تســـاؤلات الوقـت الحائـــرة
بقلم: فهمـي هـويـــدي ــ أهرام ثلاثاء 17/7
فلسطينيا, بدا الأسبوع المنقضي بالنسبة لي أسبوع الحيرة بامتياز. فبعض الذي وقعت عليه كان يصعب تصديقه, في حين أن البعض الآخر بدا مستعصيا علي الفهم.
فلسطينيا, بدا الأسبوع المنقضي بالنسبة لي أسبوع الحيرة بامتياز. فبعض الذي وقعت عليه كان يصعب تصديقه, في حين أن البعض الآخر بدا مستعصيا علي الفهم.
(1)لم أفهم لماذا يزور وفد عربي إسرائيل للحديث في شأن المبادرة العربية. كما أنني لم أفهم شيئا من الكلام المتضارب عن الصفة التمثيلية للوفد. ذلك أنك لو سألت أحدا في العالم العربي أو حتي الإسلامي فيما هو ملح في الشأن الفلسطيني الآن, فلن تجد أحدا يتذكر المبادرة العربية سوي اثنين فقط هما وزيرا خارجية مصر والأردن. وعن نفسي أعترف بأن المبادرة سقطت تماما من ذاكرتي في زحام الاحداث المتلاحقة الراهنة, ولم أتذكرها إلا حين قرأت الخبر في صحف الصباح. وأدهشني أن أجد من لايزال يتصور أن الزيارة المفترضة يمكن أن تشكل عنصرا مشجعا لإسرائيل علي القبول بالمبادرة التي يرفضها كل الساسة هناك.ربما لايكون هناك جديد في هذا الذي ذكرته, لكن الجديد أن الصحف المصرية والعربية ظلت تتحدث طوال الأسبوع عن أن الوفد المسافر سيذهب ممثلا للجامعة العربية, في حين هللت الصحف الإسرائيلية للحدث, واعتبرته إنجازا كبيرا سيؤدي إلي رفع علم الجامعة العربية في تل أبيب لأول مرة في تاريخ الدولة العبرية. وفي التعليق علي ذلك نشرت صحيفة الشرق الأوسط( عدد7/10) تصريحا عجيبا للسيد محمد صبيح الأمين العام المساعد لشئون فلسطين بالجامعة العربية أعرب فيه عن أمله في أن يكون رفع علم الجامعة العربية أثناء الزيارة دلالة علي قبول إسرائيل بالمبادرة. أما وجه العجب في الكلام فيكمن في أننا بعدما فقدنا الأمل في أن تعلن إسرائيل قبولها المبادرة, فإن تطلعاتنا تواضعت حتي أصبحنا نتسول أي إشارة إسرائيلية يمكن أن تجعل العالم العربي يبلع المسألة ويتوهم أن التسوية السياسية مستمرة, حتي لو تمثلت تلك الإشارة في مجرد رفع علم الجامعة العربية في تل أبيب.أما المفاجأة في هذا السياق, فكانت في تصريح أمين عام الجامعة السيد عمرو موسي, الذي نشره الأهرام علي صفحتها الأولي في7/12, وقال فيه كلاما مغايرا لما صرح به الأمين المساعد, حين نفي أن الوفد الزائر سيذهب إلي تل أبيب ممثلا للجامعة, ولكن باعتباره مكلفا من اللجنة الخاصة بمتابعة مبادرة السلام العربية.
(2)الوفد العربي ذاهب إلي العنوان الغلط لكي يقوم بمهمة مستحيلة, ليس ذاهبا إلي رام الله ليمد جسور الحوار بين الفلسطينيين, وهو واجب الوقت, وإنما هو ذاهب إلي تل أبيب لتضييع الوقت. إذ هي مستعدة للكلام في أي شيء باستثناء مستقبل القضية الفلسطينية. حتي وهم الحل رفضته. من ثم فما هو غائم ومرتبك في الساحة العربية محسوم وواضح وضوح الشمس في إسرائيل. آية ذلك أن صحيفة هاآرتس نشرت في6/24 تقريرا عن زيارة ايهود أولمرت لواشنطن, كشف النقاب عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض اقتراحا تقدمت به وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس يقضي بالتوصل لاتفاقية اطار ـ مجرد اطار ـ للحل الدائم دون أن توضع تلك الاتفاقية موضع التنفيذ. وكان من رأيها أن مجرد تحقيق اتفاق مبدئي من ذلك القبيل سيراه أبو مازن وفريقه أفقا سياسيا وأملا يشجعهم علي المضي في تصفية حركات المقاومة, باعتبار أن ذلك الاتفاق الوهمي سيعطي انطباعا مغشوشا بأن ثمة أملا في حل سياسي للقضية.أضافت الصحيفة أن أولمرت في الظرف الراهن غير مستعد لإحراز أي تقدم في العملية السياسية( التي سيذهب لأجلها الوفد العربي). وهذه الفكرة محل إجماع بين جميع المعلقين السياسيين الإسرائيليين, حتي أن حنان كريستال معلق الشئون العربية في الإذاعة والتليفزيون العبرية ردد أكثر من مرة قوله بإنه لو قام أبو مازن بتقديم رؤوس قادة حماس والجهاد علي طبق من فضة إلي أولمرت, فإن الأخير سيظل عاجزا عن القيام بأي خطوة باتجاه التسوية السياسيةجدير بالذكر في هذا الصدد أن الصحف الإسرائيلية نقلت خلاصة حديث أولمرت في اجتماع مجلس الوزراء عقب انفجار الموقف في غزة الذي قال فيه إن لإسرائيل في الوقت الراهن هدفين استراتيجيين يتعين التحرك لتحقيقهما بكل قوة وإصرار هما: قيام أبو مازن وأجهزته بلعب دور مركزي للقضاء علي المقاومة الفلسطينية بالضفة, بشكل يقلص الحاجة الي تدخل الجيش الإسرائيلي, أي أن تنوب حكومة رام الله عن الإسرائيليين في تصفية المقاومة بالضفة, أما الأمر الثاني فهو العمل الدؤوب لأجل نزع الشرعية عن حكومة حماس في قطاع غزة.تصريحات الوزراء الإسرائيليين ألقت مزيدا من الضوء علي الكيفية التي يتعاملون بها مع الأزمة, فوزير الاستيعاب والهجرة زئيف بويم قال إن أبومازن إذا أراد أن يحصل علي عوائد الضرائب المحتجزة في إسرائيل ـ نحو600 مليون دولار) فعليه أن يبادر بإعلان حرب لا هوادة فيها ضد جميع حركات المقاومة الفلسطينية, ومن ثم يتعين ربط المساعدات التي تقدم له بمدي قدرته علي الوفاء بهذا الشرط, كما دعا وزير الصناعة والتجارة الحاخام أيلي بشاي إلي تحويل عوائد الضرائب إلي أبو مازن علي دفعات, بحيث لايتم تحويل أي دفعة إلا بعد التأكد من أن قواته الأمنية حققت الإنجاز المطلوب منها في مواجهة المقاومة.
(3)إذا كانت التصريحات الإسرائيلية قد بددت بعض الالتباس في التحركات الراهنة, فإنك ستضطر إلي الاستعانة بها في فهم لغز آخر يتمثل في مشروع أبو مازن لاستقدام قوات دولية في غزة لتوفير الظروف المناسبة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة علي حد تعبيره بعد اجتماعه مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, وقد كرر الرئيس الفلسطيني هذه الدعوة عقب اجتماعه مع رئيس الوزراء الإيطالي الذي زار رام الله الأسبوع الماضي.يستشعر المرء خجلا مضاعفا وهو يقرأ هذا الكلام, مرة لأن القضية اختزلت في هذا المطلب عند أبو مازن. ومرة ثانية ـ هكذا قلت في مقام آخر ـ لأنه في حين كان الرجل يتحدث مع ساركوزي حول مشروعه, فإن افيجدور ليبرمان نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي ورئيس حزب إسرائيل بيتنا كان يواصل لقاءاته في أوروبا مع ممثلي حلف الأطلنطي( الناتو) لاقناعهم بالفكرة ذاتها, وذكرت صحيفة معاريف في6/26 أنه كان يقوم بمهمته بتنسيق كامل مع أولمرت, وأن هدف استدعاء القوات الدولية هو الاستعانة بها للقضاء علي حماس لانها تمثل تهديدا إستراتيجيا ليس فقط لاسرائيل وإنما أيضا للمصالح الغربية في المنطقة, الامر الذي يبرر تدخل حلف الناتو لاسقاط حكومتها.لعلمك فإن السيد ليبرمان هذا من غلاة المتطرفين والفاشيين في إسرائيل, وهو من دعا مرارا إلي قصف أسواق غزة ومساجدها بطائرات إف16, ونادي بطرد الفلسطينيين من الضفة وغزة وتوطينهم في سيناء, وهو من طالب بقصف السد العالي لاغراق المدن المصرية, وتدمير قصر الرئاسة السوري.هذا الرجل حين فصل في مهمة القوات الدولية المذكورة قال إن كتاب تكليفها يشمل ما يلي: منع حركات المقاومة من استهداف العمق الاسرائيلي انطلاقا من قطاع غزة ـ وقف عمليات تهريب السلاح والوسائل القتالية عبر الحدود بين القطاع ومصر ـ تفكيك الأجنحة العسكرية لحركات المقاومة الفلسطينية.هذا التوافق المدهش مع أبو مازن ليس مقصورا علي ليبرمان وحده, ولكننا نلمس نظيرا له في موقف وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي آفي ديختر الذي رفعت ضده في الغرب عشرات الدعاوي بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني حين كان رئيسا للشاباك, ذلك أن الرجل انضم إلي المعجبين بأبو مازن والمادحين له, إذ وصفه بأنه شريك لاسرائيل في حربها العادلة ضد حماس, بل إن زعيم المستوطنين في الضفة الغربية بنحاس فلنشتاين خرج عن طوره ومضي يكيل المديح لشجاعة أبو مازن, لأنه أمر قواته بمطاردة قادة وعناصر حماس, في الوقت الذي كان جيش الاحتلال يطارد فيه نشطاء فتح في نابلس( الاذاعة الاسرائيلية6/29).فلسطينيا وعربيا, فإن هذه الصورة يمكن ان ترشح ضمن عجائب هذا الزمان: أن يقف في مربع واحد كل من: أبو مازن مع أولمرت وليبرمان وديختر وفلنشتاين, في حين تقف حكومة حماس وحركتها في المربع الآخر!(4)تتعدد الاشارات الأخري الباعثة علي الحيرة والدهشة في المشهد. ولكيلا أطيل فإنني سوف اختصر بعض تلك الاشارات في الملاحظات التالية.*أفهم أن تضيع القضية وسط التجاذب الفلسطيني فيتوقف الحديث عن الاحتلال والتوسع الاستيطاني والسور والعودة.. الخ, وينشغل أبومازن وجماعته بتحرير غزة من حماس, ولكن المسألة تتجاوز الشأن الفلسطيني بحيث تمس صميم الأمن القومي العربي, فلست أفهم لماذا يستمر الموقف العربي مراقبا ومتفرجا. ولماذا لايكون هناك تحرك عربي جاد لمد جسور الحوار الفلسطيني, الامر الذي يدعوني إلي التساؤل عن دور الموقف الأمريكي, وهل هناك ضوء أخضر للسعي بين الفرقاء اللبنانيين مثلا, وضوء أحمر يصادر ذلك الجهد في فلسطين؟*في حديثه إلي التليفزيون الايطالي يوم7/9 قال أبو مازن في تصريحه للأردنيين إنه من خلال حماس دخلت القاعدة إلي غزة وأصبحت في حمايتها, إلا أن هنري سيجمان الأستاذ بكلية الدراسات الشرقية بجامعة لندن كتب مقالة في صحيفة الحياة اللندنية في6/24 كان عنوانها كالتالي: الذين لا يريدون حماس سيحصلون علي القاعدة ـ وفيه بدا الأستاذ البريطاني أكثر استقامة وموضوعية من أبو مازن.*حتي بعض المسئولين العرب أصبحوا يلحون علي ضرورة إطلاق سراح الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط بالمجان, في توافق مدهش مع الأمريكيين والأوروبيين. الغريب أنهم اسقطوا من الحسبان عشرة آلاف سجين فلسطيني لدي إسرائيل, بعضهم تحت الاعتقال منذ أكثر من20 عاما.*في7/11 نشرت الأهرام علي الصفحة الأولي تصريحا علي لسان وزير الخارجية المصرية أحمد أبوالغيط, قال فيه إن ما حدث في غزة انقلاب عسكري نفذته حماس, ولكن الرئيس حسني مبارك في حديث للتليفزيون الاسرائيلي يوم6/26 ذكر أن ما جري بمثابة أزمة داخلية بين الشركاء الفلسطينيين تحل بالحوار. ورغم أن توصيف الرئيس مبارك أكثر صوابا ودقة, إلا أن كلام وزير الخارجية يثير أكثر من سؤال حول المرجعية التي استند إليها في إطلاق تصريحه. إن في الفم ماء كثيرا.
No comments:
Post a Comment