Monday, April 23, 2007

أزمـــة الشــعـــار !!


أزمة الشعار
د. رفيق حبيب : بتاريخ 23 - 4 - 2007
الوقائع السياسية تشير إلى اختزال الأزمة بين النظام الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين، في الشعار الانتخابي للجماعة، وهو الإسلام هو الحل، والذي تستخدمه الجماعة منذ عام 1987، في كل الانتخابات التي تشارك فيها. وغالبا ما كان الشعار بديلا عن الاستخدام الصريح لاسم الجماعة، حتى جاءت انتخابات عام 2005، واستخدمت الجماعة اسمها صريحا، كما استخدمت شعار الإسلام هو الحل. وأصبحت المعركة السياسية بعد التعديلات الدستورية، والتي حظرت النشاط السياسي على أية مرجعية دينية أو أساس ديني، تدور في الواقع حول الشعار، وكأنه يختصر الأزمة السياسية الراهنة. فمن جهة تؤكد جماعة الإخوان المسلمين على تمسكها بالشعار، بصورة تجعل من الشعار معركتها الأساسية، ومن جهة أخرى، يحارب النظام والنخب العلمانية المتحالفة معه، من أجل منع الجماعة من استخدام هذا الشعار. والحقيقة أن الجماعة لن تخسر تواجدها السياسي إذا غيرت الشعار، ولن تحل مشكلتها مع النظام الحاكم الذي يريد إقصائها عن العمل السياسي، إذا غيرت الشعار. نريد أن نؤكد هنا، أن شيئا في الأزمة السياسية الراهنة لن يتغير، إذا استخدمت الجماعة شعارا آخر، مثل الشريعة هي الحل مثلا. فالمشكلة الأساسية هي في حالة الاستبداد السياسي، وعدم التوافق على قواعد للعمل السياسي تتيح للجميع التنافس السياسي الحر، ولا تقوم على إقصاء أي طرف من العملية السياسية.ولكن للشعار دلالات أخرى مهمة، بعيدا عن حالة الصراع السياسي الهادف إلى إقصاء جماعة الإخوان المسلمين عن العمل السياسي. فالشعار يطرح في الواقع قضية العلاقة بين الدين والسياسة، والواقع أن النظام الحاكم نفسه وعبر رموزه المتورطة في التعديلات الدستورية، أكد وجود هذه العلاقة، ولم تنفيها إلا النخب العلمانية والتي تريد إقصاء دور الدين عن الحياة السياسية. ولهذا يصبح الجدل المفيد حول الشعار، هو ذلك الجدل الذي يهدف إلى تحديد العلاقة بين الدين والسياسة، بصورة تنظم العلاقة بينهما ولا تنفيها. ومن هذا المنطلق علينا البحث عن أسباب تمسك جماعة الإخوان المسلمين بشعار الإسلام هو الحل. فالجماعة في تصورنا لديها عدد من الأسباب. وأولها: أن الجماعة ترى أنها تنافس تيارات سياسية تعمل في معظمها على أساس مرجعيات مختلفة عن مرجعية الإسلام الدينية والحضارية، والعديد من التيارات تتبنى تصورات سياسية غربية، تقوم في الواقع على المرجعية العلمانية. ومادامت هناك تيارات تقول بأن العلمانية هي الحل، وإن كانت لا تعلن ذلك صراحة، فيصبح على الجماعة التأكيد على أنها ترفض هذه المرجعية، وتؤيد مرجعية الإسلام الدينية والحضارية. وهنا نلاحظ أن الحياة السياسية المصرية تشمل تيارات تختلف في المرجعية الأساسية لها، بما يعني أن الجماعة السياسية المصرية لم تتوافق بعد على مرجعية العمل السياسي. ومادام الاختلاف يدور حول المرجعية، فمن حق الجماعة أن تعلن أن تتمسك بمرجعية معينة مقابل المرجعيات الأخرى، وهنا يصبح الشعار العام المتمثل في الإسلام هو الحل، هدفه دعوة الجماعة السياسية المصرية لتحديد مرجعيتها الأساسية، قبل الدخول في التنافس السياسي حول البرامج التفصيلية.ثانيا: ترى الجماعة أنها في المراحل الأولى من تأسيس رؤيتها في المجال السياسي، بعد أن أسست رؤيتها في المجال الاجتماعي نسبيا. وبهذا ترى الجماعة أنها في مرحلة تكوين كتلة انتخابية تدرك ما تريد الجماعة تحقيقه في المجال السياسي، وتعتقد أن هذا الإدراك مهم لتأسيس قاعدة جماهيرية مؤيدة لها، تسمح بعد ذلك بتكوين توجهات عامة لدى الناس تؤيد البرامج السياسية للجماعة. وهنا تركز الجماعة على تأسيس عملها السياسي من أسفل، أي من القاعدة الجماهيرية، حتى لا تصل في يوم من الأيام للحكم، وتكون القاعدة الجماهيرية التي أيدتها وأوصلتها للحكم، غير مدركة للمبادئ الأساسية التي تعمل الجماعة من أجلها، لهذا تصر الجماعة على تأكيد مبادئها أولا، حتى إذا تأكدت هذه المبادئ لدى جمهور الجماعة، أصبح هذا الجمهور عونا لها في تنفيذ برامجها السياسية.ثالثا: ترى الجماعة أن الوقت ليس مناسبا للتنافس السياسي للوصول للسلطة، وأنها في مرحلة تكتفي فيها فقط بالمشاركة في المعارضة وإعلان رأيها، ولهذا لا تعتبر نفسها بديل سياسي مستعد لتولي السلطة الآن، وهذا ما يجعل الجماعة أكثر اهتماما بتأسيس مواقفها العامة والرئيسية، أكثر من المواقف التفصيلية، حيث أنها تريد تكوين رأي عام مؤيد للمبادئ التي تتبناها، والرسالة التي تحملها، ولا تريد الوصول إلى السلطة إلا في اللحظة التي تكون فيها الجماعة هي البديل السياسي المناسب لتولي مسئولية تنفيذ تصوراتها التي نشرتها بين الناس. وبالتالي فالجماعة لا تدخل العملية السياسية بوصفها عملية تنافسية للوصول للسلطة، بل تدخلها باعتبارها عملية توعية للرأي العام بالمرجعية الأساسية التي يجب تبنيها في العمل السياسي. وعدم رغبة الجماعة في الوصول للسلطة إلا في الوقت المناسب، يجعلها لا تمارس التنافس السياسي المباشر بطريقة الحزب الذي يتنافس على السلطة، بل تدخل العملية السياسية من باب توعية الرأي العام بأهمية تحديد مرجعية العمل السياسي.تلك في تصورنا أسباب تمسك الجماعة بالشعار، والمشكلة هنا أننا بالفعل في مرحلة ما قبل التوافق على المرجعية العامة للدستور والقانون والعمل السياسي، وأن الجماعة السياسية المصرية لم تحدد هويتها السياسية بعد. مما يجعل التنافس السياسي يدور حول المرجعيات. وهو ما يفرض أهمية توضيح أسس المرجعية ومعناها، وشعار الإسلام هو الحل يختصر مسألة المرجعية، ولكنه يترك الباب مفتوحا لتداخل حالة التنافس السياسي مع مجال العقيدة، وتلك مشكلة تحتاج لعلاج.

No comments: