سليم عزوز المصــــريون : بتاريخ 19 - 2 - 2007
تثقف النظام المصري علي كبر، أي صار مثقفا. فبعد ان كان ينكل بخصومه، دون ان يهتم بتقديم مبررات، فهو يفعل هذا لان السلطة غاشمة، وينبغي ان تكون كذلك حفاظا علي هيبتها، فقد أصبح وهو يفترس جماعة الإخوان المسلمين يرطن بعبارات كتلك التي يرطن بها المثقفون في منتدياتهم، وهذه هي تجليات – بسلامته – الفكر الجديد!القوم قرروا ان يخوضوا حرب داحس والغبراء ضد الجماعة المحظورة، ومن الواضح انهم قرروا ان حملتهم لن تبقي ولن تزر. صحيح أنها تختلف من حيث الشكل مع حملة العهد الناصري، الذي شحن الإخوان وجيرانهم وأصدقاءهم الي السجون في ليلة واحدة، بعد تمثيلية المنشية، التي دفعت الرئيس القائد ان يعلن انه هو الذي علمنا الكرامة والعزة، إلا أن هناك اتفاقا بين الحملتين في المضمون، وهو العمل علي تكسير عظامهم، وطوي ملفهم للابد، ليعش اهل الحكم بعد ذلك عيشة راضية، لا يسمعون فيها لا غية، ولا يخافون ولو في المستقبل البعيد من ان يهز أحد عرش الأنجال والأحفاد، وذلك حتي وان كانت هذه الحملة تتخذ أسلوب الخطوة خطوة، فاليوم القبض علي مجموعة من الطلاب، وغدا اعتقال مجموعة من القيادات، وبعده القبض علي فريق من القيادات الوسطي التي قررت الجماعة الزج بها في انتخابات مجلس الشوري القادمة، ليصبح التفكير في خوض الانتخابات والاحتكام للصندوق، يساوي تماما العمل علي قلب نظام الحكم بالقوة!....................أولوا الأمر منا قرروا تصفية الجماعة المحظورة، ومحوها من الوجود بأستيكة، ولو فكروا لا يقنوا ان غيرهم اشطر، فقد تصور جمال عبد الناصر انه يستطيع بممارسة التعذيب الرهيب، واخذ الناس بالشبهة، ان ينهي تماما هذه الجماعة، وكان ما تصوره هو كفعل ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتي، فمات عبد الناصر وبقي الإخوان. صحيح انه بما ارتكب قد تمكن في فترة حكمه ان يتخلص من " الوش" الذي كانت تحدثه له، وهو الزعيم الذي كان يري ان زعامته لن تكتمل إلا إذا غيب عن المشهد كل تنظيم او جماعة او فرد له شعبية، لكن الوضع مختلف فالان!فالإخوان في سنة 2007 ليسو هم إخوان سنة 1965، من حيث التمكين والتأثير والخبرة، وأعمي من لا يري من الغربال، فضلا عن ان عبد الناصر كان لديه مشروع التف حوله الشعب، ونظر الي صاحبه علي انه المخلص، الذي جاء علي قدر ليصلح ما فسد، ويوقف قوي الاستكبار العالمي عند حدها، اما قومنا الان فان مشروعهم القومي يتمثل في " خلع بلاط" الأرصفة الأحمر، واستبداله ببلاط من نفس الشركة ونفس اللون، او علي رأي قائلهم ردا علي مطلب البعض بمشروع قومي يلتف حوله المصريون.. عندهم مشروع مترو الإنفاق، فليلتفوا حوله!القصد، فان أي محاولة الان لاخراج الإخوان المسلمين من المعادلة السياسية محكوم عليها بالفشل، حتي وان تم الزج بهم كلهم جميعا الي السجون، وحتي لو تم التفنن في أساليب إجلائهم عن الحياة النيابية، ليصبح المنافس الوحيد لحزب الرئيس وعائلته، هو حزب الحاج احمد الصباحي وعائلته. وحتي لو كانت نوعية الأحزاب القائمة في مصر الآن، هي تلك التي يتشحتف رؤساؤها لكي ينظر لهم السيد جمال بعين الرضا، و يكلمهم في التليفون. وحتي لو تم حجب الرخصة القانونية للأحزاب الجادة، ومنحها لنوعية الأحزاب التي انطلق رئيس احدها مؤخرا بدون تعب او كلل مؤيدا جمال مبارك رئيسا للبلاد – طبعا بعد الدعاء بطول العمر للوالد – كما انطلق مؤيدا لجنة السياسات.. حماها الله، وكل هذا لان التعيين في مجلس الشوري علي الأبواب، والجميع يعمل بهمة ونشاط حتي يفوز بالعضوية بقرار رئاسي، وسيكون!الليلة ليست أشبه بالبارحة، واخوان اليوم ليسوا هم إخوان الأمس، وحسني مبارك ليس هو جمال عبد الناصر، ومشروع توشكي الهلامي، ليس هو مشروع السد العالي، وخلع بلاط الأرصفة بدون ضرورة واعادة تركيبه من جديد، لا يتوازي مع مشروع التحرر الوطني الذي تبناه الحكم الناصري، والأمل الذي أشاعه حكم حركة الجيش في النفوس، حل محله اليأس والخوف من الغد، بل ومن اللحظة!...................وعلي كل، فهذا ليس موضوعنا، فهذا المقال عن حالة التثقف التي حلت فجأة علي أهل الحكم، فصاروا يرطنون كما المثقفين، وهم يواجهون الجماعة المحظورة، وشاهدنا حديثا عن الدولة المدنية، في مواجهة الدولة الدينية التي يسعي الإخوان الي تشييد حصونها، بعد ان ينقلبوا علي الحكم المدني، الذي تنعم به البلاد، ويرفل العباد في نعيمه المقيم، وهذه هي المرة الأولى التي يرفع القوم فيها مثل هذه الشعارات، ومؤكد لو انك سألتهم عن ماهية الدولة المدنية، فسوف يكون ردهم كرد هذه العاهات التي تملأ المنتديات الثقافية، ويرددون كلاما لا يفهمونه، من باب ادعاء الثقافة.ذات مرة سمعت واحدة تقول " حفل تأبيد"، تقصد " تأبين"، وذات يوم استمعت الي إحداهن تقول بدون مبرر " بصفتي ليبرالية"، فسألتها عن ما هي الليبرالية، فردت علي سؤالي بسؤال: معقولة لاتعرف معني الليبرالية؟.. واكدت بأنني حقيقة لا أعرف معناها. وما كان عليها إلا ان تداري جهلها بحالة اندهاش عريضة رسمتها علي وجهها، وأدخلتني في دوامة الردود المندهشة مثل: احلف، قول: وربنا، لاكتشف في النهاية ان الليبرالية عندها هي أخت المهلبية من الرضاعة!بصفتي ليبراليا، ومن دعاة الدولة المدنية، فإنني أقول ان الدولة المدنية بالمختصر المفيد هي التي تحال الأوراق فيها للشعب، اما الدولة الدينية فهي التي تحيل أوراقها للمفتي، والإخوان ومن خلال دراستي لفكرهم، وتاريخهم وأنا متخصص فيه، فيهم العبر، التي أوردنا جانبا منها في كتابنا " الإخوان المسلمون.. الوجه والقناع"، لكن ليسوا دعاة للدولة الدينية، فدولتهم مرجعيتها إسلامية. والجماعة ذاتها القول الفصل فيها للمرشد العام، وليس لبلدياتنا الشيخ محمد عبد الله الخطيب. والدولة التي يدعون إليها، ليست هي الدولة الدينية التي يصبح الحكم فيها لرجال الدين!هذا عن الإخوان، أما عن الحزب الحاكم الذي يرفع سدنته شعار الدولة المدنية، في مرحلة التثقف التي واتتهم في شيخوخته، ومن خلال كوني أعيش في كنفهم، فاستطيع القول وأنا في بطني شادر من البطيخ الصيفي، ان بينهم وبين الدولة المدنية دنيا، وهم ليسوا رجالها، بل من خصومها، فإذا سلمنا بأن الإخوان من دعاة الدولة الدينية، فان القوم قد أقاموا حصون الدولة البوليسية، وهي خصم تاريخي كذلك للدولة المدنية!......................فكيف بالصلاة علي النبي ان يدعي نظام حكم انتمائه للدولة المدنية في الوقت الذي يفرض فيه شروطا تعسفية ظاهرة وباطنه علي حرية تأسيس الأحزاب؟.. وكيف له ان يحيل المدنيين للمحاكم العسكرية؟.. وكيف يسطوا علي أموال الناس بتهم هو مطلقها، تارة لانها نتاج عمليات غسيل للأموال، واخري لأنها تمول حركة محظورة؟!وكيف لسلطة تدعي الدفاع عن الدولة المدنية في الوقت الذي تتم فيه عسكرة الحياة المدنية، ومن أول المحافظين، الي رؤساء شركات النظافة، مرورا ببعض قطاعات التعليم. وكيف يتم الحديث عن الدولة المدنية في وقت يتم فيه التدخل البوليسي في الانتخابات العمالية، والاتحادات الطلابية، والانتخابات النيابية؟!الدولة المدنية لا يحظر فيها تأسيس الأحزاب، استنادا لقرار من الحزب الحاكم، وانما يكون الحظر بشروط قانونية يرتضيها المجتمع، لأن القانون الذي يضع شروطا هلامية مثل شرط التميز وما الي ذلك، والذي يضعه برلمان مطعون في شرعيته، لا يصلح للاحتكام اليه، وان صدر بإجماع الآراء!والقانون الذي يجعل من جماعة لها ( 88) نائبا في البرلمان جماعة محظورة، في وقت يمنح الشرعية لمحلات البقالة الحزبية، هو قانون لا مكان له في دولة مدنية، الحكم فيها للشعب، والشعب فيها هو مصدر السلطات. وعندما يخرج الشعب ويناضل حتي يعطي صوته لمرشحي جماعة محظورة قانونا، وهو الذي تصدر القوانين باسمه، فانه يكون بالتالي قد رفع الحظر القانوني بإرادته، وهي إرادة نافذة في الدولة المدنية، أما في ظل الدولة البوليسية، فان هذا يستدعي فرض الوصاية علي الشعب، باعتباره قاصرا، ان لم يتم شحنه الي السرايا الصفراء!في الدولة المدنية الكل أمام القانون سواء، ولا يمكن ان يحصل الحزب الحاكم علي شرعيته بدون التزام بقانون الأحزاب السياسية، في الوقت الذي يساق فيه المنتمون إلى غيره للسجن بتهمة الانتماء الي تنظيم محظور. بالقانون فان كلا من جماعة الإخوان، والحزب الوطني هما تنظيمان محظوران، فلا الحزب المذكور حصل علي موافقة لجنة شئون الأحزاب بتأسيسه، ولا الجماعة المذكورة نالت شرعيتها من هناك!.....................فعندما تأسس الحزب الوطني كان قانون الأحزاب السياسية قد صدر، وبمقتضاه تشكلت لجنة شئون الأحزاب، لكن مؤسسه الرئيس السادات رحمه الله لم يذهب الي هذه اللجنة بأوراق حزبه، فقد اكتفي بان يعلن تأسيس الحزب علي أنقاض حزب مصر، فهرول الجميع الي الحزب الجديد، ولم تؤثر هذه الهرولة في شرعية الحزب القديم، فظل يتمتع بها ليصدر حكما قضائيا كاشفا وليس منشئا بأن الحزب باق، فهناك إجراءات للحل والدمج في القانون لم تتبع. هذا فضلا عن ان القانون وان كان قد اقر مبدأ الدمج بين حزبين، فان الحزب الوطني لم يحصل علي شرعيته كحزب حتي يكون من المنطق ان يندمج فيه حزب مصر الاشتراكي!لقد حصل الراحل جمال ربيع علي حكم قضائي باستمرار وجود حزب مصر، وهو الحزب الذي قضي بعودة كل مقراته، التي قام الحزب الوطني بالسطو عليها في كل ربوع المحروسة، وتمت مساومة الرجل، بأن يتم تنفيذ الحكم جزئيا، فيعترفوا بشرعيته كرئيس له، مقابل ان " يصهين" علي موضوع المقرات، وقد كان!وعندما تم ضم ايمن نور لحزب مصر انتفض أهل الحكم، وتنادوا ان يا داهية دقي، وتم تجميد الحزب، خوفا من المطالبة مستقبلا بالمقرات التي تم اغتصابها نفاذا لسياسة الاغتصاب والتي اعملوها فاغتصبوا أموال الناس بعد ذلك بحجة انها مملوكة للإخوان!..........غريب أنا.. أتحدث عن السطو علي مائة مقر، وربما اكثر، او اقل، وعن " شوية" ملايين من الجنيهات، وهم وان كثروا مجرد فكه، لا يكفون لمسح زور مسئول. لكن ألفت انتباه القارئ الى انني لست هنديا فقيرا انظر الي هذا المسطو عليه علي انه ثروة قومية، فما ذكرته هنا كان للتأكيد علي ان القوم يدخلون في روعنا الغش والتدليس عندما يرفعون عقيرتهم بالدفاع عن الدولة المدنية!في روعنا؟!.. من نحن أصلا؟!.. فهم في الواقع يفعلون هذا ونحن لسنا علي بالهم بتاتا البتة، وانما المستهدف برسائلهم هم سكان البيت الأبيض وضواحيه، فأردوا ان يوحوا لهم انهم أصحاب وجهة نظر، واذا كان بوش وخليلته من قبل نظروا الي ايمن نور باعتبار حزبه حزبا مدنيا، فما المانع من ان يتحدثوا باسم الدولة المدنية، ويولولون خوفا عليها في مواجهة خصومهم، الذين يدعون الي الدولة الدينية، حتي يقف الخليفة ليقول لعامله علي محافظة سوهاج ثكلتك أمك، واغرب عن وجهي وإلا ضربتك بالدرة علي عنقك، يا ابن السوداء، في سواد كونداليزا رايس!لنا ان نعلم يا قراء ان الدكتور فرج فوده أحد دعاة الدولة المدنية عندما لقي مصرعه علي يد جماعات الإرهاب الديني تحرج الرئيس مبارك من ان يظهر في الصورة انه متعاطف معه، ففي معرض الكتاب وقف الدكتور عبد العظيم رمضان قائلا ان فرج فوده كان معنا في العام الماضي هنا، وطالب بالوقوف دقيقة حدادا، فتجاهل الرئيس الأمر، وولي كأن لم يسمع شيئا!فما الذي جري يا هل تري؟!إنها رسائل الي بوش، حتي لا يضع عينه هو والحيزبون كوندي علي أي قوي مدنية كبديل للنظام، فالقوي المدنية موجودة وتقاتل في سبيل الذود عن حياض الدولة المدنية، وهي تحكم، وفي نفس الوقت تحقق أهداف الأمريكان في المنطقة، وتتقرب الي إسرائيل في الطالعة والنازلة بالنوافل!سطور أخيرةفي بلدتي بالصعيد الأقصى يوجد مقام متوارث يحمل اسم " الشيخ مبارك"، الراسخون في العلم ببلدتنا قالوا انه جد الرئيس، ولم اصدق، رغم ان أحدا لم ينسبه لغيره، لكن الآن أصبحت واثقا من صلة صاحب الكرامات بالرئيس، فهناك خمسة من إجمالي تسعة أشخاص خاضوا الانتخابات الرئاسية منافسين له، وبدفع من حزبه الا واحدا، ومع هذا جار عليهم الزمان.فرئيس الغد تم سجنه، ورئيس الوفد تم طرده، ورئيس الاتحادي لقي حتفه، ورئيس الوفاق فقد بصره، والحاج احمد الصباحي الذي أعطى صوته للرئيس أصيب بجلطة بعد يوم عسل قضاه في شرم الشيخ!كل هذا في ظرف سنة فقط، والبقية تأتي.انني احمد الله واقبل يدي مقلوبة ومعدولة لرفض الحكم لحزب " التحالف الوطني"، لانني متهور وكنت اسخن لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، ليس طمعا في المنصب، ولكن طمعا في رؤية النصف مليون جنيه، مرصوصة فوق بعضها، فقد كنت سأتصور بجانبهم، ومؤكد انها كانت ستكون اخر صورة لي قبل ان تفقدني الأمة. الحمد لله!
تثقف النظام المصري علي كبر، أي صار مثقفا. فبعد ان كان ينكل بخصومه، دون ان يهتم بتقديم مبررات، فهو يفعل هذا لان السلطة غاشمة، وينبغي ان تكون كذلك حفاظا علي هيبتها، فقد أصبح وهو يفترس جماعة الإخوان المسلمين يرطن بعبارات كتلك التي يرطن بها المثقفون في منتدياتهم، وهذه هي تجليات – بسلامته – الفكر الجديد!القوم قرروا ان يخوضوا حرب داحس والغبراء ضد الجماعة المحظورة، ومن الواضح انهم قرروا ان حملتهم لن تبقي ولن تزر. صحيح أنها تختلف من حيث الشكل مع حملة العهد الناصري، الذي شحن الإخوان وجيرانهم وأصدقاءهم الي السجون في ليلة واحدة، بعد تمثيلية المنشية، التي دفعت الرئيس القائد ان يعلن انه هو الذي علمنا الكرامة والعزة، إلا أن هناك اتفاقا بين الحملتين في المضمون، وهو العمل علي تكسير عظامهم، وطوي ملفهم للابد، ليعش اهل الحكم بعد ذلك عيشة راضية، لا يسمعون فيها لا غية، ولا يخافون ولو في المستقبل البعيد من ان يهز أحد عرش الأنجال والأحفاد، وذلك حتي وان كانت هذه الحملة تتخذ أسلوب الخطوة خطوة، فاليوم القبض علي مجموعة من الطلاب، وغدا اعتقال مجموعة من القيادات، وبعده القبض علي فريق من القيادات الوسطي التي قررت الجماعة الزج بها في انتخابات مجلس الشوري القادمة، ليصبح التفكير في خوض الانتخابات والاحتكام للصندوق، يساوي تماما العمل علي قلب نظام الحكم بالقوة!....................أولوا الأمر منا قرروا تصفية الجماعة المحظورة، ومحوها من الوجود بأستيكة، ولو فكروا لا يقنوا ان غيرهم اشطر، فقد تصور جمال عبد الناصر انه يستطيع بممارسة التعذيب الرهيب، واخذ الناس بالشبهة، ان ينهي تماما هذه الجماعة، وكان ما تصوره هو كفعل ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتي، فمات عبد الناصر وبقي الإخوان. صحيح انه بما ارتكب قد تمكن في فترة حكمه ان يتخلص من " الوش" الذي كانت تحدثه له، وهو الزعيم الذي كان يري ان زعامته لن تكتمل إلا إذا غيب عن المشهد كل تنظيم او جماعة او فرد له شعبية، لكن الوضع مختلف فالان!فالإخوان في سنة 2007 ليسو هم إخوان سنة 1965، من حيث التمكين والتأثير والخبرة، وأعمي من لا يري من الغربال، فضلا عن ان عبد الناصر كان لديه مشروع التف حوله الشعب، ونظر الي صاحبه علي انه المخلص، الذي جاء علي قدر ليصلح ما فسد، ويوقف قوي الاستكبار العالمي عند حدها، اما قومنا الان فان مشروعهم القومي يتمثل في " خلع بلاط" الأرصفة الأحمر، واستبداله ببلاط من نفس الشركة ونفس اللون، او علي رأي قائلهم ردا علي مطلب البعض بمشروع قومي يلتف حوله المصريون.. عندهم مشروع مترو الإنفاق، فليلتفوا حوله!القصد، فان أي محاولة الان لاخراج الإخوان المسلمين من المعادلة السياسية محكوم عليها بالفشل، حتي وان تم الزج بهم كلهم جميعا الي السجون، وحتي لو تم التفنن في أساليب إجلائهم عن الحياة النيابية، ليصبح المنافس الوحيد لحزب الرئيس وعائلته، هو حزب الحاج احمد الصباحي وعائلته. وحتي لو كانت نوعية الأحزاب القائمة في مصر الآن، هي تلك التي يتشحتف رؤساؤها لكي ينظر لهم السيد جمال بعين الرضا، و يكلمهم في التليفون. وحتي لو تم حجب الرخصة القانونية للأحزاب الجادة، ومنحها لنوعية الأحزاب التي انطلق رئيس احدها مؤخرا بدون تعب او كلل مؤيدا جمال مبارك رئيسا للبلاد – طبعا بعد الدعاء بطول العمر للوالد – كما انطلق مؤيدا لجنة السياسات.. حماها الله، وكل هذا لان التعيين في مجلس الشوري علي الأبواب، والجميع يعمل بهمة ونشاط حتي يفوز بالعضوية بقرار رئاسي، وسيكون!الليلة ليست أشبه بالبارحة، واخوان اليوم ليسوا هم إخوان الأمس، وحسني مبارك ليس هو جمال عبد الناصر، ومشروع توشكي الهلامي، ليس هو مشروع السد العالي، وخلع بلاط الأرصفة بدون ضرورة واعادة تركيبه من جديد، لا يتوازي مع مشروع التحرر الوطني الذي تبناه الحكم الناصري، والأمل الذي أشاعه حكم حركة الجيش في النفوس، حل محله اليأس والخوف من الغد، بل ومن اللحظة!...................وعلي كل، فهذا ليس موضوعنا، فهذا المقال عن حالة التثقف التي حلت فجأة علي أهل الحكم، فصاروا يرطنون كما المثقفين، وهم يواجهون الجماعة المحظورة، وشاهدنا حديثا عن الدولة المدنية، في مواجهة الدولة الدينية التي يسعي الإخوان الي تشييد حصونها، بعد ان ينقلبوا علي الحكم المدني، الذي تنعم به البلاد، ويرفل العباد في نعيمه المقيم، وهذه هي المرة الأولى التي يرفع القوم فيها مثل هذه الشعارات، ومؤكد لو انك سألتهم عن ماهية الدولة المدنية، فسوف يكون ردهم كرد هذه العاهات التي تملأ المنتديات الثقافية، ويرددون كلاما لا يفهمونه، من باب ادعاء الثقافة.ذات مرة سمعت واحدة تقول " حفل تأبيد"، تقصد " تأبين"، وذات يوم استمعت الي إحداهن تقول بدون مبرر " بصفتي ليبرالية"، فسألتها عن ما هي الليبرالية، فردت علي سؤالي بسؤال: معقولة لاتعرف معني الليبرالية؟.. واكدت بأنني حقيقة لا أعرف معناها. وما كان عليها إلا ان تداري جهلها بحالة اندهاش عريضة رسمتها علي وجهها، وأدخلتني في دوامة الردود المندهشة مثل: احلف، قول: وربنا، لاكتشف في النهاية ان الليبرالية عندها هي أخت المهلبية من الرضاعة!بصفتي ليبراليا، ومن دعاة الدولة المدنية، فإنني أقول ان الدولة المدنية بالمختصر المفيد هي التي تحال الأوراق فيها للشعب، اما الدولة الدينية فهي التي تحيل أوراقها للمفتي، والإخوان ومن خلال دراستي لفكرهم، وتاريخهم وأنا متخصص فيه، فيهم العبر، التي أوردنا جانبا منها في كتابنا " الإخوان المسلمون.. الوجه والقناع"، لكن ليسوا دعاة للدولة الدينية، فدولتهم مرجعيتها إسلامية. والجماعة ذاتها القول الفصل فيها للمرشد العام، وليس لبلدياتنا الشيخ محمد عبد الله الخطيب. والدولة التي يدعون إليها، ليست هي الدولة الدينية التي يصبح الحكم فيها لرجال الدين!هذا عن الإخوان، أما عن الحزب الحاكم الذي يرفع سدنته شعار الدولة المدنية، في مرحلة التثقف التي واتتهم في شيخوخته، ومن خلال كوني أعيش في كنفهم، فاستطيع القول وأنا في بطني شادر من البطيخ الصيفي، ان بينهم وبين الدولة المدنية دنيا، وهم ليسوا رجالها، بل من خصومها، فإذا سلمنا بأن الإخوان من دعاة الدولة الدينية، فان القوم قد أقاموا حصون الدولة البوليسية، وهي خصم تاريخي كذلك للدولة المدنية!......................فكيف بالصلاة علي النبي ان يدعي نظام حكم انتمائه للدولة المدنية في الوقت الذي يفرض فيه شروطا تعسفية ظاهرة وباطنه علي حرية تأسيس الأحزاب؟.. وكيف له ان يحيل المدنيين للمحاكم العسكرية؟.. وكيف يسطوا علي أموال الناس بتهم هو مطلقها، تارة لانها نتاج عمليات غسيل للأموال، واخري لأنها تمول حركة محظورة؟!وكيف لسلطة تدعي الدفاع عن الدولة المدنية في الوقت الذي تتم فيه عسكرة الحياة المدنية، ومن أول المحافظين، الي رؤساء شركات النظافة، مرورا ببعض قطاعات التعليم. وكيف يتم الحديث عن الدولة المدنية في وقت يتم فيه التدخل البوليسي في الانتخابات العمالية، والاتحادات الطلابية، والانتخابات النيابية؟!الدولة المدنية لا يحظر فيها تأسيس الأحزاب، استنادا لقرار من الحزب الحاكم، وانما يكون الحظر بشروط قانونية يرتضيها المجتمع، لأن القانون الذي يضع شروطا هلامية مثل شرط التميز وما الي ذلك، والذي يضعه برلمان مطعون في شرعيته، لا يصلح للاحتكام اليه، وان صدر بإجماع الآراء!والقانون الذي يجعل من جماعة لها ( 88) نائبا في البرلمان جماعة محظورة، في وقت يمنح الشرعية لمحلات البقالة الحزبية، هو قانون لا مكان له في دولة مدنية، الحكم فيها للشعب، والشعب فيها هو مصدر السلطات. وعندما يخرج الشعب ويناضل حتي يعطي صوته لمرشحي جماعة محظورة قانونا، وهو الذي تصدر القوانين باسمه، فانه يكون بالتالي قد رفع الحظر القانوني بإرادته، وهي إرادة نافذة في الدولة المدنية، أما في ظل الدولة البوليسية، فان هذا يستدعي فرض الوصاية علي الشعب، باعتباره قاصرا، ان لم يتم شحنه الي السرايا الصفراء!في الدولة المدنية الكل أمام القانون سواء، ولا يمكن ان يحصل الحزب الحاكم علي شرعيته بدون التزام بقانون الأحزاب السياسية، في الوقت الذي يساق فيه المنتمون إلى غيره للسجن بتهمة الانتماء الي تنظيم محظور. بالقانون فان كلا من جماعة الإخوان، والحزب الوطني هما تنظيمان محظوران، فلا الحزب المذكور حصل علي موافقة لجنة شئون الأحزاب بتأسيسه، ولا الجماعة المذكورة نالت شرعيتها من هناك!.....................فعندما تأسس الحزب الوطني كان قانون الأحزاب السياسية قد صدر، وبمقتضاه تشكلت لجنة شئون الأحزاب، لكن مؤسسه الرئيس السادات رحمه الله لم يذهب الي هذه اللجنة بأوراق حزبه، فقد اكتفي بان يعلن تأسيس الحزب علي أنقاض حزب مصر، فهرول الجميع الي الحزب الجديد، ولم تؤثر هذه الهرولة في شرعية الحزب القديم، فظل يتمتع بها ليصدر حكما قضائيا كاشفا وليس منشئا بأن الحزب باق، فهناك إجراءات للحل والدمج في القانون لم تتبع. هذا فضلا عن ان القانون وان كان قد اقر مبدأ الدمج بين حزبين، فان الحزب الوطني لم يحصل علي شرعيته كحزب حتي يكون من المنطق ان يندمج فيه حزب مصر الاشتراكي!لقد حصل الراحل جمال ربيع علي حكم قضائي باستمرار وجود حزب مصر، وهو الحزب الذي قضي بعودة كل مقراته، التي قام الحزب الوطني بالسطو عليها في كل ربوع المحروسة، وتمت مساومة الرجل، بأن يتم تنفيذ الحكم جزئيا، فيعترفوا بشرعيته كرئيس له، مقابل ان " يصهين" علي موضوع المقرات، وقد كان!وعندما تم ضم ايمن نور لحزب مصر انتفض أهل الحكم، وتنادوا ان يا داهية دقي، وتم تجميد الحزب، خوفا من المطالبة مستقبلا بالمقرات التي تم اغتصابها نفاذا لسياسة الاغتصاب والتي اعملوها فاغتصبوا أموال الناس بعد ذلك بحجة انها مملوكة للإخوان!..........غريب أنا.. أتحدث عن السطو علي مائة مقر، وربما اكثر، او اقل، وعن " شوية" ملايين من الجنيهات، وهم وان كثروا مجرد فكه، لا يكفون لمسح زور مسئول. لكن ألفت انتباه القارئ الى انني لست هنديا فقيرا انظر الي هذا المسطو عليه علي انه ثروة قومية، فما ذكرته هنا كان للتأكيد علي ان القوم يدخلون في روعنا الغش والتدليس عندما يرفعون عقيرتهم بالدفاع عن الدولة المدنية!في روعنا؟!.. من نحن أصلا؟!.. فهم في الواقع يفعلون هذا ونحن لسنا علي بالهم بتاتا البتة، وانما المستهدف برسائلهم هم سكان البيت الأبيض وضواحيه، فأردوا ان يوحوا لهم انهم أصحاب وجهة نظر، واذا كان بوش وخليلته من قبل نظروا الي ايمن نور باعتبار حزبه حزبا مدنيا، فما المانع من ان يتحدثوا باسم الدولة المدنية، ويولولون خوفا عليها في مواجهة خصومهم، الذين يدعون الي الدولة الدينية، حتي يقف الخليفة ليقول لعامله علي محافظة سوهاج ثكلتك أمك، واغرب عن وجهي وإلا ضربتك بالدرة علي عنقك، يا ابن السوداء، في سواد كونداليزا رايس!لنا ان نعلم يا قراء ان الدكتور فرج فوده أحد دعاة الدولة المدنية عندما لقي مصرعه علي يد جماعات الإرهاب الديني تحرج الرئيس مبارك من ان يظهر في الصورة انه متعاطف معه، ففي معرض الكتاب وقف الدكتور عبد العظيم رمضان قائلا ان فرج فوده كان معنا في العام الماضي هنا، وطالب بالوقوف دقيقة حدادا، فتجاهل الرئيس الأمر، وولي كأن لم يسمع شيئا!فما الذي جري يا هل تري؟!إنها رسائل الي بوش، حتي لا يضع عينه هو والحيزبون كوندي علي أي قوي مدنية كبديل للنظام، فالقوي المدنية موجودة وتقاتل في سبيل الذود عن حياض الدولة المدنية، وهي تحكم، وفي نفس الوقت تحقق أهداف الأمريكان في المنطقة، وتتقرب الي إسرائيل في الطالعة والنازلة بالنوافل!سطور أخيرةفي بلدتي بالصعيد الأقصى يوجد مقام متوارث يحمل اسم " الشيخ مبارك"، الراسخون في العلم ببلدتنا قالوا انه جد الرئيس، ولم اصدق، رغم ان أحدا لم ينسبه لغيره، لكن الآن أصبحت واثقا من صلة صاحب الكرامات بالرئيس، فهناك خمسة من إجمالي تسعة أشخاص خاضوا الانتخابات الرئاسية منافسين له، وبدفع من حزبه الا واحدا، ومع هذا جار عليهم الزمان.فرئيس الغد تم سجنه، ورئيس الوفد تم طرده، ورئيس الاتحادي لقي حتفه، ورئيس الوفاق فقد بصره، والحاج احمد الصباحي الذي أعطى صوته للرئيس أصيب بجلطة بعد يوم عسل قضاه في شرم الشيخ!كل هذا في ظرف سنة فقط، والبقية تأتي.انني احمد الله واقبل يدي مقلوبة ومعدولة لرفض الحكم لحزب " التحالف الوطني"، لانني متهور وكنت اسخن لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، ليس طمعا في المنصب، ولكن طمعا في رؤية النصف مليون جنيه، مرصوصة فوق بعضها، فقد كنت سأتصور بجانبهم، ومؤكد انها كانت ستكون اخر صورة لي قبل ان تفقدني الأمة. الحمد لله!
No comments:
Post a Comment