الأهرام 21/2 بقلم: صلاح الدين حافظ
لايزال حديث الاصلاح الديمقراطي والتعديل الدستوري صاخبا, وبرغم أهميته فإنك لاتجد إلا منطقتنا في هذا العالم الواسع, التي تجمع التناقض بكل معانيه, فهي الأعلي حديثا عن الديمقراطية, وهي في الوقت نفسه الأشد عداء للديمقراطية, حيث الفعل يناقض القول..ورغم ايماننا الثابت بضرورة الإصلاح الديمقراطي والدستوري, فإن صخب الحديث عنه, دون الفعل, أصبح كالسحابة الدخانية السوداء, التي تخفي وراءها أهدافا أخري, ونظن أنها تخفي الاندفاع في إجراءات اقتصادية وسياسات متسرعة, تصيب الكيان الاجتماعي بالتمزق والإفقار!وفي ظل هذه السياسات, أصبحت الخصخصة, وبيع ركائز الاقتصاد مهما كانت أهميتها الاستراتيجية, كالبنوك والصناعات المهمة ومصادر الثروات الطبيعية, نمطا ثابتا لحكوماتنا الرشيدة, سواء بسبب حاجتها لموارد عاجلة والتخلص من أعبائها, أو بسبب الخضوع للضغوط الأجنبية ونصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.. والنتيجة المؤكدة هي زيادة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية علي الفقراء, الذين يزدادون كل يوم عددا وفقرا, لصالح قلة من الأغنياء يزدادون ثراء ويقلون عددا.. تلك هي المفارقة القاتلة حقا!.وبالمقابل, فقد أطلقت الأمم المتحدة, صيحة مضادة, تحذر من اندفاع الدول نحو هذه السياسات الاقتصادية غير المتوازنة, واندفاع الشعوب في الغرق في بحور البطالة والفقر والاحباط, في ظل نظم حكم استبدادية قهرية, وسمت هذه الصيحة بالحكم الصالح الرشيد..فما هو هذا الحكم الصالح الرشيد, وما هي قواعده؟!الحكم الرشيد ببساطة يقوم علي جناحين, أولا جناح الاصلاح الديمقراطي, واطلاق الحريات العامة والمساواة وتداول السلطة عبر انتخابات عامة نظيفة ونزيهة, وقيام برلمانات وحكومات تلتزم بحكم القانون, ويخضع الجميع لقضاء عادل, وصحافة حرة مستنيرة تراقب وتسائل وتحاسب, وثانيا جناح العدالة الاجتماعية, التي تكفل للمواطنين الحاجيات المعيشية الأساسية, وفي مقدمتها الغذاء والمسكن والملبس والعلاج والتعليم, بل وحق الترفيه, بصرف النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي, سواء كان رأسماليا او غير ذلك!فإن كان ذلك كذلك, فمن الخطأ القاتل والخلل الصريح, أن تأخذ حكوماتنا بجزء بسيط من هذه الحزمة السياسية الاقتصادية الاجتماعية, وتترك الباقي, بحجة التدرج والتمهل والتعقل!! معتبرة أن التحول السريع إلي الاقتصاد الحر والليبرالية, لا يتحقق إلا ببيع مصادر الثروة لأصحاب المال والقدرة من المواطنين, وهم قلائل, ومن الأجانب وهم كثرة, يمثلون احتكارات عابرة للقارات والجنسيات, ثم تنسي وتتجاهل حكوماتنا كل ما يتعلق بالجوهر, ونعني الاصلاح الديمقراطي الحقيقي, وكفالة العدالة الاجتماعية, ومد شبكة الأمان فوق ملايين الفقراء!وكيف لا وقد أصبحت قوة المال هي مصدر النفوذ, في صياغة السياسات الحكومية, ووضع التشريعات القانونية وتمريرها عبر البرلمان, بل وفي توجيه الصحف والإعلام, وفي التحكم في عديد من الأحزاب والنقابات المهنية, وربما مراكز البحوث والدراسات والجامعات, ولم يبق مستعصيا من التنظيمات سوي النقابات العمالية, التي لجأت زخيرا في مصر إلي سلاح الاضراب عن العمل, للحصول علي المطالب والحقوق, ويكفي أن تعرف أن مصر شهدت خلال النصف الثاني من عام2006 المنصرم, وفق دراسة لمركز الأرض صدرت قبل أيام ـ79 اعتصاما و47 إضرابا و96 مظاهرة وتجمهرا!***وقد لفتت ظاهرة تصاعد الاضرابات والاعتصامات العمالية خلال الشهور الأخيرة, أنظار الجميع, إلي أن الأوضاع الاجتماعية المتردية, في ظل السياسات الاقتصادية المتبعة, وتحت ضغوط البطالة السافرة والمقنعة وارتفاع الاسعار وتدني الأجور, أصبحت تهدد الاستقرار, ولم يعد صخب الحديث والقول دون الفعل, عن الاصلاح السياسي وتعديلات الدستور, يخفي وراء دخانه الكثيف, حقيقة أن العدالة الاجتماعية غائبة أو مغيبة, مثلما أن الحريات متراجعة!ولا نظن أن العاكفين علي مناقشة, ثم إقرار, التعديلات الدستورية المطروحة الآن, في34 مادة, سواء في الحزب الحاكم أو في البرلمان بشعبيته, مجلس الشعب ومجلس الشوري, قد سمعوا واستوعبوا معني تصاعد الاضرابات العمالية, واحتمال انتقال عدواها إلي فئات شعبية مطحونة أخري, حتي وإن كانوا قد سمعوا واستوعبوا, فإنهم في الواقع غير قادرين, علي إدخال تعديلات أخري في الدستور, تضمن هذه العدالة الاجتماعية, بعد أن أصبح ممثلو ونواب قوة المال الأعلي صوتا في الحكومة, كما في البرلمان!ولقد يتصور أحد المتفلسفين من أنصار الرأسمالية الشرسة, أننا نأسي علي حذف المصكوكات الاشتراكية التي كانت في الدستور, وربما نتمني بقاءها, وجوابنا هو النفي, إنما نحن نأسي علي مستقبل الوطن وأمنه الاقتصادي وأمانه الاجتماعي, إن تركنا مصير دستوره وتشريعاته وسياساته الحكومية, في أيدي تلاميذ البنك الدولي وأبناء المتأمركين العرب وحفنة الرأسماليين الجدد, بالتعاون مع فرقة ترزية القوانين ضعيفي الصنعة وفاقدي الرؤية الاجتماعية العادلة والسلمية!ونكرر هنا من باب التذكير, أن الدستور ليس كهنوتا غامضا, ولا طلسما غيبيا يستعصي علي البشر, وهو ليس نصا قانونيا مجردا, لكن الدستور هو عقد اجتماعي ووثيقة سياسية قانونية, يضع أسس التعاقد بين الحاكم والمحكوم, ويصوغ مباديء تنظيم العمل والحياة والتعايش بين البشر, ويكفل الحريات ويصون الحقوق, للكافة دون تفرقة أو تمييز طبقي أو ديني, اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي.أما حين لا يضمن الدستور ذلك كله, فتنتفي ضروراته وتسقط شرعيته بين الناس, حتي لو أقره البرلمان ورفعه الحاكم سلاحا في وجه المحكومين!وفي بلد مثل مصر كبيرة المكان والمكانة, غزيرة الخصوبة والسكان,75 مليونا, تاريخية الحضارة, عرفت البرلمانات والدساتير منذ منتصف القرن التاسع عشر, ضمن الموجة الثانية من الحكم الديمقراطي في العالم, يصعب الضحك عليها الآن بأي دستور وأي قانون وأي حكومة وأي حديث عن الديمقراطية.إنما ما تحتاجه مصر الآن, وهي في مرحلة انتقال تفور بالمتغيرات وتزدحم بالمشاكل وتغلي بالاحتقان السياسي والغضب الاجتماعي, هو اصلاح ديمقراطي حقيقي, يلتزم بمباديء الحكم الصالح الرشيد, وهو ضمان العدالة الاجتماعية, جنبا الي جنب مع ضمان الحرية في ظل دولة القانون والمؤسسات, وليس دولة الطواريء ونرجسية الأشخاص!ولقد عكفت خلال الأيام الماضية, علي قراءة عدة دراسات وتقارير مهمة صادرة عن جهات رسمية وأخري عن منظمات للمجتمع المدني, تناولت الحالة المحتقنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, مثل الدراسات المطروحة للتعديلات الدستورية, وتقرير التنمية البشرية, وتقرير مركز الأرض, وتقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية باشراف الدكتور أحمد النجار والصادر عن مؤسسة الأهرام, واستطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء, فضلا عن كتاب مهم عنوانه ضحايا العولمة, ألفه عالم اقتصاد أمريكي حائز علي جائزة نوبل هو جوزيف ستجليتز, لفت نظري اليه المستشار الفاضل حسين عبد الله ابراهيم.***كنت أبحث عن مخرج لهذه الحالة المحتقنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, بصرف النظر عن الضجيج السياسي والصخب الاعلامي, المدافع دوما عن السياسات الحكومية, وخلاصة ما وصلت إليه, وأرجو ألا يكون مبتسرا أو متسرعا, هو أننا.. نحتاج أكثر من أي وقت مضي, إلي مزاوجة حتمية, بين تنمية دائمة وعادلة, وديمقراطية حقيقية, تنعكس إيجابا علي جموع الناس, ولا تحتكرها قلة من الصفوة المحتكرة لسلطة الحكم وقوة المال علي حساب الضعفاء الفقراء المقهورين, قلة تحتمي دائما بشعارات العولمة, وأوامر صندوق النقد الدولي وضغوط الحكومات الأجنبية فتطيع صاغرة, مقابل أن تبقي في الحكم قابضة علي الثروة!باختصار شديد, يقول تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية, إن الانحيازات الصارخة للنظام السياسي في مصر, إلي الطبقة العليا ومصالحها, وسيطرة رأس المال علي السلطة يسهم في زيادة الفوارق بين الطبقات وانعدام العدل والتهميش الشامل, فضلا عن انتشار الفساد الذي يؤدي إلي تحويل أموال عامة الي أموال خاصة, وبصورة غير مشروعة, وهذا كله يسهم بصورة كبيرة في توليد الفقر والاحتقان.ويضيف ستجليتز حامل نوبل, ان التنمية الحقيقية ليست مساعدة حفنة صغيرة من الناس علي الثراء, ولا إقامة عدد من الصناعات التي تحظي بحماية حمقاء تستغلها الصفوة, ولا تعني جلب السلع الاستهلاكية لأثرياء المدن, وترك فقراء الريف في بؤسهم, إنما التنمية تعني تغيير المجتمع وتحسين أحوال الفقراء وتوفير الرعاية الصحية والتعليمية, والمشاركة الشعبية في وضع السياسات واتخاذ القرار.وهذا مانريده حقا, تنمية تكفل العدالة الاجتماعية للأغلبية الساحقة في المجتمع, وديمقراطية تضمن المشاركة الحقيقية في إتخاذ القرار.وليس أولي من الدستور, في تحقيق هذين الهدفين, وإلا انتفي سبب وجوده, وسقطت شرعية بقائه, وأصبح من حق الفقراء والمهمشين والمقهورين البحث عن طريق آخر!!***** خيرالكلام:يقول أبوالعلاء المعري:إذا فعل الفتي ما عنه ينهيفمن جهتين لا جهة أساء
لايزال حديث الاصلاح الديمقراطي والتعديل الدستوري صاخبا, وبرغم أهميته فإنك لاتجد إلا منطقتنا في هذا العالم الواسع, التي تجمع التناقض بكل معانيه, فهي الأعلي حديثا عن الديمقراطية, وهي في الوقت نفسه الأشد عداء للديمقراطية, حيث الفعل يناقض القول..ورغم ايماننا الثابت بضرورة الإصلاح الديمقراطي والدستوري, فإن صخب الحديث عنه, دون الفعل, أصبح كالسحابة الدخانية السوداء, التي تخفي وراءها أهدافا أخري, ونظن أنها تخفي الاندفاع في إجراءات اقتصادية وسياسات متسرعة, تصيب الكيان الاجتماعي بالتمزق والإفقار!وفي ظل هذه السياسات, أصبحت الخصخصة, وبيع ركائز الاقتصاد مهما كانت أهميتها الاستراتيجية, كالبنوك والصناعات المهمة ومصادر الثروات الطبيعية, نمطا ثابتا لحكوماتنا الرشيدة, سواء بسبب حاجتها لموارد عاجلة والتخلص من أعبائها, أو بسبب الخضوع للضغوط الأجنبية ونصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.. والنتيجة المؤكدة هي زيادة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية علي الفقراء, الذين يزدادون كل يوم عددا وفقرا, لصالح قلة من الأغنياء يزدادون ثراء ويقلون عددا.. تلك هي المفارقة القاتلة حقا!.وبالمقابل, فقد أطلقت الأمم المتحدة, صيحة مضادة, تحذر من اندفاع الدول نحو هذه السياسات الاقتصادية غير المتوازنة, واندفاع الشعوب في الغرق في بحور البطالة والفقر والاحباط, في ظل نظم حكم استبدادية قهرية, وسمت هذه الصيحة بالحكم الصالح الرشيد..فما هو هذا الحكم الصالح الرشيد, وما هي قواعده؟!الحكم الرشيد ببساطة يقوم علي جناحين, أولا جناح الاصلاح الديمقراطي, واطلاق الحريات العامة والمساواة وتداول السلطة عبر انتخابات عامة نظيفة ونزيهة, وقيام برلمانات وحكومات تلتزم بحكم القانون, ويخضع الجميع لقضاء عادل, وصحافة حرة مستنيرة تراقب وتسائل وتحاسب, وثانيا جناح العدالة الاجتماعية, التي تكفل للمواطنين الحاجيات المعيشية الأساسية, وفي مقدمتها الغذاء والمسكن والملبس والعلاج والتعليم, بل وحق الترفيه, بصرف النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي, سواء كان رأسماليا او غير ذلك!فإن كان ذلك كذلك, فمن الخطأ القاتل والخلل الصريح, أن تأخذ حكوماتنا بجزء بسيط من هذه الحزمة السياسية الاقتصادية الاجتماعية, وتترك الباقي, بحجة التدرج والتمهل والتعقل!! معتبرة أن التحول السريع إلي الاقتصاد الحر والليبرالية, لا يتحقق إلا ببيع مصادر الثروة لأصحاب المال والقدرة من المواطنين, وهم قلائل, ومن الأجانب وهم كثرة, يمثلون احتكارات عابرة للقارات والجنسيات, ثم تنسي وتتجاهل حكوماتنا كل ما يتعلق بالجوهر, ونعني الاصلاح الديمقراطي الحقيقي, وكفالة العدالة الاجتماعية, ومد شبكة الأمان فوق ملايين الفقراء!