د. رفيق حبيب ـ المصـريون : بتاريخ 7 - 8 - 2007
الجدل الدائر حول دور الإسلاميين في العمل السياسي، وصل لمرحلة من التعقيد، بسبب وجود حيرة حول الاختيارات المختلفة للعمل السياسي أو الموقف من العمل السياسي. ولذلك من المهم البحث عن المشكلة، وسبب تعدد الآراء حول دور الإسلاميين في العمل السياسي. أعتقد أن المشكلة الأساسية في طبيعة البيئة السياسية في مصر والبلاد العربية، فهي تمثل المشكلة الأساسية، وليس طبيعة الحركات الإسلامية. فقد ثبت عبر الوقت أن الحركات الإسلامية تتغير وتتكيف مع الواقع بصورة أفضل من النخب السياسية الحاكمة، ومن البيئة السياسية بكل مفرداتها. وفي البداية كانت مشكلة الحركات الإسلامية أنها تريد العمل في المجال السياسي، ولكن خارج الإطار السياسي المتاح، وخارج إطار قواعد العمل الديمقراطي. وكانت رؤية الحركات الإسلامية للديمقراطية تقوم على أساس أنها جزء من النظام السياسي الغربي، وجزء من العلمانية. وتم حل هذه المشكلة من خلال قدرة الحركات الإسلامية على استيعاب أدوات الديمقراطية، حيث وجدت الحركات الإسلامية المعتدلة أن تلك الأدوات كافية لتحقيق اتفاق وإجماع الأمة، وكافية لتحقيق الشورى الملزمة. واستطاعت الحركات الإسلامية، والمفكرون الإسلاميون، التمييز بين الديمقراطية والعلمانية، والتمييز بين الديمقراطية والليبرالية، مما جعل الديمقراطية منهجا للعمل السياسي، وأداة التعددية والتداول السلمي للسلطة. وبهذا تم حل مشكلة الديمقراطية، ولكن البيئة السياسية والنخب الحاكمة لم تقبل بالحركات الإسلامية كمنافس لها. وبدأت تظهر تجارب متسامحة نسبيا مع الحركات الإسلامية، في بعض البلاد العربية مثل الكويت واليمن، وتجارب أخرى غير متسامحة مثل مصر، وتجارب للتراجع والتذبذب في التسامح مثل الأردن. وهنا أصبحت المشكلة في البيئة السياسية، لأنها بيئة غير ديمقراطية، وتعمل فيها حركات إسلامية أصبحت تتبنى آليات العمل الديمقراطي.
هذه المشكلة أثارت فكرة أن الصدام الحادث بين الحركات الإسلامية والأنظمة الحاكمة ليس في صالح الحركات الإسلامية، وربما ليس في صالح العمل الدعوي الإسلامي ككل. وتلك في الواقع مشكلة مهمة، فالحركات الإسلامية التي تقوم بالعمل السياسي تدفع ثمنا باهظا لهذا العمل، وفي نفس الوقت تطرح تلك الحركات الفكرة الإسلامية باعتبارها بديلا عن الأنظمة الحاكمة، مما يجعل الأنظمة الحاكمة تحاصر مجمل الفكرة الإسلامية، وليس فقط الحركات الإسلامية التي تعمل في المجال السياسي، بل وتلك الحركات التي تعمل في المجال الدعوي، والجمعيات التي تعمل في المجال الاجتماعي، خوفا من أن تكون تلك الحركات والجمعيات سندا للحركات التي تعمل في المجال السياسي. بل أن النظام الحاكم في مصر، وإتباعا لسياسة النظام التونسي، بدأ في حصار المساجد كلها، وحصار الخطاب الإسلامي الديني والدعوي، حتى لا يكون هذا الخطاب مصدرا لمعارضة إسلامية بأي صورة. ووصل النظام في النهاية إلى خلاصة، تتركز في أهمية سيطرة النظام على مجمل المجال الإسلامي، وتوجيه الدين الإسلامي لمصلحته، وحصاره حتى لا يكون مصدرا لأي معارضة ضده. وبهذا تعقدت المشكلة أكثر، حيث رأى البعض أن كل هذا الحصار بسبب الحركات الإسلامية التي تعمل في المجال السياسي، وعليه يصبح من الأفضل ترك المجال السياسي كاملا، وتفرغ كل الحركات والقوى والرموز الإسلامية للعمل الدعوي والاجتماعي، حتى يتاح لهم حرية الحركة الكاملة من أجل نشر الدعوة الإسلامية.
هنا علينا البحث في جدوى تلك الفكرة، فهي تعني أنه بعد عدة سنوات، سوف يقتنع النظام الحاكم في مصر بأن الحركات الإسلامية الوسطية، أصبحت حركات دينية فقط، وليس لها دور سياسي ويتركها تعمل. وهنا نلاحظ أنه ربما يتركها تعمل في المجال الدعوي، ولكن بدون تنظيمات لها هيكلها المحددة، وفي شكل عفوي. لأن النظام يرفض وجود تنظيمات مؤسسية، لأنها تمثل قوة يمكن أن تتحرك ضده في أي لحظة، أو تنافسه سياسيا. ثم سيكون من المهم لدى النظام مراقبة تلك الحركات الدعوية، والتأكد أنها لا تدعو لأفكار دينية تدين النظام الحاكم بأي صورة من الصور، أو حتى تدين الفساد المستشري في السلطة. ثم سيكون على تلك الحركات الدعوية، الدعوة لأهمية طاعة الحكام، وعدم الخروج عليهم. ثم سيكون على تلك الحركات، وكي تحمي ما حققته من انتشار دعوي، أو تؤيد ترشيح النظام الحاكم، خاصة في انتخابات الرئاسة. وهذه الصورة موجودة بالفعل، فالحركات الصوفية منتشرة في البلاد أكثر من غيرها من التيارات والحركات الإسلامية، والنظام يترك لها كامل الحرية للحركة، ولكنه يوظفها لصالحه، ولا تستطيع الحركات الصوفية أن تواجه النظام أو ترفض توظيفها، أو تدعي بعدها عن السياسة وترفض تأييد الحاكم عندما يطلب منها ذلك. لأنه إذا شعر النظام بأن الحركات الصوفية تحاول أن يكون لها استقلالها النسبي، سوف يعتبر ذلك من العلامات السلبية، والتي تجعله يغير سياسيته تجاه تلك الحركات. وهنا علينا ملاحظة أن الخطاب الإسلامي، عقيدة وشريعة، لذلك يحاول النظام السيطرة عليه، وليس فقط إبعاد الحركات الإسلامية عن العمل السياسي.
وأعتقد أن فكرة وجود حركات دعوية تحت سيطرة النظام ويوظفها النظام لن ترضي أحد. ولذلك نرى أن عمل الإسلاميين السياسي ضرورة، ولكن ليس كل الإسلاميين، فالعمل الدعوي ضرورة أيضا، والعمل الاجتماعي ضرورة أيضا، وتعدد الحركات الإسلامية وتعدد ما تختاره من مجالات للعمل أمر أساسي. ووجود حركات متخصصة في مجال ما، وحركات تعمل في العديد من المجالات، ومن بينها العمل السياسي، أو ليس من بينها العمل السياسي، مهم أيضا. فليس صحيحا أن تكون كل الحركات الإسلامية سياسية، ولا أن تهجر كل الحركات الإسلامية العمل السياسي. المطلوب هو تنوع الحركات وتنوع وسائلها، وصمودها في وجه النظام، حتى يكون تنوعها قوة لها، ويستحيل مع الوقت السيطرة الكاملة عليها.
No comments:
Post a Comment