Monday, April 23, 2007

فكرة المراجعات لدي القوي السياسية المصرية


فكرة المراجعات لدي القوي السياسية المصرية
بقلم ضياء رشوان ـ المصري يوم : ٢٣/٤/٢٠٠٧

تلفت ظاهرة المراجعات ـ التي بدأتها الجماعة الإسلامية المصرية قبل سنوات سبع تقريباً، وتواصلها اليوم جماعة الجهاد ـ النظر نحو مناقشة موضع فكرة «المراجعات» لدي القوي السياسية الرئيسية في بلادنا، والمراجعات في حالة الجماعتين ينصرف معناها إلي إعادة قراءة مزدوجة، الأولي للأفكار التي كانتا تتبنيانها في الماضي،
والثانية لهذا الماضي نفسه وما قامتا به فيه من أعمال وممارسات، صارت اليوم جزءاً من التاريخ، وهذه الإعادة المزدوجة للقراءة التي قامت بها الجماعتان تضمنت بداخلها عمليتين سارتا بشكل متواز ومتداخل وكانت حصيلتهما هي ما صرنا نطلق عليه «المراجعات»: الأولي هي النقد العميق والجذري لأفكار الماضي وممارساته، والثانية هي صياغة نسق فكري وأيديولوجي جديد منقطع الصلة بالقديم تبنته الجماعتان وصار هو المحدد لحركتهما في الحاضر والمستقبل،
هذا المعني المركب متعدد المستويات للمراجعات التي قامت وتقوم بها الجماعتان الإسلاميتان الأكبر في تاريخ العنف الديني في مصر هو الذي أعطي لتلك العملية أهميتها وتأثيراتها البالغة علي مسارهما ومسار المجتمع المصري كله، وهو ما قد يمتد إلي حركات إسلامية أخري مشابهة لهما علي مستوي العالم.
وبالعودة في ظل ذلك إلي التساؤل الرئيسي هنا وهو حول موضع فكرة المراجعات بالمعني المذكور سابقاً لدي القوي السياسية الرئيسية في مصر، نكتشف أنها حتي اليوم غير متحققة عند بعض تلك القوي بنفس الأبعاد والمستويات التي تحققت بها لدي الجماعتين الإسلاميتين العنيفتين سابقاً، أو أنها لم توجد قط لدي بعض القوي السياسية الأخري، والنظرة العامة لتلك القوي السياسية الرئيسية وفق ذلك المفهوم المركب للمراجعات، يكشف ربما حقائق قد تبدو غريبة بالنظر لما هو معروف وشائع حول طبيعة تلك القوي بالمقارنة ببعضها البعض، وقبل الدخول إلي تفاصيل الخريطة الأولية للمراجعات لدي القوي السياسية المصرية الرئيسية
، فمن المهم الإشارة إلي ملاحظة رئيسية تتعلق بها جميعاً، وهي أن صدور المراجعات عن الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد ككيانات تنظيمية وسياسية كاملة لم يتكرر بنفس الصورة، ولا قريب منها في حالة أي قوة سياسية أخري في مصر، وظلت المراجعات الجزئية التي أجريت تعبر دوماً إما عن أفراد أو مجموعات وأجنحة منتمين لتلك القوي الرئيسية، وتوضح تلك الخريطة الأولية أنه بالنسبة للمستويين اللذين تتم المراجعات عبرهما، أي الأفكار والممارسات العملية في التاريخ السابق، فإن القوة الأكبر في مصر،
أي الإخوان المسلمون، قد قامت كجماعة بمراجعة بعض أفكارها علي مراحل زمنية بعيدة وإن اقتصرت دوماً علي العملية الثانية في المراجعة، أي صياغة أفكار أخري مختلفة دون التطرق للعملية السابقة عليها وهي النقد الواضح للأفكار القديمة، وعلي المستوي الثاني الخاص بالتاريخ السابق، يبدو واضحاً أن الإخوان المسلمين لم يوجهوا ـ كأفراد أو كجماعة ـ أي نوع من نقد أو إعادة بناء لوقائع وممارسات الماضي الذي ظل يقدم دوماً بداخل الجماعة باعتباره أبيض كله لم تشوبه شائبة.
وبالانتقال إلي الضفة الأخري، حيث تيار اليسار المصري بمختلف تنويعاته نكتشف أنه علي المستوي الفكري جرت بعض المراجعات المهمة، قام بالأغلبية الساحقة منها أفراد أو مجموعات صغيرة منتمين لهذا التيار في حين غابت عنها التنظيمات والجماعات الرئيسية التي يضمها، وتميزت مراجعات اليسار هذه بشمولها عمليتي النقد والبناء في نفس الوقت، وإن لم تصل إلي حد صياغة هياكل فكرية يسارية جديدة كاملة تحل تماماً محل القديمة،
أما علي المستوي التاريخي العملي، فقد غابت أيضاً بصفة عامة عمليتا النقد والبناء لماضي مختلف جماعات وتنظيمات اليسار وظل المهيمن علي رؤيته هو تلك النظرة لها كضحية لأطراف عديدة في ذلك الماضي في مقدمتها الدولة، وإن لم يمنع ذلك من وجود كتابات يسارية عديدة اهتمت أكثر بإعادة قراءة ماضي الجماعات والمجموعات اليسارية الأخري وبالتركيز علي التقويم السياسي والأمني لها، وغير بعيد عن معسكر اليسار يبدو الناصريون في وضع أكثر تقدماً علي صعيد المراجعات، فعلي المستوي الفكري برزت مراجعات عديدة للأفكار الناصرية التقليدية تضمنت عمليتي النقد لبعضها ومحاولة بناء أنساق فكرية جديدة تقف علي نفس الأرضية القومية اليسارية الواسعة وإن جاوزت الرؤية القديمة في كثير من الجوانب،
أما علي مستوي التاريخ السابق، فقد اعتبر الناصريون بمختلف فرقهم ومجموعاتهم ـ بوعي أو بدون وعي ـ أن مرحلة الحكم الناصري تخصهم مباشرة حتي لو لم يشارك أحد منهم فيها، ومن هنا فقد برزت بداخلهم محاولات عديدة لمراجعة تلك المرحلة بالنقد وإعادة النظر والبناء وهو ما أدي في بعض الأحيان إلي إغضاب ناصريين آخرين رأوا أن تلك المراجعة التاريخية وما تحمله من نقد تمثل افتئاتاً علي المرحلة الناصرية وإنجازاتها الكبري.
ونصل في النهاية إلي التيار الليبرالي، لنكتشف أنه أقل التيارات المصرية مراجعة لنفسه سواء علي صعيد الأفكار أو التاريخ والممارسات، فبالرغم من وجود حالة من التجديد الفكري بداخل هذا التيار نتجت عن تلقيحه بأفكار ليبرالية جديدة غالبيتها الساحقة مستمدة من الخبرات الغربية الحديثة،
فإن ذلك لم يترافق مع نقد جاد للأفكار القديمة أو بناء نسق فكري جديد متكامل بديل للقديم، وعلي المستوي التاريخي، يصعب تذكر أعمال كبري قام فيها ليبراليون مصريون بنقد تاريخهم وممارساتهم في الماضي، وظلوا يفعلون مثل الإخوان المسلمين بالضبط، حيث التاريخ الأبيض الناصع الذي لا تشوبه شائبة

No comments: