Tuesday, February 20, 2007

الحكومة الفلسطينية


بقلم د.يحيى الجمل ـ المصري يوم ١٩/٢/٢٠٠٧
وأخيراً يبدو أن هذا المسلسل قد انتهي إلي غايته التي كان يجب أن ينتهي إليها، بتشكيل حكومة وحدة وطنية بين الفصيلين الأساسيين في حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» و«فتح» وبعض المستقلين المقبولين من كل الأطراف، وقد كانت أخبار الاتفاق، ثم نقض الاتفاق، ثم الصدام بين فتح وحماس، وسقوط قتلي وجرحي وإلقاء كل فريق اللوم علي الفريق الآخر،
وقد كانت هذه الأخبار عندما أسمعها في الصباح من إذاعة لندن - الـ بي. بي. سي - تشعرني بالمرارة والألم وما يقرب من البؤس والإحباط ثم أسمع أن اتفاقاً حدث ولا ألبث إلا وأسمع أن الاتفاق قد خرق،
ورغم كل الهموم الداخلية فإن الهم العربي وفي قلبه الهم الفلسطيني لم يكن يبارحني قط، وعندما حدث لقاء مكة استبشرت خيراً، وأصابني الفزع عندما نقلت الأخبار بعد يومين أن خلافاً جديداً حول اختيار وزير الداخلية وحول موضوع القوة التنفيذية المرتبطة بحماس قد برز من جديد،
وبالأمس - مساء - سمعت بيان رئيس السلطة الفلسطينية وبيان رئيس الوزراء المكلف واتجهت إلي الله أن تسير المسيرة في طريقها الذي يجب أن تسير فيه نحو إتمام قيام حكومة الوحدة الوطنية وبدء مرحلة جديدة من الكفاح الفلسطيني في سبيل قيام الدولة الفسلطينية وفي سبيل أن يعيش الشعب الفلسطيني حياة طبيعية.
ولم أملك نفسي من التفكير في أمور عديدة كلها تدور حول الشعب الفلسطيني وحول حقوقه المشروعة والضرورية وحول مستقبل قضيته كلها الذي هو جزء من مستقبل هذه الأمة.
ونقطة البدء عندي، هي أنه مع إيماني الشديد بالتعددية السياسية وبحق الاختلاف في الرأي وأنا صاحب المقولة الشهيرة «تعالو نتعلم كيف نختلف» إلا أنني أعتقد أن الاختلاف بين الإخوة الفلسطينيين في هذه المرحلة هو ترف لا يملك أحد حق ممارسته، إن طبيعة المرحلة ومنطقها أن نكون جميعاً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وألا يخرج أحد عن الصف تحت أي ذريعة أو حجة حتي يتم بنيان الدولة الفلسطينية علي الأرض التي احتلت عام ١٩٦٧ ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية وأهمها القرار ٢٤٢ والقرار ٣٣٨ وبعد ذلك يجوز لنا أن نختلف، ويجوز لنا أن نزايد علي بعض ويجوز لبعضنا أن يقول هذا كاف وأن يقول آخرون لا، إن هذه مرحلة فقط.
بعد أن نصل إلي هذا الهدف وليس قبله يجوز لنا أن نختلف أما قبل ذلك فإن الاختلاف هو ترف لا تطيقه المرحلة بل هو في الأغلب الأعم خيانة لمنطق المرحلة.
لقد أضحكنا الأعداء علينا في الأيام الماضية ونحن نتقاتل ونهدر الدم الفلسطيني بأيد فلسطينية ثم نقول كلاماً كبيراً ونكتفي بالكلام.
هذه مرحلة لا تحتمل إلا أن نكون جميعاً - وأكرر جميعاً - كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ولا تشذ فيه طوبة واحدة.
هل من المعقول ألا يكون في يدنا شيء ذو قيمة حتي الآن، ومع ذلك نختلف علي منصب هنا أو علي عرض من الأعراض هناك، يجب أن يكون واضحاً أنه رغم طول مسيرة الكفاح ورغم كثرة المرارات والتضحيات فإننا مازلنا في بداية الطريق لاسترجاع بعض فلسطين وتكوين الدولة الفلسطينية لا يتصورنَّ أحد أوهاماً غير حقيقية، يجب أن ندرك حقيقة أن ما بيدنا حتي الآن هو أقل القليل، وأنه من العبث والخيبة أن نتصارع حول أوهام.
إذا استقر ذلك في ذهننا جميعاً فإننا لن نختلف ولن نعيش في أوهام. إن الاحتلال الإسرائيلي يملك حتي الآن أن يقيد حركتنا جميعاً حتي في الجزء الذي انسحب منه ويملك أن يفرض علينا الحصار جميعاً فهل يجوز لنا أن نختلف علي ألقاب وهمية ومناصب ورقية، لا يجوز ولا يتصور في حركة تحرير وطني أن يحدث ذلك.
معرفة الحقائق هي بداية الطريق الصحيح.
ومن الحقائق التي يجب أن تعرفها المقاومة الفلسطينية - والحكومة الجديدة في مقدمتها - أننا نعيش في عالم متشابك وأن إرادتنا وآمالنا محكومة بقدرتنا علي التوحد من ناحية وبهذا العالم الذي يحيط بنا من ناحية أخري.
وعالمنا تبدأ أولي حلقاته بأمة عربية ممزقة، ومع كل ما تبديه هذه الأمة نحو كم من عواطف ومشاعر فإن تأثيرها الحقيقي محدود بحكم محدودية وزنها في عالم اليوم.
أما العالم علي اتساعه فهناك بعض دوله تتعاطف معكم وتدرك حقكم ولكن الكثرة منها ينطبق عليها المثل القائل «العين بصيرة واليد قصيرة».
وتبقي الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة المؤثرة في عالم اليوم وأنا واثق أنها لن تبقي القوة المؤثرة الوحيدة علي المدي الطويل ولكن في المدي القريب علينا أن ندرك هذه الحقيقة التي تتمثل في أن القوة الغالبة في عالم اليوم تقف إلي جوار إسرائيل وتساندها في الحق وفي الباطل ولا تري غير ما تراه.
وعلينا أن ندرك قبل هذا كله وبعد هذا كله أن إسرائيل تعرف ما تريد جيداً وتخطط له جيداً وتحشد له التأييد جيداً بحكم سيطرتها علي أجهزة المال ووسائل الإعلام
هذا هو ما يحيط بنا وهي صورة غير مبهجة، ولكن التاريخ يقول: إن حركات التحرير التي لم تعرف الانقسام والاحتراب والتنازع انتصرت في نهاية المطاف.
لا أريد أن أقف موقف الناصح ولا أريد أن أتصور أن علاقاتي بالقيادات التاريخية للثورة الفلسطينية تعطيني الحق في هذا الموقف، ولكنني أفكر كمواطن عربي بسيط يؤمن بعروبته، ويؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، ويؤمن بأن حركات التحرير لابد أن تحدد أهدافها ومراحل هذه الأهداف، إن القفز علي الواقع، وإن حرق المراحل، وإن الإصرار علي أن نحقق كل شيء مرة واحدة ليس هو الطريق الأمثل.
لابد أن يكون واضحاً لنا أن هناك مراحل في طريق الكفاح وأن كل مرحلة تسلم للمرحلة التي بعدها وهذا يجعلنا لا نزايد علي بعض بالكلام والشعارات، إن خطوة عملية مهما كانت قصيرة نحو قيام الدولة الفلسطينية أكثر جدوي ونفعاً من عشرات الشعارات.
وأحب أن أقول إنني استمعت جيداً إلي خطاب التكليف بتشكيل الوزارة الذي وجهه الرئيس الفلسطيني أبومازن لرئيس الوزراء المكلف إسماعيل هنية «أبوالعبد» وتقديري أن الوزارة يجب أن تحرص علي تنفيذ هذا الخطاب بنصه ومضمونه، إن هذا الخطاب يمثل الرؤية في هذه المرحلة، وتقديري أنه يمثلها أفضل تمثيل.
وهناك مسألة حساسة أتوجه بها إلي الإخوة في حماس، وإلي رئيس حكومة الوحدة الوطنية وهي مسألة الاعتراف بإسرائيل.
إن الاعتراف نوعان: الاعتراف الواقعي والاعتراف القانوني، وتقديري أن الاعتراف الواقعي حادث فعلاً ولا يمكن تجنبه أو إنكاره، وفقه القانون الدولي، والعلاقات الدولية يعرف هذا الاعتراف الواقعي وكثير من دول العالم بدأت اعترافها بإسرائيل اعترافاً واقعياً ولا يضير الحكومة الفلسطينية أن تقرر في بعض تصريحاتها هذا الاعتراف الواقعي «de facto recognition».
وعلي أي حال فإن الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية قد حدث فعلاً ولا أحد يطالب كل حكومة جديدة بأن تعيد الاعتراف بكل دول العالم من جديد.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخري، فإن توزيع الأدوار بذكاء وباتفاق مسبق هو أحد «التكتيكات» التي اتبعها كثير من حركات التحرير في العالم مع عدم الإخلال بالخط الاستراتيجي معلنا كان ذلك الخط أو مضمراً.
إن توزيع الأدوار أمر بالغ الأهمية في ظروف الحركة الفلسطينية، ولكن توزيع الأدوار شيء والاختلاف، والانقسام والتنابز شيء آخر مختلف تماماً.
إننا في أشد الحاجة إلي اتفاق علي توزيع الأدوار، وإننا في الوقت نفسه في أشد الحاجة إلي البعد عن الفرقة والانقسام والتنابز، ولست أريد هنا أن أتحدث عما تخطط له وتعلنه وتفعله إسرائيل بالمسجد الأقصي إلا من زاوية إبراز مدي الخطر ومدي الإجرام ومدي العنصرية التي تمتلئ بها دولة إسرائيل، ومدي ما يلزمنا به ذلك من تكاتف وتلاحم وإصرار.
هذه كلمة مخلصة وهادئة أوجهها إلي الإخوة في حركة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها، فأنا واثق أن الشعب الفلسطيني الذي خاض كفاحاً مراً، ندر أن خاض مثله شعب آخر، قادر علي أن يلهم قياداته إلي الطريق السليم بعون الله.

No comments: