فهمي هويدي ـ الشرق الأوسط ـ الأربعاء 7/2/2007
من صاحب المصلحة في الفلتان الأمني الذي يشهده قطاع غزة؟ تفيدنا الإجابة عن السؤال في تحرير ما يجري هناك، ووضعه في إطاره الصحيح. ذلك انه ما من عاقل يمكن ان يقبل الادعاء بأن حكومة حماس حريصة على إشاعة ذلك الفلتان. بما يستصحبه من إراقة للدم الفلسطيني ومن فوضى وفتنة غيبتا القضية الأساسية أو سحبت الكثير من رصيد العمل الوطني الفلسطيني. إذ أن للحكومة مصلحة أكيدة في تهدئة الساحة، على النحو الذي يمكنها من أن تفي بما وعدت به الجماهير من سعي للتغيير والإصلاح.
بذات القدر، فان أي مراقب محايد للشأن الفلسطيني لا يحتاج إلى جهد لكي يدرك أن الأطراف التي أضيرت من جراء فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية ومن ثم توليها الحكومة. هذه الأطراف هي صاحبة المصلحة الحقيقية في إفشال حكومة حماس بمختلف الوسائل، التي قد يكون إحكام حصارها سياسيا واقتصاديا إحداها.
وإنما المؤكد أن إطلاق الفلتان الأمني يحقق لها مرادها في إثارة قلق الشارع الفلسطيني وفي إشاعة الخوف بين الجماهير، وهو ما إذا انضاف إلى شح الموارد المالية والاقتصادية في ظل الحصار، فانه يعد إشهارا لفشل الحكومة، الأمر الذي يقنع الجماهير بأن حياتهم أصبحت أكثر صعوبة ومحنتهم غدت أشد في ظلها.
إننا لا نحتاج إلى جهد ـ أيضا ـ لكي ندرك أن ثمة أطرافا خارجية لها مصلحة في تفجير الوضع الداخلي الفلسطيني. إذ لا يشك احد في أن الأوساط الإسرائيلية هي الأكثر ترحيبا وسعادة بما يجري في غزة. لكن المؤكد أيضا أن بين الذين خسروا الانتخابات تيارا سعى جاهدا منذ اللحظات الأولى لإفشال الحكومة ووضع العصي في دواليبها. وكان سحب الصلاحيات منها هو الخطوة المبكرة في هذا الاتجاه. ثم كانت المقاطعة السياسية التي تزامنت مع المقاطعة الاقتصادية خطوة ثانية. ومن الواضح ان المواجهة المسلحة المكشوفة هي الخطوة الثالثة، وليس معروفا بعد ما إذ كانت تمثل السهم الأخير في الجعبة أم لا. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هذه المواجهة المسلحة هي الخاسرة في الصراع الراهن، وانه كان هناك تعويل عليها وإعداد لها من البداية ـ للجوء إليها عند اللزوم.
ثمة خلفية مهمة في تشكيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فصل فيها زميلنا صالح النعامي ـ الصحفي الفلسطيني ـ في تقرير نشره على موقعه بالانترنت (في 13/1/2007) ذكر فيه ما يلي:
ـ إن جميع الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تشكلت في أعقاب الإعلان عن تأسيس السلطة الفلسطينية في عام 1994 تخضع لسيطرة حركة «فتح». فقادة تلك الأجهزة وكبار ضباطها هم مسؤولون وكوادر في فتح، وكذلك الحال في بقية الرتب، وصولا إلى أدناها درجة، ذلك أن أي شاب إذا ما أراد أن يلتحق بالأجهزة الأمنية، كان مطالبا بالحصول على تزكية من مكتب أمانة سر حركة فتح في مكان سكناه، بما يؤكد انه من عناصر الحركة ـ ليس ذلك فحسب وإنما الثابت أيضا أن جميع قادة الأجهزة الأمنية حافظوا على مواقعهم التنظيمية في الحركة بعد توليهم مناصبهم في تلك الأجهزة. بل ان كثيرين منهم يحتفظون بعضويتهم في المجلس الثوري لفتح. وجميعهم على وعي بأن ارتقاءهم إلى قيادة الأجهزة الأمنية انبنى على خلفيتهم التنظيمية، ولا علاقة له باعتبارات الكفاءة والجدارة المهنية.
ـ لأن الأجهزة الأمنية اعتبرت ذراعا لفتح وليس للسلطة الفلسطينية، فلم يكن يسمح لأحد من المنتمين إلى فصائل المعارضة، تحديدا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالانخراط في عضويتها.
ـ قامت فلسفة عمل الأجهزة الأمنية على حفظ التزامات السلطة الفلسطينية، كما جاءت في اتفاقيات اوسلو، أي العمل على منع فصائل المقاومة من القيام بعمليات ضد الاحتلال وأهدافه. وهو ما دفع تلك الأجهزة إلى القيام بعمليات قمع غير مسبوقة ضد تلك الفصائل، خصوصا حركتي حماس والجهاد. وتراوح القمع بين الاعتقال والتعذيب والحرمان من التوظف في مؤسسات الدولة.
ـ تغاضت رئاسة السلطة في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وفي عهد خلفه الرئيس أبو مازن عن تجاوزات الأجهزة الأمنية، سيما في مجالات الفساد ودورها في تكريس ظاهرة الفلتان الأمني، بل وتوظيفها لخدمة الأغراض السياسية الشخصية. لهذا القائد أو ذاك.
ـ كان واضحا من البداية الدور الأجنبي في الإشراف على هذه الأجهزة. فالتنسيق مع أجهزة الاحتلال ووكالة الاستخبارات الأمريكية (سي.آي.ايه) كان ظاهرا وجديا، بشكل كرس لدى قطاعات واسعة من الفلسطينيين قناعة مفادها أن تلك الأجهزة تعمل وفق مخططات لا تخدم بالضرورة العمل الوطني، وانه يراد توظيفها على نحو يخدم مصلحة الاحتلال وأعوانه.
ـ لذلك لم يعد سرا أن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان لقيام الأجهزة الأمنية الفلسطينية بدور الأسد في مهمة إسقاط الحكومة الفلسطينية الحالية، يشهد بذلك الدعم المالي الأمريكي لها، إضافة إلى إمدادها بالخبرات اللازمة في التجهيز والتدريب، ثم تمرير الأسلحة اللازمة لها المرسلة من بعض الأطراف العربية. وما يلفت النظر في ذلك كله إن الدعم الأمريكي والإسرائيلي بات يتم جهارا ويعلن عنه بين الحين والآخر.
هذا الوضع الخاص للأجهزة الأمنية بدا الدافع الأساسي للحكومة الحالية ولوزير الداخلية فيها إلى «القوة التنفيذية» استنادا إلى أن القانون الأساسي يخول وزير الداخلية بوصفه المسؤول عن الأمن الداخلي تشكيل قوة أمنية جديدة وفق ما تقتضيه الحالة الأمنية. وكان ذلك هو المخرج الوحيد أمام الرجل لكي يتعامل مع مجموعة تخضع لسلطات الوزارة، لتوفر حدا أدنى من الاحتياطيات الأمنية في قطاع غزة على الأقل، لأنه لا يستطيع الذهاب إلى الضفة، بعد تدمير مكتبه في رام الله، واعتقال من فيه من قبل قوات الاحتلال، وخطف آخرين من قبل عناصر الأمن الوقائي.
من المفارقات في هذا الصدد انه بعد ما تم إحراق مقر المجلس التشريعي في رام الله، وتعددت حالات تخريب المنشآت العامة، وخطف عدد من أعضاء المجلس التشريعي واحتجاز آخرين من قبل عناصر الأمن الوقائي، فان الوزير سعيد صيام أصدر قرارا بتنحية قائد شرطة رام الله العقيد ماجد الهواري، بسبب تقصيره في الحفاظ على الأمن بالبلدة، إلا أن ذلك القرار لم ينفذ ـ رغم مضي حوالي 45 يوما على صدوره. وعزا العقيد الهواري ذلك إلى انه بقي في منصبه بناء على طلب رئيس السلطة!
ليست هذه حالة وحيدة ولا هي فريدة في بابها، لأن الثابت أن كافة الأجهزة الأمنية أصبحت تابعة للرئاسة، وان وزير الأمن الوطني لا سلطان له الا على القوة التنفيذية والأجهزة المدنية هي التي تقوم الآن بالدور الرئيسي في أحداث الفلتان الأمني، من خلال استهداف عناصر حماس والقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية.
وقد أثبتت التحقيقات التي تمت في أعقاب الاشتباكات الأخيرة أن أفرادا من أمن الرئاسة ومن الأمن الوقائي هم الذين قاموا بالاعتداءات المتكررة التي أسفرت عن سقوط أكثر من عشرين قتيلا من الجانبين.
يوم الخميس الماضي تم استهداف سيارة جيب تابعة للقوة التنفيذية بعبوة ناسفة في جباليا، وتبين أن العبوة موصولة ببيت قريب من موقع التفجير، وحين تمت محاصرة البيت وطلب ممن فيه أن يسلموا أنفسهم، قبل البعض بذلك ورفض آخرون. واشتبك أحدهم بالسلاح مع عناصر القوة التنفيذية. الأمر الذي أدى إلى قتله، وتبين انه ضابط في الأمن الوقائي اسمه نبيل الجرجير، وفي التحقيق مع الذين سلموا أنفسهم اعترفوا بأنهم قاموا بتفجير السيارة بتعليمات منه باعتباره رئيسا لهم.
وفي اليوم التالي (الجمعة) دعت حركة حماس إلى اجتماع عام بعد صلاة الجمعة، للإعلان عن التضامن مع الفلسطينيين الذين يتعرضون للحصار والاضطهاد في العراق. وفي نفس الوقت للاحتفال بمناسبة مرور عام على فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية. وتمت دعوة من خلال مكبرات الصوت التي وزعت على بعض عناصر الحركة ممن كانوا بالسيارات على الأحياء المختلفة. وبينما كانت إحدى تلك السيارات تمر في شمال القطاع، فوجئ سائقها برصاصات تنهال عليها من فوق منزل منصور الشلايل احد ضباط الأمن الوقائي ومن الجناح الانقلابي في حركة فتح. قتل السائق وأصيب شخص كان جالسا إلى جواره، واصطدمت السيارة بجدار إحدى البنايات. وحين هرع إلى المكان بعض عناصر القوة التنفيذية، وحاصروا البيت مطالبين بتسليم الذين أطلقوا النار، قوبل طلبهم بالرفض، وحدث اشتباك تم خلاله تبادل إطلاق النار، وبحيلة انطلت على ممثلي حركة حماس الذين تدخلوا في الموضوع، رفع الحصار عن البيت واخلي من سكانه، بمن فيهم الذين أطلقوا النار وقتلوا سائق السيارة.
في واقعة أخرى قام بعض عناصر الأمن الوقائي بقتل ثلاثة من المصلين داخل مسجد الهداية، وعرفت أسماء منفذي المجزرة، وتم إبلاغ رئاسة السلطة بتلك الأسماء، لكن لم يتخذ ضدهم أي إجراء.
قائمة الاشتباكات المسلحة طويلة، وكلها بلا استثناء بدأت بعدوان من قبل عناصر الحرس الرئاسي أو الأمن الوقائي. وكان سلوك القوة التنفيذية إزاءها من قبيل رد الفعل وليس الفعل. كما إنها تصب في مجرى الانفلات الأمني، وليس لها من هدف سوى إشغال الحكومة وتعويق عملها، تمهيدا لإفشالها، ومن ثم إسقاطها. وهو الهدف الذي يسعى إليه بإلحاح الجناح الانقلابي في حركة فتح، وتنتظره بفارغ الصبر الدوائر الإسرائيلية والأمريكية.
في غزة تتداول الدوائر السياسية تسجيلا للعقيد محمد دحلان، الذي يدير الاشتباك المسلح ضد الحكومة، يقول فيه لبعض جلسائه انه يعرف كيف يربك الحكومة، وكيف يدبر لها «الرقص على الشناكل» ـ هذا نص عبارته ـ بحيث لا تتقدم خطوة إلى الأمام، وتنهار في نهاية المطاف.
هذا التحليل يسوغ لنا ان نخلص الى نتيجتين: الاولى ان ثمة اصرارا على افشال جهود تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لأن كل تقدم على ذلك الصعيد يقابل من جانب الانقلابيين بتفجير يعيد الجميع الى نقطة الصفر. اما النتيجة الثانية فهي اننا نخطئ كثيرا اذا وصفنا ما يجري في غزة بأنه اقتتال، كما درجت على ذلك وسائل الاعلام العربية، لأن كل الشواهد تدل على ان الحاصل ليس قتالا بين قوتين متنافستين، بقدر ما إنه عدوان وبغي لم يتوقف من جانب التيار الانقلابي داخل فتح، أو دفاع ليس اكثر من رد فعل. من جانب القوة التنفيذية وحركة حماس ـ لذا لزم التنويه.
بذات القدر، فان أي مراقب محايد للشأن الفلسطيني لا يحتاج إلى جهد لكي يدرك أن الأطراف التي أضيرت من جراء فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية ومن ثم توليها الحكومة. هذه الأطراف هي صاحبة المصلحة الحقيقية في إفشال حكومة حماس بمختلف الوسائل، التي قد يكون إحكام حصارها سياسيا واقتصاديا إحداها.
وإنما المؤكد أن إطلاق الفلتان الأمني يحقق لها مرادها في إثارة قلق الشارع الفلسطيني وفي إشاعة الخوف بين الجماهير، وهو ما إذا انضاف إلى شح الموارد المالية والاقتصادية في ظل الحصار، فانه يعد إشهارا لفشل الحكومة، الأمر الذي يقنع الجماهير بأن حياتهم أصبحت أكثر صعوبة ومحنتهم غدت أشد في ظلها.
إننا لا نحتاج إلى جهد ـ أيضا ـ لكي ندرك أن ثمة أطرافا خارجية لها مصلحة في تفجير الوضع الداخلي الفلسطيني. إذ لا يشك احد في أن الأوساط الإسرائيلية هي الأكثر ترحيبا وسعادة بما يجري في غزة. لكن المؤكد أيضا أن بين الذين خسروا الانتخابات تيارا سعى جاهدا منذ اللحظات الأولى لإفشال الحكومة ووضع العصي في دواليبها. وكان سحب الصلاحيات منها هو الخطوة المبكرة في هذا الاتجاه. ثم كانت المقاطعة السياسية التي تزامنت مع المقاطعة الاقتصادية خطوة ثانية. ومن الواضح ان المواجهة المسلحة المكشوفة هي الخطوة الثالثة، وليس معروفا بعد ما إذ كانت تمثل السهم الأخير في الجعبة أم لا. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هذه المواجهة المسلحة هي الخاسرة في الصراع الراهن، وانه كان هناك تعويل عليها وإعداد لها من البداية ـ للجوء إليها عند اللزوم.
ثمة خلفية مهمة في تشكيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فصل فيها زميلنا صالح النعامي ـ الصحفي الفلسطيني ـ في تقرير نشره على موقعه بالانترنت (في 13/1/2007) ذكر فيه ما يلي:
ـ إن جميع الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تشكلت في أعقاب الإعلان عن تأسيس السلطة الفلسطينية في عام 1994 تخضع لسيطرة حركة «فتح». فقادة تلك الأجهزة وكبار ضباطها هم مسؤولون وكوادر في فتح، وكذلك الحال في بقية الرتب، وصولا إلى أدناها درجة، ذلك أن أي شاب إذا ما أراد أن يلتحق بالأجهزة الأمنية، كان مطالبا بالحصول على تزكية من مكتب أمانة سر حركة فتح في مكان سكناه، بما يؤكد انه من عناصر الحركة ـ ليس ذلك فحسب وإنما الثابت أيضا أن جميع قادة الأجهزة الأمنية حافظوا على مواقعهم التنظيمية في الحركة بعد توليهم مناصبهم في تلك الأجهزة. بل ان كثيرين منهم يحتفظون بعضويتهم في المجلس الثوري لفتح. وجميعهم على وعي بأن ارتقاءهم إلى قيادة الأجهزة الأمنية انبنى على خلفيتهم التنظيمية، ولا علاقة له باعتبارات الكفاءة والجدارة المهنية.
ـ لأن الأجهزة الأمنية اعتبرت ذراعا لفتح وليس للسلطة الفلسطينية، فلم يكن يسمح لأحد من المنتمين إلى فصائل المعارضة، تحديدا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالانخراط في عضويتها.
ـ قامت فلسفة عمل الأجهزة الأمنية على حفظ التزامات السلطة الفلسطينية، كما جاءت في اتفاقيات اوسلو، أي العمل على منع فصائل المقاومة من القيام بعمليات ضد الاحتلال وأهدافه. وهو ما دفع تلك الأجهزة إلى القيام بعمليات قمع غير مسبوقة ضد تلك الفصائل، خصوصا حركتي حماس والجهاد. وتراوح القمع بين الاعتقال والتعذيب والحرمان من التوظف في مؤسسات الدولة.
ـ تغاضت رئاسة السلطة في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وفي عهد خلفه الرئيس أبو مازن عن تجاوزات الأجهزة الأمنية، سيما في مجالات الفساد ودورها في تكريس ظاهرة الفلتان الأمني، بل وتوظيفها لخدمة الأغراض السياسية الشخصية. لهذا القائد أو ذاك.
ـ كان واضحا من البداية الدور الأجنبي في الإشراف على هذه الأجهزة. فالتنسيق مع أجهزة الاحتلال ووكالة الاستخبارات الأمريكية (سي.آي.ايه) كان ظاهرا وجديا، بشكل كرس لدى قطاعات واسعة من الفلسطينيين قناعة مفادها أن تلك الأجهزة تعمل وفق مخططات لا تخدم بالضرورة العمل الوطني، وانه يراد توظيفها على نحو يخدم مصلحة الاحتلال وأعوانه.
ـ لذلك لم يعد سرا أن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان لقيام الأجهزة الأمنية الفلسطينية بدور الأسد في مهمة إسقاط الحكومة الفلسطينية الحالية، يشهد بذلك الدعم المالي الأمريكي لها، إضافة إلى إمدادها بالخبرات اللازمة في التجهيز والتدريب، ثم تمرير الأسلحة اللازمة لها المرسلة من بعض الأطراف العربية. وما يلفت النظر في ذلك كله إن الدعم الأمريكي والإسرائيلي بات يتم جهارا ويعلن عنه بين الحين والآخر.
هذا الوضع الخاص للأجهزة الأمنية بدا الدافع الأساسي للحكومة الحالية ولوزير الداخلية فيها إلى «القوة التنفيذية» استنادا إلى أن القانون الأساسي يخول وزير الداخلية بوصفه المسؤول عن الأمن الداخلي تشكيل قوة أمنية جديدة وفق ما تقتضيه الحالة الأمنية. وكان ذلك هو المخرج الوحيد أمام الرجل لكي يتعامل مع مجموعة تخضع لسلطات الوزارة، لتوفر حدا أدنى من الاحتياطيات الأمنية في قطاع غزة على الأقل، لأنه لا يستطيع الذهاب إلى الضفة، بعد تدمير مكتبه في رام الله، واعتقال من فيه من قبل قوات الاحتلال، وخطف آخرين من قبل عناصر الأمن الوقائي.
من المفارقات في هذا الصدد انه بعد ما تم إحراق مقر المجلس التشريعي في رام الله، وتعددت حالات تخريب المنشآت العامة، وخطف عدد من أعضاء المجلس التشريعي واحتجاز آخرين من قبل عناصر الأمن الوقائي، فان الوزير سعيد صيام أصدر قرارا بتنحية قائد شرطة رام الله العقيد ماجد الهواري، بسبب تقصيره في الحفاظ على الأمن بالبلدة، إلا أن ذلك القرار لم ينفذ ـ رغم مضي حوالي 45 يوما على صدوره. وعزا العقيد الهواري ذلك إلى انه بقي في منصبه بناء على طلب رئيس السلطة!
ليست هذه حالة وحيدة ولا هي فريدة في بابها، لأن الثابت أن كافة الأجهزة الأمنية أصبحت تابعة للرئاسة، وان وزير الأمن الوطني لا سلطان له الا على القوة التنفيذية والأجهزة المدنية هي التي تقوم الآن بالدور الرئيسي في أحداث الفلتان الأمني، من خلال استهداف عناصر حماس والقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية.
وقد أثبتت التحقيقات التي تمت في أعقاب الاشتباكات الأخيرة أن أفرادا من أمن الرئاسة ومن الأمن الوقائي هم الذين قاموا بالاعتداءات المتكررة التي أسفرت عن سقوط أكثر من عشرين قتيلا من الجانبين.
يوم الخميس الماضي تم استهداف سيارة جيب تابعة للقوة التنفيذية بعبوة ناسفة في جباليا، وتبين أن العبوة موصولة ببيت قريب من موقع التفجير، وحين تمت محاصرة البيت وطلب ممن فيه أن يسلموا أنفسهم، قبل البعض بذلك ورفض آخرون. واشتبك أحدهم بالسلاح مع عناصر القوة التنفيذية. الأمر الذي أدى إلى قتله، وتبين انه ضابط في الأمن الوقائي اسمه نبيل الجرجير، وفي التحقيق مع الذين سلموا أنفسهم اعترفوا بأنهم قاموا بتفجير السيارة بتعليمات منه باعتباره رئيسا لهم.
وفي اليوم التالي (الجمعة) دعت حركة حماس إلى اجتماع عام بعد صلاة الجمعة، للإعلان عن التضامن مع الفلسطينيين الذين يتعرضون للحصار والاضطهاد في العراق. وفي نفس الوقت للاحتفال بمناسبة مرور عام على فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية. وتمت دعوة من خلال مكبرات الصوت التي وزعت على بعض عناصر الحركة ممن كانوا بالسيارات على الأحياء المختلفة. وبينما كانت إحدى تلك السيارات تمر في شمال القطاع، فوجئ سائقها برصاصات تنهال عليها من فوق منزل منصور الشلايل احد ضباط الأمن الوقائي ومن الجناح الانقلابي في حركة فتح. قتل السائق وأصيب شخص كان جالسا إلى جواره، واصطدمت السيارة بجدار إحدى البنايات. وحين هرع إلى المكان بعض عناصر القوة التنفيذية، وحاصروا البيت مطالبين بتسليم الذين أطلقوا النار، قوبل طلبهم بالرفض، وحدث اشتباك تم خلاله تبادل إطلاق النار، وبحيلة انطلت على ممثلي حركة حماس الذين تدخلوا في الموضوع، رفع الحصار عن البيت واخلي من سكانه، بمن فيهم الذين أطلقوا النار وقتلوا سائق السيارة.
في واقعة أخرى قام بعض عناصر الأمن الوقائي بقتل ثلاثة من المصلين داخل مسجد الهداية، وعرفت أسماء منفذي المجزرة، وتم إبلاغ رئاسة السلطة بتلك الأسماء، لكن لم يتخذ ضدهم أي إجراء.
قائمة الاشتباكات المسلحة طويلة، وكلها بلا استثناء بدأت بعدوان من قبل عناصر الحرس الرئاسي أو الأمن الوقائي. وكان سلوك القوة التنفيذية إزاءها من قبيل رد الفعل وليس الفعل. كما إنها تصب في مجرى الانفلات الأمني، وليس لها من هدف سوى إشغال الحكومة وتعويق عملها، تمهيدا لإفشالها، ومن ثم إسقاطها. وهو الهدف الذي يسعى إليه بإلحاح الجناح الانقلابي في حركة فتح، وتنتظره بفارغ الصبر الدوائر الإسرائيلية والأمريكية.
في غزة تتداول الدوائر السياسية تسجيلا للعقيد محمد دحلان، الذي يدير الاشتباك المسلح ضد الحكومة، يقول فيه لبعض جلسائه انه يعرف كيف يربك الحكومة، وكيف يدبر لها «الرقص على الشناكل» ـ هذا نص عبارته ـ بحيث لا تتقدم خطوة إلى الأمام، وتنهار في نهاية المطاف.
هذا التحليل يسوغ لنا ان نخلص الى نتيجتين: الاولى ان ثمة اصرارا على افشال جهود تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لأن كل تقدم على ذلك الصعيد يقابل من جانب الانقلابيين بتفجير يعيد الجميع الى نقطة الصفر. اما النتيجة الثانية فهي اننا نخطئ كثيرا اذا وصفنا ما يجري في غزة بأنه اقتتال، كما درجت على ذلك وسائل الاعلام العربية، لأن كل الشواهد تدل على ان الحاصل ليس قتالا بين قوتين متنافستين، بقدر ما إنه عدوان وبغي لم يتوقف من جانب التيار الانقلابي داخل فتح، أو دفاع ليس اكثر من رد فعل. من جانب القوة التنفيذية وحركة حماس ـ لذا لزم التنويه.
No comments:
Post a Comment