أهرام الأربعاء ــ 27 /6 بقلم : صلاح الدين حافظ
العار..هي الكلمة الوحيدة المنطقية علي ما جري ويجري في غزة, العار هو أن يذبح الأشقاء بعضهم بعضا, تصارعا علي السلطة تحت رايات براقة وشعارات خادعة, تتحدث عن الديمقراطية والإسلام, عن الشرعية والدستورية, عن الأخلاق ومحاسن السلوك.العار هو أن يتفق هابيل وقابيل معا, لأول مرة, علي قتل أهلهم وتشريدهم واغتصاب حرياتهم وانتهاك خصوصياتهم, واستدعاء القوي الخارجية بما فيها القوي المعادية, لنصرة جانب علي حساب الآخر, ولوضع كلمة النهاية المأساوية لقصة كفاح طويلة لشعب قاسي وعاني, طلبا للحرية والاستقلال!بعد أكثر من خمسين عاما من الكفاح ها هو المشروع الوطني الفلسطيني يرتطم بجذور انشقاقه بهذه الحدة ومن داخله, والمؤكد أن هذا المشروع القائم علي أسس شرعية وواقعية وتاريخية, لم يعرف طوال مسيرته الشاقة, مثل هذا الانشقاق الدموي الذي تورط في أتونه أهم فصيلين, هما: فتح وحماس, وبالتالي فإن الشرخ عميق, والانشقاق شاذ, والاقتتال مشبوه, والنتائج كارثية ومأساوية.ولسوء الحظ, بل لسوء التفكير والتدبير فإن ما جري بين فتح وحماس في فلسطين عموما, وفي غزة خصوصا, هو نتيجة مباشرة للصراع والانقسام العربي الشائع الضائع, بين معسكرين أو أكثر, معسكر المعتدلين المحافظين, ومعسكر المتشددين الثوريين أو المتمردين وفق التعابير الأمريكية.وبنفس المنطق فإن ما جري بين فتح وحماس أخيرا هو سبب إضافي لتعميق الانقسام العربي, ولإعادة ترتيب المعسكرين وحشد جهودهما لمزيد من الصراع.ما جري بين فتح وحماس, سبب ونتيجة في الوقت نفسه, دون مواربة أو مناورة, وها نحن نري الأطراف كلها تستغل كل ما جري لاستنفار أسبابها وأسلحتها لتحقيق أهداف بعيدة عن حلم المشروع الوطني الفلسطيني, ولاقتناص مكسب من هنا, أو مكافأة من هناك, بينما الضحية الوحيدة هو شعب كامل لم يعد يعرف من أين تأتيه الضربات القاتلة!!ولعل من أخطر نتائج هذا الاقتتال الفلسطيني المشبوه, هو ما نراه اليوم من اصطفاف المعسكرين المتواجهين, خلف الفصيلين الفلسطينيين المتقاتلين, فثمة من يقف وراء فتح ومحمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية, باسم مساندة الشرعية, وثمة من يقف خلف حماس وإسماعيل هنية رئيس الحكومة, حكومة ما يسمي الوحدة الوطنية, أيضا باسم الشرعية.الشرعية هي السلاح المخادع الخاوي, الذي يحارب به كل طرف أصلي, وكل طرف داعم ومساند, دون أن يفسر لنا معني الشرعية, في ظل اقتتال دموي تمسكا بالسلطة, وصراعا علي حكم لم تكتمل أركانه الشرعية الأصلية بعد, الكل تحت الاحتلال الصهيوني يعاني إذلاله ومهاناته, فالأرض محتلة, والسلطة فاقدة لأركان شرعيتها من الأساس لأنها تحت الاحتلال, والشعب فاقد لحريته واستقلاله بالتالي, فماذا بقي من المشروع الوطني الفلسطيني, الأرض محتلة, والسلطة شكلية, والشعب مشرد ضائع جائع؟!فإن كان سلاح الشرعية قد سقط من بين أيدي فتح وحماس, أو السلطة في الضفة الغربية والحكومة في غزة, فإن سلاح الاحتماء بالقوي الخارجية لحسم الصراع, أو تأجيجه, يبدو الآن الأعلي صوتا, وإن كنا نعتقد أنه سيكون الأقل تأثيرا علي المدي البعيد.فلم يعد خافيا أن السلطة الفلسطينية وفتح بقيادة محمود عباس, المحتمي برام الله, أصبحت أكثر التصاقا وأسرع التجاء إلي ما يسمي معسكر المعتدلين, في العالم العربي, ذلك المدعوم بالغرب الأوروبي ـ الأمريكي, المسنود بقوة من حكومة إسرائيل المهتزة الضعيفة, الباحثة عمن يدعمها في الأساس لتظل في السلطة, وها هي تسعي عبر معسكر المعتدلين لمساندة وتعويم محمود عباس وسلطته, وفي أعماقها تستغل هذا الحدث المأساوي في الجانب الفلسطيني لتعويم إيهود أولمرت وحكومته الهشة, غريق يستعين بغريق, وأعمي يقود أعمي في بحر الظلمات!وفي المقابل نري حماس وحكومة هنية القابضة بقوة السلاح, وليس بقوة الشرعية علي قطاع غزة, تسفر عن تحالفاتها علي الجانب الآخر, وتستدعي دعم المعسكر الراديكالي من الجماعات الإسلامية المتشددة, إلي إيران زعيمة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا, ولم تكن الجماعات الإسلامية, المقاتلة منها والدعوية, لتترك فرصة اكتساح رفيقتها الكبري حماس لغزة خلال ثمان وأربعين ساعة, تفلت من يدها دون أن تسارع إلي نجدتها بكل السبل المادية والمعنوية, فها هي البشري تهب من غزة!!ولم تكن إيران تتقاعس عن اغتنام الفرصة والإمساك باللحظة النادرة هذه لكي تدخل بقوة علي الخط, دعما لحماس في الظاهر, ودعما لموقفها الصراعي مع الغرب الأوروبي ـ الأمريكي ومعسكر المعتدلين والمحافظين العرب, تأكيدا للعلاقة القوية بين حماس وطهران التي بنيت في هدوء حتي هبت العاصفة لتخرج إلي العلن.ولعل الهلع الحقيقي الذي أصاب حكومات ونظما عربية وغربية وإسرائيلية, جراء انتصار حماس المفاجئ في غزة, يرجع إلي تلقي ضربة جديدة من الحركات والتيارات الإسلامية المتشددة, تلك التي تقاتل بشراسة في العراق مسنودة بإيران, وتصارع بقوة في لبنان مسنودة أيضا بإيران, وها هي تحقق ما لم يحلم به أحد في غزة مسنودا بإيران أيضا وأيضا, فربما تكر المسبحة!!وبقدر ما يأخذ كثيرون, خصوصا من المعتدلين والمحافظين العرب, علي حماس تحولها إلي مخلب لإيران في فلسطين وعلي حدود مصر, بقدر ما يرد أنصار حماس التهمة بتهمة مضادة لخصومها من أنصار السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن, وهي أن هؤلاء أيضا عملاء للأمريكيين, وحلفاء للإسرائيليين, وشركاء للمستبدين والفاسدين العرب, وكما أن الشرعية أصبحت بضاعة متنازعا عليها, فضاعت قيمتها ومعناها, فإن العمالة والخيانة أصبحتا العملة المتداولة في ساحة الصراع علي حساب الوطن والمواطنين, علي حسابنا جميعا.وبرغم اعترافنا بقوة تأثير القوي الإقليمية والدولية, في إيجاد أسباب, وترتيب نتائج الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني, وتخفيف صدامه مع المحتل الصهيوني, فإننا نعتبر أن لمصر دورا رئيسيا في هذا الصراع في هذه اللحظة المأساوية, والمعركة الكارثية سارقة الحلم الفسطيني والعربي.فلسطين مسئولية أمن قومي مصري بالدرجة الأولي, في الماضي والحاضر والمستقبل, وغزة تحديدا مسئولية مصرية صميمة علي الأقل بحكم الجوار الجغرافي اللصيق, وبقدر ما بذلت مصر من مجهودات وقدمت من تضحيات مادية وبشرية في مسارات القضية الفلسطينية عبر الماضي والحاضر, فإن مصر مطالبة اليوم أكثر من أي يوم آخر, وأكثر من أي طرف آخر, بلعب دور رئيسي وحاسم, غير دور الانحياز لطرف فلسطيني علي حساب آخر, وغير دور تعويم رمز فلسطيني مقابل إغراق غيره.دور مصر الحاسم المطلوب الآن ليس مجرد دعم عباس باسم الشرعية, ومقاطعة حماس باسم فقدها الشرعية, وليس التنسيق مع أطراف عربية وإقليمية ودولية لا ترغب إلا في تعميق الانقسام الفلسطيني الدموي حماية لإسرائيل, وتعويما لأولمرت وبوش وباقي العصابة, لكن دور مصر أن ترتقي فوق كل هؤلاء وأجنداتهم المشبوهة, لتعيد الصف الفلسطيني إلي سابق عهده من الوحدة والتماسك وراء المشروع الوطني, بحوار القوة الناعمة, أو بحدة القوة الخشنة!!لقد كانت لمصر جهودها في الحوار والتهدئة قبل غزوة غزة, ولكن الجهد المطلوب الآن أبعد وأعمق من كل هذا, يبتعد بمسافة محسوبة من الحسابات الضيقة لفتح وحماس, والحسابات الأكبر لإيران وإسرائيل وأمريكا وأوروبا, وهو جهد غير متوافر من حيث القدرة والإمكانية, بل والمصلحة, لدولة أخري, كما هو متوافر لمصر التي يجب ألا تستجيب لإغراءات بوش, أو تلميحات أولمرت, أو تخويفات أحمدي نجاد, أو لاستغاثات عباس, واتهامات هنية, أو لدعوات المتطرفين بنفض يد مصر كليا وانسحابها من هذ الأزمة!!هذه لحظة حاسمة تنادي دورا مصريا رائدا حاسما في قضية صاخبة ملتهبة, إن أقلقت الآخرين فإنها تزعج مصر إزعاجا شديدا, لأنها ببساطة تقع علي حدودها الشرقية, البوابة التاريخية لكل الحروب والغزوات التي هددت وحدتها وأمنها.ولكم أن تتذكروا ما كتبناه في هذا المكان قبل أشهر عن المشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا, باستقطاع مساحة من سيناء المصرية, تصل إلي العريش, لتوسيع كانتون غزة, وترسيخا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين, وتعميقا للشرخ الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية, وكل منهما كانتون محاصر برا وبحرا وجوا, لا يقوي علي البقاء والاستمرار, تنفيذا للحلم الإسرائيلي, والحل الأمريكي.ثم لكم أن تتخيلوا إن لم تبادر مصر بدور مغاير, أن تظل غزة مختنقة تحت الحصار الإسرائيلي, والتجويع الدولي, وصراع الأشقاء المتناحرين, فإذا بها تقذف حممها البشرية بمئات الآلاف, تقتحم الحدود وتفرض أمرا واقعا جديدا داخل سيناء, لتقام فيها معسكرات جديدة للاجئين الهاربين من حصار الجوع والاقتتال العبثي!ما بعد غزوة غزة, ليس أقل خطورة مما قبلها.** خير الكلام: قال عمرو بن كلثوم:إذا ما الملك رام الناس خسفاأبينا أن نقر الخسف فينا
العار..هي الكلمة الوحيدة المنطقية علي ما جري ويجري في غزة, العار هو أن يذبح الأشقاء بعضهم بعضا, تصارعا علي السلطة تحت رايات براقة وشعارات خادعة, تتحدث عن الديمقراطية والإسلام, عن الشرعية والدستورية, عن الأخلاق ومحاسن السلوك.العار هو أن يتفق هابيل وقابيل معا, لأول مرة, علي قتل أهلهم وتشريدهم واغتصاب حرياتهم وانتهاك خصوصياتهم, واستدعاء القوي الخارجية بما فيها القوي المعادية, لنصرة جانب علي حساب الآخر, ولوضع كلمة النهاية المأساوية لقصة كفاح طويلة لشعب قاسي وعاني, طلبا للحرية والاستقلال!بعد أكثر من خمسين عاما من الكفاح ها هو المشروع الوطني الفلسطيني يرتطم بجذور انشقاقه بهذه الحدة ومن داخله, والمؤكد أن هذا المشروع القائم علي أسس شرعية وواقعية وتاريخية, لم يعرف طوال مسيرته الشاقة, مثل هذا الانشقاق الدموي الذي تورط في أتونه أهم فصيلين, هما: فتح وحماس, وبالتالي فإن الشرخ عميق, والانشقاق شاذ, والاقتتال مشبوه, والنتائج كارثية ومأساوية.ولسوء الحظ, بل لسوء التفكير والتدبير فإن ما جري بين فتح وحماس في فلسطين عموما, وفي غزة خصوصا, هو نتيجة مباشرة للصراع والانقسام العربي الشائع الضائع, بين معسكرين أو أكثر, معسكر المعتدلين المحافظين, ومعسكر المتشددين الثوريين أو المتمردين وفق التعابير الأمريكية.وبنفس المنطق فإن ما جري بين فتح وحماس أخيرا هو سبب إضافي لتعميق الانقسام العربي, ولإعادة ترتيب المعسكرين وحشد جهودهما لمزيد من الصراع.ما جري بين فتح وحماس, سبب ونتيجة في الوقت نفسه, دون مواربة أو مناورة, وها نحن نري الأطراف كلها تستغل كل ما جري لاستنفار أسبابها وأسلحتها لتحقيق أهداف بعيدة عن حلم المشروع الوطني الفلسطيني, ولاقتناص مكسب من هنا, أو مكافأة من هناك, بينما الضحية الوحيدة هو شعب كامل لم يعد يعرف من أين تأتيه الضربات القاتلة!!ولعل من أخطر نتائج هذا الاقتتال الفلسطيني المشبوه, هو ما نراه اليوم من اصطفاف المعسكرين المتواجهين, خلف الفصيلين الفلسطينيين المتقاتلين, فثمة من يقف وراء فتح ومحمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية, باسم مساندة الشرعية, وثمة من يقف خلف حماس وإسماعيل هنية رئيس الحكومة, حكومة ما يسمي الوحدة الوطنية, أيضا باسم الشرعية.الشرعية هي السلاح المخادع الخاوي, الذي يحارب به كل طرف أصلي, وكل طرف داعم ومساند, دون أن يفسر لنا معني الشرعية, في ظل اقتتال دموي تمسكا بالسلطة, وصراعا علي حكم لم تكتمل أركانه الشرعية الأصلية بعد, الكل تحت الاحتلال الصهيوني يعاني إذلاله ومهاناته, فالأرض محتلة, والسلطة فاقدة لأركان شرعيتها من الأساس لأنها تحت الاحتلال, والشعب فاقد لحريته واستقلاله بالتالي, فماذا بقي من المشروع الوطني الفلسطيني, الأرض محتلة, والسلطة شكلية, والشعب مشرد ضائع جائع؟!فإن كان سلاح الشرعية قد سقط من بين أيدي فتح وحماس, أو السلطة في الضفة الغربية والحكومة في غزة, فإن سلاح الاحتماء بالقوي الخارجية لحسم الصراع, أو تأجيجه, يبدو الآن الأعلي صوتا, وإن كنا نعتقد أنه سيكون الأقل تأثيرا علي المدي البعيد.فلم يعد خافيا أن السلطة الفلسطينية وفتح بقيادة محمود عباس, المحتمي برام الله, أصبحت أكثر التصاقا وأسرع التجاء إلي ما يسمي معسكر المعتدلين, في العالم العربي, ذلك المدعوم بالغرب الأوروبي ـ الأمريكي, المسنود بقوة من حكومة إسرائيل المهتزة الضعيفة, الباحثة عمن يدعمها في الأساس لتظل في السلطة, وها هي تسعي عبر معسكر المعتدلين لمساندة وتعويم محمود عباس وسلطته, وفي أعماقها تستغل هذا الحدث المأساوي في الجانب الفلسطيني لتعويم إيهود أولمرت وحكومته الهشة, غريق يستعين بغريق, وأعمي يقود أعمي في بحر الظلمات!وفي المقابل نري حماس وحكومة هنية القابضة بقوة السلاح, وليس بقوة الشرعية علي قطاع غزة, تسفر عن تحالفاتها علي الجانب الآخر, وتستدعي دعم المعسكر الراديكالي من الجماعات الإسلامية المتشددة, إلي إيران زعيمة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا, ولم تكن الجماعات الإسلامية, المقاتلة منها والدعوية, لتترك فرصة اكتساح رفيقتها الكبري حماس لغزة خلال ثمان وأربعين ساعة, تفلت من يدها دون أن تسارع إلي نجدتها بكل السبل المادية والمعنوية, فها هي البشري تهب من غزة!!ولم تكن إيران تتقاعس عن اغتنام الفرصة والإمساك باللحظة النادرة هذه لكي تدخل بقوة علي الخط, دعما لحماس في الظاهر, ودعما لموقفها الصراعي مع الغرب الأوروبي ـ الأمريكي ومعسكر المعتدلين والمحافظين العرب, تأكيدا للعلاقة القوية بين حماس وطهران التي بنيت في هدوء حتي هبت العاصفة لتخرج إلي العلن.ولعل الهلع الحقيقي الذي أصاب حكومات ونظما عربية وغربية وإسرائيلية, جراء انتصار حماس المفاجئ في غزة, يرجع إلي تلقي ضربة جديدة من الحركات والتيارات الإسلامية المتشددة, تلك التي تقاتل بشراسة في العراق مسنودة بإيران, وتصارع بقوة في لبنان مسنودة أيضا بإيران, وها هي تحقق ما لم يحلم به أحد في غزة مسنودا بإيران أيضا وأيضا, فربما تكر المسبحة!!وبقدر ما يأخذ كثيرون, خصوصا من المعتدلين والمحافظين العرب, علي حماس تحولها إلي مخلب لإيران في فلسطين وعلي حدود مصر, بقدر ما يرد أنصار حماس التهمة بتهمة مضادة لخصومها من أنصار السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن, وهي أن هؤلاء أيضا عملاء للأمريكيين, وحلفاء للإسرائيليين, وشركاء للمستبدين والفاسدين العرب, وكما أن الشرعية أصبحت بضاعة متنازعا عليها, فضاعت قيمتها ومعناها, فإن العمالة والخيانة أصبحتا العملة المتداولة في ساحة الصراع علي حساب الوطن والمواطنين, علي حسابنا جميعا.وبرغم اعترافنا بقوة تأثير القوي الإقليمية والدولية, في إيجاد أسباب, وترتيب نتائج الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني, وتخفيف صدامه مع المحتل الصهيوني, فإننا نعتبر أن لمصر دورا رئيسيا في هذا الصراع في هذه اللحظة المأساوية, والمعركة الكارثية سارقة الحلم الفسطيني والعربي.فلسطين مسئولية أمن قومي مصري بالدرجة الأولي, في الماضي والحاضر والمستقبل, وغزة تحديدا مسئولية مصرية صميمة علي الأقل بحكم الجوار الجغرافي اللصيق, وبقدر ما بذلت مصر من مجهودات وقدمت من تضحيات مادية وبشرية في مسارات القضية الفلسطينية عبر الماضي والحاضر, فإن مصر مطالبة اليوم أكثر من أي يوم آخر, وأكثر من أي طرف آخر, بلعب دور رئيسي وحاسم, غير دور الانحياز لطرف فلسطيني علي حساب آخر, وغير دور تعويم رمز فلسطيني مقابل إغراق غيره.دور مصر الحاسم المطلوب الآن ليس مجرد دعم عباس باسم الشرعية, ومقاطعة حماس باسم فقدها الشرعية, وليس التنسيق مع أطراف عربية وإقليمية ودولية لا ترغب إلا في تعميق الانقسام الفلسطيني الدموي حماية لإسرائيل, وتعويما لأولمرت وبوش وباقي العصابة, لكن دور مصر أن ترتقي فوق كل هؤلاء وأجنداتهم المشبوهة, لتعيد الصف الفلسطيني إلي سابق عهده من الوحدة والتماسك وراء المشروع الوطني, بحوار القوة الناعمة, أو بحدة القوة الخشنة!!لقد كانت لمصر جهودها في الحوار والتهدئة قبل غزوة غزة, ولكن الجهد المطلوب الآن أبعد وأعمق من كل هذا, يبتعد بمسافة محسوبة من الحسابات الضيقة لفتح وحماس, والحسابات الأكبر لإيران وإسرائيل وأمريكا وأوروبا, وهو جهد غير متوافر من حيث القدرة والإمكانية, بل والمصلحة, لدولة أخري, كما هو متوافر لمصر التي يجب ألا تستجيب لإغراءات بوش, أو تلميحات أولمرت, أو تخويفات أحمدي نجاد, أو لاستغاثات عباس, واتهامات هنية, أو لدعوات المتطرفين بنفض يد مصر كليا وانسحابها من هذ الأزمة!!هذه لحظة حاسمة تنادي دورا مصريا رائدا حاسما في قضية صاخبة ملتهبة, إن أقلقت الآخرين فإنها تزعج مصر إزعاجا شديدا, لأنها ببساطة تقع علي حدودها الشرقية, البوابة التاريخية لكل الحروب والغزوات التي هددت وحدتها وأمنها.ولكم أن تتذكروا ما كتبناه في هذا المكان قبل أشهر عن المشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا, باستقطاع مساحة من سيناء المصرية, تصل إلي العريش, لتوسيع كانتون غزة, وترسيخا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين, وتعميقا للشرخ الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية, وكل منهما كانتون محاصر برا وبحرا وجوا, لا يقوي علي البقاء والاستمرار, تنفيذا للحلم الإسرائيلي, والحل الأمريكي.ثم لكم أن تتخيلوا إن لم تبادر مصر بدور مغاير, أن تظل غزة مختنقة تحت الحصار الإسرائيلي, والتجويع الدولي, وصراع الأشقاء المتناحرين, فإذا بها تقذف حممها البشرية بمئات الآلاف, تقتحم الحدود وتفرض أمرا واقعا جديدا داخل سيناء, لتقام فيها معسكرات جديدة للاجئين الهاربين من حصار الجوع والاقتتال العبثي!ما بعد غزوة غزة, ليس أقل خطورة مما قبلها.** خير الكلام: قال عمرو بن كلثوم:إذا ما الملك رام الناس خسفاأبينا أن نقر الخسف فينا
No comments:
Post a Comment