بقلم حسنين كروم المصري يوم : ٧/٢/٢٠٠٧
حين نحاول الحديث باختصار شديد عن مواقف كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي الست.. لمواجهة السياسة الأمريكية والإيرانية معاً في العراق، وإثارتهما الفتنة الطائفية بين أشقائنا الشيعة والسنة، وعملهما، كل بطريقته، لتكوين دولة شيعية، وسط وجنوب العراق، تتحالف أو تتحد مع إيران، لنخلص من ذلك إلي محاولة تحديد سياسة عامة، كان لابد من التذكير بأن لكل دولة مواقف للمجلس مختلفة مع غيرها، هي حصيلة تطورات تاريخية وتجارب سياسية خاصة بها، ومصالحها تدفعها لاتخاذ مواقف منفردة قد تغضب بعض زميلاتها،
وهذا ما رأيناه بالنسبة للسعودية والكويت والإمارات، أما بالنسبة لسلطنة عُمان فلها سياسة مستقلة قديمة نحو إيران والعراق، ترفض قطع أي صلة معهما، مهما كانت درجة الخلاف معهما ومع باقي دول الخليج، وتفضل ممارسة استقلاليتها بهدوء، وحل مشاكلها بنفس الأسلوب؟ ويحركها في ذلك ميراث تاريخي، فقد كانت دولة لها شأن في التاريخ العربي والإسلامي، وأسطول بحري ومناطق نفوذ في شرق أفريقيا، ودخلت في حروب مع الأساطيل الإسبانية والبرتغالية والبريطانية، ورغم خضوعها للاحتلال البريطاني، فقد نشبت فيها ثورات عنيفة،
وكان فيها اتجاه يري أن المنطقة الممتدة من حدودها وحتي الكويت تتبعها، وأدخل آخرون الكويت فيها، وخلافات علي الحدود مع السعودية والإمارات واليمن تمت تسويتها، ونشبت فيها ثورة شيوعية في منطقة ظفار المجاورة لمحافظة المهرة في اليمن الجنوبي، عندما كانت دولة مستقلة، ولها نظام شيوعي يقدم الدعم لها ويتلقي بدوره دعماً من الكويت، التي سمحت بأنشطة في أراضيها للمتمردين، وهو ما أدي لأزمة معها، وبسبب عنف الثورة استعان السلطان قابوس بالقوات الإيرانية أيام الشاه وبالأردنية أيضاً، إلي أن انتهت الثورة،
وبعد ثورة الخوميني لم يغير السلطان قابوس بن سعيد سياسته القائمة علي فتح خطوط الاتصال مع الجميع، مما أغضب العراق والسعودية وباقي دول الخليج، خاصة بعد نشوب الحرب العراقية - الإيرانية، وبعد غزو العراق الكويت، فقد استمرت قنواتها مفتوحة مع النظام العراقي، وكانت تدعو بعد حرب الكويت إلي نسيان ما حدث، واستقبلت مسؤولين عراقيين كباراً. وتتميز عُمان كذلك بوجود تراث ثقافي ومذهبي لديها، وبالتالي فهي مؤهلة لدور، أعتقد أنه ينحصر في التخفيف من حدة الصراع المذهبي، لأنها لن تغير سياساتها الراسخة. أما قطر فقد كانت قبل تولي أميرها الشيخ حمد الحكم وعزل والده الشيخ خليفة تسير علي خطي السعودية سياسياً ومذهبياً أيضاً إلي حد بعيد، ولم يعكر العلاقات بينهما إلا الخلاف علي منطقة الخلوس علي الحدود، وخلافها مع البحرين علي جزر حوار، والتي وصلت للاشتباكات المسلحة، رغم عضويتهما في مجلس التعاون
. أما بعد تولي الشيخ حمد، فقد شهدت العلاقات بين قطر والسعودية صراعات عنيفة ومع غيرها من الدول، بسبب السياسة الاستقلالية، التي اتبعها ولعب الدور الذي كانت تلعبه الكويت إلي ما قبل الغزو العراقي، وتجاوز منطقة الخليج إلي العالم العربي، وشكلت قناة «الجزيرة» وسلاسل المؤتمرات العربية والدولية، التي تستضيفها، وبدء انفتاحها الداخلي الذراع الأخري المكملة للسياسة، التي خرجت نهائياً من العباءة السعودية، وأصبحت لها سياسة متميزة نحو إيران،
واستعادت علاقاتها مع نظام صدام حسين، أي أنها نفس سياسة سلطنة عمان، ولكن أكثر حيوية وأبعد في المدي، والقبول بمواجهات مع أي دولة عربية بسببها، وهو ما تتجنبه السلطنة.. وبالتالي فهي مؤهلة لأن تكون ساحة للتلاقي بين القوي السياسية العربية والإيرانية علي مختلف اتجاهاتها، والبحث عن حلول للخلافات المذهبية عامة، والأهم أن تكون قطر حاضنة للقوي والأحزاب العربية الشيعية والسنية، بأن توفر لها سلسلة متواصلة من المؤتمرات.. أما البحرين فلها وضع خاص لوجود نسبة عالية من الشيعة، رغم أن الأسرة المالكة سنية،
وكانت الأكثر تطوراً من باقي دول الخليج من النواحي السياسية والفكرية والاجتماعية، ففي الثلاثينيات من القرن الماضي، ظهرت فيها حركة عمالية وطلابية وسياسية نشطة ضد الاحتلال البريطاني، وكانت إيران تعتبرها جزءاً منها، وخصص لها الشاة مقعداً في المجلس النيابي، ظل شاغراً إلي أن تعود لأحضان إيران بعد الجلاء البريطاني عنها، لكن، تمت تسوية مع بريطانيا، بإجراء استفتاء عام ١٩٧١، بأن يختار الشعب الاستقلال أو الانضمام الإيراني، فاختار الشيعة والسنة عروبتهم، وحدثت بعد ثورة الخوميني انتكاسات سياسية وتضييق علي الحريات وقمع وسجن، وتعليق للدستور، واشتكي الشيعة من تعرضهم للمعادلة بطريقة أقل من السنة، ولأن البحرين الأقل دخلاً،
فقد ارتبطت أكثر بالسعودية، ثم تحولت مؤخراً من إمارة إلي مملكة، وسار نظامها في طريق الديمقراطية خطوات، وظهرت فيها الأحزاب الشيعية في هيئة جمعيات، وأجريت انتخابات نيابية في أجواء ديمقراطية معقولة، وبإمكان شيعة البحرين بالتحديد، أن يلعبوا دوراً مهماً، في عدم تغليب الولاء المذهبي علي الولاء للعروبة، لأنهم اختاروها في استفتاء حر، صحيح أنه كان أيام الشاه، ولم تكن ثورة الخوميني موجودة، لكن الأصح أنه عندما يتوافر الاختيار الحر للشعب،
فسوف ينحاز لقوميته قبل دينه أو مذهبه، لأن القومية وجود وارتباط بأرض وواقع ومستقبل، والدين ارتباط بالله يشترك فيه أصحاب القوميات المختلفة، وكذلك المذهب، ولذلك فإن دور شيعة البحرين مؤثر هنا، لكن الذي ننتبه إليه أن هذه المواقف المختلفة لدول مجلس التعاون ستظل في النهاية محكومة بحقيقة أن الوجود الأمريكي والبريطاني العسكري هو الضامن الحقيقي لها في نهاية الأمر في مواجهة إيران، وأمامها مسافة قد تطول للتحرك بعيداً عنه، لكنها ستظل مربوطة بحبله، والمشكلة أمامها هي: هل ستستغل هذه المسافة.. وكيف؟ وهو موضوعنا القادم إن شاء ربك الكريم.
No comments:
Post a Comment