شعبان عبد الرحمن المصريون : بتاريخ 23 - 4 - 2007
سماؤنا العربية الملبدة بسحابات الدكتاتورية الخانقة.. أحياناً تفاجئنا ببوارق أمل.. ولكن على فترات متباعدة. وأرضنا المشبعة بالكبت والجبروت حتى تصحرت سياسياً وإبداعياً.. أحياناً تفاجئنا بنبتة خضراء تشق الصخر، وتغالب التصحر والجدب.. لتبلغنا رسالة: اطمئنوا.. مازال هناك أمل في الحياة! أقول هذا الكلام بينما نشاهد من بعيد «بارقة أمل» عند شواطئ المحيط الأطلسي على أرض موريتانيا.. ذلك البلد الصغير( ثلاثة ملايين نسمة ) الذي وصفه أحد الرؤساء العرب «بأنه شعب قبلي.. لا يعرف شيئاً عن الانتخابات».. لكنه «عرف» ومارس الديمقراطية ونجح فيها. وقد عاش الشعب الموريتاني الخميس 19/ 4/ 2007 م يوماً من أندر أيامه؛ حيث تنفس الصعداء بعد طول عناء من الحكم العسكري الدكتاتوري الذي تتابع عليه وكبت على أنفاسه ما يقرب من نصف القرن.. هناك وعلي مقربة من الحدث مررت مرورا سريعا خلال جولة بالمغرب العربي .. وشاهدت أجواء جديدة .. لم يصدق الناس تماما أن بلادهم تشهد انتخابات حرة رغم انقضاء جولتين من الانتخابات.. ( 11مارس - 25مارس 2007م ) لكنهم تنفسوا الصعداء طويلا عندما وجدوا أن الأمر جد لا هزل وان الرئيس الجديد سيدي ولد الشيخ عبد الله ( الفائز بنسبة 52,85% من الأصوات) في طريقه الي قصر الرئاسة دون مشاكل بينما حزم العسكر حقائبهم وخرجوا مختارين مرفوعي الرأس من القصر إلي ثكناتهم . وبهذا يكون جنرالات موريتانيا بقيادة الجنرال " ولد فال " قد أكملوا المهمة بنجاح بعد الوفاء بما قطعوه على أنفسهم ــ يوم قاموا بانقلابهم «التصحيحي» في 3/8/2005م ــ بترك السلطة بعد 19 شهراً وإجراء انتخابات رئاسية حرة ؛ لتدخل موريتانيا عصراً جديداً بحق . ويبقى على المؤسسة العسكرية ــ ومعها الشعب «صاحب الكلمة الأولى اليوم» ــ الالتفاف حول ذلك الإنجاز الكبير الذي أنعش الحياة السياسية وأحيا الأمل، ودفع بهواء الحرية النقي إلى شرايين الحياة عامة.. يبقى عليهم أن يلتفوا حول ذلك المولود ليرعوه ويستميتوا في الدفاع عنه حتى ينمو ويكبر، وتكون موريتانيا منارة عند شاطئ الأطلسي بإذن الله.واعتقد ان الرئيس الجديد سيد ي ولدالشيخ عبد الله سيتمكن من تجاوز الصعاب المتراكمة في طريق قيادته للبلاد لسببين : الأول أن الرجل الذي تولي وزارة المالية في عهد ولد الطايع ذاق – مع غيره من الإصلاحيين - مرارة الاضطهاد والسجن لمدة ستة أشهر بسبب مواقفه الإصلاحية وعدم مجاراته لمفاسد النظام .الثاني : أن الرجل خبير اقتصادي كبير وقد أهلته تلك الخبرة للعمل كمستشار للصندوق الكويتي للتنمية لمدة ثلاث سنوات ( 1983- 1986م ) ثم مستشار لوزير الشؤون الاقتصادية بالنيجر عام 2003م وذلك اثر هروبه من موريتانيا خشية إعادة اعتقاله مرة أخري عقب احدي محاولات الانقلاب .إذا فالرجل ذو خبرة كبيرة بأهم ملفين في البلاد : ملف الحريات وملف الاقتصاد وهما أهم ملفين يعانيان الاحتقان والانهيار في أي نظام حكم مستبد وفاسد .أن ذلك الانجاز التاريخي الكبير الذي حدث في موريتانيا لم يحدث من فراغ، وإنما سبقه تاريخ طويل من التضحيات قدمه أولئك الذين يتنسمون اليوم نسمات الحرية.. قدموه من حرياتهم وقوتهم واستقرارهم.. وإن أقبية السجون والمعتقلات وغرف التحقيق تشهد على ما لحق بهؤلاء وفي القلب منهم الإسلاميون.. الشيخ محمد الحسن ولد الددو.. الداعية الكبير المحبوب الذي كاد يلقى حتفه في سجون الجنرال معاوية ولد الطايع، ومحمد جميل ولد منصور الذي عاش فترات طويلة من حياته بين سجون العسكر حيناً وسجون الغربة والتشرد أحياناً.. وغيرهما كثيرون من أبناء موريتانيا الشرفاء. إن العلاقة بين الحرية والاضطهاد أشبه بمعادلة رياضية.. فلا حرية بلا ثمن.. والثمن اضطهاد بكل ألوانه؛ بدءاً من التضييق حتى دفع الحياة ثمناً لها. وإن تجربة موريتانيا اليوم.. تحرج أنظمة دكتاتورية في المنطقة، وتجعل الكثير من العسكر الذين يُطْبِقون على رقاب العباد ويجثمون على أنفاس البلاد منذ سنوات طويلة، تجعلهم يطأطئون رؤوسهم حتى لا ترمق أعينهم ذلك المشهد الجليل، ولن تسعدهم أبداً تلك التجربة الموريتانية وربما يطيش صواب بعضهم فيحاول العبث هناك! وهكذا جاءت «بارقة الأمل» هذه المرة من موريتانيا.. بعد طول غياب دام أكثر من عشرين عاماً عندما قام المشير عبد الرحمن سوار الذهب بثورته التصحيحية في السودان في أبريل من عام 1985م... يومها وعد الشعب بتسليم السلطة بعد عام، وقد وفى الرجل وسلم السلطة لحكومة منتخبة ديمقراطياً.. وقد قال لي الرجل مرة : «كانت هناك محاولات من البعض لتزيد المدة لكننا أصررنا على ألا نزيد يوماً واحداً عما تعهدنا به».. يومها كان الحدث فريداً ومثار إعجاب واحترام الشعوب العربية، بل والعالم.. لكن سحائب الدكتاتورية النكدة واصلت تغطية سماواتنا عشرين عاماً، حتى جاءت البارقة من موريتانيا.. بعد طول غياب.ترى هل ننتظر عشرين عاماً أخرى حتى تأتي بارقة أخري .. ؟! كلنا أمل في حدوث المفاجأة الكبرى.. أن تطلع الشمس دون غياب. *shaban1212@hotmail.com
No comments:
Post a Comment