بقلم ضياء رشوان المصري يوم ١٩/٢/٢٠٠٧
اعتاد الحزب الوطني الديمقراطي وحكوماته المتعاقبة علي نقد المعارضين لسياساته وإجراءاته في مختلف المجالات بأنهم يتوقفون عند حد المعارضة العامة دون تقديم بدائل محددة وتفصيلية لما يطرحه. وعلي الرغم من التكرار المستمر لتلك المقولة،
فالحقيقة كانت دوماً مخالفة لها، فأغلب قوي المعارضة ومختلف فئات المثقفين المصريين كانوا يقدمون بالإضافة للتصورات العامة لحل المشكلات والقضايا الكبري التي تواجه مصر والمصريين بدائل تفصيلية ومحددة لكثير منها في حدود ما يتوافر لهم من معلومات ومعطيات دقيقة تمكنهم من بلورة تلك البدائل.
وقد مد الحزب الحاكم نفس مقولته الخالية من المضمون والعارية من الحقيقة إلي التشريعات القانونية والدستورية التي تنظم مختلف جوانب الحياة المصرية، برغم أن الوقائع التي تثبتها مضابط المجالس النيابية المتعاقبة والصحف والمجلات السيارة والكتب والأبحاث المنشورة خلال ربع القرن الأخير تثبت عكس ذلك تماماً حيث تقدمت قوي المعارضة والكتاب والسياسيون بعدد هائل من المقترحات التشريعية التي رفضت أو استبعدت غالبيتها الساحقة وتم إقرار ما تقدم به الحزب الوطني وحكوماته المتعاقبة.
ولم يشذ الحزب الحاكم عن عادته التاريخية المستمرة في تلك المزايدة العارية من الصحة علي معارضيه ومجمل المثقفين والسياسيين المصريين حتي عندما تعلق الأمر بتعديل الدستور نفسه، كما حدث في العام قبل الماضي فيما يخص المادة ٧٦ أو كما يحدث حالياً حيث يجري تعديل ٣٤ مادة من الدستور. وفي هذا الإطار فقد بدا لنا ضرورياً أن نطرح علانية مقترحات تفصيلية لصياغة بعض المواد التي يجري الآن تعديلها، بهدف إبطال الحجة المكررة، وليس أملاً في أن يأخذ بها الحزب الحاكم، فلم يبلغ بنا بعد الوهم هذا المدي.
والبداية بالمادة الخامسة من الدستور والتي تنص حالياً علي: "يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية علي أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور... وينظم القانون الأحزاب السياسية".
ونقترح هنا النص التالي لصياغة هذه المادة: "يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية علي أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، وينظم القانون الأحزاب السياسية علي أن تنشأ بمجرد الإخطار، ويحظر قيام أي أحزاب أو ممارسة أي نشاط سياسي أو حزبي بما يميز بين المواطنين علي أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو علي أساس امتلاك أو إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية".
والمنطق الذي يكمن وراء تلك الصياغة المقترحة يتمثل أولاً في أن يكون مبدأ إباحة قيام الأحزاب في الدستور هو الأصل والذي يحققه قيامها بمجرد الإخطار علي أن ينظم القانون إجراءات اللجوء إلي القضاء الطبيعي التي يمكن لأي شخص أو جهة اتباعها للاعتراض علي قيام أي حزب.
من ناحية ثانية أن يتم النص بوضوح في الدستور علي حظر قيام أي أحزاب أو ممارسة أي نشاط سياسي أو حزبي بما يتناقض مع المساواة التامة بين المواطنين ويميز بينهم علي أي أساس كان، وهو ما يتوافق مع المادة (٤٠) من الدستور التي تنص علي أن: "المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
من ناحية ثالثة أن تضمن المادة حظر النشاط السياسي أو الحزبي الذي يقوم علي ،أو يؤدي إلي، التفرقة بين المواطنين علي الأسس السابقة بما يتسق مع الطبيعة المعقدة للنشاط الديني في مصر وما يمكن أن يندرج تحته ويمثل تداخلاً غير ضار مع النشاط السياسي والحزبي، ويتجنب بتلك الصياغة أي اختلاط قد يقع في تفسير طبيعة ذلك النشاط الديني المتداخل مع النشاط السياسي والحزبي.
ومن ذلك، علي سبيل المثال، أنه إذا حظر النشاط السياسي والحزبي علي أساس ديني فمن الوارد تفسير أي تهنئة من حزب سياسي لجماهيره في مناسبة دينية بأنها تقوم علي أساس ديني، وكذلك الأمر في حالة حضور أي مسؤول حزبي أو تنفيذي لمناسبة ذات طبيعة دينية، وقد يمتد الأمر إلي اختصاصات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء ومجلسي الشعب والشوري في حال إصدارهم أو مناقشتهم قرارات أو قضايا ذات طابع ديني سواء كانت داخلية أو خارجية.
من هنا فإن النص الواضح في المادة علي حظر أي نشاط سياسي أو حزبي يقوم علي التمييز بين المواطنين علي الأسس السابق ذكرها إنما يحقق الغرض المقصود من تلك المادة، وهو منع الاستغلال الضار لتلك الأسس والذي يبث الفرقة في المجتمع ويهدد وحدته الوطنية ويتناقض مع مواد الدستور الأخري المشار إليها.
ومن ناحية أخيرة أن تعديل المادة بالصياغة المقدمة يكفل التكامل بينها وبين المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ويحول دون أي تعارض قد ينشأ عند قيام السلطة التشريعية بسن قوانين أو تشريعات وفق المادة الثانية أو قيام السلطتين التنفيذية والقضائية بإصدار قرارات وفق نفس المادة.
No comments:
Post a Comment