فهمي هويدي ـ الشرق الأوســـــط
.
في حين تتجه أسهم التيار الإسلامي المعتدل الى الصعود في تركيا، وتشير الدلائل الى أنه بصدد تحقيق صعود مماثل، ولو بصورة نسبية، في المغرب، الذي تجري الانتخابات التشريعية فيه خلال الاسبوع المقبل، فإن الرياح في مصر تمضي في اتجاه معاكس تماماً حيث يبدو أن السلطة تعد لمواجهة شاملة ضد جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل الحركة الأهم لذلك التيار في العصر الحديث. أحدث حلقات تلك المواجهة أطلقت هذا الاسبوع، وتمثلت في المعلومات التي خرجت من وزارة الداخلية واتهمت قيادات الجماعة بالتحريض على اغتيال مسؤلين كبار في مصر، والتحضير لقلب نظام الحكم، والترويج لإشاعات التعذيب في السجون المصرية. وتوازت هذه التعبئة الإعلامية مع استمرار الاعتقالات لقيادات الاخوان، ومنع بعضهم من السفر الى الخارج، ومصادرة أموال وممتلكات آخرين من الأعضاء الذين وصفوا بانهم يمثلون قناة التمويل للجماعة.
والى جانب الاعتقالات، فإن المحكمة العسكرية المصرية تحاكم الآن بعض القياديين في الحركة بتهم مختلفة، وهذه الخطوات تلاحقت في أعقاب تمرير التعديلات الدستورية التي أدخلت على الدستور، وكان من بين أهم أهدافها إقصاء الاخوان تماماً، ومنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي والمشاركة في أية انتخابات مقبلة، وهي التعديلات التي تضمنت نصاً يحظر إقامة الأحزاب على أساس ديني، بل وممارسة أي نشاط سياسي على أساس ديني. والعبارة الاخيرة وسعت كثيراً من نطاق الحظر، بحيث شمل أي نشاط عام من خوض الانتخابات الى عقد الندوات الفكرية وإقامة المؤسسات الخيرية. تسوغ لنا هذه الاجراءات أن نقول إن المواجهة ضد حركة الإخوان الأكبر في نوعها منذ تأسيس الحركة عام 1928. ذلك أن المواجهات السابقة في العهد الملكي والمرحلة الناصرية والساداتية كانت تأديبية وقمعية في أحسن فروضها إثر عمليات الاغتيال التي قامت بها بعض عناصر التنظيم الخاص وأدت الى حل الجماعة سنة 1949. واثر محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر سنة 54 وقد كان حظهم من التأديب محدوداً في عهد الرئيس السادات، الذي أطلق سراح أعداد كبيرة منهم. ولكنه عاد واعتقل بعض قياداتهم ضمن حملة الاعتقالات الكبرى التي أمر بها أواخر عهده (عام 1981).
المواجهة الراهنة ذهبت الى أبعد أو يراد لها ذلك، حيث تشير مختلف الدلائل الى أنها تبدو استئصالية، وليست تأديبية أو قمعية. أعني أنها تستهدف شل حركة الجماعة إن لم يكن نفي وجودها وإلغائها تماماً، اذ أنها تحاصر الحركة من النواحي السياسية والقانونية والأمنية بما يقطع الطريق على أي تقدم لها. وليس سراً أن النص في التعديلات الدستورية الاخيرة على جواز إحالة المدنيين الى المحاكم العسكرية له هدف واحد هو أن يصبح القضاء العسكري سيفاًً يهدد الإخوان باستمرار، إذا ما حاولوا تجاوز القيود التي فرضت على حركتهم. وقد اتخذ هذا الإجراء لسد «الثغرة»: التي ترتبت على نظر قضايا الاخوان أمام القضاء المدني الذي كان يبرئ أكثرهم لضعف أدلة الاتهام.
في الوقت الراهن هنالك 300 من اعضاء الإخوان رهن الاعتقال، وهناك أربعون مقدمون الى المحاكم العسكرية. وما طال الأفراد انسحب على المؤسسات، حيث وضعت الحكومة المصرية يدها على المدارس التي أنشأها أعضاء الجماعة، وكذلك المؤسسات العلاجية. أما النقابات المهنية التي اعتاد الاخوان أن يحصلوا على الأغلبية فيها، فقد وضعت تحت الحراسة (نقابة المهندسين مثلاً). وبسبب القلق من فوز الاخوان في تلك النقابات، فقد عطلت الانتخابات في كافة النقابات المهنية (أكثر من 20 نقابة) ولم يسمح بإجرائها الا في نقابتين فقط (للمحامين والصحفيين) اطمأنت أجهزة الأمن إلى أن نفوذ الاخوان فيهما محدود بدرجة أو أخرى.
في متابعة عملية التصعيد من الملاحظ أن مؤشراتها بدأت في الظهور مع الانتخابات التشريعية التي تمت عام 2005، وبدا فيها أن نفوذ الاخوان يمكن أن يكون كبيراً على نحو يهدد الاغلبية الساحقة التي اعتاد ان يحصدها الحزب الوطني الحاكم. ولأن الانتخابات آنذاك تمت على ثلاث مراحل. ولاحت فيها احتمالات ذلك الفوز المغلق في المرحلتين الأولى والثانية، حيث حصل مرشحو الاخوان فيها على 76 مقعداً، فقد كثفت الاجهزة المعنية ضغوطها وتدخلاتها في المرحلة الثالثة، بحيث لم يحصل الاخوان الا على 12 مقعداً فقط، بحيث أصبح لهم 88 مقعدا في مجلس الشعب. ورغم التدخل الذي حدث، فإن عددهم تجاوز بمراحل ممثلي أحزاب المعارضة الاخرى في المجلس. وكانت المفارقة لافتة للنظر لأن الجماعة «المحظورة» حصدت هذا الرقم، بينما كل الأحزاب الشرعية (الوفد والتجمع) لم تحصل على اكثر من ثلاثة او اربعة مقاعد، هذا الوضع أقلق الجهات المعنية الى حد كبير. ولذلك فحين جرت انتخابات مجلس الشورى في شهر يونيو (حزيران) الماضي، لم يسمح لأي مرشح للإخوان بدخوله، منتخباً كان او معيناً.
في هذا الصدد، لا نستطيع أن نتجاهل الدور الذي لعبته الضغوط الدولية فيما بين عامي 2005 و2007. ففي ذلك الوقت المبكر نسبياً، كان الحديث عن ضرورة الالتزام بالتطبيق الديمقراطي يتردد بقوة، ولكن هذه اللغة اختلفت بعد ذلك سواء بعد الذي حدث في العراق ولبنان أو بعد فوز حركة حماس في فلسطين، لذلك فإن القدر النسبي من التسامح الذي حدث عام 2005 وأدى الى فوز الاخوان بـ 88 مقعداً لم يسمح للاخوان بالحصول ولو على مقعد واحد سنة 2007.
ولو ظهرت مؤشرات قلق الاجهزة المعنية مع فوز الاخوان في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 إلا أن مؤشرات المواجهة والصدام مع الجماعة لاحت في العام الذي يليه مباشرة حين برزت قصة مليشيات جامعة الازهر في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي قام فيها بعض طلاب الاخوان باستعراض احتجاجي داخل حرم الجامعة، وارتدى بعضهم ثياباً رياضية ووضعوا أقنعة على وجوههم، تشبهاً بعناصر المقاومة الفلسطينية. واثناء الاستعراض قاموا ببعض «العاب الكاراتيه». فتم تصويرهم وقدموا في الاعلام باعتبارهم مليشيات مسلحة، رغم أن التحقيق مع 150 منهم لم يثبت أن أحداً منهم حمل في يده عصا أو حتى موسى حلاقة. وكانت تلك التعبئة الاعلامية مقدمة لحملة ارتكزت على فكرة ان الاخوان يعدون العدة للانقضاض على السلطة وتغيير المجتمع بالقوة، وان المليشيات المذكورة مقدمة لذلك المخطط الشرير.
لماذا هذا التصعيد الذي يقترب من ذروته هذه الايام؟ هذا السؤال شغل عددا غير قليل من الباحثين الذين تعددت تعليقاتهم حول الموضوع في الصحف المستقلة والمعارضة واكثرهم طرحوا ثلاثة احتمالات؛ الاول أن نمو الجماعة اصبح يشكل منافساً للنظام القائم، وقد يرى فيه البعض بديلاً مطروحاً، في مرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك. ولذلك قررت الاجهزة الأمنية تشديد ضرباتها للجماعة لشل حركتها وتقويض بنيانها، بما يضعفها ويخرجها من دائرة البدائل المرشحة. الاحتمال الثاني ان تشديد الضربات الى الجماعة يجيء ردا على اعتزامها تشكيل حزب سياسي، نشرت بعض الصحف مسودته المقترحة، مما ازعج السلطات ودفعها الى اجهاض المحاولة. الاحتمال الثالث أن هذه الضربات متزامنة مع تجدد الحديث وتواتره حول توريث السلطة، وقد اعتبر توجيهها الى الجماعة في الوقت الحالي من مقتضيات تمهيد الطريق.
السؤال الآخر المثار في كتابات المعلقين والباحثين هو: هل من الممكن حقاً القضاء على الجماعة واستئصالها؟. ثمة اجماع على أن هذه العملية غير ممكنة، وأن فشل الضربات التي وجهت الى الاخوان خلال الثمانين عاماً الماضية دال على عمق حضورها في المجتمع، بل ذهب البعض الى ان هذه الضربات تقوي الجماعة ولا تضعفها، في الاقل من حيث انها تدفع الجماهير الى التعاطف معها باعتبارها ضحية للانظمة المتعاقبة.
بقيت بعد ذلك نقطتان مهمتان؛ الاولى ان الاخوان لم يثبت بحقهم اشتراك في اي مظهر من مظاهر العنف ضد السلطة طيلة الثلاثين عاما الاخيرة. وتوجه قيادتها نحو المشاركة السلمية اصبح موقفا استراتيجيا يحتاج الى رعاية وتشجيع. وهناك قلق حقيقي بين بعض قيادات الجماعة من خشية أن يدفع الاحباط بعض شبابها إلى اللجوء للتطرف ومقابلة العنف بعنف آخر لا تحمد عقباه. النقطة الثانية أنه ايا كانت ملاحظاتنا على برنامج الاخوان وأدائهم الا أن أحداً لا ينكر أن فكرهم يتطور ولو ببطء. وقد أثبتت التجربة أن الممارسة الديمقراطية هي من أفضل السبل لإنضاج الفكر وتطويره بما يجعله أكثر تجاوباً مع الواقع واحتراما له، وهو ما اثبتته التجربة التركية، التي مر الاسلاميون فيها بخبرة في العمل السياسي استمرت حوالي ثلاثين عاماً، قبل أن تنتهي بتشكيل حزب العدالة والتنمية، وفوزه الساحق في الانتخابات.
والى جانب الاعتقالات، فإن المحكمة العسكرية المصرية تحاكم الآن بعض القياديين في الحركة بتهم مختلفة، وهذه الخطوات تلاحقت في أعقاب تمرير التعديلات الدستورية التي أدخلت على الدستور، وكان من بين أهم أهدافها إقصاء الاخوان تماماً، ومنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي والمشاركة في أية انتخابات مقبلة، وهي التعديلات التي تضمنت نصاً يحظر إقامة الأحزاب على أساس ديني، بل وممارسة أي نشاط سياسي على أساس ديني. والعبارة الاخيرة وسعت كثيراً من نطاق الحظر، بحيث شمل أي نشاط عام من خوض الانتخابات الى عقد الندوات الفكرية وإقامة المؤسسات الخيرية. تسوغ لنا هذه الاجراءات أن نقول إن المواجهة ضد حركة الإخوان الأكبر في نوعها منذ تأسيس الحركة عام 1928. ذلك أن المواجهات السابقة في العهد الملكي والمرحلة الناصرية والساداتية كانت تأديبية وقمعية في أحسن فروضها إثر عمليات الاغتيال التي قامت بها بعض عناصر التنظيم الخاص وأدت الى حل الجماعة سنة 1949. واثر محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر سنة 54 وقد كان حظهم من التأديب محدوداً في عهد الرئيس السادات، الذي أطلق سراح أعداد كبيرة منهم. ولكنه عاد واعتقل بعض قياداتهم ضمن حملة الاعتقالات الكبرى التي أمر بها أواخر عهده (عام 1981).
المواجهة الراهنة ذهبت الى أبعد أو يراد لها ذلك، حيث تشير مختلف الدلائل الى أنها تبدو استئصالية، وليست تأديبية أو قمعية. أعني أنها تستهدف شل حركة الجماعة إن لم يكن نفي وجودها وإلغائها تماماً، اذ أنها تحاصر الحركة من النواحي السياسية والقانونية والأمنية بما يقطع الطريق على أي تقدم لها. وليس سراً أن النص في التعديلات الدستورية الاخيرة على جواز إحالة المدنيين الى المحاكم العسكرية له هدف واحد هو أن يصبح القضاء العسكري سيفاًً يهدد الإخوان باستمرار، إذا ما حاولوا تجاوز القيود التي فرضت على حركتهم. وقد اتخذ هذا الإجراء لسد «الثغرة»: التي ترتبت على نظر قضايا الاخوان أمام القضاء المدني الذي كان يبرئ أكثرهم لضعف أدلة الاتهام.
في الوقت الراهن هنالك 300 من اعضاء الإخوان رهن الاعتقال، وهناك أربعون مقدمون الى المحاكم العسكرية. وما طال الأفراد انسحب على المؤسسات، حيث وضعت الحكومة المصرية يدها على المدارس التي أنشأها أعضاء الجماعة، وكذلك المؤسسات العلاجية. أما النقابات المهنية التي اعتاد الاخوان أن يحصلوا على الأغلبية فيها، فقد وضعت تحت الحراسة (نقابة المهندسين مثلاً). وبسبب القلق من فوز الاخوان في تلك النقابات، فقد عطلت الانتخابات في كافة النقابات المهنية (أكثر من 20 نقابة) ولم يسمح بإجرائها الا في نقابتين فقط (للمحامين والصحفيين) اطمأنت أجهزة الأمن إلى أن نفوذ الاخوان فيهما محدود بدرجة أو أخرى.
في متابعة عملية التصعيد من الملاحظ أن مؤشراتها بدأت في الظهور مع الانتخابات التشريعية التي تمت عام 2005، وبدا فيها أن نفوذ الاخوان يمكن أن يكون كبيراً على نحو يهدد الاغلبية الساحقة التي اعتاد ان يحصدها الحزب الوطني الحاكم. ولأن الانتخابات آنذاك تمت على ثلاث مراحل. ولاحت فيها احتمالات ذلك الفوز المغلق في المرحلتين الأولى والثانية، حيث حصل مرشحو الاخوان فيها على 76 مقعداً، فقد كثفت الاجهزة المعنية ضغوطها وتدخلاتها في المرحلة الثالثة، بحيث لم يحصل الاخوان الا على 12 مقعداً فقط، بحيث أصبح لهم 88 مقعدا في مجلس الشعب. ورغم التدخل الذي حدث، فإن عددهم تجاوز بمراحل ممثلي أحزاب المعارضة الاخرى في المجلس. وكانت المفارقة لافتة للنظر لأن الجماعة «المحظورة» حصدت هذا الرقم، بينما كل الأحزاب الشرعية (الوفد والتجمع) لم تحصل على اكثر من ثلاثة او اربعة مقاعد، هذا الوضع أقلق الجهات المعنية الى حد كبير. ولذلك فحين جرت انتخابات مجلس الشورى في شهر يونيو (حزيران) الماضي، لم يسمح لأي مرشح للإخوان بدخوله، منتخباً كان او معيناً.
في هذا الصدد، لا نستطيع أن نتجاهل الدور الذي لعبته الضغوط الدولية فيما بين عامي 2005 و2007. ففي ذلك الوقت المبكر نسبياً، كان الحديث عن ضرورة الالتزام بالتطبيق الديمقراطي يتردد بقوة، ولكن هذه اللغة اختلفت بعد ذلك سواء بعد الذي حدث في العراق ولبنان أو بعد فوز حركة حماس في فلسطين، لذلك فإن القدر النسبي من التسامح الذي حدث عام 2005 وأدى الى فوز الاخوان بـ 88 مقعداً لم يسمح للاخوان بالحصول ولو على مقعد واحد سنة 2007.
ولو ظهرت مؤشرات قلق الاجهزة المعنية مع فوز الاخوان في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 إلا أن مؤشرات المواجهة والصدام مع الجماعة لاحت في العام الذي يليه مباشرة حين برزت قصة مليشيات جامعة الازهر في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي قام فيها بعض طلاب الاخوان باستعراض احتجاجي داخل حرم الجامعة، وارتدى بعضهم ثياباً رياضية ووضعوا أقنعة على وجوههم، تشبهاً بعناصر المقاومة الفلسطينية. واثناء الاستعراض قاموا ببعض «العاب الكاراتيه». فتم تصويرهم وقدموا في الاعلام باعتبارهم مليشيات مسلحة، رغم أن التحقيق مع 150 منهم لم يثبت أن أحداً منهم حمل في يده عصا أو حتى موسى حلاقة. وكانت تلك التعبئة الاعلامية مقدمة لحملة ارتكزت على فكرة ان الاخوان يعدون العدة للانقضاض على السلطة وتغيير المجتمع بالقوة، وان المليشيات المذكورة مقدمة لذلك المخطط الشرير.
لماذا هذا التصعيد الذي يقترب من ذروته هذه الايام؟ هذا السؤال شغل عددا غير قليل من الباحثين الذين تعددت تعليقاتهم حول الموضوع في الصحف المستقلة والمعارضة واكثرهم طرحوا ثلاثة احتمالات؛ الاول أن نمو الجماعة اصبح يشكل منافساً للنظام القائم، وقد يرى فيه البعض بديلاً مطروحاً، في مرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك. ولذلك قررت الاجهزة الأمنية تشديد ضرباتها للجماعة لشل حركتها وتقويض بنيانها، بما يضعفها ويخرجها من دائرة البدائل المرشحة. الاحتمال الثاني ان تشديد الضربات الى الجماعة يجيء ردا على اعتزامها تشكيل حزب سياسي، نشرت بعض الصحف مسودته المقترحة، مما ازعج السلطات ودفعها الى اجهاض المحاولة. الاحتمال الثالث أن هذه الضربات متزامنة مع تجدد الحديث وتواتره حول توريث السلطة، وقد اعتبر توجيهها الى الجماعة في الوقت الحالي من مقتضيات تمهيد الطريق.
السؤال الآخر المثار في كتابات المعلقين والباحثين هو: هل من الممكن حقاً القضاء على الجماعة واستئصالها؟. ثمة اجماع على أن هذه العملية غير ممكنة، وأن فشل الضربات التي وجهت الى الاخوان خلال الثمانين عاماً الماضية دال على عمق حضورها في المجتمع، بل ذهب البعض الى ان هذه الضربات تقوي الجماعة ولا تضعفها، في الاقل من حيث انها تدفع الجماهير الى التعاطف معها باعتبارها ضحية للانظمة المتعاقبة.
بقيت بعد ذلك نقطتان مهمتان؛ الاولى ان الاخوان لم يثبت بحقهم اشتراك في اي مظهر من مظاهر العنف ضد السلطة طيلة الثلاثين عاما الاخيرة. وتوجه قيادتها نحو المشاركة السلمية اصبح موقفا استراتيجيا يحتاج الى رعاية وتشجيع. وهناك قلق حقيقي بين بعض قيادات الجماعة من خشية أن يدفع الاحباط بعض شبابها إلى اللجوء للتطرف ومقابلة العنف بعنف آخر لا تحمد عقباه. النقطة الثانية أنه ايا كانت ملاحظاتنا على برنامج الاخوان وأدائهم الا أن أحداً لا ينكر أن فكرهم يتطور ولو ببطء. وقد أثبتت التجربة أن الممارسة الديمقراطية هي من أفضل السبل لإنضاج الفكر وتطويره بما يجعله أكثر تجاوباً مع الواقع واحتراما له، وهو ما اثبتته التجربة التركية، التي مر الاسلاميون فيها بخبرة في العمل السياسي استمرت حوالي ثلاثين عاماً، قبل أن تنتهي بتشكيل حزب العدالة والتنمية، وفوزه الساحق في الانتخابات.
No comments:
Post a Comment