المصري الذي نريده بقلم د.عمار على حسن المصري يوم ٢٦/٦/٢٠٠٧
تحول السلطة المستبدة دون الارتقاء بالشخصية المصرية، بعد أن دمرها البطش، والفساد الاجتماعي، والتراجع الاقتصادي، والتردي الأخلاقي، وتحول التدين إلي طقوس شكلية وقشرية. وفي ظني فإن أول خطوة لانتشال المصري مما آل إليه يجب أن تقطع تجاه السلطة. فالمصريون يتغيرون حال تغير الوضع السياسي، الذي يمثل قاطرة تشد وراءها كل شيء، بدءاً بالأخلاق وانتهاء بقيمة الإنجاز.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذ١ المقام هو: كيف نتغير؟ وكيف نحول الاستسلام للوضع الراهن إلي طاقة إيجابية تعيد صياغة العلاقة النفسية بين المصريين والسلطة؟ بحيث تصبح الأخيرة مصدراً للحماية والعدل، وليست مؤسسة للقهر والإكراه والطغيان، وبما يقود بالتبعية إلي تغيير كل ما أعوج أو حاد عن جادة الصواب والحق في حياتنا، وتفكيك السياق المغذي للتخلف في المجالات كافة، وفتح الطريق أمام بناء المصري الذي نحلم به.
والإجابة ليست سهلة أبدا، فتغيير النفس البشرية أصعب بكثير من تغيير الأوضاع المادية مهما صعبت، ومهما تردت أحوالها، وهو ما تعبر عنه حكمة أثيرة تقول «بناء المصانع يسير، وبناء الرجال عسير». ولذا يرفض كثيرون فكرة «الإصلاح من أسفل»، أي تغيير القاعدة العريضة توطئة لإصلاح القمة، لأنها بطيئة، ويطالبون بـ «الإصلاح من أعلي» علي أساس قاعدة «من أفسد شيئا فعليه إصلاحه»، فنظراً لأن الفساد والاستبداد هو من فعل السلطة وترتيبها، فعليها أن تبدأ بنفسها، ولا تتذرع بأن الثقافة السياسية السائدة في مصر لا تشجع علي التطور الديمقراطي.
وأولي خطوات مقاومة هذا التصور المريض هي فتح الطريق أمام بناء النفسية القادرة علي المقاومة والانخراط، ما يعني قطيعة مع موروث طويل من سلبية ظاهرية للمصريين، رصدتها الدراسات السياسية والنفسية والاجتماعية والفلكلورية، وعزتها إلي عناصر عدة، منها «الفرعونية السياسية»، التي جعلت المصريين يؤلهون حكامهم علي مدار أربعة آلاف سنة، و«سمات المجتمع النهري»، حيث تتحكم السلطة في موارد الري فيخضع لها الفلاحون، و«انتشار الطرق الصوفية» جنباً إلي جنب مع الدعوة الانسحابية الكامنة في الفكر المسيحي، والتي تقاوم رغبة قطاع من المصريين في ممارسة حياة سياسية مدنية إيجابية، وتجعلهم يتوهمون أن بإمكان الكنيسة أن تلعب دور الزعامة السياسية، مثلما حدث في الآونة الأخيرة.
إن الوقوف عند ترديد الآية الكريمة «إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم»، من دون البحث عن طرائق وأساليب لتحقيقه في الواقع، أمر عديم الجدوي. وقد اكتفي الكثير من أدبيات «التغيير» التي انهالت كالسيل في السنوات الأخيرة، عند حد ذكر الآية، ولم تجهد نفسها في تحري وسيلة لتطبيقها. لكنها لم تهمل جانبا مهما، يقاوم الجزء السلبي من الارتكان إلي القدر، في مجتمع متدين بطبعه، مثل المجتمع المصري، فحرصت علي أن تشرح مدلول هذه الآية، وهي أن الله سبحانه وتعالي بين للناس، الخير من الشر، وأعطي الإنسان عقلاً وقلباً ووجداناً، وجعله خليفته في أرضه، وعليه هو، بإرادته الحرة الطليقة، أن يتلمس سنن التغيير، وأن يرفع راية الحق في وجه السلطان الجائر، لاسيما إن تردت الأحوال وفسدت، ولم يكن هناك بد من حركة فتية قوية في الواقع، لإنهاء هذا التردي، ووضع حد لذلك الفساد، بما يؤدي إلي «استصلاح الخلق بإرشادهم إلي الطريق المنجي في العاجل والآجل... وتدبير المعاش مع العموم علي سنن العدل والاستقامة»، حسب تعريف الفقه الإسلامي للسياسة، وليس حسب الممارسة التاريخية التي انزلقت، في الغالب الأعم، إلي الطغيان.
واستغل بعض الفقهاء آية كريمة أخري وهي... وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، ليطلبوا من المحكومين أن ينصاعوا لمشيئة السلاطين، مهما كان تجبرهم وتوحشهم، وابتعادهم عما رتبه الدين من علاقة سوية بين الحاكم والمحكوم. ونسي هؤلاء أن الآية تقول: «أولي الأمر منكم» وليس «أولي الأمر عليكم»، وشتان بين «منكم» أي باختيارنا و«عليكم» أي بفرضهم علينا فرضاً.
إن الإنسان المصري في حاجة إلي تقدير ذاته، وهذا لن يتم إلا باستلهام جذوره الحضارية، والوعي بالنقاط المضيئة في التاريخ الاجتماعي والسياسي للبلاد، وإدراك ما في الأديان (الإسلام والمسيحية) من دعوة إلي مقاومة الظلم، ومكافحة الشر والفساد، وإلي البحث عن الحل الجماعي، وليس الحلول الفردية المفرطة في الأنانية، التي لا تنتج سوي تمزق النسيج الاجتماعي، وبذلك تجد السلطة الحاكمة فرصا متجددة للتجبر والتوحش
No comments:
Post a Comment