Monday, April 23, 2007

عــندما يصــبح الأصــولي ديمقراطيا‏

!!‏بقلم د‏.‏ عبد المنعم سعيد‏ ـ أهرام 23/4
قلت مرارا وتكرارا إن إصلاح السياسة في مصر سوف يكون ممكنا فقط عندما يتخلي الحزب الوطني الديمقراطي عن تقاليد الاتحاد الاشتراكي داخله‏,‏ ويتخلي عن اعتبار الديمقراطية‏'‏ مسيرة‏'‏ ممتدة و‏'‏مراحل‏'‏ متعددة و‏'‏أبوابا‏'‏ تتلوها أبواب‏,‏ و‏'‏خطوات‏'‏ تجري وراء خطوات أخري‏;‏ وعندما يكف التيار الإسلامي‏,‏ وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة والمشروعة في مقدمته‏,‏ عن خلط الدين بالسياسة وقلب عملية التشريع إلي فتوي وطرح ما لا يمكن رده باعتباره صحيح الدنيا والآخرة‏;‏ وعندما يقوم تيار ليبرالي علماني مدني حق يعرف كيف يقترب من الناس ويعبر عن مصالحهم ويقنعهم بفكرة التقدم الإنساني‏.‏ ولكن ما قلته وكررته لا يكفي ما لم يضاف له ما يخص الأطراف الثلاثة وهو أن العجز الديمقراطي في مصر لا يعود فقط إلي موقف الحكومة وحزبها وإنما يعود إلي شبكة معقدة من الأسباب نؤكد علي واحدة منها وهي أن المعايير الديمقراطية ينبغي لها أن تطبق علي كافة أطراف السياسة المصرية وليس طرفا واحدا منها حتي يعرف الجميع أن الإصلاح ما هو إلا عملية تخصه كما تخص كل الآخرين‏.‏ ولا يوجد في الساحة السياسية المصرية من يحق له أن يجلس في مجلس الواعظين والحكماء وموزعي النصائح ذات اليمين وذات اليسار‏,‏ فالبيوت كلها‏_‏ للأسف‏_‏ من زجاج وخزف‏!.‏وعلي سبيل المثال فإن النقد مشروع للتعديلات الدستورية الأخيرة التي قدمها الحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ سواء كانت كلها أو كما ركز البعض علي المادتين‏88‏ و‏179,‏ كما أنه مشروع تماما النقد علي أساس رفض الخلط غير المفيد بين الأمن والسياسة‏,‏ بل إنه يمكن التعجب وانتظار أحكام المحكمة الدستورية العليا لتحديد العلاقة بين المواد الأولي والثانية والخامسة من الدستور‏,‏ ولا بأس حتي من تحميل الحزب مسئولية كبيرة باعتباره الحزب الحاكم لعدد من العقود‏;‏ ولكن كل ذلك لا يكتمل ما لم ننظر علي الضفة الأخري حيث المعارضة التي تستخدم المسدسات في حسم خلافاتها‏,‏ أو تعتمد علي البلطجة في عقد انتخاباتها‏,‏ أو يطالب الجميع من أحزاب وجماعات سياسية بتدخل الدولة في كل شيء‏,‏ وفي حياة الناس من المهد إلي اللحد‏,‏ ثم بعد ذلك يطالبونها بالحياد السياسي والديمقراطية والمشاركة‏!.‏ولن تكتمل الصورة أبدا ما لم تصل نزاهة التحليل إلي الطريقة التي يدير بها التيار الأصولي الإسلامي حديثه عن الديمقراطية التي كان حتي وقت قريب يعتبرها جزءا من التراث الغربي العلماني المنحل الذي لم تصله بعد هداية النظام الذي يقوم علي الولاية العظمي‏.‏ والآن تغير الوضع‏,‏ وأصبحت انتخابات موريتانيا‏,‏ وخلافات الكونجرس الأمريكي مع البيت الأبيض بصدد العراق وغيرها من القضايا‏,‏ وخروج شيراك من قصر الإليزيه‏,‏ والخلافات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في أوكرانيا‏,‏ كلها أفراح تتناقض مع‏'‏ أتراحنا‏'‏ وأحزاننا علي أحوالنا الملطخة بالهباب‏.‏ هنا كان المثقف‏'‏ الإسلامي‏'‏ علي استعداد لبلع كل أنواع‏'‏ الزلط‏'‏ في الأمثلة التي ضربها مادامت الرسالة في النهاية هي النكاية في حالة النظام المصري‏;‏ فهو علي استعداد لاستبعاد استسلام السيدة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي للوبي الإسرائيلي مادامت المقارنة ستجرح في الأحوال القائمة‏,‏ بل إنه علي استعداد لتجاهل إشارات سابقة عن دور الولايات المتحدة في الثورة البرتقالية في أوكرانيا‏,‏ مادامت الرسالة في النهاية سوف تؤكد تقاعس المجالس المنتخبة والحسرة والحزن ولطم الخدود علي فساد الأحوال‏.‏كل هذه الأمثلة ديمقراطية بالفعل وتمثل نوعا من السياسة يحتذي بها تعبيرا عن تداول السلطة والتوازن بين السلطات بل والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن أصولهم كما يظهر من حالة نيكولا ساركوزي‏_‏ المرشح اليميني في الانتخابات الفرنسية‏-‏ الذي له أصول يونانية‏.‏ ولكن‏-‏ وتلك هي المعضلة‏-‏ أن أيا منها ليس النموذج الذي يطالب المثقف الاصولي بتطبيقه في مصر‏,‏ وعندما طرحت فكرة النص علي المواطنة كتعبير عن هوية الدولة المصرية جري صاحبنا إلي المماحكة بأن قاعدة المساواة مقررة بالفعل في الدستور‏,‏ ولكنه كان نفسه هو الذي استبعد فكرة حرية الاعتقاد علي أساس أنها لا تنطبق علي البهائيين‏,‏ بل وأكثر من ذلك كان هو الذي جري وراء عقد اتفاق مع إيران لمنع التبشير الشيعي أو السني بالتبادل بين بلدان الأغلبية السنية والشيعية‏,‏ بغض النظر عن حرية الاعتقاد والمساواة بين الأفراد‏,‏ وبغض النظر عما يعتقدون من مذاهب وفرق أو بغض النظر من أين جاءوا عربا أو عجما‏.‏ ومع التغاضي‏-‏ فقط لأغراض المساحة‏-‏ عن مشروعية قيام جماعة من الجماعات السياسية دون تفويض من أحد بالتفاوض مع دولة أجنبية‏_‏ إيران‏-‏ والوصول معها إلي اتفاق من ثماني نقاط‏_‏ كما ذكر الشيخ يوسف القرضاوي‏-‏ حول العلاقة بين الشيعة والسنة‏,‏ فإنه لا يوجد مبدأ ديمقراطي واحد يقول ببقاء أحوال الأقلية‏_‏ السنية أو الشيعية‏-‏ في البلاد الإسلامية علي ما هي عليه مهما يكن شكل الجبهة المراد تكوينها بين العرب وإيران لمناهضة الولايات المتحدة في المنطقة باعتبارها العدو الأول للجميع‏.‏هذه الأمثلة المذكورة في موريتانيا والولايات المتحدة وفرنسا وأوكرانيا موضع احتفال من المثقف الأصولي مادامت توضع في إطار التشكيك في شرعية السلطة المصرية القائمة‏,‏ ولكنه في الوقت نفسه سوف يتجاهل فورا أن أيا منها لا يتناسب مع نموذجه الخاص الذي يقوم علي أن‏'‏ الإسلام‏'‏ هو الحل‏.‏ وعندما تداعي عدد من المثقفين أثناء نظر التعديلات الدستورية وطالبوا بإعادة النظر في المادة الثانية من الدستور هبت قائمة المثقفين الأصوليين لا دفاعا عن الديمقراطية في صورتها الفرنسية أو الأمريكية أو الأوكرانية أو حتي الموريتانية‏,‏ وإنما في صورتها الإيرانية تحت حكم الخوميني أو صورتها السودانية تحت حكم الترابي‏.‏ وكان المحتفل بالنماذج الفرنسية والأمريكية والأوكرانية هو ذاته الذي اتهم المثقفين بزرع الفتنة والطائفية لأنهم تجاسروا علي اقتراح دولة تكون قاطعة المدنية ولا يوجد فيها لبس أو اختلاط حول أن السياسة هي صناعة بشرية خالصة‏,‏ وان الناس بالفعل أعلم بشئون دنياهم‏.‏وببساطة فإننا نحتاج نوعا من الأصالة الديمقراطية لدي التيارات السياسية كلها بحيث لا تستخدم الديمقراطية كطريقة للإحراج والإحباط والتدليس والغش السياسي‏,‏ أو الوصول للحكم باستبداد ديني اعتمادا علي استعارات من نظم سياسية واقتصادية لم تؤمن بها هذه التيارات يوما ما‏,‏ ولا هي علي استعداد للدعوة إلي تطبيقها في مصر‏.‏ ولا يجوز علي سبيل المثال أن يطرح أعضاء الإخوان في البرلمان أعداد السائحين في دولة الإمارات العربية للتدليل علي فشل السياسة السياحية في مصر بينما يعلم الجميع أنهم لن يقبلوا إطلاقا السياسة التي تعتمدها دولة الإمارات لجذب السائحين وفتح الأسواق بحيث تجتذب جنسيات وثقافات متنوعة هندية وروسية للبناء والترفيه‏.‏ ولا يجوز اعتبار دولة الخلافة الإسلامية مجرد التعبير العصري للإسلام والذي يماثل الوحدة الأوروبية بين دول وثقافات ومصالح متنوعة‏,‏ لأن صاحبنا الأصولي سوف يكون أول من يدفع عند كل منحني من منحيات السياسة بالخصوصية الثقافية‏,‏ والهوية السياسية‏,‏ والذاتية الحضارية‏,‏ التي لا تلتقي مع أحد إلا علي طريقة الدولية الإسلامية لجماعات وحركات سرية وعلنية‏.‏ كما لا يجوز اعتبار‏'‏ النقاب‏'‏ مجرد لبس قومي مثله مثل الساري الهندي‏,‏ لأن هذا وذاك له تعبيرات مختلفة في النظر إلي المرأة ومدي اعتبارها جزءا من التراث الوطني أو أنها أساس متحرك للفتنة والغواية‏.‏ كما لا يجوز اعتبار هذا وذاك يدخلان في نسيج نفس الدولة المدنية القائمة علي المعرفة بالأشخاص في هويات ووثائق وسجلات لا يصح معها الإخفاء أو التخفي‏.‏وقد كنت ممن استبشروا خيرا بالإعلان عن تكوين حزب مدني للإخوان المسلمين‏,‏ وظننت أن الحوار الوطني قد أسفر في النهاية عن صيغة جديدة للإخوان تقربهم مما يدعونه أحيانا عن المشابهة مع الأحزاب المسيحية الديمقراطية حيث يكون الدين مرجعية للأخلاق العامة وليس للسياسة العملية‏.‏ ولم أكن ممن انزعجوا بالإعلانات المتضاربة حول الحزب من قبل قياداته المختلفة‏,‏ فالجماعة في النهاية كائن سياسي حي يتأثر ويتفاعل مع التيارات السياسية المختلفة‏,‏ ويصح عليه كما يصح عليها من الاختلافات وتباين الرؤي‏.‏ ولكن المفاجأة وخيبة الأمل جاءت مع إعلان الجماعة أنها سوف تدخل انتخابات مجلس الشوري تحت شعار الإسلام هو الحل وبنفس السيوف والرموز الدينية التي لا يمكن الاختلاف معها في ساحة السياسة ويصبح معناها السياسي والعملي مرتبط بما يدور في أذهان أصحابها من حلال أو حرام وليس بين الصواب والخطأ والممكن وغير الممكن كما يحدث بين بني البشر‏.‏ وفي الحقيقة أن الدولة التي تقوم فيها السياسة علي شعار الإسلام هو الحل لا تحتاج إلي ديمقراطية‏,‏ ولا تحتاج إلي انتخابات‏,‏ ولا تحتاج إلي برلمان‏,‏ وإنما تحتاج إلي جماعة من الفقهاء وأهل الحل والعقد الذين يصطفيهم أمير المؤمنين أو مرشد الجماعة أو القائد الأعلي‏,‏ ومعهم جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تضرب الناس بالمقارع حتي يفيئوا إلي أمر الله حسب ما تحدد الجماعة وتري‏.‏ وتلك هي المسألة‏,‏ فمن أراد الديمقراطية فعليه تبنيها حقا كما هي‏,‏ ولا يأخذها مطية لأغراض ونماذج سياسية أخري بينها وبين الاستبداد علاقات وثيقة‏!.‏
‏amsaeed@ahram.org.eg

No comments: