Monday, April 23, 2007

الاستقطاب المصطنع


د. حسن حنفى ــ العربي الناصري 22/4

بالرغم من حالة التميع السائدة فى السياسة الخارجية العربية يشتد الاستقطاب فى السياسة الداخلية. الاستقطاب فى الخارج شيء طبيعى بين العرب من ناحية وإسرائيل والولايات المتحدة من ناحية أخري. أما الاستقطاب فى الداخل فى حياة المواطنين فإنه مصطنع، يفرغ الطاقة، ويحيد عن الهدف. هو استقطاب مزيف لخلق معارك وهمية بدلا من المعارك الطبيعية التى حيدتها نظم الحكم فى السياسة الخارجية فى قضايا الحرب والسلام بالنسبة للقضية الفلسطينية، والتبعية والاستقلال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. ويصل حد الاستقطاب فى الداخل إلى حد الحروب الأهلية كما حدث فى لبنان والجزائر بين الإخوة الأعداء. فريق يكفّر فريقا، وفريقا يخوّن فريقا. فشُق الصف الوطنى وضاعت وحدة الأوطان. واختفت ثقافة الحوار. وأصبحت الأوطان مهددة ليس فقط بقوى التفتيت الخارجية وإثارة النعرات الطائفية والعرقية بل أيضا بقوى التفتيت الداخلية صراعا على السلطة بين فرقاء الوطن الواحد. الاستقطاب الخارجى استقطاب رئيسى تتحدد طبقا لقوانين الصراع فيه حياة الأمم والشعوب فى حين أن الاستقطاب الداخلى لا نفع منه فى قضايا مفتعلة. وبلغة الأيديولوجيا، الاستقطاب الخارجى تناقض رئيسي، والاستقطاب الداخلى تناقض ثانوي. والرئيسى له الأولوية على الثانوي. الأول استقطاب عملى يغير مسار الشعوب ويتحدد به مستقبل الأمم. فى حين أن الثانى استقطاب نظرى فقهى لا ينتج منه أى أثر عملي. ولا يحقق تقدما لشعب بل يسهم فى تأخره. ولا يحل مشكلة فى حياة الناس بل يزيد من تهميشها. ومظاهر الاستقطاب كثيرة. أهمها الاستقطاب الديني: حجاب أم سفور؟ شريعة إلهية أم اختيار إنساني، جبر شرعى أم حرية شخصية؟ وبطبيعة الحال تنقسم الآراء بين فريقين، محافظين وليبراليين، تقليديين وتجديديين، سلفيين وعلمانيين. ويتحزب الناس. وينتصرون لذا الفريق أو ذلك. يزايد فريق فى الدين والإيمان. ويزايد الفريق الآخر فى الحداثة والعصرية. ويدخل الإحراج الشخصى والخوف الاجتماعى كحجج وبراهين. فلا أحد يجرؤ على عصيان الشريعة. ولا أحد يريد التنازل عن حرياته الشخصية. والله فى القلب وليس وراء الأحجبة، فى السرائر وليس فى المظاهر. والفضيلة فى السلوك وليست فى الغطاء. توحيد الأذان من مؤذن حسن الصوت من خلال أجهزة الإعلام الحديثة أم الإبقاء على تعدديته بأصوات كريهة، رجالا وأطفالا، تتداخل فيما بينها نظرا لقرب المساجد بعضها من بعض، وعلو مكبرات الصوت والمنارات. ويختلف الناس بين الإبقاء على التعدد فى الأذان حتى ولو أدى ذلك إلى صراخ وصخب وصم للآذان. فلكل مسجد أذانه. ولكل مؤذن صوته، وهى عامة الناس، وبين التوحيد المتناغم إبقاء على الغاية وهى اليقظة مع حسن الوسيلة وهو الصوت الواحد المتناغم. وهو رأى النخبة والدولة. استعمال مكبرات الصوت أم الصوت الطبيعي؟ يصر دعاة الإيمان على استعمال مكبرات الصوت فلا فرق بين الإيمان والإعلام. ومكبرات الصوت أكثر قدرة على إيقاظ الوسنان وغفلة النائم. ولماذا لا تستعمل التكنولوجيا فى الدين؟ ويتبارى الأغنياء فى شراء أحدث الأجهزة الإلكترونية من مضخات الصوت من المحسنين والمتصدقين وفعلة الخير لنيل حسن الثواب فى الآخرة بعد الثراء فى الدنيا. ويرى دعاة الحياء والاطمئنان أن الصوت الطبيعى أقرب إلى القلب ومدعاة للخشوع من تضخيمه بالآلات الحديثة كما يتم فى الأفراح والموالد وافتتاح المحلات التجارية. ويفترق الناس بين من يرى أن الإيمان إذاعة وانتشار ودعاية وإعلان وإعلام، وبين من يرى أن الإيمان أقرب إلى التقوى والقلب والصمت والاطمئنان الداخلى دون حاجة إلى صخب خارجي. توحيد خطب المساجد يوم الجمعة أم تركها متنوعة طبقا لاختيار الأئمة؟ من يرى التوحيد هم رجال الدين الرسميون ووزراء الأوقاف والشئون الدينية الذين يودون الإبقاء على خطب المساجد تحت رقابة الدولة حماية للبلاد من التطرف والشطط، وإدخال الدين فى السياسة، واتقاء شر معارضة الحكومة بما للمساجد من أثر فى تكوين أذهان العامة. وكما أفرزت المساجد فقهاء السلطان والحيض والنفاس فإنها أيضا أفرزت فقهاء الأمة ومصالح الناس والثوار ضد الظلم والقهر والفساد والاحتلال. وينقسم الناس بين مؤيد لتوحيد الخطبة وهم رجال الدولة مع بعض البسطاء من العامة وبين المبقين على تعددها. فكل بيئة لها مصالحها، وأهل مكة أدرى بشعابها، وهى المعارضة. كيف يحدد أول يوم العيد، بالعين المجردة أم بالحسابات الفلكية؟ العين المجردة يؤيدها النص القرآنى حتى يتبين لكم الخط الأبيض من الخط الأسود، والحسابات الفلكية أدق وأضبط من العين التى تختلف قوة وضعفا والتى قد يمنعها الغمام والضباب والأتربة من حسن الرؤية. كيف يتم تحديد أول الشهر القمرى والعالم الإسلامى ممتد من أقصى مشارق الأرض ومغاربها. من المغرب إلى الصين. كما انتشر فى نصف الكرة الغربى أيضا. وقد تصل فروق التوقيت إلى أربع وعشرين ساعة أى إلى يوم وليلة كاملين. ويتحزب الناس إلى كل من الرأيين. ويدب الخلاف بين المسلمين، وتبادل الاتهامات بالتخلف والتقليد أو بالجرى وراء العلم الحديث، وتوحيد ما لا يوحد وإلا لتعددت وقفة عرفات. حلال أم حرام؟ فى كل خطوة وفى كل فعل وأمام كل شيء حتى فقدت الأشياء براءتها الأصلية، وفقد المسلمون الثقة بالطبيعة الخيرة، وتهيبوا العالم المملوء بالشرور والمحرمات حتى استولى عليه الأعداء وسيطروا عليه. الحلال والحرام معروف فى الشرع. وما سكت عنه الشرع فهو فى مرتبة المباح أو العفو. فلم السؤال والتضييق عما سكت عنه الشرع وتركه فسحة ورحمة؟ هذا ما فعله بنو إسرائيل بالسؤال فيحرمه الله تدريبا لهم. فضاقت عليهم الشريعة فلفظوها مثل السؤال عن لون البقرة ونوعها وشكلها وحجمها. يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم ويفترق الناس فريقان. الأول مع التشديد مزايدة فى الإيمان، والثانى مع التخفيف رحمة بالناس. وهكذا يتم تفرع الاستقطابات الدينية، وتتحول من الاستقطاب الدينى إلى الاستقطاب الاجتماعي: فساد الرهبان، وعلاقاتهم الجنسية الحرة من أجل إثارة الشقاق بين المسلمين والأقباط، الزواج المختلط بينهما، التنصير أو الأسلمة، تحول النصرانى إلى الإسلام أو المسلم إلى النصرانية، إباحة الطلاق أو تحريمه فى المسيحية حتى يختلف الناس بين الإباحة والتحريم، وتقع النزاعات الطائفية فى الدول التى تخلو من النزاعات العرقية والمذهبية. وقد يتجاوز الاستقطاب المستوى الدينى الاجتماعى إلى المستوى الدينى السياسى فى عدة موضوعات أخري. الإبقاء على مادة الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع فى الدستور أم إلغاؤها؟ إبقاؤها يرضى المؤمنين حتى ولو كانت صورية فارغة من أى مضمون. فما يقع فى البلاد من فساد وقهر فى الداخل وتبعية وتحالف مع أعداء الأمة فى الخارج ضد الشريعة. وإلغاؤها يرضى العلمانيين. فالدستور للجميع وليس للمسلمين فقط. وبالبلاد أقباط لا تطبق الشريعة الإسلامية عليهم طبقا للشريعة ذاتها، ويحتدم الخلاف، وتنقسم الأمة على موضوع شكلى وإن كانت له دلالة رمزية. وتخاطر بوحدة عنصرى الأمة المسلمين والأقباط. وينفر الناس من الشريعة إذا كان المقصود منها تطبيق الحدود دون إعطاء الحقوق. والشريعة واجبات وحقوق. فلا رجم إلا إذا توفرت للشباب إمكانيات الزواج المبكر. ولا قطع ليد إلا إذا توفرت له أسباب الحياة الكريمة من عمل وكسب ومسكن وتعليم وعلاج أى الحاجات الأساسية للمواطن. دولة دينية أم دولة مدنية؟ وهو استقطاب مقنع يخفى صراعا سياسيا بين الحكومة والإخوان. الحكومة تتهم الإخوان بالقول بالدولة الدينية وهو مضاد للدستور الذى يمنع من تأسيس أحزاب سياسية على أسس دينية حماية للوحدة الوطنية. والإخوان يتهمون الحكومة بالدولة المدنية التى تطبق القانون الوضعى الذى قد يتعارض أحيانا مع الشريعة الإسلامية. والإخوان يقولون بالدولة المدنية، وتدخل فى معترك الحياة السياسية كحزب مدني، الانتخابات والبرلمان. وتطالب بتعديل الدستور حفاظا على الحريات العامة وقواعد الديمقراطية وتداول السلطة كما تفعل باقى أحزاب المعارضة. والحكومة تمارس دور الدولة الدينية باستعمال الرموز الدينية فى أجهزة الإعلام وجهاز الدولة وصفات الرئيس المؤمن. سنى شيعي؟ وكلما اشتدت المقاومة العراقية فى العراق وغرقت القوات الأمريكية فى رماله كما غرقت من قبل فى أوحال فيتنام تحول الصراع بين المقاومة والاحتلال إلى صراع بين السنة والشيعة. وبدلا من الحديث عن مآسى الاحتلال يتم الحديث عن الخطر الشيعى على العراق والخليج وعلى أهل السنة بالإجماع. وكما تتزعم إيران المذهب الشيعى تتزعم السعودية أو باكستان المذهب السني. وتقام أحلاف جديدة على أساس مذهبى سنى شيعي، وليس على أساس وطني، استقلال وتبعية. ومع الخطر الشيعى الإيرانى يأتى الخطر النووى الإيرانى وكأن الخطر الإسرائيلى الأمريكى لم يعد هو الخطر الأول.

No comments: