د. جلال أمين: النظام زوجة شرعية للأمريكان ويزعجه اقترانهم عرفيا بالإخوان
المواجهة الكاملة مع «الغول» لم تتحقق شروطها بعد، لذا يدعو المفكر المرموق دكتور جلال أمين إلي أن تتحد قوي المعارضة لتحقيق مصالح مهمة مثل الحفاظ علي حقوق العمال وأموال التأمينات. وأشار أمين في حوارنا معه إلي أن النظام الحاكم قد أصبح زوجة «شرعية» للأمريكان ولذا يغضبه جدا اقتران الأمريكان ولو «عرفيا» بالإخوان
كما أكد الدكتور جلال أمين أن عبدالناصر كان لديه مشروع أما السادات فجاء لتفكيك هذا المشروع وبالنسبة لمبارك فهو لا يملك مشروعا ويسير علي بركة الله.
كما أكد الدكتور جلال أمين أن عبدالناصر كان لديه مشروع أما السادات فجاء لتفكيك هذا المشروع وبالنسبة لمبارك فهو لا يملك مشروعا ويسير علي بركة الله.
< كيف تري المشهد السياسي في مصر الآن؟ـ أري أن ما جري من تعديلات دستورية وما تبعها من تمرير لبعض القوانين تهدف وبشكل أساسي إلي التمهيد لما هو آت «حلول ابن الرئيس مكان والده».< تقصد أن ما يحدث يهدف إلي توريث السلطة إلي جمال مبارك؟ـ لا أرغب في أن أطلق علي ما يحدث أو سيحدث توريث، فالنظام دائما ما ينكر هذا السيناريو بحجة أن مصر جمهورية وليست ملكية، ما يجري التخطيط له هو التمهيد لإحلال جمال مكان أبيه عبر انتخابات صورية لا يوجد فيها مرشحون حقيقيون، فالتعديلات الدستورية التي جري تمريرها منعت وجود منافسة حقيقية وحجبت التيار الديني الذي يحظي بشعبية واسعة عن الشرعية حتي لا يشارك في أي انتخابات قادمة، وكممت أفواه باقي المعارضة حتي لا يعارضوا تمرير هذا السيناريو.< تقصد بالتيار الديني «الإخوان المسلمين»؟ـ التيار الديني كلمة أوسع لأن التعديلات هدفها حجب الإسلاميين بشكل عام.معني هذا أن النظام يخشي من خوض الإسلاميين أي انتخابات قادمة بعد ما تحقق لهم في انتخابات 2005؟!ـ بالطبع، فالجميع يعلم أنه لو جرت انتخابات حرة ونزيهة 100% لفاز فيها التيار الديني، فالإسلاميون يحظون بتعاطف العامة.. هذا ما أتوقع وليس ما أريد.< جري في الأسبوع الماضي لقاء بين أعضاء من كتلة الإخوان المسلمين بمجلس الشعب وأعضاء من الكونجرس وهو اللقاء الثاني في أقل من شهرين.. بما تفسر هذه اللقاءات؟ـ الأمريكان مهتمون بمعرفة ما يجري علي الساحة السياسيةفي مصر وهم علي علم بما حققه الإخوان من شعبية، وبالتالي فالاتصال بهم أمر متوقع، وذلك لسببين الأول فهم طريقة تفكيرهم وتوجههم والثاني محاولة التأثير في بعضهم، أما ما الذي يدور في هذه اللقاءات «الله أعلم»، من جانب آخر هناك بعض العناصر من الإسلاميين ترغب وبشدة في التقرب من الأمريكان فهم يهدفون للوصول إلي السلطة وإلي الحكم، وعلي علم أن مفتاح الوصول إلي الحكم في مصر في أيدي الإدارة الأمريكية وأحب أن أوضح أن من يرغب في ذلك البعض فقط!!< استنكرت مؤسسة الرئاسة هذا اللقاء بشدة تري ما السبب؟ـ الزوجة الشرعية لا تحب أن يتزوج زوجها عرفيا!!< علي ذكر العلاقات بين النظام والإدارة الأمريكية هل تري أن التوتر في العلاقات بين مصر والسعودية بات في إطار المنافسة علي التقرب من الولايات المتحدة، أم المنافسة علي الزعامة؟ـ نظام الحكم في مصر الآن لا يهمه موضوع الزعامة علي عكس عبدالناصر والسادات «النظام مش فارقة معاه بين الزعيم»، ما يحدث أن النظام خائف من أن يكون اعتماد الإدارة الأمريكية علي السعوديين ما هو الإ إشارة علي عدم رضا الأمريكان!! الكلام عن توتر العلاقات بين النظام المصري والنظام السعودي أظن أنه ليس حقيقياً فكيف يكون هناك توتر ونقوم بتصدير 120 ألف خادمة للسعودية!!عاصرت ثلاثة رؤساء لمصر.. ما أهم ملامح كل تجربة من التجارب الثلاث؟ـ باختصار عبدالناصر كان عنده مشروع.. السادات قام بتفكيك هذا المشروع، مبارك لا عنده مشروع ولا بيفكك مشاريع هو فقط يكمل ما بدأه السادات إلي جانب ما يستجد من أعمال مثل «الخصخصة.. إلغاء الدعم.. تحرير سعر الصرف.. إلخ»، فقد وضع السادات الإطار العام ومبارك «مشي فيه علي بركة الله.. عبدالناصر حافظ علي الدولة بحيث تكون قوية في مواجهة أعداء مشروعه في الداخل أو الخارج.. السادات أضعف الدولة حتي يسهل اختراقها تمهيدا لدخول الاستثمارات والسلع الغربية و(الإسرائيلية) وضعف الدولة كان متناغما مع ضعف السادات كإنسان، فالسادات كان ذا شخصية ضعيفة «يزعق» ويعلي صوته لكنه ضعيف مع ذلك كان مغرورا وفاكر نفسه شيء مهم إنما هو ضعيف!! حتي انتصارنا في 1973 لم يكن لأن السادات قام بأعمال خارقة كما يدعي البعض، أظن أن هناك ترتيبا تم مع بعض الأطراف لتحريك بعض الأشياء!< هل تظن أن احداث التوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين والتي بدأت في 1972 بأحداث الخانكة هي إشارة علي انتهاء الدولة القوية المتماسكة وبداية الدولة الرخوة؟ـ لو أن الدولة بها «رائحة» قوة لما بدأت هذه الأحداث، فالدولة واقفة تتفرج.. وهذا دليل علي رخاوتها مما شجع الطرفين علي تصعيد الأمور طرف يضرب الآخر، وهذا الآخر يشتكي للغرب والغرب يضغط علي النظام، أظن أن النظام أيضا مستفيد من هذه الأحداث مادامت الامتيازات الخاصة بأركان هذا النظام لم تصاب.. «فخلي الناس تضرب بعضها» لو فهم الجميع الإسلام بشكل سليم علي أساس أنه وسيلة لنهضة هذه الأمة لما حدثت مشاكل بين المسلمين والأقباط، فالإسلام وسيلة للنهضة والإصلاح وهناك من الأقباط من يدرك ذلك فمكرم عبيد كانت له مقولة لا تنسي فقال: «أنا مسيحي دينا ومسلم وطنا»، فالإسلام جزء من هوية وثقافة هذه الأمة.< وماذا عن التشكيك في عروبة مصر؟ـ أنا مختلف مع أسامة أنور عكاشة في كلامه عن القومية العربية.. عروبة مصر حقيقية لا يمكن إنكارها ووحدة العرب حلم وهدف نبيل وإن كان مستحيلا في ذلك الوقت.. كل ما هنالك أن العرب انضربوا لكن هذا ليس مبررا لأن نتنكر لعروبتنا «مش معني أن العرب بينضربوا من 40 سنة إننا نقول إحنا مش عرب!! فالوحدة العربية وإن كانت مستحيلة فهي ضرورة لنهضة هذه الأمة.< هل تري أن فوضي الفتاوي التي تصدر من المؤسسة الدينية الرسمية «الأزهر» هو دليل أيضا علي تفكك الدولة؟ـ فتوي التبرك ببول النبي، وإرضاع المرأة لزميلها في العمل دليل علي أن الشعب كاد يصاب بلوثة لدرجة أن الناس ممكن تقطع بعض وتطعن بعض وتصرخ بجنون في الشوارع بدعوي التدين وأظن أن لهذا علاقة بصبرنا علي مكبرات الصوت في الجوامع، وصبرنا علي سماع الأحاديث الدينية الهستيرية داخل التاكسي والميكروباص! أظن أن كل هذه التجليات هي دليل علي التفكك الذي أصاب الدولة.< لكن ألا تعتقد أن الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات التي انتشرت في الأوساط العمالية دليلا علي أن الشعب قد بدأ في استعادة الوعي؟ـ أظن أن العمال قد تأثروا بما يسمي بالحراك السياسي الذي حدث في مصر في العامين الأخيرين فقد تشجعت تلك الفئات وطالبت بمطالب اقتصادية، محتمل أن يكون فيها أسباب أخري وأظن أن هناك عناصر تحرك تلك الكتل بعضهم إسلاميين.< هل من الممكن أن تؤدي تلك الاحتجاجات في النهاية إلي انفجار اجتماعي ينتهي بتغيير شامل؟ـ موضوع الانفجار مبالغ فيه دائما ما يردده الشيوعيون أن الانفجار أوشك والثورة ستنطلق غدا لكن هذا الكلام غير صحيح، وأشك أن تؤدي تلك التحركات إلي تغيير، فالمعارضة في مصر لم تحسن استغلال هذه التحركات «فالمعارضة في مصر مشاكلها كثيرة وعايزين إعادة ولادة لمعارضة جديدة»!!لذا أري أن نستبدل الكلام عن مواجهة النظام والتغيير الثوري والكلام عن التوريث بالتركيز علي قضايا معينة مثل قضية الحفاظ علي أموال التأمينات أو الحفاظ علي حقوق العمال وأظن أن هذا أجدي من مواجهة «الغول» مواجهة كاملة.< كيف تستشرف مستقبل مصر بعد كل ما وصلنا إليه من تفكك ورخاوة؟ـ في 1840 تم إسقاط مشروع محمد علي وضربه من القوي الدولية في هذه الفترة وبعدما توفي محمد علي في 1849 تولي عباس الأول ثم سعيد الذي فتح الباب علي مصراعيه للتدخل الأجنبي مما أدي إلي تفكك الدولة، حاول إسماعيل أن يبدأ مشروعا لكنهم أفشلوه أيضا وولوا توفيق الذي سقطت في عهد مصر تحت وطأة الاحتلال الإنجليزي أحاول استرجاع التاريخ حتي أستشرف المستقبل، فالبرغم من أن الدولة ضعفت في عهد سعيد ووقعت في عهد توفيق إلا أنه كانت هناك بعض المؤشرات علي التقدم في بعض المجالات مثل الري والقناطر والتعليم، لذلك فالتشاؤم المطلق ليس في محله الآن فهناك إشارات علي وجود بعض الأشياء الإيجابية مثل ارتفاع معدلات النمو وتزايدت الاستثمارات الأجنبية لذا فأنا أري أن الدولة الرخوة ستتمر لكن أعتقد أن هناك إصلاحا اقتصاديا في المدي المتطور ليس بالضرورة أن يشعر به الناس حاليا!!< إذا ما جدوي هذا الإصلاح الاقتصادي مادام ليس له أي مردود علي المواطن «الغلبان»؟ـ أريد أن أميز بين معدلات النمو والاستثمارات وتوازن حساب المدفوعات وحل المشاكل اليومية الحياتية للناس.المسألة معقدة أكثر من ذلك فالثورة الصناعية البريطانية عاني منها «الغلابة» أشد المعاناة!< ذكرت في كتابك الأخير «ماذا علمتني الحياة» أنك كنت عضوا بحزب «البعث» في مطلع الخمسينيات ثم تحولت للماركسية في الستينيات وفي نهاية السبعينيات أصبحت جزءا مما أطلق عليه مجموعة «التراثيين الجدد»، ألا تري أن هذه التحولات تحمل الكثير من علامات الاستفهام حول شخصية المفكر جلال أمين؟ـ في مطلع الخمسينيات كنت ما أزال في العشرين من عمري تعرفت وقتها علي مجموعة من الشباب المثقف مثل حسان الوظيف من الأردن ومصطفي الحلاج من سوريا، ومن مصر فاروق شوشة والشاعر حجازي وأحمد بهاء الدين وعصمت سيف الدولة وأعجبني شعارهم «الحرية.. الاشتراكية.. الوحدة.. فانخرطت معهم في التنظيم البعثي في مصر، بعدها في نهاية الخمسينيات قرأت في الماركسية ففتنتني المادية الجدلية حتي سافرت إلي إنجلترا وقرأت عن الوضعية المنطقية فأعجبت بها واكتشفت أن الماركسية فيها كلام كثير «هلس» لكني احتفظت ببعض الأفكار من الماركسية ومن البعث فمازالت مقتنعا حتي الآن «بالحرية.. والاشتراكية.. والوحدة»، وأري أن ما حدث من تطور عقلي طبيعي، في أواخر السبعينيات التقيت بمجموعة من المثقفين مثل طارق البشري ومحمد عمارة وعادل حسين الذين أدركوا أن مشكلة مصر في التبعية الثقافية وليس في التبعية الاقتصادية فانضممت لهم. لم يدم ذلك طويلا وذلك لأن موقفي من الدين سسيولوجي وليس ميتافيزيقي بمعني أن الدين بالمناسبة لي محرك وطاقة لبناء أمة وإصلاحها وهو ما اختلفت فيه مع هذه المجموعة.انتهت علاقاتي بهم بعد الندوة التي أقاماتها جريدة «الأهالي» والتي دافع فيها واحد من هؤلاء التراثيين عن الشيخ الشعراوي وإن كنت لا أحبه وكنت أعتقد أنه من أسباب الفتنة بين المسلمين والمسيحيين حيث كان بينهم مساهمة غير لطيفة في إشعالها بعد هذا الموقف انسحبت من الجلسات التي كانت تنظمها تلك المجموعة. الآن أنا أحب أن أكون مستقلا لا انتمي إلا للأفكار التي استقريت عليها بغض النظر عن تبعيتها.
العربي الناصري
محمد سعد عبد الحفيظ
No comments:
Post a Comment