Tuesday, April 24, 2007

الحجر والصولجان.. عهد مبارك وزمن المماليك


بقلم د.عمار على حسن المصري يوم ٢٤/٤/٢٠٠٧
كثيرة هي المقولات والتصورات والآراء التي قارنت بين عهد حكم الرئيس حسني مبارك وفصول من زمن المماليك، فالقواسم المشتركة بين العهدين واضحة جلية للعيان، وفي مطلعها حال التردي العام في مجالات شتي، وتعدد أجنحة السلطة، وتغولها، وتحول الدولة إلي ممارسة «الجباية» في أقصي صورها، وتوحش جهاز الأمن إلي أقسي صوره، وتحول مصر إلي «دولة ريعية»، وتراجع مكانتها ودورها، وتداعي الأمم عليها، طمعاً فيها تارة، وغبنا من تخاذلها تارة أخري، علاوة علي وجود فصام تام بين الناس والسلطان، فكل في واد، بعد أن وهنت الخيوط وضعفت الخطوط التي تربط الاثنين، صعوداً وهبوطاً.
وكنت أحسب أن مجال المقارنة بين العهدين، يقف عند هذا الحد، حتي وقع في يدي كتاب «الحجر والصولجان: السياسة والعمارة الإسلامية» للدكتور خالد عزب، فوجدت بين سطوره دلائل ناصعة علي تطابق العهدين في مجال العمارة والزخرفة، رغم أن الكاتب لم يعنه أبداً عقد هذه المقارنة، أو ذكر ما يدل عليها صراحة في أي موضع من المواضع، تاركاً المجال لأي لبيب أو أريب تكفيه الإشارة كي يفهم في أي زمن نعيش الآن، وفي المقابل انشغل الكاتب بجوانب أخري غاية في الأهمية من قبيل «السياسة الشرعية وفقه العمارة» و«بنية ومستويات العمارة الإسلامية» و«رمزية مقر الحكم والتحول السياسي في العالم الإسلامي» و«المهندس ودوره بين العمارة الإسلامية والعمارة المعاصرة».
فالكاتب يقول: «كان المماليك من أكثر الفئات حباً للعمارة، ولما كانوا في الأصل ظاهرة سياسية، فقد كان للسياسة دور في تشجيعهم علي تشييد المنشآت»، ثم يشرح في موضع آخر كيف أن العمارة المملوكية خلت في الغالب الأعم من «المضمون الحضاري» وركزت علي «المضمون السلطوي السياسي»، وكيف أنها اهتمت بالزخرف، وغالت في فنون التشييد، ليس في القصور الفخمة والصروح الضخمة فحسب، بل حتي في المدارس والأسبلة والبيمارستانات والأضرحة إلي الدرجة التي دعت المقريزي شيخ مؤرخي مصر المملوكية إلي استعارة أبيات شعر للتعبير عن هذه الحال المعوجة تقول: (أري أهل الثراء إذا توفوا.. بنوا تلك المقابر بالصخور/ أبوا إلا مباهاة وتيها.. علي الفقراء حتي في القبور).
وفي زماننا هذا نجد من المسؤولين من يتطاول في البنيان، ويغالي في الزخرفة والزينة، لبعض المنشآت الحكومية، ظناً منه أن «المباني» وليست «المعاني» هي دليل التطور والتحضر، وسأشير هنا إلي حالات محددة، علي سبيل المثال لا الحصر، فوزير الإعلام السابق صفوت الشريف طالما شيد مباني واستديوهات، وبلطها بالرخام الفاخر، ووضع علي واجهاتها لوحات الجرانيت المحفور عليها اسم الرئيس واسمه، وراحت آلته الدعائية ذات المستوي المهني المتدني، تتحدث عن الريادة الإعلامية، إلي الدرجة التي ربط فيها الرئيس نفسه بين ضخامة المنشآت الإعلامية ونجاح الدور الإعلامي، الأمر الذي تجلي في تعليقه علي مبني قناة الجزيرة حين طلب رؤيته خلال زيارة له لقطر بقوله: «هي دي الجزيرة اللي عاملة كل المشاكل دي»، فقد صور له الشريف أن الإعلام يكون رائداً وقائداً بقدر عدد طوابق مباني التليفزيون والإذاعة وأكاديميات الإعلام.
واستدان رجل السلطة سمير رجب من البنوك، رغم أن مؤسسته مثقلة بالديون ليبني صرحاً حجرياً في شارع رمسيس لمؤسسة دار التحرير، من دون أن يفكر في أن ينفق علي التدريب مليماً واحداً، ولا اهتم بتطوير مضمون صحيفته، حتي وصلت معه إلي أدني مستوي لها، فلما اكتمل المبني العالي الفخم، راح يتحدث بملء فمه عن التحديث والتطوير، وينفق أغلب الوزراء والمسؤولين علي تجهيز مكاتبهم أموالاً طائلة، في دولة تئن تحت وطأة الديون الداخلية والخارجية، ويعيش أغلب موظفيها تحت خط الفقر.
وفي عهد الرئيس مبارك تضاعفت عزب الصفيح والعشش وأحزمة الفقر حول المدن، بينما أنفقت مصر مئات المليارات من الدولارات علي المباني الفخمة، من فيلات وقصور وشاليهات، تراصت بالقرب من مياه البحرين المتوسط والأحمر وفي طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، وعلي تخوم القاهرة، وعلي ضفتي قناة السويس، فضاعت ثروة طائلة كان يمكن أن تبني مدناً صناعية كاملة، لو أن الدولة شجعت هذا الاتجاه، بأن تبدأ هي هذه الخطوة، وتقدم تسهيلات كبيرة للقطاع الخاص كي يحذو حذوها.
لقد جالت هذه المعاني بخاطري، وارتسمت تلك المقارنة في ذهني، وأنا أقرأ هذا الكتاب المهم، الذي يقف علي جسر يصل علمين إنسانيين، هما السياسة والآثار، ليمثل إضافة إلي الدراسات عابرة الأنواع، وقد أصبحت بعد هذه القراءة مقتنعاً أكثر بأننا نعيش زمن المماليك في القرن الحادي والعشرين، مع إدارة لا تري قامة مصر ولا تعرف قيمتها.

No comments: