Wednesday, February 07, 2007

الإسلام والغرب في معرض الكتاب بالقاهرة

عبد المنعم سعيد ـ الشرق الأوسـط
7/2/2007

في الثامن من نوفمبر الماضي نشرت مقالا في هذا المكان تحت عنوان «من الاستراتيجية إلى الثقافة وبالعكس»، وطرحت فيه عددا من التأملات عن ندوة عقدت فى باريس بين مثقفين عرب وآخرين من أوروبا، وكان من بين موضوعاتها علاقة الإسلام بالغرب. وكانت النتيجة التي توصلت إليها أن المثقفين العرب لا يجرون حوارا مع الغرب وإنما يجرون حوارا مع أنفسهم لأن الإشكاليات العظمى تقع داخلنا في الأساس، ومن ثم تنضح في علاقاتنا ومناقشاتنا مع الآخرين. وفي يوم 25 من يناير المنصرم شاركت مع آخرين في واحدة من ندوات معرض القاهرة للكتاب كان موضوعها أيضا «الإسلام والغرب»، وهي نوعية من الندوات التي تعقد بين مجموعة من المتحدثين وجمهور كبير من رواد المعرض المهتمين بالقضايا الكبرى التي تشغل الدولة والمجتمع في العالم العربي. وفي العادة فإن هذه العينة من المشاركين لا يمكن اعتبارها عينة ممثلة للجمهور العام، بالمعنى الإحصائي للكلمة، ولكنها بالتأكيد تشكل ملاحظة أولية على حالة الجمهور العام ومعتقداته وأنماط تفكيره حول الموضوع المطروح.
وعلى مدى ساعتين من اللقاء وجدت ثلاث مقولات حاكمة في التفكير العام حول العلاقة بين الإسلام والغرب، الأولى تقول بالقطع الذي لا وهن فيه أن الغرب يخشى قوة الإسلام مستندا إلى التاريخ الذي خرج فيه العرب والمسلمون لكي يطرقوا أبواب أوروبا سواء عندما وصلوا إلى جبال البرانس أو عندما طرقوا أبواب فيينا. وفي هذه المعادلة الموضوعية بين الغرب والإسلام نجد جمعا بين ما هو محدود بالجغرافيا والسكان والقيم وبين ما هو عالمي موجه للإنسانية جمعاء لا يفرق بين شرقها وغربها من بني البشر. وبقدر ما كان هناك تجاهل للتعدد والتنوع والاختلاف عبر الفترات الزمنية داخل الغرب، فإن الخلط كان واضحا جدا بين الإسلام كدين والمسلمين كمجتمع ودولة ونظام سياسي.
والحقيقة أنه لم يكن مفهوما أبدا لماذا يخشى الغرب من قوة المسلمين ولا يخشى من قوة اليابانيين والصينيين والهنود على اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم لأنهم من الناحية الاقتصادية البحتة والعسكرية المجردة يوجد لديهم ما يخشى منه، لأن معدلات نموهم مرتفعة، ولأن قدراتهم التكنولوجية متنامية، وفي النهاية فإنهم أكثر الأسواق التي تستقبل الأموال والاستثمارات والتجارة التي يقدمها الغرب. وخلال القرنين الماضيين فإن المسيرة الغربية سارت على طريق فتح الأسواق العالمية من خلال الضغط السياسي والعسكري لكي ينتهي الأمر دوما بقوى جديدة عملاقة وقوية تنضم إلى المسيرة الغربية. ولا يمكن فهم ما جرى في اليابان والصين والهند ودول أوروبا الشرقية إلا ضمن هذا الإطار، فالقوة في النهاية تترجم إلى أسواق متسعة تقوم على علاقات اعتماد متبادل تمتزج فيها الأموال والسلع والبضائع والإنتاج والاستهلاك، ويتم التعبير عنه في أسواق مال لا تفرق بين هونج كونج أو فرانكفورت أو نيويورك.
كل ذلك لا يوجد منه في العالم الإسلامي الكثير، وفيما عدا نجاحات قليلة ومتفرقة في ماليزيا وتركيا فإن الأغلبية الساحقة من العالم الإسلامي واقعة في عالم الضعف وليس في دنيا القوة الاقتصادية أو العسكرية أو التكنولوجية. ولعل ذلك تحديدا هو مصدر الخوف الغربي، فالأقوياء في العالم يوجد لديهم ما يبادلون به ويتفاوضون عليه، ويوجد لديهم ما يكفي من الثقة بالنفس بحيث يدخلون في علاقات اعتماد متبادلة وعميقة مع بقية العالم، وفي النهاية فإن لديهم من المعرفة ما يجعلهم يشتركون مع الأقوياء الآخرين في الغرب في ظاهرة العولمة. أما الضعفاء فلا يوجد لديهم ما يخافون عليه، وفي حالات كثيرة لا توجد لديهم آمال يحلمون بتحقيقها وإنما توجد لديهم كوابيس عالمية يسعون للتخلص منها. وباختصار فإن الأقوياء يوجد لديهم من العزة والمنعة والفخر ما يجعلهم يحرصون على الحياة، أما الضعفاء فإن الموت يصبح هو مصدر اليقين والفخر الوحيد.
المقولة الثانية التي كانت ذائعة بين الجمهور قضت بأن العالمين العربي والإسلامي قد جربا الاشتراكية والرأسمالية والديمقراطية وحكم الحزب الواحد ولكن كلها فشلت في تحقيق النمو والتقدم والقدرة على المنافسة مع الأمم والجماعات الأخرى. وأكثر من ذلك أن المسلمين هزموا بسبب تركهم للإسلام وتخليهم عنه، وهكذا فإن «الإسلام هو الحل» لمشاكل التخلف وللانتصار في معارك المواجهة مع الغرب. وقد كان هذا القول الذائع مناقضا تماما للحقائق التاريخية، فالحقيقة الثابتة التي يمكن رصدها تجريبيا وإحصائيا هي أن المسلمين لم يتخلوا أبدا عن الإسلام، بل أن العقود الأخيرة شهدت إقبالا متزايدا على ممارسة الشعائر والتمسك بأهداب الدين. وأكثر من ذلك فقد ظل العالمان العربي والإسلامي تحت شكل أو آخر من أشكال الحكم الإسلامي منذ القرن الأول الهجري حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عندما سقطت دولة الخلافة العثمانية وبدأت الدول الوطنية الحديثة في الظهور، وحتى بعد قيام هذه النوعية من الدول لدى البعض فقد بقي البعض الآخر محافظا، وأكثر من ذلك فقد قامت صيغ راديكالية إسلامية في أفغانستان وإيران والسودان. وهكذا فإن التجربة تاريخيا حدثت وفي النهاية فإن العالمين العربي والإسلامي فشلا في مواجهة المد الاستعماري خلال القرن التاسع عشر، كما فشل في حماية الاستقلال القومي طوال القرن العشرين، وعندما دخل إلى القرن الواحد والعشرين كان عاجزا تماما عن المنافسة العالمية، ولم يكن ذلك راجعا للإسلام من قريب أو بعيد، كما لم يكن راجعا لأي من النظم الأخرى التي تم تطبيقها، ولكنه كان راجعا إلى أن التخلف في الدول العربية والإسلامية كان أقوى وأمضى من كل هذه النظم بسبب أساسي هو أنه لم يتم الاعتراف والبحث في أسبابه ومواجهته مواجهة صريحة.
المقولة الثالثة التي رددها الجمهور بإصرار كانت بالطبع حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 وعما إذا كانت حادثا فارقا في العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب، أو أنها كانت معبرة ومشهرة لتناقضات جوهرية موجودة بالفعل بين الطرفين. وكان الرأي الغالب بين الجمهور مائلا إلى وجهة النظر الثانية بقوة حيث أصبحت الأحداث المشار إليها مجرد فصل جديد من فصول المواجهة التاريخية يضاف إلى فصول تاريخية أخرى كانت فيها الحروب الصليبية والحروب الاستعمارية وحروب التحرر وبالطبع الحروب العربية الإسرائيلية، ولكن المشكلة مع وجهة النظر هذه أنها تغفل حقيقة أن ما جرى من أحداث في هذا اليوم المشئوم كان معلنا عن مرحلة فارقة بين العرب والمسلمين والعالم الحديث ليس في الغرب وحده، ولكن مع الشرق أيضا في الصين والهند واليابان حتى روسيا. بل أن الحادث كان فارقا داخل العالمين العربي والإسلامي عندما تحول العنف الإرهابي من مجرد كونه حلقات إجرامية لكي يكون ظواهر سياسية متكاملة استهدفت المجتمعات العربية والإسلامية الحديثة. فلم يكن ما جرى في القاهرة والرياض والدار البيضاء وبغداد مختلفا كثيرا عما جرى في نيويورك وواشنطن ولندن ومدريد من حيث الجوهر حتى لو كان هناك فارق من حيث الحجم والتأثير، وبقدر ما غيرت هذه الأحداث حياتهم في الغرب وقوانينهم فإنها كانت ـ وما زالت ـ مؤثرة سلبا على التطور السياسي للعالمين العربي والإسلامي وعلاقتهما بالغرب.. إنها قصة بالغة التعقيد حقا

No comments: