Tuesday, June 26, 2007

ما بــعد غـــــزوة غـــــزة هـو الأخــــطر‏!

أهرام الأربعاء ــ 27 /6 ‏بقلم : صلاح الدين حافظ
العار‏..‏هي الكلمة الوحيدة المنطقية علي ما جري ويجري في غزة‏,‏ العار هو أن يذبح الأشقاء بعضهم بعضا‏,‏ تصارعا علي السلطة تحت رايات براقة وشعارات خادعة‏,‏ تتحدث عن الديمقراطية والإسلام‏,‏ عن الشرعية والدستورية‏,‏ عن الأخلاق ومحاسن السلوك‏.‏العار هو أن يتفق هابيل وقابيل معا‏,‏ لأول مرة‏,‏ علي قتل أهلهم وتشريدهم واغتصاب حرياتهم وانتهاك خصوصياتهم‏,‏ واستدعاء القوي الخارجية بما فيها القوي المعادية‏,‏ لنصرة جانب علي حساب الآخر‏,‏ ولوضع كلمة النهاية المأساوية لقصة كفاح طويلة لشعب قاسي وعاني‏,‏ طلبا للحرية والاستقلال‏!‏بعد أكثر من خمسين عاما من الكفاح ها هو المشروع الوطني الفلسطيني يرتطم بجذور انشقاقه بهذه الحدة ومن داخله‏,‏ والمؤكد أن هذا المشروع القائم علي أسس شرعية وواقعية وتاريخية‏,‏ لم يعرف طوال مسيرته الشاقة‏,‏ مثل هذا الانشقاق الدموي الذي تورط في أتونه أهم فصيلين‏,‏ هما‏:‏ فتح وحماس‏,‏ وبالتالي فإن الشرخ عميق‏,‏ والانشقاق شاذ‏,‏ والاقتتال مشبوه‏,‏ والنتائج كارثية ومأساوية‏.‏ولسوء الحظ‏,‏ بل لسوء التفكير والتدبير فإن ما جري بين فتح وحماس في فلسطين عموما‏,‏ وفي غزة خصوصا‏,‏ هو نتيجة مباشرة للصراع والانقسام العربي الشائع الضائع‏,‏ بين معسكرين أو أكثر‏,‏ معسكر المعتدلين المحافظين‏,‏ ومعسكر المتشددين الثوريين أو المتمردين وفق التعابير الأمريكية‏.‏وبنفس المنطق فإن ما جري بين فتح وحماس أخيرا هو سبب إضافي لتعميق الانقسام العربي‏,‏ ولإعادة ترتيب المعسكرين وحشد جهودهما لمزيد من الصراع‏.‏ما جري بين فتح وحماس‏,‏ سبب ونتيجة في الوقت نفسه‏,‏ دون مواربة أو مناورة‏,‏ وها نحن نري الأطراف كلها تستغل كل ما جري لاستنفار أسبابها وأسلحتها لتحقيق أهداف بعيدة عن حلم المشروع الوطني الفلسطيني‏,‏ ولاقتناص مكسب من هنا‏,‏ أو مكافأة من هناك‏,‏ بينما الضحية الوحيدة هو شعب كامل لم يعد يعرف من أين تأتيه الضربات القاتلة‏!!‏ولعل من أخطر نتائج هذا الاقتتال الفلسطيني المشبوه‏,‏ هو ما نراه اليوم من اصطفاف المعسكرين المتواجهين‏,‏ خلف الفصيلين الفلسطينيين المتقاتلين‏,‏ فثمة من يقف وراء فتح ومحمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية‏,‏ باسم مساندة الشرعية‏,‏ وثمة من يقف خلف حماس وإسماعيل هنية رئيس الحكومة‏,‏ حكومة ما يسمي الوحدة الوطنية‏,‏ أيضا باسم الشرعية‏.‏الشرعية هي السلاح المخادع الخاوي‏,‏ الذي يحارب به كل طرف أصلي‏,‏ وكل طرف داعم ومساند‏,‏ دون أن يفسر لنا معني الشرعية‏,‏ في ظل اقتتال دموي تمسكا بالسلطة‏,‏ وصراعا علي حكم لم تكتمل أركانه الشرعية الأصلية بعد‏,‏ الكل تحت الاحتلال الصهيوني يعاني إذلاله ومهاناته‏,‏ فالأرض محتلة‏,‏ والسلطة فاقدة لأركان شرعيتها من الأساس لأنها تحت الاحتلال‏,‏ والشعب فاقد لحريته واستقلاله بالتالي‏,‏ فماذا بقي من المشروع الوطني الفلسطيني‏,‏ الأرض محتلة‏,‏ والسلطة شكلية‏,‏ والشعب مشرد ضائع جائع؟‏!‏فإن كان سلاح الشرعية قد سقط من بين أيدي فتح وحماس‏,‏ أو السلطة في الضفة الغربية والحكومة في غزة‏,‏ فإن سلاح الاحتماء بالقوي الخارجية لحسم الصراع‏,‏ أو تأجيجه‏,‏ يبدو الآن الأعلي صوتا‏,‏ وإن كنا نعتقد أنه سيكون الأقل تأثيرا علي المدي البعيد‏.‏‏فلم يعد خافيا أن السلطة الفلسطينية وفتح بقيادة محمود عباس‏,‏ المحتمي برام الله‏,‏ أصبحت أكثر التصاقا وأسرع التجاء إلي ما يسمي معسكر المعتدلين‏,‏ في العالم العربي‏,‏ ذلك المدعوم بالغرب الأوروبي ـ الأمريكي‏,‏ المسنود بقوة من حكومة إسرائيل المهتزة الضعيفة‏,‏ الباحثة عمن يدعمها في الأساس لتظل في السلطة‏,‏ وها هي تسعي عبر معسكر المعتدلين لمساندة وتعويم محمود عباس وسلطته‏,‏ وفي أعماقها تستغل هذا الحدث المأساوي في الجانب الفلسطيني لتعويم إيهود أولمرت وحكومته الهشة‏,‏ غريق يستعين بغريق‏,‏ وأعمي يقود أعمي في بحر الظلمات‏!‏وفي المقابل نري حماس وحكومة هنية القابضة بقوة السلاح‏,‏ وليس بقوة الشرعية علي قطاع غزة‏,‏ تسفر عن تحالفاتها علي الجانب الآخر‏,‏ وتستدعي دعم المعسكر الراديكالي من الجماعات الإسلامية المتشددة‏,‏ إلي إيران زعيمة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا‏,‏ ولم تكن الجماعات الإسلامية‏,‏ المقاتلة منها والدعوية‏,‏ لتترك فرصة اكتساح رفيقتها الكبري حماس لغزة خلال ثمان وأربعين ساعة‏,‏ تفلت من يدها دون أن تسارع إلي نجدتها بكل السبل المادية والمعنوية‏,‏ فها هي البشري تهب من غزة‏!!‏ولم تكن إيران تتقاعس عن اغتنام الفرصة والإمساك باللحظة النادرة هذه لكي تدخل بقوة علي الخط‏,‏ دعما لحماس في الظاهر‏,‏ ودعما لموقفها الصراعي مع الغرب الأوروبي ـ الأمريكي ومعسكر المعتدلين والمحافظين العرب‏,‏ تأكيدا للعلاقة القوية بين حماس وطهران التي بنيت في هدوء حتي هبت العاصفة لتخرج إلي العلن‏.‏ولعل الهلع الحقيقي الذي أصاب حكومات ونظما عربية وغربية وإسرائيلية‏,‏ جراء انتصار حماس المفاجئ في غزة‏,‏ يرجع إلي تلقي ضربة جديدة من الحركات والتيارات الإسلامية المتشددة‏,‏ تلك التي تقاتل بشراسة في العراق مسنودة بإيران‏,‏ وتصارع بقوة في لبنان مسنودة أيضا بإيران‏,‏ وها هي تحقق ما لم يحلم به أحد في غزة مسنودا بإيران أيضا وأيضا‏,‏ فربما تكر المسبحة‏!!‏وبقدر ما يأخذ كثيرون‏,‏ خصوصا من المعتدلين والمحافظين العرب‏,‏ علي حماس تحولها إلي مخلب لإيران في فلسطين وعلي حدود مصر‏,‏ بقدر ما يرد أنصار حماس التهمة بتهمة مضادة لخصومها من أنصار السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن‏,‏ وهي أن هؤلاء أيضا عملاء للأمريكيين‏,‏ وحلفاء للإسرائيليين‏,‏ وشركاء للمستبدين والفاسدين العرب‏,‏ وكما أن الشرعية أصبحت بضاعة متنازعا عليها‏,‏ فضاعت قيمتها ومعناها‏,‏ فإن العمالة والخيانة أصبحتا العملة المتداولة في ساحة الصراع علي حساب الوطن والمواطنين‏,‏ علي حسابنا جميعا‏.‏وبرغم اعترافنا بقوة تأثير القوي الإقليمية والدولية‏,‏ في إيجاد أسباب‏,‏ وترتيب نتائج الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني‏,‏ وتخفيف صدامه مع المحتل الصهيوني‏,‏ فإننا نعتبر أن لمصر دورا رئيسيا في هذا الصراع في هذه اللحظة المأساوية‏,‏ والمعركة الكارثية سارقة الحلم الفسطيني والعربي‏.‏فلسطين مسئولية أمن قومي مصري بالدرجة الأولي‏,‏ في الماضي والحاضر والمستقبل‏,‏ وغزة تحديدا مسئولية مصرية صميمة علي الأقل بحكم الجوار الجغرافي اللصيق‏,‏ وبقدر ما بذلت مصر من مجهودات وقدمت من تضحيات مادية وبشرية في مسارات القضية الفلسطينية عبر الماضي والحاضر‏,‏ فإن مصر مطالبة اليوم أكثر من أي يوم آخر‏,‏ وأكثر من أي طرف آخر‏,‏ بلعب دور رئيسي وحاسم‏,‏ غير دور الانحياز لطرف فلسطيني علي حساب آخر‏,‏ وغير دور تعويم رمز فلسطيني مقابل إغراق غيره‏.‏دور مصر الحاسم المطلوب الآن ليس مجرد دعم عباس باسم الشرعية‏,‏ ومقاطعة حماس باسم فقدها الشرعية‏,‏ وليس التنسيق مع أطراف عربية وإقليمية ودولية لا ترغب إلا في تعميق الانقسام الفلسطيني الدموي حماية لإسرائيل‏,‏ وتعويما لأولمرت وبوش وباقي العصابة‏,‏ لكن دور مصر أن ترتقي فوق كل هؤلاء وأجنداتهم المشبوهة‏,‏ لتعيد الصف الفلسطيني إلي سابق عهده من الوحدة والتماسك وراء المشروع الوطني‏,‏ بحوار القوة الناعمة‏,‏ أو بحدة القوة الخشنة‏!!‏‏لقد كانت لمصر جهودها في الحوار والتهدئة قبل غزوة غزة‏,‏ ولكن الجهد المطلوب الآن أبعد وأعمق من كل هذا‏,‏ يبتعد بمسافة محسوبة من الحسابات الضيقة لفتح وحماس‏,‏ والحسابات الأكبر لإيران وإسرائيل وأمريكا وأوروبا‏,‏ وهو جهد غير متوافر من حيث القدرة والإمكانية‏,‏ بل والمصلحة‏,‏ لدولة أخري‏,‏ كما هو متوافر لمصر التي يجب ألا تستجيب لإغراءات بوش‏,‏ أو تلميحات أولمرت‏,‏ أو تخويفات أحمدي نجاد‏,‏ أو لاستغاثات عباس‏,‏ واتهامات هنية‏,‏ أو لدعوات المتطرفين بنفض يد مصر كليا وانسحابها من هذ الأزمة‏!!‏هذه لحظة حاسمة تنادي دورا مصريا رائدا حاسما في قضية صاخبة ملتهبة‏,‏ إن أقلقت الآخرين فإنها تزعج مصر إزعاجا شديدا‏,‏ لأنها ببساطة تقع علي حدودها الشرقية‏,‏ البوابة التاريخية لكل الحروب والغزوات التي هددت وحدتها وأمنها‏.‏ولكم أن تتذكروا ما كتبناه في هذا المكان قبل أشهر عن المشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا‏,‏ باستقطاع مساحة من سيناء المصرية‏,‏ تصل إلي العريش‏,‏ لتوسيع كانتون غزة‏,‏ وترسيخا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين‏,‏ وتعميقا للشرخ الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية‏,‏ وكل منهما كانتون محاصر برا وبحرا وجوا‏,‏ لا يقوي علي البقاء والاستمرار‏,‏ تنفيذا للحلم الإسرائيلي‏,‏ والحل الأمريكي‏.‏ثم لكم أن تتخيلوا إن لم تبادر مصر بدور مغاير‏,‏ أن تظل غزة مختنقة تحت الحصار الإسرائيلي‏,‏ والتجويع الدولي‏,‏ وصراع الأشقاء المتناحرين‏,‏ فإذا بها تقذف حممها البشرية بمئات الآلاف‏,‏ تقتحم الحدود وتفرض أمرا واقعا جديدا داخل سيناء‏,‏ لتقام فيها معسكرات جديدة للاجئين الهاربين من حصار الجوع والاقتتال العبثي‏!‏ما بعد غزوة غزة‏,‏ ليس أقل خطورة مما قبلها‏.‏‏**‏ خير الكلام‏:‏ قال عمرو بن كلثوم‏:‏إذا ما الملك رام الناس خسفاأبينا أن نقر الخسف فينا

No comments: