Tuesday, July 03, 2007

فصــل فيمــا تكشــف خــلال الأزمــة

فصــل فيمــا تكشــف خــلال الأزمــة
أهرام ثلاثاء 3/ 7 / 2007 بقلم‏:‏ فهمـي هـويـــدي
ما رأي جهابذة آخر الزمان و خبراء العصر و الاوان في التصريحات الاخيرة للرئيس مبارك بشأن ما جري في غزة‏,‏ التي مسحت ما قالوه‏,‏ فكذبت ادعاءاتهم و صوبت اغاليطهم و فضحت افتئاتهم و جهلهم بطبيعة الحدث و مراميه؟‏
(1)‏ لعلي لا أبالغ اذا قلت ان الاسبوع المنصرم الذي بدأ يوم الاثنين قبل الماضي‏6/25,‏ كان اسبوع الحقيقة بامتياز‏.‏ ذلك اننا شهدنا في الاسبوع الذي سبقه‏'‏ مندبة‏'‏ عالية الصوت‏,‏ لطم فيها اولئك الجهابذة و الخبراء خدودهم و شقوا جيوبهم‏,‏ و تعالت صيحاتهم منددة بـ‏'‏الانقلاب‏'‏ الذي شهدته غزة‏,‏ و محذرة من الزحف الايراني علي ارض فلسطين‏,‏ و مستنفرة الجميع ضد خطر‏'‏ الامارة الاسلامية‏'‏ التي توقعوا اعلانها في غزة‏,‏ و ملوحة بما يمثله ذلك من انقلاب موازين المنطقة و تهديد لأمن مصر القومي‏.‏ و بعد هذه الاثارة التي هيجت المشاعرتبين ان الامر كله ليس علي النحو الذي توهموه وسوقوه‏.‏ اذ كشفت تصريحات الرئيس مبارك عن ان اولئك الجهابذة تحدثوا عن اشياء توهموها او تمنوها‏,‏ و لا شأن لها بالحقيقة‏.‏من باب ستر العورة‏,‏ لن استعيد ما قاله اخواننا المذكورون و هم يحللون الاحداث و يعلقون عليها‏,‏ فضلا عن أن كلامهم تحول الآن الي ثرثرة و لغو لا قيمة له‏.‏ لكني احسب ان الكلام الجاد و المفيد حقا في الموضوع‏,‏ هو ما عبر عنه الرئيس مبارك في خطابه امام مؤتمر شرم الشيخ يوم الاثنين‏6/25,‏ و في الحديثين اللذين ادلي بهما للتليفزيون المصري و صحيفة‏'‏ يديعوت احرونوت‏'‏ يوم الثلاثاء‏26/.6‏ في هذه المناسبات الثلاث وضع الرئيس المصري احداث غزة في اطارها الصحيح‏,‏ بتركيزه علي النقاط التالية‏:‏‏*‏ ان ما جري في القطاع لم يكن انقلابا‏,‏ و لكنه ازمة داخلية بين القوي السياسية الفلسطينية‏.‏‏*‏ انه لا سبيل الي مواجهة تلك الازمة الا بالحوار بين الاطراف الفلسطينية المعنية‏.‏‏*‏ ان الاحداث في غزة تدحرجت اثناء الاشتباكات حتي اوصلت الامر الي ما وصل اليه‏.‏‏*‏ انه لا دليل علي تدخل ايراني مباشر في تلك الاحداث‏.‏‏*‏ ان سيطرة حماس علي غزة لا تهدد امن مصر القومي‏.‏‏
(2)‏ هذه الآراء التي عبر عنها الرئيس مبارك في لحظة صدق و صفاء تحسب له‏,‏ بددت اهم الاساطير التي روج لها جهابذة آخر الزمان‏.‏ لا استطيع ان اعمم‏,‏ اذ لم يخل الامر من كتابات و تعليقات حول الموضوع اتسمت بالجدية و النزاهة‏.‏ و مقالة الدكتور عزمي بشارة التي نشرتها صحيفة‏'‏ الحياة‏'‏ اللندنية‏(‏ في‏6/28)‏ تعد نموذجا لتلك التعليقات النزيهة‏.‏ و من الملاحظات المهمة في تحليله ادانته لحملة التعليقات التي تناولت الاحداث‏'‏ من منطلق كون حماس حركة اسلامية‏,‏ و تجاهلت كونها حركة مقاومة شعبية واسعة و عريضة‏,‏ ربحت الانتخابات و حوصرت و تم التآمر عليها‏.'‏ و قوله ان تلك التعليقات حولت رابح الانتخابات الي انقلابي‏.‏ كما حولت قادة الاجهزة الامنية الذين رفضوا الاعتراف بنتائج الانتخابات و اصبحوا اداة في محاربة الحكومة الي ضحية للانقلاب‏.‏ و وصف بشارة هذه التعليقات بانها‏:'‏ نصوص غير مسبوقة في تلفيقها و قلة استقامتها و رهانها علي عداء القارئ للحركات الاسلامية او الخلط بينها‏,‏ بشكل يخجل منه حتي المستشرقون‏.'‏عديدة هي النصوص الاخري التي قرأناها خلال الاسبوع قبل الماضي‏,‏ و التي انطبق عليها وصف التلفيق و قلة الاستقامة الفكرية‏.‏ و منها تلك النصوص التي اندرجت تحت العناوين التي نفاها الرئيس مبارك في تصريحاته‏.‏ و هي تشجعني علي تسجيل اضافة بسيطة علي المحاولات التي بذلت للزج باسم ايران في الموضوع و الغمز في سوريا‏,‏ عبر الايحاء بان ما قامت به حماس تم بالتنسيق مع‏'‏ قوي اقليمية‏'‏ في المنطقة‏.‏ هذه الاضافة تتمثل في ان احداث غزة فاجأت الايرانيين و السوريين‏,‏ و معلوماتي ان السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس المقيم في دمشق‏,‏ تلقي رسالتين بهذا المعني من الطرفين‏.‏‏
(3)‏ خبرة الاسبوعين الماضيين كشفت عن امور عدة من الاهمية بمكان‏.‏ من ناحية فان عددا غير قليل من المثقفين ضبطوا متلبسين بالتحريض و الكيد العلنيين‏.‏ فلم يقرأوا المشهد الفلسطيني من زاوية الصراع العربي الاسرائيلي‏,‏ و انما حاكموه في ضوء مرارات و حسابات الصراع الاسلامي العلماني‏.‏ من ثم فانهم شغلوا بشئ واحد هو اغتيال حركة حماس و استئصالها‏,‏ مقدمين الذات علي الموضوع‏.‏ و هذه القراءة‏'‏ الايديولوجية‏'‏ للحدث فضحت موضوعية و نزاهة عدد كبير من المثقفين الذين يتبوأون الصدارات الاعلامية و المنابر العامة‏,‏ و منهم من يدعي الماما بالشئون العربية او اختصاصا بالبحوث الاستراتيجية‏.‏اذا تجاوزنا هذه الفضيحة الثقافية و القينا نظرة علي المشهد من منظور اوسع‏,‏ فسوف تتكشف لنا امور ثلاث هي‏:‏ ان الذي حدث في غزة ارادته القوي الغربية‏,‏ التي دأبت علي الضغط بكل الوسائل لاسقاط حكومة حماس‏(‏ المنتخبة ديمقراطيا‏),‏ و في الوقت ذاته حرصت علي تعزيز رئاسة السلطة و الاجهزة الامنية التابعة لها‏,‏ ايضا بمختلف الوسائل التي تراوحت بين الدعم السياسي و الامداد بالمال و السلاح و التدريب‏(‏ عبر الوسطاء بطبيعة الحال‏)-‏ و لم يكن لذلك من هدف سوي اضعاف طرف و تقوية آخر‏,‏ تمهيدا لتفوق الاخير في لحظة الانفجار و المواجهة‏.‏ و هذا السيناريو تحدث عنه بوضوح الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقالته التي نشرتها صحيفة الاندبندنت في‏16/.6‏الامر الثاني ان الولايات المتحدة هي التي ادارت اللعبة في كل مراحلها‏,‏ و لم يعد سرا ان الجنرال كيث دايتون مسئول الاتصال العسكري الامريكي في تل ابيب هو الذي يشرف بنفسه علي تنفيذ المخطط‏.‏ و هو ما كشف عنه بوضوح تقرير مبعوث الامين العام للامم المتحدة المكلف بمتابعة الملف الفسطيني الاسرائيلي‏,‏ الذي اورد قائمة طويلة من الشواهد و الوقائع التي سلطت الضوء علي مدي تحكم الادارة الامريكية في تفاصيل الملف‏,‏ الي حد منع مبعوث الامين العام للامم المتحدة السفير الفارو دي سوتو من اي تعامل جاد مع عناوينه‏,‏ و منعه من الذهاب الي غزة‏,‏ و الاكتفاء بالاتصال هاتفيا بالمسئولين في الحكومة عند الضرورة‏.‏الامر الثالث ان الهدف النهائي الذي تصب فيه كل هذه الجهود هو التصفية النهائية للقضية الفلسطينية‏,‏ استثمارا للظروف المواتية الراهنة‏,‏ التي تمثلت في هيمنة المحافظين الجدد علي القرار السياسي الامريكي في عهد الرئيس بوش الذي يوشك علي الانتهاء‏,‏ او في ضعف الدول العربية و انهيار النظام العربي‏,‏ و نجاح السياسية الامريكية في قسمة الصف العربي الي معتدلين موالين و متشددين متمردين‏.‏ من تلك الظروف المواتية ايضا تفجير الصراع داخل الصف الفلسطنيي‏,‏ بما يراد له ان يؤدي الي انفصال الضفة عن غزة‏,‏ و ضم الاولي للاردن في اطار اتحاد كونفيدرالي والحاق الثانية بمصر‏,‏ او اخضاعها للادارة الدولية‏,‏ و بذلك لا تبقي هناك قضية فلسطينية‏.‏ و قد تحدث الاستاذ محمد حسنين هيكل عن هذا الموضوع باستفاضة علي شاشة قناة الجزيرة يوم الخميس الماضي‏(6/28).‏‏
(4)‏ بماذا نفسر عدم تجاوب ابو مازن وجماعته مع دعوة الرئيس مبارك الي الحوار مع حماس‏,‏ وحرص الرجل علي مواصلة الحرب السياسية ضدها‏,‏ و احكام الحصار المفروض علي غزة؟ لقد تابعناه يوم الجمعة الماضي‏(6/29)‏ و هو يدعو دول العالم في جنيف امام مؤتمر الاشتراكية الدولية الي احباط‏'‏ انقلاب حماس الذي يهدف الي اقامة امارة ظلامية متطرفة و معزولة‏',‏ واعدا باقامة ديمقراطية مزدهرة تتفاوض مع اسرائيل لاقامة السلام في المنطقة‏.‏ كما تتحدث الدوائرالسياسية عن اتصالات يجريها مع زعماء الدول الغربية‏-‏ احدثهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي‏-‏ و عن مبعوثين يتجولون في بعض العواصم الاوروبية و العربية‏,‏ و الموضوع الاساسي لهذه الاتصالات تلخصه العبارة التي اوردتها توا من خطابه في جنيف‏.‏اذا اضفت الي تحفظ ابو مازن علي فكرة الحوار و التفافه عليها بوضع شروط تغلق الباب في وجهه‏,‏ الي موقفه الرافض للجنة تقصي الحقائق التي قررها وزراء الخارجية العرب‏,‏ فسوف تلحظ استقواء غير مسبوق من جانبه جدير بالنظر ويحتاج الي تفسير‏.‏يساعدنا علي التفسير ان نلقي نظرة علي خلفية احداث غزة‏,‏ بدءا من تجاهله لوثيقة الوفاق الوطني‏,‏ و تحلله من بنود اتفاق مكة‏,‏ خصوصا ما تعلق منه بتفعيل الشراكة بين فتح و حماس‏,‏ و اعادة بناء منظمة التحرير‏,‏ و قبوله فقط بحكومة الوحدة الوطنية‏,‏ لانه كان مضطرا الي ذلك في حينه‏.‏اذا كان لنا ان نستعين‏'‏ بصديق‏'‏ في محاولة الفهم و التفسير‏,‏ فسنجد مرادنا في مقالة الدكتور عزمي بشارة التي سبقت الاشارة اليها‏.‏ فقد تحدث عن ان الذي يقود المواجهة و يؤثر علي موقف السلطة‏'‏ تيار هو اقل من فصيل‏,‏ بل لا يتجاوز ان يكون تيارا داخل فصيل يستخدم الاجهزة الامنية للسيطرة علي الفصيل ذاته‏,‏ لفرض اجندته السياسية ضد المقاومة و ضد خصومه‏.'‏اذا وضعت هذه المعلومات و الخلفيات جنبا الي جنب‏,‏ فسوف تدرك ان اللعبة اكبر بكثير مما نظن‏.‏ و ان حكومة الطوارئ التي يرأسها الدكتور سلام فياض‏,‏ خبير صندوق النقد الدولي السابق والمرشح الاكثر قبولا لدي الامريكيين والاسرائيليين‏,‏ الذي لم يحصل علي اكثر من‏2%‏ من اصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية‏,‏ هذه الحكومة تقوم بدور خطر في الوقت الراهن‏,‏ ليس بعيدا عن سيناريو اغلاق ملف القضية‏,‏ و لان هذا الدور كان مطلوبا بالحاح‏-‏ اسرائيليا و امريكيا و غربيا‏-‏ فكان لا بد ان يذهب اسماعيل هنية باي صورة‏.‏هل يحق لنا بعد كل ذلك ان نقول ان ابو مازن و جماعته اختاروا في نهاية المطاف ان يراهنوا صراحة علي الولايات المتحدة لضمان احتكارهم للسلطة‏,‏ مقابل تحقيق مآربها التي تريد؟‏-‏ و هل تفسرلنا هذه المراهنة استقواء ابو مازن و عدم استجابته لدعوة الرئيس مبارك للحوار و رفضه للجنة تقصي الحقائق‏,‏ و اصراره علي الاستمرار في اعلان الحرب علي حماس؟ان القضية اكبر من ابو مازن وجماعته‏,‏ كما انها اكبر من حماس بطبيعة الحال‏,‏ و لذلك فاننا اصبحنا الان امام منعطف خطر يتطلب اتخاذ موقف عربي حازم‏,‏ لن يتاح له ان يري النور ما لم تعد الحيوية الي الثلاثي‏'‏ القاطرة‏'‏ في هذا الملف‏,‏ المتمثل في احياء محور مصر و السعودية وسوريا‏.‏إنهم يحتشدون و يستقوون و يجترءون‏,‏ و رسالتهم في ذلك صريحة الي العالم العربي‏,‏ و مصر في المقدمة منه لذا وجب التنبيه قبل فوات الاوان‏.‏

No comments: