المستشارة نهى الزيني المصريون : بتاريخ 19 - 2 - 2007
شُغلتُ خلال الفترة الماضية كما شُغل أكثر المصريين بالتعديلات الدستورية المزمع إجراؤها وكنت قد بدأت من خلال بعض اللقاءات العامة في إيضاح وجهة نظري بالنسبة للمادة 88 المتعلقة بالإشراف القضائي على الإنتخابات وهي وجهة نظر اعتنقتها منذ البداية وازددت اقتناعاً بها بمرور الوقت وتوالي الأحداث مفادها ألا جدوى من الإشراف القضائي على الانتخابات المصرية في ظل الأوضاع القائمة لأنه لن يحقق النزاهة المطلوبة في الوقت الذي يهدد فيه تماسك المؤسسة القضائية ويزعزع الثقة العامة فيها وهو الأمر الذي كشفت عنه وأكدته الأحداث الماضية ، ذلك أنني من أشد المؤمنين بأن النصوص الدستورية والقانونية بشكل عام لايمكن أن تصنع بمفردها واقعاً ليس له وجود وأن القانون لايتعامل مع بييئة افتراضية وإنما هو ينشأ وينمو داخل بيئة واقعية يتأثر بها ويؤثر فيها ونتيجة لذلك فإن الإصرار على الإبقاء على الإشراف القضائي سواء في صورة "قاض لكل صندوق" أو في الصورة المطروحة حالياً من خلال التعديلات الدستورية في غياب إرادة سياسية لإجراء انتخابات نزيهة ورأي عام قوي قادر على فرض هذه النزاهة وحمايتها يضحي نوعاً من الدجل السياسي والتزييف التشريعي .والقاعدة ذاتها تمتد لتشمل ماشئت من نصوص دستورية ، فما الجدوى مثلاً من النص الدستوري على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين في الوقت الذي يعترف فيه وزير الداخلية أمام نواب الشعب بأن المكالمات الهاتفية للمواطنين مراقبة وأن "اللي خايف مايتكلمش" على حد تعبيره ، وماجدوى النص الدستوري على سيادة القانون وخضوع الدولة للقانون في الوقت الذي يعترف فيه وزير العدل أمام المجلس أيضاً بأن الأحكام القضائية لاتنفذ وبأن غاية مايتاح لمن حصل على حكم قضائي لصالحه أن يكتفي بوضعه في برواز وتعليقه على الحائط ، ولاأظن أحداً يختلف معي في أن القائمة طويلة تمتد لتشمل معظم النصوص الدستورية الجديرة بأن تحتل باقي البراويز على حوائط الوطن إلى جانب الأحكام القضائية غير القابلة للتنفيذ .في خضم ذلك الانشغال بالتعديلات الدستورية طفت على السطح السياسي والإعلامي بعض الوقائع المتشابكة الجذر والمنشأ رغماً عن ظهورها على السطح كوحدات منفصلة ، هذه الوقائع المنفصلة المتصلة في الحقيقة هي التي جعلتني أعدّل من تساؤلي حول جدوى مناقشة التعديلات الدستورية إلى التساؤل عن جدوى وجود دستور مصري أصلاً في ظل واقع قادر بثقله على أن يعطل كافة أحكامه :أول هذه الوقائع تصريح فاجأنا به الدكتور مصطفى الفقي خلال ورشة عمل عقدها المجلس القومي للمرأة مفاده أن مبدأ سيادة الدولة يسقط أمام حق المرأة التي تتعرض للتمييز أو للاضطهاد في طلب تدخل المجتمع الدولي . ومثل هذا التصريح قد يمر مرور الكرام إن صدر عن فرد من آحاد الناس أما أن يصدر عن رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب وباقة أخرى منتقاة من المناصب فإن الموضوع يحتاج إلى وقفة خاصة وأن تساؤلات عديدة راودت أذهان الكثيرين ممن فوجئوا بذلك التصريح وهي التساؤلات التي صاغ بعضها الأستاذ مجدي مهنا حين تساءل في عموده "في الممنوع" عما إذا كان هذا الحق في اللجوء للمجتمع الدولي يقتصر على المرأة وحدها أم أنه يمكن أن يمتد ليشمل طوائف أخرى من المضطهدين مثل الأقليات والمعتقلين السياسيين مثلاً ؟ وإذا كان الدكتور الفقي – باعتباره أطلق هذا التصريح خلال محاضرة له أمام عضوات المجلس القومي للمرأة – قد قصد أن يقصر هذا الحق على المرأة وحدها فهل يمكن برأيه أن يمتد ليشمل أيضاً النساء اللواتي يتعرضن يومياً لانتهاكات صارخة في الشوارع وفي أقسام الشرطة وأولئك اللواتي تنتهك حرمة منازلهن عندما يقتحمها زوار الفجر ليلقوا القبض على أزواجهن وأبنائهن في مشهد تلتاع له النفوس الحرة في أي مكان بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف الأيدلوجي بينها وبين المستهدفين بتلك الحملات ؟ أم أنه يرى أن هذا "الحق الأنثوي" الذي يقابل مبدأ سيادة الدولة فيسقطه إنما يقتصر على مطالب عضوات المجلس القومي للمرأة الذي يحظى الدكتور بعضويته وهي مطالب تختلف شكلاً وموضوعاً عن مطالب سائر النساء المصريات المضطهدات ؟ غير أني – وخلافاً لتوقعات الأستاذ مجدي مهنا عندما قرر في عموده أن الدكتور مصطفى الفقي تورط في إطلاق هذا التصريح الذي لم يقل به أحد قبله ولن يقول به أحد بعده - سوف أردد هنا مضمون ماقاله الدكتور الفقي مع تعديل بسيط هو أن هذا الحق الذي قررته الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها مصر عام 1981 وأصبحت طبقاً للمادة 151 من الدستور جزءاً من القانون المصري تتيح لجميع الأفراد رجالاً ونساء الذين يدعون بأنهم ضحايا انتهاكات الدولة أن يلجأوا إلى طلب المساعدة الدولية ، والمسألة أن الدكتور الفقي تحرر خلال إلقائه المحاضرة من قيود رجل الدولة وارتدى أردية رجل العلم فأعلن الحقيقة وهي أن سيادة الدولة لاتعني على الإطلاق بطشها بمواطنيها وأن من الحقوق الأساسية للإنسان المعاصر أن يحصل على إنصاف دولي إن لم يجده داخل وطنه ، وليت مفكرنا الكبير يظل محتفظاً بهذا الرداء عند خروجه من مجلس المرأة خاصة عندما يعرج بعده إلى مجلس حقوق الإنسان الذي يحظى بعضويته أيضاً. وفي الاسبوع ذاته طالعتنا تصريحات أدلى بها رئيس مجلس الوزراء لمجلة "نيوزويك" مفادها أن مصر أعلنت منذ البداية رفضها اجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أدت إلى فوز حركة حماس غير أن الأمريكيين أصروا على اجراء هذه الانتخابات رغم تحذير مصر لهم من الفوز المتوقع لحماس معتبراً أن الإدارة الأمريكية أهملت تقدير خطر انتخاب الاسلاميين المتشددين بدعمها القوي لنشر الديموقراطية في المنطقة .والحقيقة أن الدكتور أحمد نظيف له رأي واضح ومعلن في الشعوب التي لم تنضج بعد وأهمها الشعب المصري الذي يرأس حكومته والذي وصفه يوماً في تصريح مشابه بأنه شعب غير ناضج وهاهو يثنّيه بالشعب الفلسطيني أيضاً ، وبصرف النظر عن التاريخ الحضاري والسياسي الموغل في القدم للشعبين وعن الاختبارات المريرة للمقاومة وللتحرر الوطني التي اجتازاها فمثل هذه الشعوب – في رأي الدكتور نظيف - لايمكنها أن تدرك معنى الديموقراطية وهي دائماً ماتخطئ الاختيار نتيجة لعدم نضجها لذا فقد كان على الإدارة الأمريكية أن تدرك الأمر منذ البداية وتوفر على نفسها الدعاية والضغوط بشأن الاصلاحات في المنطقة لأن الديموقراطية التي تصلح لغيرنا يبدو أنها لاتصلح لنا . أما وقد أصبحت الإدارة الأمريكية الآن أكثر إدراكاً للوضع ! كما نوه رئيس الوزراء فإن علينا أن نستشف من هذه التصريحات أن ضوءاً أخضراً قد أعُطي لاتخاذ اجراءات من شأنها أن تحول دون تكرار التجربة المقلقة لراحة الأمريكيين وشركائهم وحلفائهم في المنطقة وأن نتوقع تنفيذاً فورياً لهذه الاجراءات أياً ماكانت طبيعتها وأياً ماكان تعارضها مع قيم الديموقراطية التي نصت عليها المادة الأولى من الدستور أو مبدأ المواطنة المفترض تعديل المادة ذاتها لإدراجه فيها باعتباره أساساً للحقوق والواجبات كما أشارت إلى ذلك وثيقة التعديل أو الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان .في سياق يبدو من الناحية الظاهرية منفصلاً عما سبق يأتي قرار إحالة القضية رقم 963 حصر أمن دولة عليا والتي تشمل أربعين متهماً من قيادات جماعة الإخوان المسلمين على رأسهم المهندس خيرت الشاطر إلى القضاء العسكري ضارباً عرض الحائط بكافة المبادئ التي تقوم عليها الدساتير المعاصرة والقواعد الدولية لحقوق الإنسان ولاستقلال القضاء معاً بما يعيدنا في ردة واضحة إلى عهود محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في ظل اجراءات لاتتيح للمتهم الحد الأدنى من ضمانات الحصول على محاكمة عادلة أمام قاضيه الطبيعي وهو مايمثل – فضلاً عن مناقضته لنصوص الدستور - مخالفة لالتزامات مصر الدولية تستدعي فوراً إلى الأذهان مانصح به الدكتور مصطفى الفقي سيدات المجلس القومي المرأة بأن يطلبن تدخل المجتمع الدولي عند تعرضهن للتمييز أو للاضطهاد استناداً إلى أن التطور الحديث للعلاقات الدولية لم يعد يسمح بأن تتغول الدولة على حقوق مواطنيها وحرياتهم بينما يقف المجتمع الدولي موقف المتفرج . وإذا كنا نقدر فعلاً تلك النصيحة الغالية فهل لنا أن نتوقع منه أن يقوم بهذه المناسبة بإزجائها لرجال المجلس القومي لحقوق الإنسان خاصة وأن الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية قد استثنت الحق في العدالة من الحقوق التي يجوز للدولة التحلل من الالتزام بها عند إعلان حالة الطوارئ وهو مايتيح للمجلس فرصة مواتية للاعتراض على القرار ، أم أن ثقل الواقع سيفرض على البعض التمسك بحكمة ان لكل مقام مقال ؟
No comments:
Post a Comment