د. رفيق حبيب ـــ المصريون : بتاريخ 26 - 6 - 2007
قرار جماعة الإخوان المسلمين بالاشتراك في انتخابات الشورى، أثار جدلا داخل وخارج الجماعة، وبعد انتهاء الانتخابات التي زورت بالكامل، ولم تحصل فيها الجماعة على أي مقعد، أصبح من الضروري تقييم التجربة، وهو ما تفعله الجماعة والمراقبون المهتمون بشئونها، وأيضا المراقبون المتربصون بها. وتقييم التجربة ليس لمعرفة صحة أو خطأ قرار الاشتراك في الانتخابات فقط، بل من أجل تحديد الموقف من أي انتخابات قادمة. ولهذا أصبح من الضروري تعريف الواقع السياسي المصري قبل محاولة تقييم قرار أي فصيل سياسي، فتعريف الواقع يعرفنا أساسا بنوع الاختيارات المتاحة والنتائج التي يمكن تحقيقها. والواقع السياسي المصري بعد التعديلات الدستورية يظهر بشكل مؤكد أن النظام السياسي المصري استغل مرحلة الحراك السياسي التي بدأت في عام 2005، حتى يعطي لنفسه صلاحيات استثنائية واسعة تمكنه من السيطرة الكاملة على الحياة السياسية.والحقيقة أن النظام السياسي في مصر، كان يسيطر بالفعل على الحياة السياسية منذ ثورة يوليو، ولكنه منذ بداية عصر الرئيس الراحل أنور السادات، بدأ في محاولة وضع نظام ديمقراطي مقيد. ومن خلال التجربة السياسية في عهد الرئيس مبارك، أتضح للنظام أن الديمقراطية المقيدة يمكن أن تنفلت في لحظة غير معروفة، حتى وإن كان احتمال ذلك ضعيفا.وعندما حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية أي انتخابات بدون الإشراف القضائي الكامل، وجرب النظام انتخابات عام 2000 بمساحة واسعة من التزوير رغم الإشراف القضائي، وهو تدخل يتم قبل العملية الانتخابية وخارج المقرات، ثم داخلها في حالات معينة، وجرب النظام انتخابات عام 2005 بإشراف قضائي وبقدر أقل من التدخل للتزوير، هنا اكتشف النظام الحاكم أن الانتخابات شبه الحرة لا يمكن السيطرة عليها أو على نتائجها، كما اكتشف أن شعبيته منهارة تماما، والكراهية له تكاد تكون كاملة، وأن جماعة الإخوان المسلمين لها شعبية حقيقية، لذلك ألغى النظام الإشراف القضائي في التعديلات الدستورية، كما حظر الشعارات والمرجعية الدينية، وأسس لنفسه إمكانية إحالة القضايا إلى القضاء العسكري. بهذا تحولنا من الديمقراطية المقيدة، إلى إلغاء الديمقراطية بالكامل، وسيطرة النظام السياسي على المجال السياسي وعلى نتائج الانتخابات، بحيث نستطيع القول أن المجال السياسي صودر بالكامل.في تلك الصورة نتوقع مثلا انسحاب التيارات السياسية من العمل السياسي برمته، لأن الاختيارات المتاحة لديها تكاد تكون اختيارا واحدا وهو اختيار أن لا تفعل شيء، أي الاختيار الصفري. وهنا كان أمام جماعة الإخوان المسلمين، أن تختار بين المشاركة من أجل امتحان الوضع السياسي، وبين عدم المشاركة من أجل إحداث حالة فراغ سياسي في البلاد، فعدم اشتراك الجماعة في الانتخابات سيؤدي إلى حالة من عدم التنافس السياسي، وحالة من عدم الاهتمام الكامل بالانتخابات، وعدم وجود مادة تتناولها الصحف عن الانتخابات. ولكن قرار الجماعة لم يكن بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات. والمتابع للحوار الداخلي في الجماعة، سيجد أن هناك أراء مع المقاطعة وأخرى مع المشاركة، وأن قرار المشاركة تغلب بفارق أصوات ضئيلة. والسبب في ذلك، أن المشاركة في الانتخابات بمعنى تحقيق فوز بعدد من المقاعد ليس أمرا محتملا، وعدم المشاركة في الانتخابات لإحداث فراغ سياسي يحرج النظام ليس أمرا محتملا، لأن النظام يريد بالفعل الانفراد الكامل بالمشهد السياسي، أي أنه يريد بالفعل هذا الفراغ السياسي، ولا يعتبره أمرا محرجا له إعلاميا، لأنه قرر أن لا يشارك في العملية السياسية إلا أحزاب معارضة يختارها هو ويتفق معها على النتائج قبل الانتخابات.نقصد من هذا عدم وجود اختيارات سياسية طبيعية أمام جماعة الإخوان المسلمين، وأي قوى سياسية حقيقية غيرها. فالواقع يقول أننا أمام مشهد انسداد سياسي، واستبداد شامل، وبالتالي الاختيارات أمامنا تدور حول مواجهة الاستبداد، وليس حول دخول الانتخابات وتحقيق نتائج. ومن هذا التصور علينا النظر إلى قرار جماعة الإخوان المسلمين بدخول الانتخابات. فالجماعة رأت أن المشاركة في الانتخابات هي تفعيل لحركة كوادرها، وتفعيل لنشاطها بين الجماهير، بجانب اختبارها لنتائج التعديلات الدستورية، ولمعرفة طريقة النظام في تزوير الانتخابات بعد تلك التعديلات وإلغاء الإشراف القضائي، وهنا كانت الجماعة تريد معرفة واقع ما سيحدث في أي انتخابات قادمة. وبعيدا عن أهداف اكتشاف واقع ومنهج النظام الحاكم، وهو هدف مشروع، سنجد أن أهداف الجماعة الأساسية كانت هي التحريك السياسي لكوادرها وبين الجماهير. وفي الانتخابات تحقق الجماعة رغم أي قيود أمنية، حالة من التحريك السياسي الحقيقي لكوادرها وللجماهير بصورة لا تتحقق في غير مناسبة الانتخابات. والطبيعي أن يكون متاحا لأي تيار أو تنظيم سياسي ممارسة هذا الحراك أو التحريك طوال الوقت، ولكن الممارسات الأمنية المانعة للأنشطة السياسية الجماهيرية العامة، تجعل مناسبة الانتخابات هي الفرصة المتاحة للعمل بصورة مكثفة بين الجماهير.وما حدث في انتخابات الشورى بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، كان تحريكا سياسيا على أرض الواقع، له مردود إيجابي على مشروع الجماعة ورسالتها، رغم الثمن الفادح الذي تدفعه الجماعة. ومن الواضح أن الجماعة وغيرها من الحركات، لن تستطيع تحريك الجماهير دون أن يكون لذلك ثمن فادح من قبل النظام الحاكم. وهنا علينا التأكيد على أن أكثر ما يهم النظام الحاكم هو استمرار سلبية الجماهير، مادام لا يضمن تأييدها له. وعليه يصبح هدف النظام هو السيطرة على القوى السياسية الحية، والسيطرة على الجماهير وحبسها في حالة سلبية وعزلة عن المشاركة السياسية. لهذا نرى أن أهداف العمل السياسي تغيرت، ولم تعد المشاركة في الانتخابات من أجل الفوز بعدد من المقاعد، بل أصبح الهدف الأهم هو عملية التحريك السياسي، سواء للكوادر السياسية أو للجماهير، بهدف الضغط على حالة الاستبداد، حتى نصل لمرحلة يكون فيها الاستبداد الشامل صعبا، ثم يكون الاستبداد نفسه صعبا. بهذا المعنى لا يمكن اختيار بديل الفراغ السياسي، ويصبح البديل المناسب هو المشاركة والتحريك في كل انتخابات قادمة، وفي كل مناسبات أو ظروف سياسية مهمة
No comments:
Post a Comment