Saturday, July 21, 2007

وإلي ماذا ننظر إذا كان الكوب كله فارغاً؟



بقلم د.طارق الغزالى حرب المصري اليوم ٢١ /٧ /٢٠٠٧

ربما لا يكاد يمر يوم لا نسمع فيه مسؤولاً كبيراً كان أو صغيراً أو إعلامياً من تلك الفئة من المطبلين والمصفقين والمنافقين، لا يذكرنا فيه بالمثل الذي يطالبنا بألا نكون دائماً من المتشائمين الذين ينظرون إلي نصف الكوب الفارغ، ولا يتحدثون عن النصف الآخر الملآن.. والذي يمثل ـ من وجهة نظرهم ـ جهودهم وإنجازاتهم التي لا نعطيها ما تستحقه من الإشادة والثناء!! كرهت هذا المثل وأصبحت أصاب بنوع من الحساسية عند سماعه، إلي أن تنبهت في الفترة الأخيرة إلي أنني لم أعد أسمع هذا المثل كثيراً، كما كان يحدث في الماضي، فاجتاحني إحساس بالسعادة والحبور، وقلت: لعل هؤلاء قد أصبح عندهم دم، وبدأوا يشعرون بحجم المعاناة التي تعيشها الغالبية العظمي من المواطنين المصريين المنبوذين..

إلي أن شاهدت علي شاشات التليفزيون المحلية والفضائية تلك المظاهرات، التي يحمل أصحابها الجراكن ويتشاجرون مع بعضهم البعض بحثاً عن قليل من المياه، يشربونها وينظفون بها أجسادهم المتهالكة، فأدركت علي الفور أن اختفاء هذا المثل، الذي يصدع به هؤلاء المسؤولون وإعلامهم الغث رؤوسنا هو لسبب آخر تماماً، ذلك أن كوبهم كله فارغ، وليست هناك قطرات مياه تملأ نصفه ليطالبونا بالنظر إليها!! ألا يمكن أن نقول الآن إنه لو كانت هناك منذ عقود صحافة مستقلة قوية،.

كالتي ظهرت في بلادنا مؤخراً، وكان هناك الإعلام الشجاع الأمين، الذي لا يصفق ولا يهلل لمجرد الكلمات المرسلة عن تجديد البنية الأساسية وشبكات المياه والصرف الصحي، وكان ينظر إلي النصف الفارغ من الكوب وينبه ويحذر من أن هناك مناطق بكاملها علي أرض الكنانة لم تصلها هذه المشروعات وأن الإنفاق العام لا يراعي مصالح الغالبية العظمي من فقراء الشعب المصري.

لو كان هناك ذلك ما وصلنا الآن إلي تلك الصورة المهينة التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية عن مظاهرات الفقراء، بحثاً عن نقطة ماء نظيفة في بلد النيل العظيم، الذي قال فيه أمير الشعراء شوقي يوماً: «وبأي كف بالمدائن تغدق»، هل ما حدث من فضيحة أظهرت إهمالاً وتجاهلاً للمطالب الأساسية للغالبية العظمي من الشعب المصري علي مدي عقود لا يستوجب محاكمة وزراء الإسكان السابقين الذين تنافسوا في إنشاء مدن الترفيه وملاعب الجولف وحمامات السباحة بالمنتجعات الخاصة لإرضاء ذوي السلطة والسلطان ومن يدور في فلكهم.

وبالتأكيد علي حساب الموارد التي ينبغي توجيهها لبنية أساسية توفر الحد الأدني المطلوب لمعيشة الإنسان في القرن الحادي والعشرين وهي الماء النظيف والصرف الصحي السليم، والتي توفر بدورها المليارات التي ندفعها لعلاج أمراض فتاكة هيأنا لها كل الظروف المناسبة لانتشارها وتوحشها؟! ذكرتني أزمة المياه بحكاية نصف الكوب الفارغ هذه.

ولكن قبلها تذكرتها وأنا أقرأ عموداً لكاتب متميز، هو الأستاذ سمير الشحات نشره بأهرام ٢٥/٦، أعجبني جداً، ربما لأنه استخدم تشبيهاً طبياً، وأنا بحكم مهنتي تستهويني هذه التشبيهات إذ إنه شبه ما يحدث في الأمة المصرية هذه الأيام بعجوز أصابها السرطان واجتمع أبناؤها يتجادلون: أيبلغونها بالحقيقة المرة لإعدادها نفسياً لتلقي العلاج المطلوب وتحمل قسوته، أم يتركونها تعيش وهم أن كل شيء تمام، ويحشون عقلها بأمل كاذب ويخدعونها بمعسول الكلام وينظرون إلي نصف الكوب الملآن..

فهي في نظرهم تستطيع المشي ولو بخطوات ثقيلة متباطئة ولا تتألم كثيراً بفعل المهدئات والمسكنات؟! هل نترك هذه الأمة العظيمة لأصحاب هذا الفكر الخبيث الذين لا يرون أبعد من تحت أقدامهم لنفاجأ ذات صباح بأنها ـ لا قدر الله ـ أصبحت في عداد الأموات؟ إنني أقول لهم: يا سادة دعونا نتصارح ونتحاسب.. ودعوكم من هذه الأمثلة التي لا معني لها الآن في حياتنا.. فلم يعد هناك كوب أصلاً.. وإنما «جراكن» فاضية.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

No comments: