Tuesday, February 20, 2007

كيف يتم التعامل مع الحركات الإسلامية؟


د. حسن حنفىـــ العربي الناصري 19/2

مازالت الحركات الإسلامية فى الوطن العربى والعالم الإسلامى مبعث قلق لدى نظم الحكم، وموضع تساؤل لدى العديد من الباحثين. وأصبحت ظاهرة تهدد الجميع، فى الداخل والخارج. ويتساءل الجميع: هل يتم التعامل معها بالصدام وإراقة الدماء أو بالاحتواء والضم وإدخالها فى النسيج الاجتماعى أو بالحوار والفهم المتبادل كى تتغير من الداخل؟ ارتبط اسمها بالإرهاب فى الخارج بعد حوادث سبتمبر فى نيويورك وواشنطن ولندن ومدريد بل وفى قلب العالم العربى فى مصر والأردن وتونس والمغرب والكويت والمملكة العربية السعودية واليمن. بل تحول فى الجزائر إلى حرب أهلية كانت حصيلتها فوق المائة وخمسين ألف قتيل. ولم ينج العالم الإسلامى منها فى تفجيرات بالى بأندونيسيا وباكستان والهند وتركيا. وتم الخلط بين المقاومة والإرهاب فى العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير. وأصبح كل عمل يقوم على العنف إرهابا دون تفرقة بين إرهاب الدول ومقاومة الأفراد والشعوب. وتم الانتقال من الواقع إلى الفكر، ومن الظروف السياسية والاجتماعية التى أفرزت العنف إلى الإسلام ذاته والحكم على جوهره بأنه دين يمارس العنف وينتشر بالسيف. شريعته: الإسلام أو الجزية أو القتال. وشعاره سيف ومصحف. وفى رأى الغربيين سيف تقطر منه الدماء، ومصحف يدعو إلى الكراهية ونبذ الآخر واعتباره إما كافرا أو أهل ذمة أو معاهدا. مازالت الطريقة الغالبة فى التعامل مع هذه الحركات الإسلامية هى طريقة الأمن والشرطة والجيش والحرس الوطني، عنفا بعنف، وقوة بقوة، وسلاح علنى فى مقابل سلاح سري، وقوة الدولة ضد قوة الجماعات. وبطبيعة الحال تكون الغلبة للدولة. فهى الأقوى عدة وعتادا وتنظيما. ويقتل أفراد جماعات العنف أو يعتقلون ويعذبون فى السجون للحصول على المعلومات. فيزدادون عنفا على عنف، وتطرفا على تطرف كما حدث لسيد قطب فى السجن وتحت وطأة التعذيب عندما تحول من العدالة الاجتماعية فى الإسلام ومعركة الإسلام والرأسمالية والسلام العالمى والإسلام فى أوائل الخمسينيات إلى معالم فى الطريق بعد اعتقاله فى 1954 وقد حدث نفس الشيء لبعض الجماعات وتحولهم إلى العنف فى السجون مثل شكرى مصطفى وجماعة التكفير والهجرة فى السبعينيات. وهاجر البعض إلى خارج البلاد. وانضم للمجاهدين الأفغان ضد الاحتلال الروسى. وقاتلوا فى البوسنة والهرسك. وعاد الأفغان العرب إلى الأوطان ليقوموا بالجهاد فى الداخل بعد أن انتصروا فى الخارج. ومع زيادة صعود المد اليمينى فى الغرب بدأ العداء للإسلام والمسلمين إما بتشويه صورة الإسلام فى أجهزة الإعلام الغربية، بالأفلام أو الصور أو الرسوم المتحركة أو الروايات والقصص. وبدأت مظاهر الاضطهاد لهم فى القوانين الاستثنائية لمحاربة الإرهاب، ومنها الحجاب، والتعليم الديني، والمؤسسات الخيرية والمصارف الإسلامية بل والمعاهد ومراكز الأبحاث والجامعات. وطالب اليمين الأوروبى بإيقاف سيل الهجرات الشرعية واللاشرعية من الجنوب إلى الشمال، من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا. بل طالب اليمين المتطرف ببدء القيام بعملية نزح للمسلمين وإرجاعهم إلى بلادهم الأصلية كما طُرد المسلمون من الأندلس من قبل حماية للهوية الأوروبية، ودفاعا عن التجانس الأوروبي، وتمسكا بالعقيدة المسيحية واليهودية، وبنقاء العنصر الأبيض، وحماية للحضارة الأوروبية. وآثر بعض المستنيرين داخل النظم السياسية البداية بالحوار مع أفراد هذه الجماعات وقياداتها داخل السجون من أجل إعلان توبتهم وإرجاعهم إلى الإسلام الصحيح، إسلام الدولة والنظام والاستقرار. وهى سياسة الاحتواء. فالجماعات على خطأ وفى ضلال مبين. والدولة على هدى وطريق مستقيم. ونجحت بعض هذه المحاولات. وتمت مراجعات فى السجون بلغت الآن حوالى العشرين كتيبا لرفض العنف المسلح وتكفير المسلمين وقبول العمل فى المجتمع المدني، ورفض الحاكمية والدولة الدينية، وقبول مبدأ المواطنة والتعددية السياسية، والانتخابات البرلمانية، وإطلاق حرية الفكر، وممارسة الاجتهاد. وخرج التائبون من السجون بالفعل، وانخرطوا فى الحياة الاجتماعية من جديد وإن كانت مشاركتهم فى الحياة السياسية بأحزاب دينية مازالت بعيدة المنال لمنع الدستور ذلك حماية للبلاد من الطائفية. وقد تحول أحد زعمائهم فى الجزائر إلى أديب وروائى. ليست طريقة التعامل مع الحركات الإسلامية الاحتواء والاستئناس مادامت المنطلقات الفكرية والظروف السياسية والاجتماعية لم تتغير. بل الطريق هو الحوار مع هذه المنطلقات حتى يتضح اللبس فى فهم النصوص، والابتسار لها، والانتقاء لبعضها دون البعض الآخر. الطريق هو الحوار معها، الند للند كطرفين متكافئين، واجتهادين شرعيين بين أحرار متساوين وليس بين سجّان وسجين. الطريق هو الحوار مع تصوراتهم للعالم ومع فهمهم للتراث وموقفهم منه. فليس كل ما فى التراث هو السيف والتكفير والردة والحدود، والقتل والعقاب والردع. فى التراث أيضا الرحمة، وحرمة أرواح وأعراض وأموال المسلمين، واحترام الآخر والحرية والحوار مع المخالفين وقبول الرأى والرأى الآخر. المطلوب فهم الدوافع والغايات، وبيان تعدد الطرق والوسائل لتحقيقها طبقا للقاعدة الفقهية: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بشرط عدم الإتيان بمنكر أعظم منه، وطبقا لمبادئ الحوار فى الإسلام، والجدال بالتى هى أحسن، وافتراض أن الإنسان على صواب وقد يكون على خطأ، وافتراض الآخر على خطأ وقد يكون على صواب، دون تعيين أحد الطرفين فى خطأ مطلق أو فى صواب مطلق وإنا أو إياكم على هدى أو فى ضلال مبين وتلك مهمة العلماء فى إعادة بناء الموروث القديم وتحويله من الجانب المغلق إلى الجانب المفتوح. فالإنسان ما يقرأ وما يرث. والمطلوب أيضا العمل على تغيير الظروف الاجتماعية والسياسية التى أفرزت هذه الجماعات، وهى حالة الضيق العام والأزمة المستغلقة التى يعيشها الشباب، قهر وفقر وفساد وضياع فى الداخل، واحتلال وعدوان وإهانة وجرح للكرامة فى الخارج. وليس لهذا الشباب أى تنظيم سياسى شرعى يضمه. فيظل يعبر عن نفسه سياسيا خارج إطار الشرعية، ويعنف ضد القانون، ويكفّر الحاكم الظالم، ويخرج على المجتمع الذليل. يعيش تحت الأرض أو يكوّن جماعات مثالية مغلقة على أطراف المدن أو فى الصحراء. ويتزوجون فيما بينهم، الأطهار للطاهرات، والمؤمنون للمؤمنات بلا تكلفة تذكر. يكفى وهب النفس والرضا بين الطرفين، والشهود من أعضاء الجماعة. وزوجات الشهداء يردن الاستقرار وإعادة التأهيل. كثير من النظم العربية لا تعطى شرعية للحركات الإسلامية. لذلك فيها يشتد العنف، فى مصر وليبيا وتونس والجزائر وسوريا وغيرها. وأقلها يضعف فيه العنف نسبيا حيث توجد أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية كما فى الأردن والمغرب والكويت واليمن وغيرها. والأوضاع الخارجية تبعث أيضا على القلق، احتلال العراق وفلسطين والصومال وهم أعضاء فى الجامعة العربية، وأفغانستان والشيشان وكشمير وهى دول إسلامية بعضها أعضاء فى منظمة المؤتمر الإسلامى. أسهمت الحركات الإسلامية فى حركات التحرر الوطنى. وكانت البوتقة التى انصهرت فيها كل حركات الاستقلال الوطنى من ليبراليين وقوميين وماركسيين. وبعد نيل الاستقلال حكمت الأيديولوجيات العلمانية للتحديث وحدها. واستبعدت الحركات الإسلامية. ثم وقع الصدام بين الفريقين. ودخلت الحركات الإسلامية السجون فازدادت تطرفا وعنفا. وظلت مستبعدة من العمل السياسى على مدى أكثر من نصف قرن. لم تتعود فيه إلا على الخصومة مع نظم الحكم، مع إحساس قوى بالاضطهاد. هم مواطنون مثل غيرهم ولكنهم مطاردون باستمرار من أجهزة الأمن. تسخر منهم الرسوم فى الصحف، من اللحى والجلباب، والحجاب والنقاب، والمعتقدات والممارسات. فإذا ما تغير هذا الجو من الإحباط العام، والإحساس بالغضب والظلم والعجز، وإذا ما عادت الأوطان إلى مسارها الطبيعي، واعترفت النظم الحاكمة بأهمية التعددية السياسية، ونبذ حديث الفرقة الناجية، وأن الحق من جانب واحد، وإذا ما أصبح هذا الوطن للجميع على قدم المساواة تنحسر هذه الجماعات الغاضبة التى لم تجد حتى الآن إلا العنف كوسيلة للتعبير عنها. ومن منظور تاريخى عام، قد تكون الحضارة الإسلامية على أعتاب ازدهار ثان بعد الازدهار الأول قبل ابن خلدون فى القرون السبعة الأولى وبعد التوقف الأول بعد ابن خلدون على مدى سبعة قرون أخرى فى العصر العثمانى. وقد بدأ ذلك منذ حركات الإصلاح الدينى فى القرن التاسع عشر وفى الصحوة الإسلامية فى أواخر القرن العشرين. الإسلام الآن هو الدين الثانى فى أوروبا. والمسلمون يكونون ربع سكان المعمورة، أكثر من مليار وربع. وإمكاناتهم المادية والمعنوية بلا حدود. والعالم الإسلامي، والأفريقى والأسيوي، مرشح أن يخرج منه قطب ثان فى مواجهة القطب الأول. لذلك يشتد عليه الحصار من الخارج والتهديد من الداخل. ويُبالغ فى استعمال القوة معه بالغزو المباشر وبالقواعد العسكرية والأحلاف ومناطق النفوذ والتجزئة والتقسيم إلى فسيفساء عرقى طائفى منعا لوحدته. فإذا كان الإسلام قادما وليس مولّيا، أليس من الأفضل الحوار معه وترشيد حركاته بدلا من تركه كالثور الهائج يقتل ويُقتل؟

No comments: