Tuesday, February 20, 2007

ما حقيقة الذي يجري بين الإخوان والحكومة؟


بقلم ضياء رشوان المصري يوم ٥/٢/٢٠٠٧
ما حقيقة ومصير الذي يجري هذه الأيام بين الحكومة من جانب وجماعة الإخوان المسلمين من جانب آخر منذ الاستعراض الذي قام به بعض من طلابهم في جامعة الأزهر؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه اليوم الغالبية الساحقة من السياسيين والمحللين الذين يتابعون يومياً الفصول والتطورات الجديدة في «الاشتباك» الجاري حالياً بين الطرفين دون توقف.
وفي خلال تلك المتابعة انتشرت مصطلحات عديدة لوصف ما يحدث، أبرزها «التصعيد الأمني» الحكومي ضد الإخوان و«الحزب الديني» الذي يريد الإخوان تأسيسه، وغيرهما من مصطلحات أبرزت في النهاية جوهراً لهذا الاشتباك يبدو - حسب تقديرنا - مختلفاً تماماً عن جوهره الحقيقي.
والأكثر رجحاناً هو أننا اليوم إزاء مرحلة فاصلة في تاريخ العلاقة بين الحكومة والنظام السياسي كله وجماعة الإخوان المسلمين، يحاول فيها كل من الطرفين إعادة صياغة المعادلة التي قامت عليها تلك العلاقة منذ عام ١٩٥٤، فمنذ محاولة بعض أعضاء التنظيم الخاص في الجماعة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في ذلك العام، استقر لدي النظام السياسي برؤسائه الثلاثة المتعاقبين قرار بعدم الموافقة في أي وقت وأي ظروف علي منح جماعة الإخوان الشرعية القانونية التي ظلت تطمح إليها، بعد أن صدر قرار بحظرها عام ١٩٥٤، بعد محاولة الاغتيال وما أعقبها من صدام مع النظام الجديد.
إلا أنه في نفس الوقت ظلت الدولة المصرية خلال العهود الثلاثة، غير ساعية إلي القيام بتصفية واستئصال الجماعة من المجتمع المصري، بل سمحت لها في معظم الأحيان بالتواجد الواقعي غير الواسع في مساحات مختلفة من المجتمع السياسي والمدني.
وفي المقابل فمن الواضح أن الجماعة قد أدركت تلك المعادلة المركبة من جانب الدولة، وقبلت التعامل معها دون أن تقبل رسمياً ونظرياً نصفها الأول، وهو رفض الاعتراف القانوني بوجود الجماعة، بينما قبلته واقعياً وفي الممارسة، بينما سعت بكل جهودها للاستفادة من نصفها الثاني المتعلق بالسماح بتواجد واقعي للجماعة في المجتمع والساحة السياسية متنوع المساحة من فترة إلي أخري.
وعلي الجانب الآخر التزم الإخوان فكرياً ونظرياً وواقعياً بعدم اللجوء إلي العنف في تحركهم المجتمعي أو عملهم السياسي واستبعاد أي تفكير مغامر بالانقضاض علي الدولة كما فعل قطاع صغير منهم عام ١٩٥٤، وواصلوا نشر فكرتهم وتوسيع جماعتهم في جنبات المجتمع وبعض قطاعات الدولة التي ظلوا يسعون إلي التأثير عليها أو المشاركة فيها أو المنافسة علي حكمها بالوسائل السلمية دون أي لجوء للعنف أو أي شكل للقوة المادية.
هذه المعادلة بمكوناتها الرئيسية هي التي تبدو اليوم محلاً للتعديل من جانب طرفيها الرئيسيين، النظام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل من المواجهة الجارية حالياً تبدو بالصورة الحادة الجادة التي نشهدها.
فمن جانب النظام السياسي يبدو واضحاً، أن قدراً كبيراً من التعديلات الدستورية المقدمة من رئيس الجمهورية بهدف وضع قواعد جديدة للنظام السياسي والعمل السياسي في البلاد في المستقبل، يتجه إلي «إقصاء» الإخوان ليس فقط من العمل الحزبي القانوني بمنعهم من تأسيس حزب سياسي بحجة أنه سيكون حزباً دينياً، بل أيضاً جعل التعديل المتوقع للمادة الخامسة من الدستور كقاعدة قانونية ودستورية لمنعهم من النشاط السياسي الواقعي، بحجة أنه مختلط بالنشاط الديني.
ومن جانب النظام السياسي أيضاً، فقد اعتبرت أجنحة مهمة فيه أن استعراض طلاب الإخوان بالأزهر يمثل تراجعاً من الجماعة عما التزمت به ضمن المعادلة القديمة خلال أكثر من خمسين عاماً بعدم اللجوء للعنف، الأمر الذي يبرر للدولة تراجعها عن عدم إقصاء الإخوان من التواجد الواقعي وليس القانوني في المجتمع والمسرح السياسي.
كذلك بالنسبة للإخوان، فهم علي ما يبدو وتحت تأثير عوامل عديدة ـ بعضها أتي من داخل الجماعة وبعضها الآخر من السياق السياسي المحيط بها ـ قد قرروا السعي لأول مرة منذ قيام الجماعة إلي تحويل وجودهم الواقعي المسموح به وفق المعادلة القديمة مع النظام إلي وجود قانوني يتخذ شكل الحزب السياسي وربما إلي جانبه شكل الجمعية الأهلية التي تحتضن أنشطة الجماعة الأخري غير السياسية.
ومن المرجح هنا أن العامل الرئيسي، الذي دفع الجماعة إلي تلك المطالبة بالحزب السياسي، هو شعورها بأن الصياغة الجديدة التي يتم الآن القيام بها للنظام السياسي كله عبر التعديلات الدستورية، تستلزم تشكيل ذلك الحزب وإلا ستواجه الجماعة خطر الإبعاد إن لم يكن الإقصاء عن المجتمع والساحة السياسية.
كذلك فمن الواضح أن نجاح الجماعة في الحصول علي نحو خمس أعضاء مجلس الشعب في الانتخابات الأخيرة، قد شجع المترددين فيها علي الإقدام علي خطوة الإعلان عن تشكيل حزب سياسي قانوني لها.
إن الجوهر الحقيقي لما يجري اليوم بين النظام والإخوان هو سعي كل من الطرفين لصياغة معادلة جديدة للعلاقة بينهما تحل محل القديمة التي استمرت لأكثر من نصف قرن، بحيث يحقق كل طرف منها أقصي مصالحه، ويزيح الطرف الآخر، أو علي الأقل يقلل إلي أبعد حد، من قدرته علي تحقيق أهدافه. والسؤال القائم دوماً في ظل ذلك هو: كيف ستسير الأمور في ظل ذلك التغير الجذري في العلاقة بين الطرفين؟ إلا أن الإجابة قد تستلزم مقالاً آخر.

No comments: