Thursday, February 15, 2007

احتضار الدور المصرى!

عبدالله السناوى



السعودية وإيران تتنافسان على ملفات العراق ولبنان وفلسطين.. ومارتن انديك يقول: مصر لمبة جاز أخذت شعلتها فى الذبول..

الولايات المتحدة بدت كلمتها مسموعة فى مفاوضات مكة بين حركتى حماس و فتح ومصر أحيطت علماً لدواعى حفظ ماء الوجه

الوزن المصرى هبط من اتباع سياسات الولايات المتحدة إلى اتباع سياسات بعض أتباعها!

بدا مشهد توقيع اتفاق مكة بين حركتى فتح وحماس، منقولا بالصوت والصورة والأجواء التى إحاطت به، مثيراًً فى دلالاته وألغازه وألغامه..
من دواعى الإثارة غياب الدور المصرى فى قضية تتعلق مباشرة بخط الدفاع الأول عن أمنها القومي، قد تكون أحيطت علما بالاتفاق قبل اعلانه، وقد يرضى الرئاسة هنا إشارة عابرة، لدواعى المجاملة الدبلوماسية، فى نص الاتفاق الى الدور الأمنى المصرى فى تهدئة حدة التوتر فى غزة وتقليص أخطار المواجهات العسكرية الدامية غير ان القضية بتعقيداتها ليست أمنية، رغم ان بعض جوانبها تستدعى تدخلاً لحل إشكالات أمنية والسيطرة الميدانية على فوضى السلاح والاقتتال الأهلي، وهو جهد مطلوب فى كل الأحوال، لكنه يقصر بذاته عن ان تكون له قيمة حاسمة فى تقرير حركة الأحداث على مدى قريب، والتراجع السياسى لدور مصر فى محيطها الإقليمى يبدو انه قد تجاوز ما عهدناه على مدى ثلاثة عقود، فقد جرت السياسة المصرية منذ مبادرة السادات بزيارة الكنيست الإسرائيلى على اعتبار ان اوراق اللعبة كلها فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، ودخلت مصر فيما اسمته شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، عنت بالضبط اتباع ما تطلبه من مواقف وسياسات، وادى ذلك تدريجيا الى افقار الدور المصرى من استقلاله وحيويته وثقة محيطه العربى فيه، وبدا ان هناك أطرافا عربية أخرى متأهبة لوراثة الدور المصري، وهو امر مشروع بحسابات الدول ومصالحها، والأدوار لا تكتسب بالادعاء حتى لو استندت الى حقائق جغرافية وتاريخية، وعندما تكف عن لعب أدوارك، وما تقتضيه من مواقف وسياسات على قدر من الاستقلال متبنية قضايا المنطقة ومصالحها، وعندما تلحق وزنك الإقليمى بحسابات واستراتيجيات اخري، فإن هذا الوزن يأخذ فى التآكل، ويتحول فى نهاية الأمر الى مادة سخرية واستهزاء.
وفى الشهور الأخيرة بدا ان هناك طرفين إقليميين طامحين للعب أدوار إقليمية فى المشرق العربى تتجاوز الأدوار التى لعباها من قبل فى منطقة الخليج -إيران والسعودية. وبدا ان هناك سباقا إقليميا بينهما. لإيران مشروعها لبناء قوة إقليمية كبرى تعتمد أساسا على جمهورها الشيعي، وللسعودية أهدافها، بتحريض أمريكي، فى مواجهة المد الشيعى وقدمت نفسها، أو أرادت لها الولايات المتحدة ذلك، كممثلة للعالم الاسلامى السني، وهكذا تدخلت الاعتبارات المذهبية والاستراتيجية وتعقدت الصورة وتناقضت المصالح واختلطت الأوراق.
إيران دخلت أولا إلى الساحة العربية الواسعة مع سقوط بغداد، وانهيار الدولة العراقية، وهى دولة كبرى تلى مصر من حيث القدرات والإمكانات البشرية والاستراتيجية، وحاولت فى وقت سابق أن ترث دورها فى أعقاب اتفاقيتى كامب ديفيد، وأخذت الأدوار الايرانية تتوسع، وصوتها مسموع وحاسم، والورقة العراقية من ضمن الأوراق الرئيسية التى تلعب بها، واذا استبعدنا الجوانب الاخلاقية فإن لإيران الحق بأن تدافع عن مصالحها، لكن الجوانب الأخلاقية تنطوى ايضا على اعتبارات استراتيجية قد تؤذى إيران وبأكثر مما تتصور، فلا مستقبل فى العراق لمشروع شيعى او مشروع سنى إلا أن يكون وبالا وانزلاقا لحرب أهلية كاملة تدمر العراق بالكامل.
ومع توسع الدور الايرانى فى العراق بدا ان هناك اطرافا تدعم دورا سعوديا على هذا المسرح الدموي، وبدا انها قد احدثت اختراقا استراتيجيا داخل العرب السنة، بما يجعل من هذه الدولة الخليجية -التى لم يكن يدور بخلدها فى أوقات سبقت أن تناهض الدولة العراقية القوية- طرفا إقليميا رئيسيا فى تقرير مصائر العراق. ولا تسأل عن دور مصر فى الملف العراقي، فقد طواه النسيان، وهو فى أفضل الاحوال ملحق بالسياسة السعودية!، بمعنى أننا قد هبطنا من تحالف استراتيجى مع الولايات المتحدة، الى اتباع سياسات بعض اتباعها!. وفى الملف اللبنانى أخذ الدور الإيرانى يتوسع، لكن هذه المرة بالتحالف مع شيعة المقاومة، لا شيعة الاحتلال حسبما تجرى الأمور فى العراق. والسعودية، التى استفادت من تحالفها مع سوريا فى تصعيد رجلها رفيق الحريرى الى رئاسة الحكومة، بدا انها قد ورثت جانبا كبيرا من سنة لبنان، والسنة لا يصح وصفها أصلا بأنها طائفة، فهى الأغلبية الساحقة من الأمة العربية، غير أن الحسابات المذهبية أخذت تضرب وتقسم وتضعف بنية الأمة وتهددها بمزيد من التقسيم والتهميش والتمذهب الضيق والحسابات الطائفية وحدها، وضاع الدور المصرى الجامع والعروبي، وضاعت مواريث التاريخ القريب، وتحول الدور المصرى -فى الملف اللبنانى أيضا- الى تابع للسياسة السعودية وحساباتها!.
غير أن التبعية السياسية تمددت الى حد التهميش فى ملف لا يقبل على أى نحو التهاون فيه. غزة خط دفاع اول، غزة قضية أمن قومي.
ولا أحد يقبل ما وصلت اليه فوضى السلاح فى غزة من اقتتال أهلى بين فتح وحماس أثار الرعب من أن يؤدى الى تقويض نهائى لما تبقى من القضية الفلسطينية، أو نزع الغطاء الأخلاقى عنها، وهو أنبل ما تملكه هذه القضية المحورية فى التاريخ العربى الحديث، بإحالتها إلى صراعات زعران على مقاعد سلطة تحت الاحتلال.
ولا أحد فى طاقته انتظار دور مصرى سياسى حيوى وفاعل على الساحة الفلسطينية، فالانتظار طال، والناس فى فلسطين تطلب التدخل لإيقاف حمامات الدم والاقتتال الأهلي، ومصر لا تبادر، ومصر تنتظر الإشارة من الولايات المتحدة، والسعودية بادرت، باتفاق مع الولايات المتحدة وبعلم مصر، الى رعاية اتفاق بين حركتى حماس وفتح.
وعندما تعجز السياسة المصرية عن إدراك واجباتها والاضطلاع بما ينبغى أن تقوم به من أدوار، فإن المعنى الذى لا تصح المجادلة فيه أو التسكع من حوله أن الأزمة المصرية قد استحكمت الى حدود باتت تعصف بأية هيبة مفترضة للدولة المصرية، فأيا كان نظام الحكم فيها فإن ما يجرى خلف حدودها المباشرة (فلسطين) أو عند منابع النيل شريان الحياة فيها (السودان)، هو قضايا أمن قومى مباشرة تقتضى سرعة الحركة والتصرف والتواجد السياسى فى قلب الحدث. وعندما يفشل نظام الحكم فى القيام بواجباته فى حدها الأدنى فإن ذلك يمثل مؤشرا على تدهور خطير فى بنية الدولة قد يرشحها لانهيارات أكبر وأخطر.
وقد نبرر ما لا يبرر، وقد نلوم السعودية بغير حق، غير أن الحقائق الرئيسية أخذت تكشف عن نفسها، وتثبت عجز السياسة الخارجية المصرية، وهو انعكاس مباشر لتدهور الأحوال الداخلية وانسداد القنوات السياسية والاجتماعية، ولهذا كله تداعياته الخطيرة على مستقبل الدولة المصرية، واتفاق مكة بما ينطوى عليه من ألغام قد تمضى عليها السياسة المصرية فتنفجر فيها أو تباغتها بتطورات جديدة على حدودها.
فالقيمة العملية لهذا الاتفاق، الذى استدعى تأييدا فلسطينيا واسعاً، إيقاف الاقتتال الأهلى وتشكيل حكومة وحدة وطنية لاول مرة فى التاريخ الفلسطيني، غير أنه اتفاق ملغم، إذ يبدو أن برنامجه العام لجأ فى صياغته الى حلول توفيقية مثل اعتماد صيغة احترام الاتفاقيات الموقعة وقرارات القمم العربية -احترام لا التزام- وقد تفسرها أطراف دولية وإقليمية بانها تعنى أو تؤدى الى اقرار شروط الرباعية الدولية للتعاطى مع اية حكومة فلسطينية جديدة خصوصا نبذ العنف (المقاومة) والاعتراف بإسرائيل، واختيار زياد أبو عمرو وزيرا للخارجية يؤدى عمليا لترجيح هذا المعني، الذى قصد من صياغته الملتبسة حفظ ماء وجه حماس.
وقد تساعد الوعود السعودية بتقديم نصف مليار دولار لدعم السلطة الفلسطينية على تسكين الوجع الفلسطينى من تأخر صرف المرتبات، وضخ امل فى شرايين الاقتصاد الفلسطينى المتيبسة، وهذا ما لا يمكن ولا يصح الاعتراض عليه، إلا من زاوية الثمن السياسي، وقد يقال، -وللكلام شواهده- إن الهدف من التمويل السعودى إبعاد إيران وأموال إيران عن الساحة الفلسطينية وتحجيم دورها فيها، وفى حوار مع رئيس الوزراء المكلف إسماعيل هنية فى القاهرة قال الرجل بصورة واضحة: إن هناك طلبا امريكيا باختيار سلام فياض وزيرا للمالية، وللرجل ارتباطاته المعروفة والمعلنة مع إدارة بوش، سلام فياض.. ولا أحد آخر. قال هنية، -والكلام أمام عدد كبير من رؤساء التحرير والمثقفين المصريين- ان هذا لن يحدث، ولكن يبدو انه فى طريقه للحدوث، ولا نلوم هنية، فالمفاوضات تستدعى تنازلات متبادلة للتوصل الى اتفاق، غير أن الدلالة الحقيقية أن كلمة الإدارة الأمريكية كانت مسموعة ومؤثرة ونافذة فى كواليس مفاوضات فتح وحماس.
أين مصر من ذلك كله؟ لا هنا ولا هناك. ويبدو أن أطرافا دولية كثيرة بدأت تتعامل معنا على هذا الأساس، وهناك عبارة جارحة، ولكنها حقيقية للأسف الشديد، أطلقها بروح العامية المصرية مارتن أنديك السفير الأمريكى السابق فى إسرائيل، فى حوار مع مراسل مصرى يعمل فى العاصمة البريطانية: مصر لمبة جاز أخذت شعلتها فى الذبول!. يبدو ان انديك، -وهو موالٍ لإسرائيل ومن أقطاب اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة- يعرف عن مصر وقدرها وما آلت اليه أكثر من وزير خارجيتنا أحمد ابو الغيط!

No comments: