Tuesday, August 07, 2007

المعونة الأمريكية والتمييز بين المسلمين والمسيحيين‏!

المعونة الأمريكية والتمييز بين المسلمين والمسيحيين‏!
‏بقلم : صلاح الدين حافظ
‏ هذا موضوع حساس يحتاج إلي تحقيق دقيق‏,‏ إن لم يكن من جانب الدولة فمن جانب المجتمع المصري‏,‏ بمنظماته ومؤسساته‏,‏ بمسلميه ومسيحييه‏.‏موضوع حساس لأنه يتعلق بأساليب انفاق الجزء الرئيسي من المعونة الاقتصادية الموجهة لمصر‏,‏ والتي يجري تخفيضها سنويا‏,‏ فصارت الآن نحو‏400‏ مليون دولار‏,‏ بعد أن كانت في التسعينيات‏815‏ مليون دولار‏,‏ لمن توجه‏,‏ ومن الذي ينفرد باختيار المشروعات التي تمولها‏,‏ وعلي أي أساس يتم اختيار هذه المشروعات وأصحابها‏..‏ علي أساس سياسي‏,‏ أم فكري‏,‏ أم عقائدي وديني‏!!.‏لقد تعرضنا في المقال السابق لاختراق المعونة الأمريكية للمنظومة الثلاثية لصناعة العقل وتوجيه الرأي‏,‏ وهي منظومة التعليم والإعلام والثقافة‏,‏ وقدمنا ما رأيناه محاولة أمريكية‏,‏ لتغيير العقول والأفهام والرؤي والأفكار‏,‏ وبالتالي المواقف والسياسات في مجتمعنا‏.‏اليوم نطرق اختراقا آخر له حساسيته المفرطة‏,‏ ولذلك طالبنا منذ البدء بضرورة التحقيق والتدقيق فيه‏,‏ ونعني أن المعونة الأمريكية أصبحت سلاحا لشق المجتمع المصري ولتغذية الفتنة الطائفية‏,‏ ولإثارة الشحناء بين المسلمين والمسيحيين‏,‏ من خلال التمييز بينهم والتفرقة علي أساس ديني‏,‏ عند تمويل المشروعات بالمعونة الأمريكية هذه‏!.‏والأمر جلل يستدعي التساؤل‏:‏ لماذا تتورط السياسة الأمريكية بهذا الشكل العلني الخطير في أدق علاقة بين مسلمي مصر ومسيحييها‏,‏ وصولا إلي تمييز بعض المسيحيين للاستفادة من هذه المعونة دون أقرانهم ومواطنيهم من المسلمين‏,‏ وهل هذه دعوة جديدة للكراهية تغطي بها أمريكا كراهية شعوب المنطقة لمجمل سياساتها وحروبها وانحيازاتها؟‏!.‏أمامي في هذا الأمر واقعتان‏..‏‏**‏ الواقعة الأولي‏,‏ حدثت في منتصف التسعينيات‏,‏ حينما جاءتني باحثة جامعية‏,‏ تستشيرني في رسالتها للماجستير‏,‏ وكانت حول تأثير المعونة الأمريكية علي مصر‏,‏ ولفت نظري أن الباحثة ذكرت أن أهداف المعونة الأمريكية وأساليب انفاق أموالها‏,‏ تثير مؤشرات سلبية في مصر‏,‏ واتفقت معها‏,‏ لكن ما صدمني حقا‏,‏ ذكرها أن هيئة المعونة الأمريكية في سبيل تحقيق أهدافها‏,‏ تفضل تمويل مشروعات صغيرة للشباب لإيجاد شريحة جديدة من الرأسماليين الجدد‏,‏ يكبرون يوما بعد يوم‏,‏ وقد وجدت ذلك مفهوما في إطار ما تفعله واشنطن لتغيير المجتمع المصري‏,‏ ودفعه نحو السوق الحرة واندماجه في العولمة‏.‏الذي صدمني هو ما ذكرته الباحثة‏,‏ من أن هيئة المعونة الأمريكية تفضل اختيار الشباب المسيحيين لتشجيعهم في هذا المجال‏,‏ وخصوصا أولئك الذين ينتمون لعائلات مسيحية مصرية قديمة ومعروفة‏,‏ ولأن الأمر خطير‏,‏ خصوصا في فترة التسعينيات حين كانت الهجمات الإرهابية والصدامات الطائفية ملتهبة‏,‏ فقد نصحتها بالتحقق من هذه المعلومات‏,‏ والأفضل عدم ذكرها تفصيلا‏,‏ حتي لا تساعد في تأجيج الفتنة الملتهبة‏,‏ وتتهم بالتعصب والتحريض ضد المسيحيين‏!.‏لكنها فاجأتني بأمرين‏,‏ أولا أخرجت من حقيبتها ورقة‏,‏ سجلت فيها‏84‏ اسما لشباب مسيحيين استفادوا من هذه المعونة‏,‏ وهم أضعاف من استفادوا من المسلمين‏,‏ وثانيا قالت لي لا تقلق فلن اتهم بالتعصب وإثارة المشاعر ضد هؤلاء الشبان المسيحيين‏,‏ لسبب بسيط هو أني مسيحية‏!!.‏‏***‏‏**‏ الواقعة الثانية‏,‏ مرت سنوات علي الواقعة الأولي‏,‏ سقطت من الذاكرة بحكم عوامل التعرية‏,‏ حتي تذكرتها من جديد قبل أيام قلائل‏,‏ حين قرأت في جريدة المصري اليوم ـ‏2007/7/10),‏ تقريرا منشورا علي نحو نصف صفحة‏,‏ بعنوان وثيقة أمريكية‏:‏ اتجاه لتركيز المعونة علي أماكن تجمع الأقباط في مصر‏..‏والتقرير منسوب إلي وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك‏,‏ تقول فيه إنها حصلت علي نص وثيقة مقدمة للكونجرس يقر فيها مسئول بارز بهيئة المعونة الأمريكية‏,‏ بأن واشنطن غيرت في السنوات الأخيرة‏,‏ هيكل المعونة المدنية ـ الاقتصادية لمصر‏,‏ لتركز بشكل غير مسبوق علي المناطق السكنية‏,‏ التي يمثل الأقباط أغلبية فيها‏,‏ وعلي ماسمته الوثيقة تقوية منظمات مسيحية غير حكومية‏.‏يضيف التقرير المنشور‏,‏ إن جيمس اركوندر مساعد مدير هيئة المعونة قدم هذه الوثيقة أمام اللجنة الفرعية لشئون الشرق الأوسط‏,‏ وأنها تضم عشر صفحات وصدرت بتاريخ‏17‏ مايو‏2006,‏ وجري تحديثها أخيرا‏.‏صدمتني المعلومات الواردة في الوثيقة المنشورة في صحيفة مصرية سيارة‏,‏ وتوقعت أن تحدث دويا‏,‏ وأن تنتفض الدولة والمؤسسات المصرية لتكذيبها‏,‏ أو أن يأتي التكذيب من أمريكا‏,‏ ولكن شيئا لم يحدث‏,‏ وظللت حريصا لأيام مضت علي التدقيق‏,‏ في كل ما ينشر في الصحف المصرية‏,‏ بتنويعاتها الثلاثة‏,‏ القومية‏,‏ والحزبية‏,‏ والخاصة‏,‏ لعلني أجد تعليقا أو تكذيبا أو تأكيدا‏,‏ فلم أجد ولم اسمع حسا ولا خبرا‏.‏ساعتها قلت لنفسي إن الوثيقة تحتمل الصحة والدقة‏,‏ أكثر مما تحتمل شيئا آخر‏,‏ ولذلك لجأ الجميع إلي مداراة الأمر رهانا علي أن الناس في بلادي عادة ما ينسون‏.‏الآن وجب علينا طرح هذه الواقعة الخطيرة علي الرأي العام‏,‏ لنكشف له كيف تلعب السياسة الأمريكية‏,‏ وبرامج معوناتها‏,‏ لعبا خطيرا في أدق علاقات ووشائج المجتمع المصري حين تفرق في الانفاق‏,‏ بين من هو مسلم ومن هو مسيحي‏,‏ بين تجمع قبطي وآخر‏,‏ وهي تفرقة لن تنتج إلا مزيدا من التمييز‏,‏ ومزيدا من الصراع والشحناء والصدام‏,‏ ولدينا منه ما يكفي‏..‏ فهل يكفي الصمت والمداراة انتظارا لكارثة‏,‏ أم علي الدولة المصرية سرعة التحقيق‏,‏ وحسم التمييز‏,‏ والاستقطاب‏,‏ ووقف التدهور واصطناع الصدام‏!.‏تقول الوثيقة نصا إن مشروعات هيئة المعونة الأمريكية في مجالات الصحة‏,‏ والتعليم‏,‏ والبنية التحتية‏,‏ وتنمية المجتمع المدني‏,‏ تعمل الآن في كل منطقة ذات نسبة سكانية قبطية كبيرة‏,‏ خصوصا في جنوب مصر والقاهرة والإسكندرية‏..‏ وتضيف في مكان آخر‏..‏ أعادت المعونة الأمريكية تأهيل وتوسيع محطات المياه في‏18‏ قرية من ذات النسبة السكانية القبطية الكبيرة‏,‏ وقد زادت نسبة التمويل للقري ذات النسبة القبطية الكبيرة‏,‏ لبرامج معالجة المياه وحدها‏,‏ علي‏200‏ مليون دولار خلال السنوات الخمس الماضية‏...‏اقتطفنا من الوثيقة معلومات أخري‏,‏ تقول إن هيئة المعونة قدمت‏12‏ مليون دولار لتجديد عشرات من الأماكن القبطية المقدسة في مصر‏,‏ مثل الكنيسة المعلقة‏,‏ وكنيسة مارجرجس‏,‏ وكنيسة سرجيوس وتقول المعلومات إن هيئة المعونة قدمت‏2,2‏ مليون دولار منحة لأربعين منظمة قبطية غير حكومية خلال السنوات الست الماضية‏,‏ دون علم الحكومة المصرية‏..‏‏***‏ثم تضيف الوثيقة المنشورة‏,‏ أن المعونة الأمريكية تقدم دعما مباشرا للمنظمات المسيحية التي تعمل في مجال تنمية المحليات‏,‏ وتقوية قادة هذا المجتمع عن طريق التعليم‏,‏ والقيادة والتدريب علي المهارات‏...‏إلخ‏.‏هذا إذن كلام منشور في صحيفة معروفة بدقة مصادرها‏,‏ منقول أو منسوب لوثيقة رسمية أمريكية قدمت للكونجرس‏,‏ لتشرح التوجهات الحالية والجديدة لهيئة المعونة الأمريكية في مصر‏..‏ كلام لم يكذبه أحد من قريب أو بعيد‏,‏ فهو لذلك يميل إلي أنه صحيح ودقيق‏,‏ وكان علينا أن نتعامل معه بهذا المعيار‏..‏وربما تدافع هيئة المعونة الأمريكية عن نفسها‏,‏ بتمييز المسيحيين عن المسلمين‏,‏ بأن المسيحيين مهمشون ومضطهدون‏,‏ كما تقول دوائر أمريكية كثيرة‏,‏ وكما تدعي منظمات أقباط المهجر‏,‏ غير أن الحقيقة أن التهميش قائم‏,‏ لكنه لا يفرق بين مصري وآخر علي أساس الدين‏,‏ وانظر إلي ملايين الفقراء وأغلبيتهم الساحقة بحكم عدد السكان من المسلمين‏.‏مثل هذه الادعاءات لا تصلح مبررا لهذا التمييز الأمريكي في أدق شئون حياتنا‏,‏ بل إن الأصل هو أن تكف أمريكا‏,‏ وسياساتها عن اختراق المجتمع المصري‏,‏ باغراءات المال‏,‏ وضغوط السياسة واغواء السلطة المنتظرة‏.‏وهذه سياسات نراها معادية لمصر‏,‏ ولغيرها من الدول التي تتكرر فيها هذه النماذج‏,‏ ونراها جزءا رئيسيا من سياسة الفوضي الخلاقة‏,‏ الهادفة إلي تقسيم بلادنا علي أسس طائفية ودينية وعرقية‏,‏ بإثارة الفتن‏,‏ وتأجيج المشاعر‏,‏ وإلهاب الأزمات‏,‏ بينما حكوماتنا لا تعمل بما فيه الكفاية‏,‏ لقطع الطريق ومعالجة الأزمات وتحقيق المساواة علي أساس المواطنة وإقامة دولة القانون والمؤسسات‏,‏ التي تطلق الحريات للجميع دون تمييز‏.‏نعم‏..‏ هذه سياسات أمريكية معادية‏,‏ تحتاج لمواجهة حاسمة ولوقفة جريئة تعرف الرفض‏,‏ وتستطيع أن تقول لا‏,‏ هذه سياسات ووقائع تستحق التحقيق علي أعلي مستوي‏.‏فإن لم تقم الدولة المصرية بمثل هذا التحقيق‏,‏ فإن علي منظمات المجتمع المدني الوطنية حقا أن تفعل الآن قبل الغد‏,‏ دفاعا عن حرية الوطن‏,‏ ووحدة شعبه‏!.‏‏***‏‏**‏ خير الكلام‏:‏ يقول عباس العقاد‏:‏لا تحسدن غنيا في تنعمهقد يكثر المال مقرونا به الكدر

No comments: