(1) أجـراس الحـدث التركـي ورســائله: أهرام ثلاثاء 31 / 7 بقلم .. فهمـي هـويـــدي
حبذا لو وسعنا دائرة اهتمامنا بالحدث التركي, بحيث لا نكتفي بمتابعة أخباره المثيرة فحسب, وإنما أيضا نستقبل رسائله ونستوعب دروسه وعبرته.لست أقلل من حجم الإثارة فيما وصف بأنه أعتي معركة انتخابية في تاريخ الجمهورية التركية, وعندي أكثر من سبب يدعوني إلي أعذار الذين خطف الحدث أبصارهم. فبهرتهم وقائعه علي نحو شغلهم عن رسائله ودلالاته. لم لا والمعركة حامية الوطيس إلي الحد الذي استنفر المجتمع التركي بأسره(71 مليونا بينهم43 مليون ناخب), حتي إن84% من الناخبين اشتركوا في التصويت, ومن بين هؤلاء عشرة ملايين شخص قطعوا عطلاتهم وعادوا من المصايف إلي مدنهم وقراهم ليدلوا بأصواتهم. ورفع من درجة سخونة المعركة أنها كانت في جوهرها بين قوي علمانية وقومية اعتبرت تركيا مهدها وحصنها الحصين, وبين قوة وطنية صاعدة ذات خلفية إسلامية. وهذه الخلفية توفر بحد ذاتها ذخيرة وافرة للمطاعن والشكوك, التي حفظناها لكثرة ترديدها في سياق السجال المستمر بين الطرفين في العالم العربي. من التخويف من الأجندة الخفية التي تضمر الشر للديمقراطية. إلي تفتيت المجتمع وإعادته إلي الوراء, وانتهاء بتهديد النظام العلماني وتقويض أركان الدولة والانقضاض علي الجمهورية. ولم يخل الأمر من محاولة هدم شخص الطيب أردوغان(53 سنة), رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء, الذيغفر له خصومه أصوله الفقيرة( أبوه كان جنديا في القوات البحرية), وعمل في شبابه بائعا متجولا للمياه الغازية والسميط في إسطنبول, لكنهم لم يغفروا له أنه درس في احدي مدارس الإمام والخطيب الدينية, وبعد أن درس الادارة في جامعة مرمرة انضم الي حزب الرفاه الإسلامي, الذي أسسه البروفيسور نجم الدين أربكان, وبصفته تلك انتخب عمدة لإسطنبول. وهذه الخلفية جعلت القوي العلمانية المتطرفة تتربص به, حتي تصيدت له خطبة ألقاها في أحد التجمعات, وردد فيها بعض أبيات لأحد شعراء التوجه الاسلامي, قال فيها: المساجد ثكنة جنودنا والقباب خوذتنا والمآذن رماحنا. وهي العبارات التي بسببها قدم إلي المحاكمة بتهمة التحريض علي الكراهية الدينية, فحكم عليه بالسجن لمدة عشرة أشهر, قضي منها أربعة في الحبس ثم أفرج عنه.لم يقف الأمر عند ذلك الحد, وإنما اتهم بالميكيافيلية وازدواج الشخصية, ففي تقرير نشرته الشرق الأوسط في7/23 قالت مراسلة الصحيفة في أنقرة إن من المطاعن التي جرح بها أردوغان, انه علي عكس الكثير من الاسلاميين, لا يرفض مصافحة النساء, لكنه يستغفر الله كلما صافح امرأة. إلي هذا المدي وصلت سخافة الحملة ضد الرجل. ومع ذلك كله فوجيء الجميع بالاكتساح الذي حققه أردوغان وحزبه, حيث فاز مرشحو العدالة والتنمية بنحو47% من مقاعد البرلمان, وكانت هذه هي المرة الأولي في تاريخ تركيا الحديث التي يفوز فيها حزب حاكم بنسبة أصوات أعلي من التي حصل عليها في ولايته لأولي(34,3%).ا
حبذا لو وسعنا دائرة اهتمامنا بالحدث التركي, بحيث لا نكتفي بمتابعة أخباره المثيرة فحسب, وإنما أيضا نستقبل رسائله ونستوعب دروسه وعبرته.لست أقلل من حجم الإثارة فيما وصف بأنه أعتي معركة انتخابية في تاريخ الجمهورية التركية, وعندي أكثر من سبب يدعوني إلي أعذار الذين خطف الحدث أبصارهم. فبهرتهم وقائعه علي نحو شغلهم عن رسائله ودلالاته. لم لا والمعركة حامية الوطيس إلي الحد الذي استنفر المجتمع التركي بأسره(71 مليونا بينهم43 مليون ناخب), حتي إن84% من الناخبين اشتركوا في التصويت, ومن بين هؤلاء عشرة ملايين شخص قطعوا عطلاتهم وعادوا من المصايف إلي مدنهم وقراهم ليدلوا بأصواتهم. ورفع من درجة سخونة المعركة أنها كانت في جوهرها بين قوي علمانية وقومية اعتبرت تركيا مهدها وحصنها الحصين, وبين قوة وطنية صاعدة ذات خلفية إسلامية. وهذه الخلفية توفر بحد ذاتها ذخيرة وافرة للمطاعن والشكوك, التي حفظناها لكثرة ترديدها في سياق السجال المستمر بين الطرفين في العالم العربي. من التخويف من الأجندة الخفية التي تضمر الشر للديمقراطية. إلي تفتيت المجتمع وإعادته إلي الوراء, وانتهاء بتهديد النظام العلماني وتقويض أركان الدولة والانقضاض علي الجمهورية. ولم يخل الأمر من محاولة هدم شخص الطيب أردوغان(53 سنة), رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء, الذيغفر له خصومه أصوله الفقيرة( أبوه كان جنديا في القوات البحرية), وعمل في شبابه بائعا متجولا للمياه الغازية والسميط في إسطنبول, لكنهم لم يغفروا له أنه درس في احدي مدارس الإمام والخطيب الدينية, وبعد أن درس الادارة في جامعة مرمرة انضم الي حزب الرفاه الإسلامي, الذي أسسه البروفيسور نجم الدين أربكان, وبصفته تلك انتخب عمدة لإسطنبول. وهذه الخلفية جعلت القوي العلمانية المتطرفة تتربص به, حتي تصيدت له خطبة ألقاها في أحد التجمعات, وردد فيها بعض أبيات لأحد شعراء التوجه الاسلامي, قال فيها: المساجد ثكنة جنودنا والقباب خوذتنا والمآذن رماحنا. وهي العبارات التي بسببها قدم إلي المحاكمة بتهمة التحريض علي الكراهية الدينية, فحكم عليه بالسجن لمدة عشرة أشهر, قضي منها أربعة في الحبس ثم أفرج عنه.لم يقف الأمر عند ذلك الحد, وإنما اتهم بالميكيافيلية وازدواج الشخصية, ففي تقرير نشرته الشرق الأوسط في7/23 قالت مراسلة الصحيفة في أنقرة إن من المطاعن التي جرح بها أردوغان, انه علي عكس الكثير من الاسلاميين, لا يرفض مصافحة النساء, لكنه يستغفر الله كلما صافح امرأة. إلي هذا المدي وصلت سخافة الحملة ضد الرجل. ومع ذلك كله فوجيء الجميع بالاكتساح الذي حققه أردوغان وحزبه, حيث فاز مرشحو العدالة والتنمية بنحو47% من مقاعد البرلمان, وكانت هذه هي المرة الأولي في تاريخ تركيا الحديث التي يفوز فيها حزب حاكم بنسبة أصوات أعلي من التي حصل عليها في ولايته لأولي(34,3%).ا
(2) الإثارة في الحدث في كفة, ودلالاته في كفة أخري, حيث أزعم أن ما جري في تركيا يبعث إلينا في العالم العربي بحزمة رسائل موجهة إلي ثلاثة عناوين: الحركات الاسلامية من جهة, والأنظمة العربية من جهة ثانية, والمثقفون العرب من جهة ثالثة.وقبل أن أعرض لتلك الرسائل أذكر بحقيقة أرجو ألا تغيب عن البال. وهي أن التجارب السياسية لا تستنسخ, لأن لكل مجتمع خصوصيته الاجتماعية والتاريخية, فالموضوع الاسرائيلي هناك ليست له ذات الحساسية القائمة في العالم العربي, ربما لأن تركيا كانت أول دولة مسلمة اعترفت بإسرائيل عام48. كما أن العلمانية هناك دين وليست مجرد مشروع سياسي. وكمال أتاتورك له مكانة تفوق مقام الأنبياء. حتي إن العيب في الذات الإلهية قد يعد من قبيل ممارسة حرية التعبير والرأي, أما المساس بشخص أتاتورك فهو كفر بالملة الوطنية وتقويض لثوابت المجتمع, وإذا كان من التبسيط والتسطيح الدعوة إلي نقل النموذج التركي, فإن ذلك ينبغي ألا يتعارض مع محاولة الإفادة في دروس الخبرة التركية.الرسالة التي توجهها تجربة حزب العدالة والتنمية إلي الحركات الاسلامية تتضمن عناصر عدة في مقدمتها ما يلي:* أن الحزب نجح في أن يقدم نفسه باعتباره مشروعا لانقاذ الوطن وليس مشروعا للجماعة, ولأنه كان صادقا في مصالحته مع الواقع بمختلف مكوناته, فإنه حصل علي تأييد نسبة كبيرة من أصوات الأقليات الدينية والعرقية, ولم يجد عقلاء العلمانيين غضاضة في التصويت له.* انه استلهم الايديولوجيا في التمسك بالنزاهة وطهارة اليد, وبالانحياز إلي ما ينفع الناس. وحين قدم الحزب النموذج في السلوك وفي الأداء, وجد الناس فيه بغيتهم, خصوصا حين أدركوا أنهم أصبحوا أفضل حالا في ظل حكم العدالة والتنمية, إذ في خلال فترة حكمه التي استمرت بين عامي2002 و2006, تضاعف متوسط دخل الفرد, من2500 دولار في السنة إلي خمسة آلاف دولار, وانخفض التضخم من29.7% إلي9.65% وزاد الناتج المحلي من181 مليار دولار إلي400 مليار دولار, وارتفع الاستثمار الأجنبي من1.14 مليار دولار إلي20 مليارا.. إلخ( مصدر المعلومات هو تقرير معهد الدولة التركي) وذلك يعني أن الحزب استند إلي شرعية الانجاز فأيدته الأغلبية.* أن التصالح مع المجتمع حين تزامن مع شرعية الانجاز الاقتصادي, فإن ذلك وفر للمجتمع قدرا طيبا في الاستقرار السياسي, الذي لم تعرفه تركيا منذ نصف قرن, الأمر الذي عزز من مكانة الحزب, إذ أدرك الناس أن استمراره في السلطة مفيد لهم ليس اقتصاديا فحسب, وإنما سياسي أيضا.* أن أداء حكومة العدالة اتسم بحسن ترتيب الأولويات وبالنفس الطويل. وموقفها من قضية الحجاب يجسد هذه الحقيقة. فرغم قول أردوغان ذات مرة إن الحجاب هو شرفنا, وإن زوجته محجبة وكذلك زوجات أغلب قيادات حزبه, فإنه لم يتخذ أي إجراء لالغاء قرار منع المحجبات من دخول الجامعات والمصالح الحكومية, بل إن حزبه رشح بعض غير المحجبات في الانتخابات الأخيرة. وقد سمعت من وزير خارجيته ومرشحه للرئاسة عبد الله جول قوله إن مسألة الحجاب ليست من أولويات أجندة الحزب. وإن إشباع حاجات الناس وحل مشكلاتهم الأساسية هي ما ينبغي التركيز عليه في المرحلة الراهنة.
(3) في العام الماضي ذهب إلي تركيا أحد الدعاة الذين اشتهروا في العالم العربي في السنوات الأخيرة بهدف دراسة تجربة أردوغان وحزبه. ويبدو أن النجاحات التي حققها صاحبنا, جعلت بعض المحيطين به يقنعونه بأنه يمكن أن يكون أردوغان بلاده. وفي حدود علمي فإنه أمضي هناك شهرا أو أكثر لمتابعة الموقف والتعرف علي نشاطات الحزب, ثم عاد بعد ذلك إلي بلاده ولم يفعل شيئا. وحسبما فهمت فإنه اكتشف أن نجاحات أردوغان لم تكن راجعة لقدراته الشخصية فحسب, وإنما كان للبيئة السياسية والاجتماعية في تركيا دورها في ذلك النجاح.هذه القصة تصلح مدخلا لاستيعاب رسالة الحدث التركي إلي الأنظمة العربية, التي أحسبها المسئولة عن توفير البيئة للعمل السياسي. ذلك أن ثمة بيئة تعلم الناس الاعتدال وأخري تلقنهم دروسا يومية في التطرف والقمع, حتي قيل بحق إن كل نظام يفرز المعارضة التي يستحقها.فأردوغان وفريقه لم يولدوا في عام2001 حين أسسوا حزبهم. وإنما هم ثمرة مخاض تجاوز عمره ثلاثين عاما. حين أسس البروفيسور نجم الدين أربكان حزب السلامة الوطني في بداية السبعينيات, في مناخ ديمقراطي بصورة نسبية, احتمل حزبا إسلاميا احتكم إلي الشارع وكان له حضوره في البرلمان, فدخل في ثلاثة تجمعات ائتلافية مع قوي اليمين واليسار التركي. وهذا الحزب جري حله فشكل أربكان حزبا آخر باسم الرفاه, وكان أردوغان من أركان ذلك الحزب, الأمر الذي مكنه بصفته تلك من الفوز برئاسة بلدية اسطنبول عام95. واستطاع أربكان أن يرأس حكومة ائتلافية مع طانسوتشلر زعيمة حزب الطريق المستقيم في عام96, ولكنه اصطدم مع الجيش الذي تدخل لإسقاط الحكومة بعد عام واحد من تشكيلها. وحكم القضاء بإلغاء حزب الرفاه, فأسس أربكان حزب الفضيلة الذي حكمت المحكمة بحله أيضا, فأسس بعد ذلك حزب السعادة الذي لايزال مستمرا إلي الآن. وقد خرج أردوغان مع آخرين من حزب الفضيلة, حيث انتهجوا خطا آخر فأسسوا في عام2001 حزب العدالة الذي استطاع أن يبلور مشروعا أكثر تفاعلا مع الواقع التركي, ففاز ممثلوه في انتخابات2002 ثم في انتخابات2007 علي النحو الذي رأيت.رسالة هذه الخلفية تقول بوضوح إن المناخ الديمقراطي اذا كان نزيها فإنه ينبغي ألا يضيق بأي فكر, وإن إنضاج ذلك الفكر وتهذيبه يتمان من خلال الممارسة, وليس من خلال الخطب والأوراق المكتوبة. تقول تلك الرسالة إن الاحتكام إلي الرأي العام من خلال الانتخابات النزيهة ينبغي أن يكون المعيار الذي تتحدد به خطوط المشروعات السياسية والفكرية المختلفة. وقد وجدنا في التجربة التركية الأخيرة أن حزب السعادة الذي خرج أردوغان من عباءة مؤسسة نجم الدين أربكان حصل علي2% فقط من الأصوات, في حين أن حزب العدالة حصل علي47% من الأصوات. وكان المجتمع هو الذي قرر تلك الحصص.
(4) سبقني الدكتور عزمي بشارة في التقاط رسالة الانتخابات التركية إلي المثقفين العرب, حين نشرت له صحيفة الحياة اللندنية في(7/26) مقالة بعنوان: أسئلة إلي العلمانيين العرب مع انتصار الإسلام المعتدل في تركيا. وهي مقالة انتقد فيها موقف غلاة العلمانيين الذين رأوا في العلمانية موقفا من الاسلام السياسي, الذي لم يعد ممكنا تجاهله في الواقع العربي. ولاحظ التطور المستمر في فكر التيار الاسلامي والمشروع السياسي, ودعا إلي إدراك التمايزات المهمة بين فصائل ذلك التيار, كما دعا إلي انضاج رؤية العلمانية إلي الاسلاميين, وإلي مراجعة وتطوير رؤية الاسلاميين إلي العلمانيين.هذه الخلاصة تركز أغلب ما أردت أن أقوله فيما يخص المثقفين العرب. وقد أضيف إليها من باب الايضاح فقط نقطتين, الأولي انه ليس من النزاهة السياسية أو العلمية أو حتي الأخلاقية أن يوضع كل أصحاب التوجه الاسلامي في سلة واحدة, كما أنه ليس من حسن القراءة أن يجير الخطاب الاسلامي لحساب جهة ذاتها, حتي اذا ما أصرت علي أن تقدم نفسها بحسبانها الممثل الشرعي الوحيد. النقطة الثانية أن بين العلمانيين من اعتبرها حرفة وليست موقفا أو رؤية. وهؤلاء أخفوا كراهيتهم للإسلام وأهله مرة تحت وشاح العلمانية, ومرة باسم الدفاع عن الديمقراطية, وهم من لايزالون يعتبرون أن التوجه الاسلامي دائرة مصمتة ومغلقة, لا يرجي منها خير أو أمل, ومن ثم لا بديل عن اقصائها أو إبادتها من الوجود. وهؤلاء معفون من استلام رسالة الانتخابات التركية.إن توجيه الرسائل مهم لا ريب. لكن الأهم من ذلك هو استلامها.
No comments:
Post a Comment