Sunday, July 29, 2007

هل يمكن أن يحدث بالعالم العربي ما حدث بتركيا


هل يمكن أن يحدث بالعالم العربي ما حدث بتركيا ؟َ!
د.عصام العريان :ـ المصريون بتاريخ 29 - 7 - 2007
سؤال تكرر في نفسي قبل أن يتكرر على سمعي عدة مرات في أسئلة الإخوان والسياسيين والصحفيين وفي الفضائيات وكانت الإجابة الواضحة : نعم يمكن إذا تكررت نفس الشروط خاصة شرط نزاهة وحرية الانتخابات ومعها حرية تشكيل الأحزاب .كان هذا هو الموجز وإليك عزيزي القارئ الصيفي الذي يبحث عن المواد الخفيفة في هذا الحر الخانق "نسأل الله أن يقينا حر جهنم" بعيدا عن السياسة والفكر ودهاليزها إلا أن السياسة تأبى إلا أن تطاردنا حتى في هذا الصيف الساخن جدا والذي يزداد سخونة يوما بعد يوم وتتلاحق فيه الأحداث من باكستان للعراق وفلسطين ولبنان وفي الطريق سوريا وإيران والصومال والسودان .لقد شغلتنا أحداث تركيا منذ أزمة الانتخابات الرئاسية التي فشل حزب العدالة والتنمية في تمرير مرشحه "عبد الله جل" لموقع الرئيس وبذلك يحكم سيطرته على مؤسسة الرئاسة بعد البرلمان والحكومة وبذلك يحاصر المؤسسة المستعصية"الجيش"من كافة الجهات ويمرر ما يراه مناسبا من قوانين لاستكمال الإصلاح الدستوري والسياسي بجانب الإصلاح الاقتصادي ويتهيأ بذلك للرد على الشروط الأوروبية المتعنتة مقابل الانضمام للاتحاد الأوروبي .أعادت هذه الأحداث المتلاحقة أزمة الرئاسة والتعديلات الدستورية لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب والانتخابات البرلمانية المبكرة وأعادت الاعتبار إلى التيار الإسلامي السلمي الوسطي المعتدل الذي يقول بالتوافق بين الإسلام ومنهجه ونظمه في الحكم والإدارة وبين الديمقراطية الغربية في أسسها ومبادئها الأساسية مثل : التعددية في الرأي والفكر والعقيدة والتعددية في التنظيم والحزبية النظام الدستوري الذي ينظم سلطات الدولة ويحدد العلاقة بينها ويوازن بين السلطات الثلاث : التنفيذية والتشريعية والقضائية وحماية الحريات العامة بكل أنواعها : حرية الرأي حرية التعبير حرية الاعتقاد حرية التملك حرية التنقل ...إلخ، النظام النيابي التمثيلي الذي يقوم على حرية الانتخابات الدورية والسماح بتداول السلطة بين القوي والأحزاب السياسية في إطار منظومة إسلامية .وخلال العقد الأخير في البلاد التي احترمت الحد الأدنى من الحريات العامة وتحققت فيها انتخابات حرة نزيهة من المغرب إلى أندونسيا كان الفوز من نصيب الأحزاب السياسية الإسلامية والحركات الإسلامية التي لم يسمح لها بتكوين أحزاب مثل الإخوان في مصر ..و إما أن تكون الأولى أو الثانية أو الثالثة على الأكثر .ونحن ننتظر انتخابات في بداية شهر سبتمبر القادم في المغرب حيث يتوقع المراقبون أن تتأكد هذه النظرية التي تقول إن البديل المتاح والقوي للحكومات الفاسدة المستبدة هي الحركات الإسلامية .لقد أثبتت الانتخابات التركية صدق هذا الاحتمال فقد فاز الحزب ذات الجذور الإسلامية الذي تحرم عليه القوانين العلمانية أن يعلن عن هويته أو يتحدث عن الإسلام والجميع يعلم جذوره الإسلامية القوية وتظهر ذلك في تمسك زوجات رئيس الوزراء ونوابه ووزرائه بالحجاب الإسلامي رغم الحرب التي يشنها الجيش والقضاء والجامعات على المحجبات مما دفع اردوغان إلى إرسال ابنتيه إلى أمريكا لإكمال الدراسة الجامعية .ومن قبل كان إربكان : أستاذ الحركة الإسلامية التركية السياسية الحديثة عندما يريد الحديث عن الإسلام يسميه "النظام العادل" فاز حزب العدالة رغم المظاهرات المليونية الحاشدة التي نظمها العلمانيون بمباركة ورعاية الجيش الذي يتربص بالحزب الحاكم ورغم موقف المحكمة الدستورية الذي أجهض انتخاب البرلمان للرئيس المرشح "جل" فكان رد الشعب في صناديق الاقتراع .فاز حزب العدالة والتنمية في بلد يتمتع فيها الجميع بحريات متساوية وحقوق متكافئة بل حكم فيها العلمانيون عقودا ثمانية منفردين...وضد أحزاب قوية حكمت منفردة وحكمت متحالفة مما يجهض المقولة المضادة التي تقول : إن الأحزاب الإسلامية تفوز بسبب حصار الحكومات المستبدة للأحزاب المدنية أو العلمانية وهي التي تتمتع في بلاد العرب بالحريات الأساسية : التنظيم والتعبير وقدر معقول من الحركة والنشاط إلا أنها فشلت في تجربة الحكم ورسخت الفساد السياسي والإداري والاقتصادي وفشلت في التعبير عن أمال وأحلام الشعوب والجماهير .في برنامج للتليفزيون البريطاني كانت حجة السيدة بنازير بوتو رئيسة وزراء باكستان هي نفس الحجة القديمة : إن النظام الديكتاتوري الباكستاني لم يترك بديلا له إلا التيارات الإسلامية المتشددة ونسيت أنها حكمت عدة مرات وحكم أبوها من قبلها وأنهم حلفاء وأصدقاء للأمريكيين وانتهى حكمهم إلى الانقلاب الأول الذي قام به ضياء الحق ثم الثاني ضد نواز شريف غريمها السياسي العلماني بقيادة برويز مشرف ديكتاتور باكستان الذي ينازع النوع الأخير الآن بعد ان تخلت عنه أمريكا وقام بمذبحة المسجد الأحمر وأعادت المحكمة العليا رئيسها السابق "افتخار شودري" إلى موقعة ليعيد مطالبة مشرف بالإفصاح عن مصير مئات المعتقلين السابقين في الحرب على الإرهاب والذي كان السبب في إقالته غير الدستورية والآن أضاف إليهم مئات الطلاب الذين اعتصموا في المسجد الأحمر ويقول مشرف أن القتلى 400 فقط بينما يطالبه شردي ببيان مصير أكثر من 1500 طالب كانوا يدرسون واعتصموا داخل المسجد الأحمر الذي افتتح لصلاة الجمعة بعد تغيير لونه إلى الأخضر وتسليمه إلى الجماعة البريليونية الصوفية بديلا عن المدرسة "الديوبوندية" الحنفية فكانت مذبحة جديدة .أسقطت الانتخابات التركية هذه الحجة الواهية وستسقطها الانتخابات المغربية القادمة وعززت ذلك كل الانتخابات التي جرت في بلاد تتعدد فيها الأحزاب وتتم فيها الانتخابات بقدر معقول من النزاهة مثل الأردن واليمن وأندونسيا .إلا أن الحركات السياسية الإسلامية والأحزاب أيضا مطالبة بالاستفادة من التجربة التركية وأهم هذه الدروس المستفادة:1ـ العمل في ظل ظروف بالغة القسوة مع عدم الرضا بالواقع المر أملا في تغييره مع التدرج في ذلك والنفس الطويل. 2ـ القدرة على بناء حزب سياسي حقيقي مفتوح لكل المواطنين، يشعر كل من ينتمي إليه بقدرته على المشاركة في القرار والاستفادة من عضوية الحزب، وأن الحزب يمثل مظلة وطنية للجميع في ظل القواسم المشتركة.3ـ الحوار والتنافس مع القوى السياسية من مختلف التيارات حتى تلك المغالية جدًا والمتشددة في عدائها لكل ما هو إسلامي، وعدم القطيعة معها، واحترام ثقلها ووجودها السياسي أملاً في تحييدها أو تغييرها إلى الأفضل فإن لم يكن تأملاً في تحجيم وزنها السياسي فليس شطبها من الحياة السياسية شرط التزامها بالدستور والقانون ولا شك أن عدم نزول مظاهرات مضادة إبان اشتداد الأزمة الرئاسية كان قرارًا حكيمًا وصائبًا.4ـ الحفاظ على التوازن في العلاقة مع المؤسسات الوطنية الهامة كالجيش والمخابرات والقضاء ورجال الأعمال والصناعة وعدم الصدام معها.5ـ التعبير عن مصالح الغالبية العظمى من الشعب والدفاع عن حقوقه القانونية والدستورية والسعي إلى تحقيق العدل والمساواة والدفاع عن الحريات العامة.6ـ الإصلاح الاقتصادي اليوم هو المفتاح السحري لكسب ثقة الشعب، فلا شك أن المؤشرات الاقتصادية التي حققتها حكومة حزب العدالة والتنمية خلال أقل من 5 سنوات من خفض العجز والتضخم، ونمو الدخل القومي، ونسبة نمو عالية وكانت بداية ذلك هو ما أعلنه أردوغان في خطاب الفوز الكبير عندما قرر الاستمرار في مقاومة وحزب الفساد وكشف المافيا ، وعندما يواجه الإسلاميون الفساد فإنهم يحاربون على نفس جبهة الاستبداد ، فهما قرينان وشريكان في إفساد المجتمعات.على الحركات والأحزاب الإسلامية بناء تصور اقتصادي واقعي للحرب على الفساد والمافيا وبناء اقتصاد وطني وقومي سليم.7ـ التواضع وخفض الجناح وعدم الغرور شرط لاستمرار النجاح.8 ـ بناء علاقة جيدة مع الغرب والخارج بعيدًا عن الصفقات السرية وفي العلن من موقع القوة الشعبية مع عدم الرضوخ للإملاءات والشروط المجحفة، بل تقوم هذه العلاقة على الاحترام والقيم المشتركة والمصالح المشتركة من أجل بناء حضارة إنسانية وتحقيق الأمن والاستقرار في العالم كله.إن إقناع الغرب بأنه لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في العلاقات الدولية وأن الغرب عليه أن يغير من نظرته إلى الإسلام كعقيدة ويحترم حق المسلمين في اختيار طريقة حياتهم وشريعتهم التي تحكمهم ولا يفرض عليهم نظامًا معينًا على عكس ما يقوله "بوش" إن المتطرفين الإسلاميين هم الذين يريدون تغيير نظام الحياة في الغرب. هذا الإقناع يمكن أن يتبناه عقلاء الغرب من أجل تحقيق أمن واستقرار ورخاء في البلاد العربية والإسلامية، ومن هذا المنطلق يمكن أن يساهم المسلمون في بناء الحضارة الإنسانية العالمية من منطلق قوة التنوع في الثقافات والحوار بين الحضارات ولا نظل ندور في فلك الغرب دومًا.***

No comments: