Wednesday, February 28, 2007

الدولة الإسلامية دولة مدنية


د. حسن حنفى ــ العربي الناصري 25/2/2007

فى لعبة شد الحبل بين الدولة والإخوان فى مصر، يضيع الحق قصدا، ويتم تشويه الإسلام عمدا لصالح الصراع على السلطة. والوصول إلى السلطة حق مشروع لكل التيارات والقوى السياسية فى البلاد عن طريق تداول السلطة، وبالأسلوب الديمقراطى، واللجوء إلى صناديق الاقتراع، والاختيار الحر من الشعب. حزب حاكم فى السلطة على مدى أكثر من نصف قرن عمر الثورة المصرية، وأحزاب معارضة إسلامية وليبرالية وماركسية وقومية تنازعها السلطة. الحزب الحاكم بيده كل شيء، الدولة والجيش والشرطة والإعلام، والمعارضة ليس بيدها أى شيء، مطاردة من أجهزة الأمن، فى السجون والمعتقلات أو سرية تحت الأرض أو مهاجرة خارج البلاد أو ضعيفة مهمشة فى الداخل. ظهر حجمها الحقيقى فى الانتخابات التشريعية الأخيرة عندما لم تحصل فى مجموعها على أكثر من عشرين مقعدا بينما حصد الإخوان ثمانية وثمانين، ومجموعها مائة صوت أقل من ربع المقاعد فى مجلس الشعب الذى تبلغ مقاعده أربعمائة وأربعة وأربعين مقعدا. والخوف على مصر بعد العراق ولبنان وفلسطين والصومال والسودان والتهديد المستمر لسوريا وإيران. الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. الخوف أن تتكرر مأساة الصدام بين الثورة والإخوان كما حدث فى 1954 فى حادثة المنشية لاغتيال رئيس الجمهورية الأولى، ثم حادث المنصة فى 1981 باغتيال رئيس الجمهورية الثانية، وما قد يقع اليوم من صدام بينهما بدت مؤشراته فى حملة الاعتقالات الأخيرة تحت ذريعة التدريب العسكرى لطلاب الحركة الإسلامية فى جامعة الأزهر ضد الهجمة الاستعمارية الجديدة على الوطن العربى والعالم الإسلامى. وهو ما قامت به الثورة فى بدايتها فى المدن الجامعية، استئنافا لحرب الفدائيين فى القناة عام 1951 ضد قوات الاحتلال البريطانى على ضفاف القناة. وبين كلتا الحادثتين ربع قرن تقريبا. فمتى تتوقف هذه الدائرة المفرغة بين الدولة وخصومها، بين السلطة والمعارضة؟ الذريعة اليوم هى رفض الدولة الدينية التى تدعو إليها الحركة الإسلامية لأن الدولة الحديثة دولة مدنية، ورفض تكوين أحزاب دينية لا يسمح بها الدستور درءا للفتنة الطائفية. والإسلام ليس دولة دينية ولا دولة أمنية بل دولة مدنية يحكمها القانون والدستور كما هو الحال فى الدولة الحديثة. وهو منصوص عليه فى برامج الحركة الإصلاحية فى مصر وسوريا والأردن ولبنان. فلماذا التشويه المتعمد، وتصيد الأخطاء، وابتسار الحقائق، والعودة إلى شعارات الأربعينيات، والاعتماد على ما هو وافد من تاريخ الغرب فى الصراع بين الكنيسة والدولة أو بين السلطة الدينية والسلطة السياسية؟ لماذا تشويه الحقائق ونقل تاريخ الغرب على تاريخنا؟ ليس القصد هو العلم أو الوطن بل إبعاد الحركة الإسلامية عن السلطة فى مرحلة ضعف الدولة وتحويلها إلى دولة قاهرة فاسدة فى الداخل، وتابعة ضعيفة فى الخارج بعد نجاح الحركة الإسلامية فى الاتحادات والنقابات المهنية بالرغم من محاولات التزييف من الحزب الحاكم. لقد تغيرت برامج الحركة الإسلامية على مدى ربع قرن. وتجاوزت مرحلة النشأة الأولى التى رفعت فيها شعارات الحاكمية، تطبيق الشريعة الإسلامية وتحولاتها الحديثة، الإسلام هو الحل، الإسلام هو البديل. لا تعنى الحاكمية حكم علماء الدين بل حكم الشريعة والقانون. ولا يعنى تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيق الحدود بل إعطاء الحقوق قبل أداء الواجبات. فحق المسلم فى بيت المال التعليم والعلاج والعمل والسكن والاستقرار العائلى قبل تطبيق الحدود. فالجوع والبطالة مانعان من تطبيق حد السرقة. ولا يعنى شعار الإسلام هو الحل أو الإسلام هو البديل إلا السأم والملل من الأيديولوجيات العلمانية للتحديث، الليبرالية والقومية والماركسية. فقد ضاعت نصف فلسطين فى 1948 فى العصر الليبرالى، وضاع النصف الآخر فى 1967 أثناء الحكم القومى. تطورت الحركة الإسلامية من العشرينيات حتى الآن على مدى أكثر من ثمانين عاما. فلماذا دفعها إلى الوراء لتشويهها وهى تكاد تقترب من مبادئ الدولة المدنية الحديثة، وتقبل بالتعددية السياسية، وحرية الفرد، وديمقراطية الحكم، والانتخابات التشريعية، وتداول السلطة، والمواطنة، والمساواة فى الحقوق والواجبات أمام القانون؟ لقد كبا الإصلاح من الأفغانى إلى محمد عبده بسبب فشل الثورة العرابية، واحتلال مصر فى 1882 وكبا مرة ثانية من محمد عبده إلى رشيد رضا بسبب الثورة الكمالية فى تركيا فى 1923 وكبا مرة ثالثة بالصدام بين الإخوان والثورة فى 1954 وكبا مرة رابعة فى الصدام بين الجماعات الإسلامية والدولة فى 1981 وقد تعلمت الحركة الإسلامية من التاريخ. وبدلا من أن تتجه إلى مزيد من العنف جراء ما حاق بها من ويلات على أيدى النظام السياسى اتجهت إلى السلم والعمل السياسى العلنى. ومازال سيف الحظر مسلطا عليها بالرغم من وجودها فى الشارع وفى المجالس التشريعية والدستورية فى الاتحادات والنقابات المهنية وفى شتى مظاهر الحياة العامة. ومازالت المحافظة الدينية العامة الموروثة منذ ألف عام منذ قضاء الغزالى على العلوم العقلية وتكفير المعارضة وتشريع أخذ الحكم بالشوكة، مازالت حالة فى الوجدان بل وتقوى يوما بعد يوم بسبب الصدام بينها وبين النظم السياسية، وإقصائها من العمل السياسى على مدى أكثر من نصف قرن. ومنها خرجت معظم حركات التحرر الوطنى فى مصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب والسودان واليمن وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين. والأخطر من ذلك صب الدولة الزيت على النار باستدعاء باقى أحزاب المعارضة ضد التيار الإسلامى ووقوع بعض أحزاب المعارضة فى الفخ كما استعملت الجمهورية الثانية التيار الإسلامى لتصفية الناصريين، أكلت يوم أكل الثور الأبيض. بل إن بعض الإسلاميين العلمانيين وقعوا فى الفخ يهاجمون الحركة الإسلامية بعدما نشأوا فيها. ودفعهم التجديد إلى الحد الأقصى دون المرور بالمراحل المتوسطة. الدولة الإسلامية ليست دولة دينية يحكمها رجل دين أو ملك أو خليفة بل يحكمها من يبايعه الناس طواعية واختيارا. فتعبير القدماء الإمامة عقد وبيعة واختيار السلطة للشعب، والحاكم منفذ للدستور، والقضاء له الكلمة الأخيرة. وهى دولة الفقراء الذين يشاركون الأغنياء فى أموالهم والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم وفيها الملكية العامة لوسائل الإنتاج وللموارد الطبيعية. نظامها يقوم على العدل. فالعدل أساس الملك. وحاكم كافر عادل خير عند الله من حاكم مسلم ظالم. وعلاقاتها الدولية تقوم على السلم والتعاون. فلا إكراه فى الدين. وقد كان النجاشى، ملك الحبشة، حاكما مسلما بالرغم من أنه نصرانى لأنه انتصر للعدل وللحق ضد الظلم والباطل. الإسلام ليس دينا بمعنى الكهنوت ولكنه دين المصالح العامة. والشريعة وضعية كما قال الشاطبى فى الموافقات. تقوم على الدفاع عن الحياة والعقل والقيمة والعرض أى الكرامة والمال أى الثروة الوطنية. والتوحيد ليست مجرد عقيدة دينية بل نظرية فى الوحدة، وحدة الذات الإنسانية ضد النفاق وانفصال القول عن العمل، واللسان عن القلب، والفكر عن الضمير، وضد التفاوت الشديد بين الطبقات، وضد استعلاء دولة على دولة دفاعا عن وحدة البشرية. والنص الدينى إجابة عن أسئلة طرحها الواقع كما هو معروف فى أسباب النزول. الواقع يسأل، والوحى يجيب ويسألونك عن الأهلة، يسألونك عن الأنفال، ويسألونك عن المحيض ويسألونك عن الخمر والتشريع متطور بتطور الزمان وتغير المصالح كما هو معروف من دلالة النسخ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها بغية التدرج، ومواكبة التشريع لدرجة تطور الواقع كما هو الحال فى تحريم الخمر. لقد نجحت الدولة الإسلامية فى الماضى فى المدينة ودمشق وبغداد والقاهرة واستانبول فى قيام حضارة تقوم على العلم والفن. ومازلنا نزهو بجامعات الأزهر والزيتونة والقرويين وبآثار قصر الحمراء ومدينة الزهراء وبرج أشبيلية بالأندلس، وبمدارس الطب الإسلامى فى باليرمو وبادوا. وقد كانت النهضة الأوروبية فى بدايات العصور الحديثة من آثار الترجمات العبرية واللاتينية للعلوم العربية والثقافة الإسلامية. وكما نجحت الدولة الإسلامية قديما نجحت حديثا فى ماليزيا وإندونيسيا بعد أن تحول الإسلام إلى هوية وطنية وأسهم فى إنشاء الدولة. ونجح فى تركيا المعاصرة بفضل حزب العدالة والتنمية والنهج الاستقلالى. ونجح فى إيران الثورة ومناهضتها للاستعمار والصهيونية. وتحولت الحركات الإسلامية إلى أحزاب سياسية شرعية فى الأردن والكويت واليمن والمغرب ولبنان. تسهم فى البناء الديمقراطى، وتعمل على تداول السلطة. وفى الغرب أحزاب ديموراطية مسيحية واشتراكية مسيحية تصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع. ولم يتهمها أحد بالدولة الدينية. وأمامنا عدو صهيونى أنشأ دولته على اليهودية ولم يتهمها أحد بأنها دولة دينية وشرعيتها دينية. وتسمى الدولة اليهودية. وتقدم حزب الوسط وحزب الكرامة وأحزاب أخرى بطلب ترخيص من لجنة الأحزاب بمجلس الشورى فرفضت جميعها وكلها تقول بالدولة المدنية. خطورة حظر العمل الشرعى للحركات الإسلامية فوق الأرض يجعلها تتكون سرا فى إطار لاشرعى تحت الأرض. الخطورة أن تنشأ أجيال جديدة أكثر عنفا من الجيل القديم بعد أن تضيق بها السبل ويتربص بها قانون الطوارئ. فمن يكسر هذه الحلقة المفرغة؟

No comments: