ولكن ماذا يريد الإخوان؟! بقلم حلمى النمنم المصري يوم ٣٠/٨/٢٠٠٧
في لقاء تليفزيوني أجري مؤخراً مع وزير خارجية تركيا «عبدالله جول»، حول الظروف التي تم فيها تأسيس «حزب العدالة والتنمية»، قال إنه كان هناك رأي بأن يحمل الحزب الجديد مسمي أو صفة إسلامية، لكنهم وجدوا أن إطلاق صفة إسلامي علي حزب في بلد معظم سكانه من المسلمين، يعني أن أعضاء الحزب وحدهم المسلمون وغيرهم ليسوا كذلك، لذا قرروا تجنب هذه الحالة واستقروا علي الاسم الحالي لحزبهم.
وأنا أستمع إلي «جول» قفزت إلي ذهني الحالة المصرية وتحديداً جماعة «الإخوان المسلمين»، لقد تأسست الجماعة سنة ١٩٢٨، وقبلها قامت جمعية الشبان المسلمين ففي ذلك الزمان وبعد سقوط الخلافة الإسلامية وانتشار جماعات التبشير في العشرينيات، كان مقبولاً أن تمر هذه التسمية لجماعة وعظية أو صوفية تدعو إلي مكارم الأخلاق، أما أن تكون لسان حال تيار سياسي، يسعي إلي الوصول للحكم فالأمر مختلف تماماً، وما أعنيه أن الحالة التركية لم تعرف الجمود ولا بكائيات الضحية، بل تواءمت مع ظروف وأحوال المجتمع التركي والدولة التركية أيضاً.
في مصر نري جماعة الإخوان تقف، حيث سنة ١٩٢٨ بظروفها وخلفياتها وكذلك مفاهيمها، وحين نشرت «المصري اليوم» مؤخراً مشروع برنامج حزب الإخوان، وجدنا البرنامج يتحدث عن «الولاية العظمي» وليس رئاسة الجمهورية، والمعني أن من وضعوا البرنامج وهم الأكثر تفتحاً في الجماعة مازالوا يقفون حتي بالمفردات والمصطلحات عند عصر مضي وانقضي بماله وما عليه، واستدعاء مفهوم «الولاية العظمي»، يعني إسقاط المفاهيم السياسية المعاصرة بدلالاتها وسياقاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية.
واليوم فإن الجماعة في حالة صدام حقيقي مع الدولة، وهذه ليست المرة الأولي، فقد وقع ذلك من قبل في عصر الملك فاروق ثم مع ثورة يوليو ١٩٥٢ وعبدالناصر وبعدها في عهد السادات وها نحن اليوم بإزاء المشهد نفسه، ربما بنفس الآليات والخطوات، حيث يحدث التقارب بين الجماعة والحكم، ولا نعرف أيهما يوظف الآخر ويستفيد منه وبه ثم يكون التباعد والانقضاض.
ساندوا الملك فاروق زمن إسماعيل صدقي ضد الوفد ثم حدث الانقلاب، الذي انتهي إلي اغتيالهم النقراشي، فكان الرد باغتيال المرشد المؤسس حسن البنا. وفي عصر ٢٣ يوليو، كان التقارب الشديد مع محمد نجيب وعبدالناصر وتم ضرب معظم القوي السياسية وكانوا هم في الصدارة ولنقل «علي الحجْر»، ثم حدث التباعد، الذي انتهي إلي المأساة في أكتوبر ١٩٥٤، حيث حاولت إحدي خلاياهم اغتيال عبدالناصر في المنشية، فرد عليهم بعنف أشد.
وفي السبعينيات تكرر المشهد، كان السادات كريماً معهم ولعبت وساطة الملك فيصل والشيخ كمال أدهم لهم لدي السادات دورها، والتقت مصلحته مع مصلحة الجماعة في إدانة عبدالناصر وعصره، وما إن انتهت المصلحة حتي دب الخلاف والشقاق، الذي انتهي علي النحو المعروف في ١٩٨١.
وفي العهد الحالي كانت سنوات الثمانينيات ومعظم التسعينيات وئاماً وكانت الاتصالات تتم وإن لم تكن علنية، وقد ذكر د. مصطفي الفقي شيئاً عن هذه الاتصالات كان هو طرفاً فيها، حين كان سكرتير الرئيس للمعلومات وتحدث د. عبدالحميد الغزالي من الجماعة هو الآخر عن اتصالات وتنسيق لهم مع د. فتحي سرور في انتخابات مجلس الشعب قبل الأخيرة، وها نحن اليوم نري الصفحة قد طويت وبدأ الصدام ونتمني ألا يصل إلي أكثر أو أعنف من ذلك.
والمعني في كل هذا أن الفريق الغالب في النخبة الحاكمة بمصر، أياً كانت طبيعة النظام ورأسه، لا يجد غضاضة في وجود الإخوان، والواضح أن تلك النخبة تري دوراً للجماعة، يظل في حدود العمل السياسي والاجتماعي كما ترسمه النخبة، فلا يكون لهم صدام مع القضايا الكبري ورؤوس النظام، باختصار - يكون ذلك الدور - كما قال لهم د. فتحي سرور ذات مرة «مشاركة لا مغالبة»، وأظن أن موقف الدولة واضح لم يتغير وقواعدها في التعامل لم تتغير وأجهزتها كما هي بأساليبها.
غير الواضح هو رؤية الجماعة لنفسها، فالإشارات تصدر متضاربة ومتناقضة، تتحدث الجماعة عن اقتناعها بالدورة المدنية وتداول السلطة لكن برنامجهم الذي نشر لايشي بذلك، فضلاً عن إشارات العنف بين حين وآخر، تأمل مشهد الميليشيات بجامعة الأزهر، ثم مساندتهم المطلقة لحماس، فيما تقوم به في غزة، رغم أن ما قامت به حماس، يكشف عن سلطة استبدادية ودموية في تصفية الخصوم والمخالفين، وتقول الجماعة إنها ليست في عداء مع النظام ثم يقول نائب المرشد د. محمد حبيب: «لقد اغتلنا النظام في انتخابات ٢٠٠٥» أي أن العملية ليست انتخابات واختياراً حراً، بل اغتيال وتصفية..
ولا يتحدث المرشد العام مهدي عاكف مرة إلا ويثير حوله القلق، ولنتذكر تصريحاته للدستور قبل فترة عن الأقباط وتصريحاته لـ«المصري اليوم»، عقب انتهاء المرحلة الأولي من انتخابات مجلس الشعب، سنة ٢٠٠٥، وكان في موقع النصر والظفر، حين راح يشيد برجال الأمن والقضاء والحكومة وقصر مشكلتهم علي المثقفين والإعلاميين الذين أطلق عليهم وصف «العلمانيين الملحدين»، أي أننا بإزاء جماعة تكفيرية وليست تياراً مدنياً سياسياً!
علي الجماعة أن تحدد ما تريده، لنفسها، أما أقوال حسن البنا، التي يقفون عندها من أنهم طريقة صوفية وجماعة خيرية وحزب سياسي و.... و.... فهذا يمكن أن يصلح في خطبة عامة أدبيات لإثارة الحماس، لكن لا يمكن أن يقوم عليه برنامج سياسي في مجتمع، يسعي إلي ضبط الحقوق والواجبات وإرساء الحريات العامة والخاصة.
في لقاء تليفزيوني أجري مؤخراً مع وزير خارجية تركيا «عبدالله جول»، حول الظروف التي تم فيها تأسيس «حزب العدالة والتنمية»، قال إنه كان هناك رأي بأن يحمل الحزب الجديد مسمي أو صفة إسلامية، لكنهم وجدوا أن إطلاق صفة إسلامي علي حزب في بلد معظم سكانه من المسلمين، يعني أن أعضاء الحزب وحدهم المسلمون وغيرهم ليسوا كذلك، لذا قرروا تجنب هذه الحالة واستقروا علي الاسم الحالي لحزبهم.
وأنا أستمع إلي «جول» قفزت إلي ذهني الحالة المصرية وتحديداً جماعة «الإخوان المسلمين»، لقد تأسست الجماعة سنة ١٩٢٨، وقبلها قامت جمعية الشبان المسلمين ففي ذلك الزمان وبعد سقوط الخلافة الإسلامية وانتشار جماعات التبشير في العشرينيات، كان مقبولاً أن تمر هذه التسمية لجماعة وعظية أو صوفية تدعو إلي مكارم الأخلاق، أما أن تكون لسان حال تيار سياسي، يسعي إلي الوصول للحكم فالأمر مختلف تماماً، وما أعنيه أن الحالة التركية لم تعرف الجمود ولا بكائيات الضحية، بل تواءمت مع ظروف وأحوال المجتمع التركي والدولة التركية أيضاً.
في مصر نري جماعة الإخوان تقف، حيث سنة ١٩٢٨ بظروفها وخلفياتها وكذلك مفاهيمها، وحين نشرت «المصري اليوم» مؤخراً مشروع برنامج حزب الإخوان، وجدنا البرنامج يتحدث عن «الولاية العظمي» وليس رئاسة الجمهورية، والمعني أن من وضعوا البرنامج وهم الأكثر تفتحاً في الجماعة مازالوا يقفون حتي بالمفردات والمصطلحات عند عصر مضي وانقضي بماله وما عليه، واستدعاء مفهوم «الولاية العظمي»، يعني إسقاط المفاهيم السياسية المعاصرة بدلالاتها وسياقاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية.
واليوم فإن الجماعة في حالة صدام حقيقي مع الدولة، وهذه ليست المرة الأولي، فقد وقع ذلك من قبل في عصر الملك فاروق ثم مع ثورة يوليو ١٩٥٢ وعبدالناصر وبعدها في عهد السادات وها نحن اليوم بإزاء المشهد نفسه، ربما بنفس الآليات والخطوات، حيث يحدث التقارب بين الجماعة والحكم، ولا نعرف أيهما يوظف الآخر ويستفيد منه وبه ثم يكون التباعد والانقضاض.
ساندوا الملك فاروق زمن إسماعيل صدقي ضد الوفد ثم حدث الانقلاب، الذي انتهي إلي اغتيالهم النقراشي، فكان الرد باغتيال المرشد المؤسس حسن البنا. وفي عصر ٢٣ يوليو، كان التقارب الشديد مع محمد نجيب وعبدالناصر وتم ضرب معظم القوي السياسية وكانوا هم في الصدارة ولنقل «علي الحجْر»، ثم حدث التباعد، الذي انتهي إلي المأساة في أكتوبر ١٩٥٤، حيث حاولت إحدي خلاياهم اغتيال عبدالناصر في المنشية، فرد عليهم بعنف أشد.
وفي السبعينيات تكرر المشهد، كان السادات كريماً معهم ولعبت وساطة الملك فيصل والشيخ كمال أدهم لهم لدي السادات دورها، والتقت مصلحته مع مصلحة الجماعة في إدانة عبدالناصر وعصره، وما إن انتهت المصلحة حتي دب الخلاف والشقاق، الذي انتهي علي النحو المعروف في ١٩٨١.
وفي العهد الحالي كانت سنوات الثمانينيات ومعظم التسعينيات وئاماً وكانت الاتصالات تتم وإن لم تكن علنية، وقد ذكر د. مصطفي الفقي شيئاً عن هذه الاتصالات كان هو طرفاً فيها، حين كان سكرتير الرئيس للمعلومات وتحدث د. عبدالحميد الغزالي من الجماعة هو الآخر عن اتصالات وتنسيق لهم مع د. فتحي سرور في انتخابات مجلس الشعب قبل الأخيرة، وها نحن اليوم نري الصفحة قد طويت وبدأ الصدام ونتمني ألا يصل إلي أكثر أو أعنف من ذلك.
والمعني في كل هذا أن الفريق الغالب في النخبة الحاكمة بمصر، أياً كانت طبيعة النظام ورأسه، لا يجد غضاضة في وجود الإخوان، والواضح أن تلك النخبة تري دوراً للجماعة، يظل في حدود العمل السياسي والاجتماعي كما ترسمه النخبة، فلا يكون لهم صدام مع القضايا الكبري ورؤوس النظام، باختصار - يكون ذلك الدور - كما قال لهم د. فتحي سرور ذات مرة «مشاركة لا مغالبة»، وأظن أن موقف الدولة واضح لم يتغير وقواعدها في التعامل لم تتغير وأجهزتها كما هي بأساليبها.
غير الواضح هو رؤية الجماعة لنفسها، فالإشارات تصدر متضاربة ومتناقضة، تتحدث الجماعة عن اقتناعها بالدورة المدنية وتداول السلطة لكن برنامجهم الذي نشر لايشي بذلك، فضلاً عن إشارات العنف بين حين وآخر، تأمل مشهد الميليشيات بجامعة الأزهر، ثم مساندتهم المطلقة لحماس، فيما تقوم به في غزة، رغم أن ما قامت به حماس، يكشف عن سلطة استبدادية ودموية في تصفية الخصوم والمخالفين، وتقول الجماعة إنها ليست في عداء مع النظام ثم يقول نائب المرشد د. محمد حبيب: «لقد اغتلنا النظام في انتخابات ٢٠٠٥» أي أن العملية ليست انتخابات واختياراً حراً، بل اغتيال وتصفية..
ولا يتحدث المرشد العام مهدي عاكف مرة إلا ويثير حوله القلق، ولنتذكر تصريحاته للدستور قبل فترة عن الأقباط وتصريحاته لـ«المصري اليوم»، عقب انتهاء المرحلة الأولي من انتخابات مجلس الشعب، سنة ٢٠٠٥، وكان في موقع النصر والظفر، حين راح يشيد برجال الأمن والقضاء والحكومة وقصر مشكلتهم علي المثقفين والإعلاميين الذين أطلق عليهم وصف «العلمانيين الملحدين»، أي أننا بإزاء جماعة تكفيرية وليست تياراً مدنياً سياسياً!
علي الجماعة أن تحدد ما تريده، لنفسها، أما أقوال حسن البنا، التي يقفون عندها من أنهم طريقة صوفية وجماعة خيرية وحزب سياسي و.... و.... فهذا يمكن أن يصلح في خطبة عامة أدبيات لإثارة الحماس، لكن لا يمكن أن يقوم عليه برنامج سياسي في مجتمع، يسعي إلي ضبط الحقوق والواجبات وإرساء الحريات العامة والخاصة.