في الصراحة راحة
بقلم محمد صلاح ــ المصري يوم ٢٢/٢/٢٠٠٧
سألني صديقي السياسي المثقف، عن مصير مقال كان أرسله إلي في مكتب صحيفة «الحياة» اللندنية، وما إذا كان قد نشر أم لا؟ فأجبته الإجابة التقليدية: ألا تقرأ الصحيفة التي بعثت بمقالك إليها لتنشره فيها، لتعرف ما إذا كانت نشرته أم لا؟ فرد علي بكل تلقائية: أنا لا أقرؤها، ولا أقرأ أي صحيفة أخري،
فسألته مندهشاً: كيف؟ ومن أين تحصل علي معلوماتك؟ وعلي أي أساس تكتب مقالاتك؟ كانت فكرتي عن صديقي أنه يقرأ كل ما يقع تحت يديه، وأنه في بعض الأحيان لا يجد وقتاً كافياً لأداء عمله، إذا انشغل بالقراءة، وأنه ينسي الدنيا و«اللي» فيها و«اللي» عليها، إذا ما جلس أمام كومة من الصحف أو المجلات، ناهيك عن الكتب والأبحاث والدراسات.
كانت الفكرة تدور في رأسي، وأنا أستمع إلي إجابته الأخيرة، وهو يؤكد أنه اكتشف أنه لم يخسر شيئاً، وأنه أيقن أن الصحف القومية والحزبية والخاصة والمستقلة، وكذلك المجلات ومعها نشرات الأخبار، لا تضيف إليه كثيراً، وأن المعلومات صارت تنتشر وتتسرب وتتوغل وتصل إليه، دون أن يقرأ صحيفة أو يشاهد نشرة أخبار أو يطالع مجلة،
بل إنه صار أكثر قدرة علي الحكم علي الأشياء، لأنه لم يعد يقع تحت تأثير الإثارة الصحفية أو الانتهازية التليفزيونية أو الركاكة الإعلامية أو الرغبة السياسية في تغييب بعض الحقائق أو لي بعضها الآخر، أو الممارسات الإكروباتية في إلباس الباطل ثوب الحق، وطمس الحق، واعتباره «إثارة للبلبلة». أخبرني صديقي أنه أصبح يستقي معلوماته، ممن يثق بهم من زملائه وأصدقائه، وكذلك المواقع الإلكترونية المحايدة التي تتعاطي مع ما جري دون تزييف،
وتتوقع ما سيجري دون تحيز، بناء علي دراسات علمية دقيقة، وأبحاث أكاديمية سليمة، وقراءات موضوعية للاحتمالات، وفهم واع للواقع وموازين القوي والعناصر المؤثرة في القضية التي تتناولها. أنهيت المكالمة ورميت عيني علي بعض عناوين الصحف، وبعدها تعمدت أن أتنقل بين بعض القنوات التليفزيونية، وبعد ساعات وجدت أن صاحبي لم يخسر كثيراً، بل إنه ربما بالفعل ربح السلامة.
كل الصحف كتبت في الأسابيع الماضية عن برنامج هالة سرحان، الذي شاهده عدة آلاف علي فضائية «روتانا»، فعرف الملايين بعدها ما جري، وضربوا أخماساً في أسداس، وهم يقرأون آراء، تدافع عن الدكتورة وأخري تسعي إلي ذبحها، وسعت فضائيات أخري، وهي تزعم مكافحة برامج الفضائح إلي فضح هالة سرحان وتجريسها، وضاعت الموضوعية وذابت المعايير المهنية، واختزل الأمر: أنت مع هالة ولاَّ ضدها؟
بعدها بأيام كان عشرات من الناس يلتفون حول شجرة تقع علي أحد جانبي طريق القاهرة - الإسماعيلية، يتباركون بها ويدعون الله أمامها ويتمسحون فيها، ويملسون عليها، لاعتقادهم أنها شجرة مباركة، بعدما خدعهم أحدهم وحفر علي جذعها لفظ الجلالة واسم الرسول الكريم، علي الفور أسرع الصحفيون إلي المكان ودارت الكاميرات والعدسات، وكتبت الصحف،
وبثت برامج التليفزيون تقارير وأخباراً عن الشجرة المباركة، التي لم يكن يعرف بأمرها سوي عشرات من المارة، غالبيتهم من السائقين وعفاريت الأسفلت المارين بانتظام علي الطريق،
فانسد الطريق بعد ساعات بجحافل المصدقين، بكل ما ينشر في الصحف والمدمنين علي مشاهدة ما يبث في التليفزيون، الراغبين في التقرب إلي الله عن طريق شجرة في الطريق الصحراوي، مع أن الطريق إلي مرضاة الله معروف ولا يحتاج إلا إلي التزام تعاليمه وأوامره الواردة في القرآن والسنة النبوية الشريفة، وعادت الصحف والقنوات لتزيد معاناة هؤلاء، وتعيد إليهم الإحباط توعيهم وتخبرهم، بأن الشجرة لا هي مباركة ولا يحزنون، وأن النقش علي جذعها بفعل فاعل.
سألت نفسي بعدها: هل تفرق هوجة النشر في الصحف، والكلام في برامج الفضائيات عن الحملة علي الإخوان عن أي حملة أخري علي الجماعة؟ وهل تغير النشر عن الإصلاح السياسي، أو الخناق في الفضائيات علي أسس ذلك الإصلاح، عما يجري منذ سنوات عن نفس الموضوع؟ هل فرقت كثيراً التغطيات التليفزيونية والصحفية للتعديلات الدستورية، عما حدث عند تعديل المادة «٧٦» قبل سنتين؟
هل تعيد الصحف وقنوات التليفزيون إنتاج ما قرأه الناس من قبل؟ ما يضيرك إذا لم تكن قرأت شيئاً عن قضية فتيات الليل، أو الشجرة المباركة، أو حتي الحملة علي الإخوان،
أو الإصلاح السياسي؟ لا شيء، فقط كان يمكنك استثمار وقتك في أشياء أخري مفيدة، دون أن يتشتت عقلك في قضايا معادة ومكررة، ولا طائل منها إلا إذا كنت مثلي تقرأ كثيراً، وتشاهد التليفزيون طويلاً، واهماً أن هذا جزء من عملك، معتقداً أنك بذلك تثقف نفسك وتزيد من معرفتك، بما يدور حولك فتكتشف في النهاية أن صديقك الذي قاطع الصحف وباع جهاز التليفزيون، كان أكثر معرفة ووعياً وثقافة منك، لأنه صارح نفسه دون أن يتجمل، وفي الصراحة راحة.
سألني صديقي السياسي المثقف، عن مصير مقال كان أرسله إلي في مكتب صحيفة «الحياة» اللندنية، وما إذا كان قد نشر أم لا؟ فأجبته الإجابة التقليدية: ألا تقرأ الصحيفة التي بعثت بمقالك إليها لتنشره فيها، لتعرف ما إذا كانت نشرته أم لا؟ فرد علي بكل تلقائية: أنا لا أقرؤها، ولا أقرأ أي صحيفة أخري،
فسألته مندهشاً: كيف؟ ومن أين تحصل علي معلوماتك؟ وعلي أي أساس تكتب مقالاتك؟ كانت فكرتي عن صديقي أنه يقرأ كل ما يقع تحت يديه، وأنه في بعض الأحيان لا يجد وقتاً كافياً لأداء عمله، إذا انشغل بالقراءة، وأنه ينسي الدنيا و«اللي» فيها و«اللي» عليها، إذا ما جلس أمام كومة من الصحف أو المجلات، ناهيك عن الكتب والأبحاث والدراسات.
كانت الفكرة تدور في رأسي، وأنا أستمع إلي إجابته الأخيرة، وهو يؤكد أنه اكتشف أنه لم يخسر شيئاً، وأنه أيقن أن الصحف القومية والحزبية والخاصة والمستقلة، وكذلك المجلات ومعها نشرات الأخبار، لا تضيف إليه كثيراً، وأن المعلومات صارت تنتشر وتتسرب وتتوغل وتصل إليه، دون أن يقرأ صحيفة أو يشاهد نشرة أخبار أو يطالع مجلة،
بل إنه صار أكثر قدرة علي الحكم علي الأشياء، لأنه لم يعد يقع تحت تأثير الإثارة الصحفية أو الانتهازية التليفزيونية أو الركاكة الإعلامية أو الرغبة السياسية في تغييب بعض الحقائق أو لي بعضها الآخر، أو الممارسات الإكروباتية في إلباس الباطل ثوب الحق، وطمس الحق، واعتباره «إثارة للبلبلة». أخبرني صديقي أنه أصبح يستقي معلوماته، ممن يثق بهم من زملائه وأصدقائه، وكذلك المواقع الإلكترونية المحايدة التي تتعاطي مع ما جري دون تزييف،
وتتوقع ما سيجري دون تحيز، بناء علي دراسات علمية دقيقة، وأبحاث أكاديمية سليمة، وقراءات موضوعية للاحتمالات، وفهم واع للواقع وموازين القوي والعناصر المؤثرة في القضية التي تتناولها. أنهيت المكالمة ورميت عيني علي بعض عناوين الصحف، وبعدها تعمدت أن أتنقل بين بعض القنوات التليفزيونية، وبعد ساعات وجدت أن صاحبي لم يخسر كثيراً، بل إنه ربما بالفعل ربح السلامة.
كل الصحف كتبت في الأسابيع الماضية عن برنامج هالة سرحان، الذي شاهده عدة آلاف علي فضائية «روتانا»، فعرف الملايين بعدها ما جري، وضربوا أخماساً في أسداس، وهم يقرأون آراء، تدافع عن الدكتورة وأخري تسعي إلي ذبحها، وسعت فضائيات أخري، وهي تزعم مكافحة برامج الفضائح إلي فضح هالة سرحان وتجريسها، وضاعت الموضوعية وذابت المعايير المهنية، واختزل الأمر: أنت مع هالة ولاَّ ضدها؟
بعدها بأيام كان عشرات من الناس يلتفون حول شجرة تقع علي أحد جانبي طريق القاهرة - الإسماعيلية، يتباركون بها ويدعون الله أمامها ويتمسحون فيها، ويملسون عليها، لاعتقادهم أنها شجرة مباركة، بعدما خدعهم أحدهم وحفر علي جذعها لفظ الجلالة واسم الرسول الكريم، علي الفور أسرع الصحفيون إلي المكان ودارت الكاميرات والعدسات، وكتبت الصحف،
وبثت برامج التليفزيون تقارير وأخباراً عن الشجرة المباركة، التي لم يكن يعرف بأمرها سوي عشرات من المارة، غالبيتهم من السائقين وعفاريت الأسفلت المارين بانتظام علي الطريق،
فانسد الطريق بعد ساعات بجحافل المصدقين، بكل ما ينشر في الصحف والمدمنين علي مشاهدة ما يبث في التليفزيون، الراغبين في التقرب إلي الله عن طريق شجرة في الطريق الصحراوي، مع أن الطريق إلي مرضاة الله معروف ولا يحتاج إلا إلي التزام تعاليمه وأوامره الواردة في القرآن والسنة النبوية الشريفة، وعادت الصحف والقنوات لتزيد معاناة هؤلاء، وتعيد إليهم الإحباط توعيهم وتخبرهم، بأن الشجرة لا هي مباركة ولا يحزنون، وأن النقش علي جذعها بفعل فاعل.
سألت نفسي بعدها: هل تفرق هوجة النشر في الصحف، والكلام في برامج الفضائيات عن الحملة علي الإخوان عن أي حملة أخري علي الجماعة؟ وهل تغير النشر عن الإصلاح السياسي، أو الخناق في الفضائيات علي أسس ذلك الإصلاح، عما يجري منذ سنوات عن نفس الموضوع؟ هل فرقت كثيراً التغطيات التليفزيونية والصحفية للتعديلات الدستورية، عما حدث عند تعديل المادة «٧٦» قبل سنتين؟
هل تعيد الصحف وقنوات التليفزيون إنتاج ما قرأه الناس من قبل؟ ما يضيرك إذا لم تكن قرأت شيئاً عن قضية فتيات الليل، أو الشجرة المباركة، أو حتي الحملة علي الإخوان،
أو الإصلاح السياسي؟ لا شيء، فقط كان يمكنك استثمار وقتك في أشياء أخري مفيدة، دون أن يتشتت عقلك في قضايا معادة ومكررة، ولا طائل منها إلا إذا كنت مثلي تقرأ كثيراً، وتشاهد التليفزيون طويلاً، واهماً أن هذا جزء من عملك، معتقداً أنك بذلك تثقف نفسك وتزيد من معرفتك، بما يدور حولك فتكتشف في النهاية أن صديقك الذي قاطع الصحف وباع جهاز التليفزيون، كان أكثر معرفة ووعياً وثقافة منك، لأنه صارح نفسه دون أن يتجمل، وفي الصراحة راحة.
3 comments:
صدقت وصدق صديقك، فجميع الصحف والفضائيات هى متحيزة وتخدم أهداف مالكيها وتفرض على المتلقى إهتمامات مزيفة ومواضيع إلهائية فى الغالب. وربما كان الحل فى الإنترنت على الأقل إلى حين أتمنى ألا يحين.
تحياتى وشكرى على المدونة الرائعة
حسام
ممممم
والله يا سيدي انا مش متفق معاك كليا
لكن انا مع نقطة ان الصحف والقنوات والاخبار كلها لها توجهات وتبتعد في كثير من الاحيان عن الحيادية
وبالتالي تساهم في تشكيل رأي المشاهر او القارئ بشكل او باخر
سلام
بصراحة احنا الاعلام بتاعنا بقي مالوش لازمة سواء من صحافة او تلفزيون
كله بقي زفت
حتى الصحافة -بس مش كلها-معظمها بقي بيتكلم فى حاجات هايفة وحاجات مش عاوزة كلام كتير
شكرا ليك على زيارتك مدونتى
Post a Comment