Monday, April 23, 2007

صانع الجواسيس فى مصر


فى ملف محمد سيد صابر أحدث جاسوس إسرائيلى على مصر توقفت أمام واقعة اعتقد أنها لا يجب أن تمر - كما يمر كل شيء فى حياتنا دون التفات - فقد حصل محمد على بكالوريس الهندسة النووية من جامعة الإسكندرية عام 1994 وتم تعيينه بهيئة الطاقة الذرية عام 1997.. وعمل بالمفاعل النووى بأنشاص، وفى عام 1999 أى بعد عامين فقط قدم طلبا للسفارة الإسرائيلية بالقاهرة للهجرة إلى إسرائيل وذلك بسبب الخلافات التى نشبت بينه وبين مسئولى هيئة الطاقة الذرية. نحن إذن أمام موظف مصرى مثل ملايين الموظفين، قد يكون متميزا نوعا ما بسبب تخصصه لكنه فى النهاية موظف.. ويمكن بل من الطبيعى أن تحدث خلافات بينه وبين رؤسائه.. ففى أدراج المحاكم المصرية آلاف القضايا الإدارية التى رفعها الموظفون ضد رؤسائهم من أجل أن يحصلوا على حقوقهم.. بعض هذه القضايا يتم حلها وبعضها يدخل فى حائط مسدود.. فى حالات الإحباط كان يذهب الموظفون أو المواطنون الذين فشلوا فى الحصول على حقوقهم أو تحقيق أنفسهم إلى السفر خارج مصر مهاجرين وفارين بجلودهم وعقولهم.. لكنهم كانوا يقصدون أمريكا أو كندا أو استراليا. لكن محمد سيد صابر قصد إسرائيل للهجرة إليها.. وهنا لابد أن نسأل: هل كان يريد المهندس المصرى أن يفر من البلد التى ظلمته وطحنته فقط أم أنه أراد بالهجرة إلى إسرائيل تحديدا دون غيرها من كل بلاد الدنيا أن ينتقم من بلده ويوجه إليها طعنة هائلة.. فهو يبيعها لعدو؟! رغم الكلام الكبير عن السلام بيننا وبينه - إلا أنه مازال عدوا يتربص بنا ونتربص به.. هذه هى الرسالة الأساسية التى يجب أن نلتف حولها ونناقشها.. فالجاسوسية ضد مصر لم تعد من أجل المال فقط.. ولكنها أصبحت من ظروف قاهرة ونظام ظالم ومناخ فاسد أفرز مواطنين بلا انتماء ولا وطنية.. مواطن واضح مع نفسه فإذا لم يعطنى الوطن ما أريده فلأبحث عن وطن آخر يعطينى حتى لو كان هذا الوطن خصماً لي. قضية محمد سيد صابر لم تحسم بعد.. انتهى جهاز المخابرات من عمله وانتهت نيابة أمن الدولة العليا من تحقيقاتها وسلمت للمحكمة كل المستندات التى تدين الجاسوس الجديد.. لكن القرار النهائى لم يصدر بعد، وحتى تتواصل جلسات المحاكمة وتدور عجلاتها فإننا أمام كارثة.. ليس لأننا نقف وجها لوجه أمام جاسوس.. فالجاسوسية مهنة قديمة ثم إن محمد سيد لن يكون الجاسوس الأخير.. وحتى لو أعدم فإن ذلك لن يردع الآخرين عن أن يسيروا فى نفس الطريق المظلم. الأزمة الآن ليست أمنية فقط.. ولكنها قضية مصير.. تفتح الطريق أمام طرح سؤال أعتقد أنه مهم شيء ما وهو: هل يحب المصريون وطنهم؟ وقبل أن أجيب عن هذا السؤا أجدنى أسأل وما هو الوطن فى الأساس؟ هل هو الشعارات والأغانى الوطنية والبرامج السياسية البراقة والخطب النارية.. هل هو معنى مجرد لا نعرف عنه شيئا؟ إن الوطن مكان يجب أن يساعد من يعيشون فيه على أن يحققوا أنفسهم أن يحصلوا منه على حقوقهم.. ليس معنى أن أكون وطنيا أن أعمل مواصلا الليل بالنهار ثم فى لحظة أجد آخرين يحصلون على كل شيء ويستمتعون بكل شيء.. ليس معنى أن أكون وطنيا أن أرضى بالقليل لأن هناك نصابين وحرامية يسيطرون على كل شيء ولا يسمحون لأحد أن يشاركهم فى مكاسبهم ولو من بعيد. إننا نعيش فترة من الهزال السياسى وراءها النظام الحاكم بكل قوة.. إهدار للكرامة فى الداخل وتفريط كامل للحقوق فى الخارج.. وإذا أردنا أن نتأمل حالة واحدة فلنضع حالة المهندس محمد سيد صابر على طاولة التشريح.. فقد دخل كلية الهندسة بما يعنى أنه كان طالباً متفوقا استطاع أن يحصل على مجموع كبير بتعبه ومجهوده فى الثانوية العامة، أنهى دراسته فى قسم الهندسة النووية والأحلام تراوده أنه سيصبح عالما له ثقل ووزن ومكانة اجتماعية ولابد أن تترجم هذه المكانة والاجتماعية إلى وضع اقتصادى مناسب، لكنه بعد أن تخرج وجد نفسه مجرد موظف بل إنه تعرض للاضطهاد من رؤسائه، لم يجد نفسه ولم يجد شيئا من أحلامه التى ظلت تراوده ويراودها، فهل كان من المنطقى أن ننتظر منه شيئا ايجابيا. لقد سلك محمد سيد صابر سلوكا معيبا خان به وطنه، لكن لم يسأل أحد نفسه.. من الذى بدأ بالخيانة.. هل خان محمد مصر أولا، أم أن مصر هى التى خانته، إن المحللين يذهبون كل مذهب فى تفسير سقوط الجواسيس، يبحثون عن الأسباب الاجتماعية والنفسية التى تدين أصحابها، لكن لم يسأل أحد نفسه عن الذى وقف وراء هذه الأسباب وصنعها وجعلها مؤثرة إلى الحد الذى يتحول فيه الشاب المصرى إلى جاسوس يبحث عن تحقيق نفسه فى أى أرض لو كانت هذه الأرض تحمل عداء وحقدا وكراهية لأهله وأرضه. لا يمكن لأحد أن يبرر الخيانة.. لكن لا يمكن كذلك أن يبرر الظلم.. إننا نعيش فترة يكره فيها الشباب أن يؤدوا الخدمة الوطنية ويفرحون إذا تم إعفاؤهم منها لأنهم يشعرون أن هذه الفترة ضائعة من حياتهم ولن تضيف لهم شيئا، فمن الذين نزع من قلوب الشباب وصدورهم حماسهم ورغبتهم فى خدمة الوطن، من الذى جعلهم سلبيين إلى هذه الدرجة؟.. إن حكومة الحزب الوطنى بكل رجالها تمارس حالة مستفزة من الاستبعاد والنفى لكل من لا يعمل معها.. فمن ليس معها فهو ضدها.. لا يتمتع بحقوقه ولا يستطيع أن يحصل عليها وكأنه فى البلد غريب أو عابر سبيل.. فما الذى يمكن أن ننتظره من هذا الشاب؟!. إن محمد سيد صابر يجب أن يحاكم وإذا ثبتت إدانته فلا أقل من إعدامه.. لكن قبل ذلك أو معه يجب أن يحاكم الذى صنعه الذى مهد له الظروف لأن يسلك هذا الطريق.. فليس منطقيا أن محمد سيد قام من نومه فوجد نفسه يهوى الجاسوسية ويريد أن يحترفها. لكنه دفع إلى ذلك دفعا.. قد يكون مريضا نفسيا. فمن الذى جعله مريضا.. قد يكون محبطا فمن الذى جعله محبطا؟ إن الإنسان لا يولد خائنا لكنه يدفع إلى ذلك دفعا. لقد بشرنا الرئيس السادات بعصر السلام بعلاقات طبيعية مع إسرائيل لكنه منذ أن مد يديه إليها وحلقات الجواسيس لا تنقطع، بل إنها متصلة، وبنظرة واحدة إلى قائمة الجواسيس فى عصر السلام ستجدها مفزعة، لكن جواسيس عصر السلام الساداتى لم يكن هدفهم جمع المعلومات فقط ولكن كان هدفهم التدمير والتخريب وقضية إبراهيم شامير نائب مدير المركز الاكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة لاتزال عالقة بالذاكرة، ضبطت هذه القضية فى 24 أغسطس 1987.. لم يكن المتورطون فيها يجمعون معلومات عن مصر، ولكن ضبط هو ومجموعة من العاملين معه وهم يهربون 3 كيلو جرامات هيروين من مطار القاهرة، فقد جاءوا ليقتلوا بالمخدرات، إن المعلومات التى تريدها إسرائيل تستطيع أن تصل إليها بسهولة كبيرة. فقد وفر السلام للإسرائيليين أن يدخلوا البيت المصرى ويتجولوا فيه بحرية ويحصلون على ما يريدون وقد تكون جالسا فى أحد مقاهى وسط البلد فتجد وفدا يتجول ببساطة ويتحدث بالعبرية. لكن حتى المعلومات لم تعد إسرائيل تحصل عليها من أجل المال فقط ولكنها كانت تبادل المعلومات أحيانا بالمخدرات وهو ما حدث تحديدا فى قضية سمحان موسى مطير. كان سمحان موسى مطير يعمل خفيرا فى إحدى شركات البترول استطاع جهاز الموساد أن يجنده وكان يتلقى شحنات المخدرات عبر سيناء ويرسل المعلومات فى مقابلها وبلغت ثروته أكثر من أربعة ملايين جنيه وقام بدور سياسى هائل فى سيناء حتى تم تعيينه مستشارا لمحافظ جنوب سيناء لشئون القبائل، وهو المكان الذى استطاع من خلاله أن يجمع أكبر قدر من المعلومات ويهديها إلى إسرائيل مقابل أن يواصل عمله فى تجارة المخدرات. فى فترة التسعينيات وحدها استطاعت المخابرات المصرية أن تسقط أكثر من عشرين جاسوسا كان أشهرهم عزام عزام الذى دخل مصر تحت ستار اشتراكية فى ملكية مصنع ملابس، قدم نفسه على أنه خبير ملابس نسائية وكان يقضى أوقاتا طويلة فى شبرا الخيمة بهذه الصفة وعندما قبض عليه توسط له الرئيس الإسرائيلى شخصيا لدى الرئيس مبارك لكنه رفض الإفراج عنه أو إصدار أمر بالعفو لأن الأمر كان قد أصبح فى يد القضاء لم يكن عزام عزام وحده بل كان إلى جواره عماد إسماعيل المصرى الذى جنده الموساد أثناء عمله وتردده على إسرائيل. جاسوس آخر هو شريف الفيلالى سافر عام 1990 لاستكمال دراسته العليا فى ألمانيا وأثناء إقامته هناك تعرف على ألمانية يهودية قدمته إلى رئيس قسم العمليات التجارية بإحدى الشركات الألمانية الدولية الذى ألحقه بالعمل بالشركة للعمل فى إسرائيل وعندما فشل فى تعلم اللغة العبرية سافر إلى أسبانيا وتزوج من امرأة يهودية مسنة ثم تعرف على جريمورى شيفيتش الضابط بجهاز المخابرات السوفيتى السابق المتهم الثانى فى القضية وعلم منه أنه يعمل فى تجارة الأسلحة وكشف له عن ثرائه الكبير ثم طلب منه إمداده بمعلومات سياسية وعسكرية عن مصر وإمداده بمعلومات عن مشروعات استثمارية منها ما هو سياسى وزراعى بمساعدة ابن عمه سامى الفيلاى وكيل وزارة الزراعة وافق الفيلالى وبدأت اللقاءات مع ضابطين من الموساد. وحتى الآن لم تهدأ قضية الجاسوس عصام العطار الذى قبض عليه مؤخرا.. وقبل أن نبتلع ريقنا ظهر لنا جاسوس جديد. وهو ما يجعلنا نسأل من الذى يقف وراء سقوط كل هؤلاء الشباب فى شباك الجاسوسية والخيانة.. إنهم يستحقون الضرب بالنار.. لكن الذين أدخلوهم إلى هذا الطريق يستحقون القتل أيضا.. فصانع الجواسيس بالظلم وانتهاك حقوق الإنسان والاحباط لايزال يواصل عمله فى مصر ونحن نتفرج عليه.
محمد الباز

3 comments:

theirlight said...

لا يكفي انعرف الاسباب.. ولكن من يقف وراء هذه الاسباب)) والله يسلم لسانك!! بظبط هذه مشكلتنا

جسر الى الحياة said...

تفتكر ليه بنستسلم اننا نكون خونة اكيد فيه حاجة غلط وماتت فينا حتة مهمة هى الانتماء وعندما يفقد الانسان الانتماء لا تستبعد عنه اى شىء ممكن يبيع مش وطنه او اهله دا بيبيع حتى نفسه

Ebn msr said...

سامحوني يا شباب الموضوع أكبر من إننا نقول يبيع نفسه أو يبيع وطنه وأهله , الموضوع إنك تنزل الشارع المصري وتشوف حياة الناس ومعيشتهم إنتم ناس قاعدين على النت مش حاسين بمعاناة الشعب وأنا زيكم تفتكر لو واحد فيهم هياخد 17000 دولار ذي مت محمد صابر أخد هيفكر فيك كمصري ؟ هيفكر في أخوه ؟ أول حاجة هيفكر فيها هي نفسه وبالنسبة له يبقى إشترى نفسه مباعهاش.
أنا طبعا مش بقول كده عشان بدافع عنه , لأ طبعا أنا بقول كده عشان نفوق , عشان نعرف نقول لأ ونقف في وش الطاغية اللي حاكمنا بالديكتاتورية , فرق إيه عن هتلر اللي ساق شعبه وبلده لهزيمة وداقوا على إيده الذل والمهانة الفرق إننا متهانين في أرضنا وبره أرضنا.
حسبي الله ونعم الوكيل