Wednesday, August 01, 2007

الإخوان وفرصة 2005


الإخوان وفرصة 2005
د. رفيق حبيب : المـصـريون بتاريخ 31 - 7 - 2007
هناك الكثير من الجدل يدور حول القرارات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، والبعض يرى أن تلك القرارات ليست من العمق السياسي بالقدر الكافي، فالبعض يتحفظ على القرارات السياسية للجماعة، ويشكك في قدرة الجماعة على اتخاذ القرارات السياسية الصحيحة، كما أن البعض يرى أن الجماعة تفتقد للعقول السياسية، وأن الكوادر السياسية للجماعة قليلة ومحجمه. ومن الطبيعي أن يختلف المحللون حول قرارات جماعة الإخوان المسلمين السياسية، بل ومن الطبيعي أن تختلف الآراء حول قرارات أي قوة سياسية. وفي مصر لدينا مشكلة إضافية، وهي أن المشهد السياسي برمته يمثل حالة شاملة من الاستبداد الكامل، والمحصن بالإجراءات الأمنية. ولذلك يصعب الوصول إلى وسيلة لتحريك هذا الاستبداد أو مواجهته والحد منه، ولهذا تختلف الآراء كثيرا حول أنسب السبل للحد من الاستبداد ومواجهته، خاصة في ما يتعلق بموقف جماعة الإخوان المسلمين.لهذا نرى أهمية فهم القرارات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وأهمية الحوار حولها، بوصفها جزءا من منهج عمل الجماعة، فالوصول إلى المنهج الأفضل للعمل السياسي في ظل الاستبداد السياسي الراهن، يمثل بالنسبة لنا جميعا، الوسيلة المناسبة لمواجهة الاستبداد والقضاء عليه في النهاية. بالطبع هناك من يريد جر الجماعة إلى حرب طاحنة مع النظام تقضي عليها، وتفجر الأوضاع في البلاد، وهناك من يريد من الجماعة الانسحاب من الحياة السياسية، لأنه يرفض العمل السياسي للحركات الإسلامية. ونتصور أن القرار السياسي لجماعة الإخوان يمثل موضوعا مركبا وله العديد من الأبعاد، ولكنه يحتاج أيضا لاقتراب متتالي لفهمه والتفاعل معه، ولهذا نرى أن قرارات الجماعة في عام 2005، وهو ما سمي بعام الحراك السياسي في مصر، تمثل نموذجا مهما. وقد رأينا أن الجماعة كانت تعمل منذ عام 2004 لتحقيق تحالف بين القوى السياسية، وعندما بدأت مرحلة الحراك في عام 2005، تجاوبت الجماعة مع فكرة العمل المشترك، والتي تمثلت في تأسيس الجبهة الوطنية للتغيير، كما قامت الجماعة بتأسيس تحالف مرحلي سمي بالتحالف الوطني. وثبت من تلك التجارب، أن الجماعة لا تتأخر عن العمل المشترك، ولكن طبيعة العلاقة بينها وبين القوى الأخرى تواجه العديد من الصعوبات، أهمها اختلاف طبيعة الحركة، وهي حركة اجتماعية شاملة، متعددة الأدوار، وعدم اقتصار نشاطها على العمل السياسي، بالإضافة إلى أن الحركة لها وزنها الجماهير الكبير. وفي التحالفات السياسية تتعامل الحركة مع نخب سياسية، وحركات سياسية صغيرة، وأحزاب تقليدية، يغلب عليها العمل السياسي فقط، كما يغلب عليها محدودية الأعضاء والجماهير. ولم يستطع أحد حل تلك المشكلة، لأنها مرتبطة أساسا بطبيعة الأطراف المشتركة في العمل الجماعي، ولكن القرار الأساسي لجماعة الإخوان، كان الحفاظ على العمل المشترك بكل طريقة، رغم عدم قدرة الجماعة على مسايرة كل المقترحات السياسية، خاصة تلك المرتبطة بالتظاهر الجماهيري كوسيلة وحيدة وأساسية للوقوف ضد الاستبداد.وهنا نأتي للقضية المحورية، فقد قام الإخوان بمظاهرات حاشدة في 4 مايو عام 2005، وبعدها قاموا بعدد من المظاهرات الأخرى. والبعض يرى أن الجماعة فوتت فرصة الضغط على النظام، حيث كانت مساحة الحرية أو مساحة المتاح أكبر مما سبقها وما تبعها. وذلك رغم أن معتقلي الإخوان بسبب مظاهرات الرابع من مايو، وصلوا إلى ثلاثة آلاف معتقل. وكانت هناك آراء داخل الجماعة تحبذ الاستمرار في المظاهرات، وآراء أخرى ترى الاستمرار في مظاهرات صغرى، ثم التوقف. والسؤال هنا يدور حول أهمية التظاهر، والنتائج المتوقعة من خلاله. والبعض تصور أن المظاهرات تسقط النظام، وهذا لا يبدو حقيقيا، والبعض الآخر تصور أن النظام يمكن أن يخضع للمظاهرات ويأخذ بما تريده المعارضة في تعديل المادة 76 من الدستور، وهذا أيضا لا يبدو مرجحا. والمشكلة هنا تدور حول التوقعات من أي تصرف سياسي، فعندما نتصور أن المظاهرات في عام 2005 من قبل الإخوان كانت كفيلة بالحد من استبداد النظام أو الضغط عليه ليتحول إلى الديمقراطية، ينتج عن هذا لوم جماعة الإخوان المسلمين، لأنهم تراجعوا عن أداء هذا الدور. والحقيقة أن الصورة تظهر لنا الآن بصورة أفضل، فالمظاهرات أدت إلى تراجع قدرة النظام على السيطرة على الشارع وشجعت المصريين على التظاهر. والمظاهرات بالنسبة للإخوان، أدت أيضا إلى طرح دورهم المركزي في عملية الإصلاح، وتأكيد تواجدهم في الشارع المصري. وهنا نتصور أن جماعة الإخوان المسلمين، توقفت سريعا عن التظاهر، فقد كان يمكنها تكرار المظاهرات الحاشدة مرة أو مرتين. وكان هذا سيحقق لها عملية ردع للنظام، بتأكيد تواجدها الجماهيري، مما يفيدها في ما بعد انتهاء مرحلة الحراك السياسي، وعودة الاستبداد لسابق عهده، رغم أن ذلك كان سيؤدي إلى ارتفاع عدد المعتقلين والتأثير على كفاءة الجماعة في انتخابات مجلس الشعب. لهذا نرى أن القرار السياسي للجماعة، يبتعد في الغالب عن الأفكار الثورية، والتي تقوم على التغيير بالثورة، ويبتعد أيضا عن أفكار الانسحاب من الحياة السياسية، وهذا يمثل أسس المنهج السياسي للجماعة. وبهذا تأتي قرارات الجماعة في مساحة التغيير السلمي التدريجي المستمر. وهنا نلمح أن الجماعة تتحرك بحذر شديد، قد يكون أحيانا مؤثرا على مواقفها وقرارها، في حين أن العمل السياسي يحتاج لسرعة الحركة، وهذا الحذر ينتج من الحسابات المعقدة للجماعة، حيث أن تواجدها الاجتماعي الواسع يفرض عليها العديد من الحسابات. ونظن أن تلك النقطة تمثل واحدة من مواضع الجدل والخلاف داخل الجماعة وخارجها.

No comments: