..!بقلم د. سعيد اللاوندي ـــ الأهرام 23/4
أثارت قضية التجسس التي تورط فيها المهندس المصري محمد صابر, وقبله بأسابيع الطالب محمد العطار( لصالح إسرائيل), كثيرا من الشجون, لأنها تعني ـ ضمن ما تعني ـ أن الدولة العبرية لم تتخل بعد عن عقلية التآمر والتخابر والجوسسة المرتبطة بأجواء الحروب, والصراعات, واختراق العدو.. وفي هذا( إدانة كاملة) لمفردات السلام, وبناء الثقة, والتعايش التي لم نكف عن ترديدها طوال العقود الثلاثة الماضية حتي ليكاد يدرك المرء أننا أمام مسرحية هزلية, يقول أبطالها أشياء ويبطنون أشياء أخري..فالسلام الذي نردده, واخترنا أن يكون( خيارا استراتيجيا!) لا وجود له إلا في عقولنا والا فما معني أن ينشط جهاز الموساد الإسرائيلي بين أوساط المصريين المغتربين ليوقعهم في شراكه, ويجندهم ضد ذويهم وأوطانهم..وأحسب أن إسرائيل هي الخاسر الأكبر في هذه الجولة, لأنها تشكو من أن التطبيع مع مصر لا يتجاوز حدود المؤسسات الدبلوماسية الرسمية( كوزارات الخارجية والسفارات في البلدين), ولا وجود له بين فئات الشعب المصري, ومازلت أذكر المرارة التي كان يحدثني بها رئيس اتحاد المنظمات اليهودية في فرنسا بسبب عزوف المواطن المصري العادي عن التعامل مع كل ما هو إسرائيلي برغم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.!وفي ظني أن إسرائيل ـ بفعلتها هذه ـ إنما أكدت مجددا أن السلام الذي طالما تشدقت به, أصبح سلاما مفقودا, وهيهات أن يتحقق علي أرض الواقع مادامت ثقافة الحرب تسكن الذهنية الإسرائيلية.... شيء آخر يحضرني في هذا السياق, وهو أن وقوع شاب أو شابين أو ثلاثة في أحابيل الموساد الإسرائيلي لا يعني أن كل المصريين أصبحوا لقمة سائغة بين أسنان رجالات إسرائيل وأجهزتها الأمنية, فالمحقق أن هناك عشرات بل مئات من الشباب المصري الذي لم تنطل عليه هذه الألاعيب الصهيونية, ورفض ـ في عزة وإباء ـ أن يكون سوطا يلهب ظهور أهله, وأقرانه, وعشيرته مهما تكن الإغراءات التي يسيل لها اللعاب, وأقطع أن ثمة نماذج تفيض بالوطنية والوفاء والصدق كسرت أنوف نشطاء الموساد الإسرائيلي في أماكن كثيرة من العالم.. وثبت بالبرهان الساطع أن مصر وطن يعيش في صدور المصريين,( إن حلوا أو ارتحلوا), وسقوط شخص أو شخصين( مثل العطار وصابر) هو الاستثناء الذي لا يقبل التكرار.. ولعل هذه المفارقة التي نحياها في هذه الأيام تحمل كثيرا من الدلالات.. ففي الوقت الذي تحتفل مصر بعيد تحرير سيناء, تخرج علينا أنباء حول تورط هذا الشاب أو ذاك في قضية تخابر وجوسسة ضد بلده!!لكن للقضية بعدا آخر أحسب أنه قد آن أوان طرحه, وسبر أغواره, وهو يتعلق بالسؤال: ماذا حدث للانتماء, هل جفت منابعه في صدور شباب أرض الكنانة؟ أين المصدات الطبيعية التي عرفتها صدور المصريين ضد الغزاة, ومروجي الأكاذيب, والشائعات عبر العصور منذ أحمس ورمسيس الثاني, وحتي محمد علي وعبدالناصر..واذا لاحظنا أن شبكات الموساد لا تنشط إلا بين المصريين المغتربين في الخارج, فإن ذلك يفرض درجة قصوي من درجات المصارحة مع أنفسنا يلخصها السؤال التالي: ماذا أعددنا لمواجهة هذا الاستهداف الإسرائيلي بشبابنا في الخارج.. هل قمنا بتحصينهم نفسيا ووطنيا, أم تركناهم كريشة في مهب الريح؟واقع الحال أننا ـ في مصر ـ لم نلتفت الي ذلك في قليل أو كثير, وأكاد أقول إننا أسهمنا ـ عن عمد أو عن غير عمد ـ في أن نجعل أوساط المصريين في الخارج أشبه بقطعة الجبن المليئة بالثقوب, مما سهل اختراقها من جانب الأجهزة الأمنية والاستخباراتية, ومن بينها جهاز الموساد الإسرائيلي.. فماذا عسانا ننتظر من نتائج عندما ينهي الطالب الجامعي في مصر دراسته بعد أربع سنوات أو أكثر باقتناع مؤداه: ممنوع الحديث في السياسة؟ والأدهي من ذلك أن يعاقب اذا ثبت أنه جاهر برأي, أو دافع عن قضية..كان طبيعيا ـ والحال هذه ـ أن يخرج الي سوق العمل والحياة, في الداخل والخارج ـ شباب هش, ضعيف, لا تسكن روحه ثوابت ولا يعرف عقله يقينيات.. فكل شيء قابل للتصديق.. وبين دوائر التكوين الثقافي والعلمي للشاب المصري ضغط الموساد الإسرائيلي( وغيره) علي هذه الدائرة الأضعف داخل المواطن المصري والتي تزداد ضعفا وهوانا في أجواء الاغتراب( خارج مصر..).واذا أضفنا الي ذلك أن المواطن المغترب يشكو( مر الشكوي) من إهمال بلده له, فلا تهتم بقضاياه التي يفرزها واقعه الاغترابي مثل مشكلات أبنائه في تعلم اللغة العربية, والدين الإسلامي, ورغبته في التواصل مع الوطن ـ الأم, ويري أنها تتعامل معه وكأنه غائب أو ميت, فتحرمه من المشاركة السياسية التي هي من أخص خصوصياته كمواطن, ويتعمق احساس المغترب المصري بالتهميش عندما يجد أقرانه من المهاجرين العرب يشاركون في اختيار رؤسائهم ونوابهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانات العربية.. بينما( هو) لا يدري به أحد.... واذا انتقلنا الي دائرة أخري هي( دائرة الميديا) فسنجد أن كم المرارة سوف يزداد في الأفواه, لأن وسائل الميديا لا تضع المغترب المصري في حساباتها.. وكان الأولي أن يحاط هذا المسكين علما بكل ما يدور في مصر من أحداث مهمة من منطلق اقتناع مؤداه أنه معني بهذه الأحداث, وهو مشارك فيها وليس فقط مجرد متفرج, بكلمة أخري: إن هذا المواطن المغترب قد وقع ضحية مرتين, الأولي عندما تم تغييبه سياسيا( عن عمد) في الجامعة, بدعوي أن العمل السياسي في الجامعة حرام!!والثانية عندما تم اهماله( عن عمد أيضا) في غربته, وحرمانه من حد أدني من التثقيف السياسي, وسلبه حقه الدستوري في المشاركة السياسية..واذا اضفنا في الاعتبار أن المغتربين المصريين( وغيرهم) في دول أوروبا هم ضحايا آليات الاصلاح الاقتصادي التي لا تتوقف, وتعاني نسبة كبيرة منهم من البطالة, وتدني الدخول, وزيادة الأعباء الأسرية والاجتماعية.. لتبين لنا ـ بعد كل ذلك ـ أن أبناءنا في الخارج يشكلون ـ في مجموعهم ـ وسطا بيئيا تنمو فيه الطحالب الأمنية, وتنتشر بين أرجائه الفطريات الاستخباراتية, فالوعي السياسي غائب منذ نعومة أظفارهم, والمشكلات الحياتية تضغط علي رءوسهم بهمومها الأسرية والمهنية.. فضلا عن احساسهم القاتل بعدم الجدوي, فهم قوم زائدون عن الحاجة, لا أمل فيهم ولا مستقبل لهم!يبقي أن نذكر أن الحس الوطني السليم يمج( ويدين) الجرائم التي يتورط فيها بعض الشباب, لكن يجب ألا ننسي ـ ونحن نحاكمهم ـ أمرين:الأول: إن دأب الكيان الصهيوني علي أن يغرر ببعض من ضعاف النفوس يؤكد بما لا يدع مجالا للشك, أن الحديث, في الآونة عن السلام, إنما هو حديث إفك.. كما أن إسرائيل هي دولة تتأسس كما يقول روجيه جارودي بحق علي أساطير, ومن ثم فليست هي الشريك المناسب لاقامة( حالة سلام) اللهم إلا اذا شفيت أولا من( حالة الحرب) التي تعيشها في النوم والصحيان..الثاني: أن مسئولية الوطن ـ الأم( مصر) لا خلاف حولها, فالتهميش السياسي الذي مورس علي الشباب في الجامعة وإهمال واقعهم الاغترابي بكل ما فيه من تجاذبات واحباطات, ثم حرمانهم حق المواطنة والمشاركة السياسية.. كل ذلك يمثل مقدمات طبيعية لحصاد صعب نجنيه( شوكا) و(حنظلا) اليوم!
أثارت قضية التجسس التي تورط فيها المهندس المصري محمد صابر, وقبله بأسابيع الطالب محمد العطار( لصالح إسرائيل), كثيرا من الشجون, لأنها تعني ـ ضمن ما تعني ـ أن الدولة العبرية لم تتخل بعد عن عقلية التآمر والتخابر والجوسسة المرتبطة بأجواء الحروب, والصراعات, واختراق العدو.. وفي هذا( إدانة كاملة) لمفردات السلام, وبناء الثقة, والتعايش التي لم نكف عن ترديدها طوال العقود الثلاثة الماضية حتي ليكاد يدرك المرء أننا أمام مسرحية هزلية, يقول أبطالها أشياء ويبطنون أشياء أخري..فالسلام الذي نردده, واخترنا أن يكون( خيارا استراتيجيا!) لا وجود له إلا في عقولنا والا فما معني أن ينشط جهاز الموساد الإسرائيلي بين أوساط المصريين المغتربين ليوقعهم في شراكه, ويجندهم ضد ذويهم وأوطانهم..وأحسب أن إسرائيل هي الخاسر الأكبر في هذه الجولة, لأنها تشكو من أن التطبيع مع مصر لا يتجاوز حدود المؤسسات الدبلوماسية الرسمية( كوزارات الخارجية والسفارات في البلدين), ولا وجود له بين فئات الشعب المصري, ومازلت أذكر المرارة التي كان يحدثني بها رئيس اتحاد المنظمات اليهودية في فرنسا بسبب عزوف المواطن المصري العادي عن التعامل مع كل ما هو إسرائيلي برغم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.!وفي ظني أن إسرائيل ـ بفعلتها هذه ـ إنما أكدت مجددا أن السلام الذي طالما تشدقت به, أصبح سلاما مفقودا, وهيهات أن يتحقق علي أرض الواقع مادامت ثقافة الحرب تسكن الذهنية الإسرائيلية.... شيء آخر يحضرني في هذا السياق, وهو أن وقوع شاب أو شابين أو ثلاثة في أحابيل الموساد الإسرائيلي لا يعني أن كل المصريين أصبحوا لقمة سائغة بين أسنان رجالات إسرائيل وأجهزتها الأمنية, فالمحقق أن هناك عشرات بل مئات من الشباب المصري الذي لم تنطل عليه هذه الألاعيب الصهيونية, ورفض ـ في عزة وإباء ـ أن يكون سوطا يلهب ظهور أهله, وأقرانه, وعشيرته مهما تكن الإغراءات التي يسيل لها اللعاب, وأقطع أن ثمة نماذج تفيض بالوطنية والوفاء والصدق كسرت أنوف نشطاء الموساد الإسرائيلي في أماكن كثيرة من العالم.. وثبت بالبرهان الساطع أن مصر وطن يعيش في صدور المصريين,( إن حلوا أو ارتحلوا), وسقوط شخص أو شخصين( مثل العطار وصابر) هو الاستثناء الذي لا يقبل التكرار.. ولعل هذه المفارقة التي نحياها في هذه الأيام تحمل كثيرا من الدلالات.. ففي الوقت الذي تحتفل مصر بعيد تحرير سيناء, تخرج علينا أنباء حول تورط هذا الشاب أو ذاك في قضية تخابر وجوسسة ضد بلده!!لكن للقضية بعدا آخر أحسب أنه قد آن أوان طرحه, وسبر أغواره, وهو يتعلق بالسؤال: ماذا حدث للانتماء, هل جفت منابعه في صدور شباب أرض الكنانة؟ أين المصدات الطبيعية التي عرفتها صدور المصريين ضد الغزاة, ومروجي الأكاذيب, والشائعات عبر العصور منذ أحمس ورمسيس الثاني, وحتي محمد علي وعبدالناصر..واذا لاحظنا أن شبكات الموساد لا تنشط إلا بين المصريين المغتربين في الخارج, فإن ذلك يفرض درجة قصوي من درجات المصارحة مع أنفسنا يلخصها السؤال التالي: ماذا أعددنا لمواجهة هذا الاستهداف الإسرائيلي بشبابنا في الخارج.. هل قمنا بتحصينهم نفسيا ووطنيا, أم تركناهم كريشة في مهب الريح؟واقع الحال أننا ـ في مصر ـ لم نلتفت الي ذلك في قليل أو كثير, وأكاد أقول إننا أسهمنا ـ عن عمد أو عن غير عمد ـ في أن نجعل أوساط المصريين في الخارج أشبه بقطعة الجبن المليئة بالثقوب, مما سهل اختراقها من جانب الأجهزة الأمنية والاستخباراتية, ومن بينها جهاز الموساد الإسرائيلي.. فماذا عسانا ننتظر من نتائج عندما ينهي الطالب الجامعي في مصر دراسته بعد أربع سنوات أو أكثر باقتناع مؤداه: ممنوع الحديث في السياسة؟ والأدهي من ذلك أن يعاقب اذا ثبت أنه جاهر برأي, أو دافع عن قضية..كان طبيعيا ـ والحال هذه ـ أن يخرج الي سوق العمل والحياة, في الداخل والخارج ـ شباب هش, ضعيف, لا تسكن روحه ثوابت ولا يعرف عقله يقينيات.. فكل شيء قابل للتصديق.. وبين دوائر التكوين الثقافي والعلمي للشاب المصري ضغط الموساد الإسرائيلي( وغيره) علي هذه الدائرة الأضعف داخل المواطن المصري والتي تزداد ضعفا وهوانا في أجواء الاغتراب( خارج مصر..).واذا أضفنا الي ذلك أن المواطن المغترب يشكو( مر الشكوي) من إهمال بلده له, فلا تهتم بقضاياه التي يفرزها واقعه الاغترابي مثل مشكلات أبنائه في تعلم اللغة العربية, والدين الإسلامي, ورغبته في التواصل مع الوطن ـ الأم, ويري أنها تتعامل معه وكأنه غائب أو ميت, فتحرمه من المشاركة السياسية التي هي من أخص خصوصياته كمواطن, ويتعمق احساس المغترب المصري بالتهميش عندما يجد أقرانه من المهاجرين العرب يشاركون في اختيار رؤسائهم ونوابهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانات العربية.. بينما( هو) لا يدري به أحد.... واذا انتقلنا الي دائرة أخري هي( دائرة الميديا) فسنجد أن كم المرارة سوف يزداد في الأفواه, لأن وسائل الميديا لا تضع المغترب المصري في حساباتها.. وكان الأولي أن يحاط هذا المسكين علما بكل ما يدور في مصر من أحداث مهمة من منطلق اقتناع مؤداه أنه معني بهذه الأحداث, وهو مشارك فيها وليس فقط مجرد متفرج, بكلمة أخري: إن هذا المواطن المغترب قد وقع ضحية مرتين, الأولي عندما تم تغييبه سياسيا( عن عمد) في الجامعة, بدعوي أن العمل السياسي في الجامعة حرام!!والثانية عندما تم اهماله( عن عمد أيضا) في غربته, وحرمانه من حد أدني من التثقيف السياسي, وسلبه حقه الدستوري في المشاركة السياسية..واذا اضفنا في الاعتبار أن المغتربين المصريين( وغيرهم) في دول أوروبا هم ضحايا آليات الاصلاح الاقتصادي التي لا تتوقف, وتعاني نسبة كبيرة منهم من البطالة, وتدني الدخول, وزيادة الأعباء الأسرية والاجتماعية.. لتبين لنا ـ بعد كل ذلك ـ أن أبناءنا في الخارج يشكلون ـ في مجموعهم ـ وسطا بيئيا تنمو فيه الطحالب الأمنية, وتنتشر بين أرجائه الفطريات الاستخباراتية, فالوعي السياسي غائب منذ نعومة أظفارهم, والمشكلات الحياتية تضغط علي رءوسهم بهمومها الأسرية والمهنية.. فضلا عن احساسهم القاتل بعدم الجدوي, فهم قوم زائدون عن الحاجة, لا أمل فيهم ولا مستقبل لهم!يبقي أن نذكر أن الحس الوطني السليم يمج( ويدين) الجرائم التي يتورط فيها بعض الشباب, لكن يجب ألا ننسي ـ ونحن نحاكمهم ـ أمرين:الأول: إن دأب الكيان الصهيوني علي أن يغرر ببعض من ضعاف النفوس يؤكد بما لا يدع مجالا للشك, أن الحديث, في الآونة عن السلام, إنما هو حديث إفك.. كما أن إسرائيل هي دولة تتأسس كما يقول روجيه جارودي بحق علي أساطير, ومن ثم فليست هي الشريك المناسب لاقامة( حالة سلام) اللهم إلا اذا شفيت أولا من( حالة الحرب) التي تعيشها في النوم والصحيان..الثاني: أن مسئولية الوطن ـ الأم( مصر) لا خلاف حولها, فالتهميش السياسي الذي مورس علي الشباب في الجامعة وإهمال واقعهم الاغترابي بكل ما فيه من تجاذبات واحباطات, ثم حرمانهم حق المواطنة والمشاركة السياسية.. كل ذلك يمثل مقدمات طبيعية لحصاد صعب نجنيه( شوكا) و(حنظلا) اليوم!
No comments:
Post a Comment