إسلاميو تركيا ليبراليون ــ عبد الرحمن الراشد
الشرق الأوسط 25/ 7
الذين يفاخرون بانتصار حزب العدالة على أنه دليل على انتشار «المشروع الاسلامي» عليهم ان يفكروا مرتين قبل تأييده لأنه لا يماثل شيئا من الفكر المتطرف الذي اشتهرت به الاحزاب الاسلامية في العالم العربي، تقريبا لا شيء. على العكس منها العدالة والتنمية، برئاسة رجب طيب أردوغان، حزب أقرب الى الليبرالية بطروحاته وممارساته من أي جماعة إسلامية سياسية عربية.
أيضا، الذين يساندون حزب الشعب الجمهوري العلماني من الليبراليين العرب عليهم ان يراجعوا موقفهم لأن حزب الشعب الجمهوري اقرب في تفكيره وممارساته الاقصائية إلى الفاشية. وهذا في حد ذاته إنكار لأي حس ليبرالي يؤمن بحق الآخرين في التعبير عن آرائهم ومطالبهم، وضد المنطق الديموقراطي.
المسمّيات مضللة لأنها تعطي مفهوما مختصرا لموقف سياسي يطول شرحه عن كلمتين، فحزب العدالة والتنمية الإسلامي ليس إسلاميا بمقاييس العرب السياسية، وإن كانت صورة زوجة رئيس الحزب اردوغان تظهر لهم فيها محجبة. فالحزب ليس ضد تعرية رأس المرأة بدليل أن معظم النساء اللاتي رشحن عن الحزب لسن محجبات. ايضا الحزب ليس ضد الفوائد البنكية، ولا يعارض الحريات الشخصية. اما في السياسة الخارجية فالممارسات أعظم حيث ان إسلاميي تركيا مارسوا العلاقة مع اسرائيل اكثر من العلمانيين بزيارات مباشرة الى تل ابيب، وعقدوا تحالفات اقوى مع الولايات المتحدة. بل إن اردوغان نفسه طرد 150 من ممثليه عندما صوتوا ضد السماح للقوات الاميركية باستخدام الاراضي التركية لغزو العراق. فهل يبدو لكم ان الحزب الاسلامي التركي يماثل العدالة والتنمية المغربي، او الاخوان المسلمين في مصر او الاردن، او حماس في غزة ؟ قطعا لا.
وبطبيعة الثقافة التركية فإن المجتمع التركي لم يتقبل أبدا الحركات الاصولية المتطرفة حتى من قبيل الاعتراض على هيمنة العسكر الطويلة على الحياة السياسية والتي كانت قاسية في فترات سابقة. كانت معظم الحركات التي ولدت لمواجهة القمع العسكري حركات يسارية، بعضها في غاية التطرف. اما الجيش نفسه فلا يزال يتمتع بتأييد كبير بين المواطنين الاتراك الذين يعتبرونه رمز فخرهم وصمام الأمان للبلاد.
وحب الأتراك لحزب العدالة الاسلامي ينبع من ثلاث، اولاها انه بقيادة اردوغان حقق لهم اعظم نجاح اقتصادي منذ ايام رئيس الوزراء اوزال، بعد تعديل الانظمة التي فتحت البلاد للاستثمار الخارجي ورفعت مداخيل السياحة. نجاحه الاقتصادي عوض الاتراك عن مهانة استجداء الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. وثانيتها قدرته على تبني سياسة محلية معتدلة جعلت الاكثرية تثق به. وثالثتها فشل الاحزاب الاخرى في تقديم بدائل أفضل.
ليت الاحزاب الاسلامية التي لا تمل المفاخرة بنماذج اسلامية خارجية في ماليزيا، والآن تركيا، أن تقلدها، لأن الاسلاميين في هذين البلدين لا يمتون بصلة فكر أو عمل للإسلاميين في منطقتنا. بل هم على العكس منهم تماما. إسلاميونا اقرب الى طالبان الافغانية والمحاكم الاسلامية الصومالية الفاشلة.
No comments:
Post a Comment