لا غرابة فيه، إلا أن الغريب هو أنه في كل مرة أيضاً يتم تقسيم تلك الآراء بين اتجاهين رئيسيين في التعامل مع تلك النوعية من الأزمات: أحدهما يري في نفسه منطلقاً مماً يسميه «المصالح المصرية الخالصة»، والآخر يتهم دوماً بإعطاء الأولوية لرؤيته القومية العربية أو الإسلامية في هذا التعامل علي تلك المصالح المصرية.
وبالرغم من أن جوهر رؤية كل من الاتجاهين يضع في اعتباره طوال الوقت تلك المصالح، ويرمي بصورة أو بأخري إلي تحقيق الحد الأقصي منها، فإن الاتهام الدائم الجاهز للاتجاه الثاني يظل مسلطاً عليه دون توقف.
وقد تكررت تلك الظاهرة فور اندلاع الأزمة الكبيرة الخطيرة الحالية بين حركتي فتح وحماس، حيث طغي حضور آراء الاتجاه الأول في وسائل الإعلام المصرية، مبرراً دعواته لوقوف الدولة المصرية إلي جانب فتح فيها، وعزل حماس وتصفية وجودها في الأراضي الفلسطينية، بما يري أنها المصالح المصرية التي تتصادم مع أي انفراد أو تشارك لحماس في السلطة الفلسطينية، أو مع حتي مجرد الوجود السياسي القوي لها في المجتمع الفلسطيني.
والحقيقة أن هذا الزعم بإعطاء الأولوية للمصالح المصرية الخالصة لترويج تلك الرؤية الأقرب للإقصائية أو الاستئصالية لحركة حماس، إنما يسعي لتغطية الجوهر الأيديولوجي لها، والذي يتجاوز الأزمة الفلسطينية ليمثل طريقة دائمة لتلك الرؤية في التعامل مع جميع الحركات الإسلامية السياسية - الاجتماعية السلمية انطلاقاً من واستهدافاً إقصاءها أو استئصالها عنوة من جميع مجريات ومحاور السياسة والمجتمع في البلدان العربية كلها.
والأقرب للحقيقة أن هذه الرؤية علي الرغم من ادعاء أصحابها بأنها تنطلق من وترمي إلي الحفاظ علي المصالح المصرية، إنما تؤدي في نهاية الأمر إلي الإطاحة بكثير من تلك المصالح وتهديد البعض الآخر منها.
ولكي لا نذهب بعيداً، ففي الأزمة الفلسطينية الحالية يبدو واضحاً أن الترويج لقيام مصر الرسمية، بدور مؤثر في السيناريو الدائر حالياً للتعامل معها والذي تقوده كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بالتحالف مع بعض أجنحة حركة فتح، سوف يهدد عديداً من المصالح المصرية الجوهرية بصورة جدية تكاد تطيح ببعضها بصورة تامة. فمن الواضح أن هذا السيناريو يقوم علي إحكام الحصار والعزلة علي قطاع غزة وعلي حركة حماس، وتصوير الأوضاع فيه بأنها محاولة من الأخيرة للانقلاب العسكري والاستقلال بالقطاع وإقامة إمارة إسلامية متطرفة فيه علي غرار أفغانستان - طالبان.
وفي الوقت نفسه الذي يجري فيه هذا الحصار يستمر الإعداد الأمني والعسكري بالتوافق بين أطراف عديدة فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية، حسب هذا السيناريو، للدخول في مواجهة عسكرية حاسمة مع حركة حماس يتم عبرها قصم ظهرها العسكري و«تحرير» قطاع غزة منها. كذلك فوفق السيناريو نفسه، فإن تدفق المعونات المالية والاقتصادية الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية علي الرئاسة الفلسطينية وحكومة الطوارئ، سيمكن حركة فتح من تهيئة الشارع الفلسطيني للتصويت لصالحها في انتخابات مبكرة للمجلس التشريعي، قد تتم في نهاية العالم الحالي، وعلي أساس نظام انتخابي مختلف، مما يعيد الأوضاع الفلسطينية الداخلية إلي ما كانت عليه قبل انتصار حماس في انتخابات ٢٠٠٦، ويكتمل هذا السيناريو بافتراض قيام الحكومة الإسرائيلية بالشروع في بدء المفاوضات مع حكومة الطوارئ والرئاسة الفلسطينية، والتساهل بقدر الإمكان فيها من أجل منحهم بعض المكتسبات الإيجابية التي تساعد أكثر علي دفع الفلسطينيين للتصويت لحركة فتح في الانتخابات المبكرة القادمة.
هذا السيناريو سوف يهدد، أول ما يهدد، الدور المصري المتميز والخاص دوماً في قطاع غزة منذ عشرات السنين، وما استطاعت مصر بناءه من شبكات معقدة للعلاقات مع مختلف قوي وقطاعات الشعب الفلسطيني هناك، حيث يفتح الباب لخسارة نصف تلك العلاقات علي الأقل باتخاذ موقف عدائي حاسم ضد حركة حماس، في حين يظل النصف الآخر غير مضمون نظراً للأدوار المهمة التي ستقوم بها واشنطن وتل أبيب في دعم حركة فتح، الأمر الذي سيقوي علاقتها معهما علي حساب العلاقات المصرية التقليدية.
ولا شك أيضاً أن فشل تطبيق هذا السيناريو، وهو الأكثر ترجيحاً، سوف يفتح الباب أمام صراعات واسعة فلسطينية - فلسطينية قد تصل في حالة التدخل العسكري الخارجي أو المدعوم خارجياً ضد حماس إلي حرب أهلية فلسطينية، ستكون دون شك أحد أهم مصادر تهديد الأمن القومي المصري في سيناء، التي تتسم بدرجة عالية من الحساسية والهشاشة من تلك الزاوية.
وسوف تزداد المخاطر علي الأمن القومي المصري في تلك الحالة، نظراً لما يمكن أن يثيره الانحياز الإسرائيلي والأمريكي ضد حماس من مشاعر غضب واسعة سواء في داخل الشعب الفلسطيني سواء في الضفة والقطاع أو خارجهما أو في داخل مصر نفسها وبخاصة في أوساط الشباب، ستتخذ علي الأرجح طابعاً إسلامياً متشدداً وعنيفاً ومزايداً علي حركة حماس نفسها في قبولها الانخراط في العملية الديمقراطية والانتخابية، الأمر الذي يمكن أن ينعكس في صورة عمليات عنف عشوائي، بعضها قد يقع داخل مصر، مما سيمثل بدون أي شك مصدراً خطيراً لتهديد أمنها القومي.
ويبقي أخيراً أن إضافة موضوع الموقف الرسمي المصري من الأزمة الفلسطينية إلي القائمة الطويلة للقضايا الخلافية المصرية الداخلية بكل ما له من حساسيات سياسية ودينية، يمكن له أن يزيد من تعقيد الأوضاع الداخلية ويزيد من احتمال وصولها إلي طريق مسدود.
No comments:
Post a Comment