وكيف لا وقد أصبحت قوة المال هي مصدر النفوذ, في صياغة السياسات الحكومية, ووضع التشريعات القانونية وتمريرها عبر البرلمان, بل وفي توجيه الصحف والإعلام, وفي التحكم في عديد من الأحزاب والنقابات المهنية, وربما مراكز البحوث والدراسات والجامعات, ولم يبق مستعصيا من التنظيمات سوي النقابات العمالية, التي لجأت زخيرا في مصر إلي سلاح الاضراب عن العمل, للحصول علي المطالب والحقوق, ويكفي أن تعرف أن مصر شهدت خلال النصف الثاني من عام2006 المنصرم, وفق دراسة لمركز الأرض صدرت قبل أيام ـ79 اعتصاما و47 إضرابا و96 مظاهرة وتجمهرا!***وقد لفتت ظاهرة تصاعد الاضرابات والاعتصامات العمالية خلال الشهور الأخيرة, أنظار الجميع, إلي أن الأوضاع الاجتماعية المتردية, في ظل السياسات الاقتصادية المتبعة, وتحت ضغوط البطالة السافرة والمقنعة وارتفاع الاسعار وتدني الأجور, أصبحت تهدد الاستقرار, ولم يعد صخب الحديث والقول دون الفعل, عن الاصلاح السياسي وتعديلات الدستور, يخفي وراء دخانه الكثيف, حقيقة أن العدالة الاجتماعية غائبة أو مغيبة, مثلما أن الحريات متراجعة!ولا نظن أن العاكفين علي مناقشة, ثم إقرار, التعديلات الدستورية المطروحة الآن, في34 مادة, سواء في الحزب الحاكم أو في البرلمان بشعبيته, مجلس الشعب ومجلس الشوري, قد سمعوا واستوعبوا معني تصاعد الاضرابات العمالية, واحتمال انتقال عدواها إلي فئات شعبية مطحونة أخري, حتي وإن كانوا قد سمعوا واستوعبوا, فإنهم في الواقع غير قادرين, علي إدخال تعديلات أخري في الدستور, تضمن هذه العدالة الاجتماعية, بعد أن أصبح ممثلو ونواب قوة المال الأعلي صوتا في الحكومة, كما في البرلمان!ولقد يتصور أحد المتفلسفين من أنصار الرأسمالية الشرسة, أننا نأسي علي حذف المصكوكات الاشتراكية التي كانت في الدستور, وربما نتمني بقاءها, وجوابنا هو النفي, إنما نحن نأسي علي مستقبل الوطن وأمنه الاقتصادي وأمانه الاجتماعي, إن تركنا مصير دستوره وتشريعاته وسياساته الحكومية, في أيدي تلاميذ البنك الدولي وأبناء المتأمركين العرب وحفنة الرأسماليين الجدد, بالتعاون مع فرقة ترزية القوانين ضعيفي الصنعة وفاقدي الرؤية الاجتماعية العادلة والسلمية!ونكرر هنا من باب التذكير, أن الدستور ليس كهنوتا غامضا, ولا طلسما غيبيا يستعصي علي البشر, وهو ليس نصا قانونيا مجردا, لكن الدستور هو عقد اجتماعي ووثيقة سياسية قانونية, يضع أسس التعاقد بين الحاكم والمحكوم, ويصوغ مباديء تنظيم العمل والحياة والتعايش بين البشر, ويكفل الحريات ويصون الحقوق, للكافة دون تفرقة أو تمييز طبقي أو ديني, اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي.أما حين لا يضمن الدستور ذلك كله, فتنتفي ضروراته وتسقط شرعيته بين الناس, حتي لو أقره البرلمان ورفعه الحاكم سلاحا في وجه المحكومين!وفي بلد مثل مصر كبيرة المكان والمكانة, غزيرة الخصوبة والسكان,75 مليونا, تاريخية الحضارة, عرفت البرلمانات والدساتير منذ منتصف القرن التاسع عشر, ضمن الموجة الثانية من الحكم الديمقراطي في العالم, يصعب الضحك عليها الآن بأي دستور وأي قانون وأي حكومة وأي حديث عن الديمقراطية.إنما ما تحتاجه مصر الآن, وهي في مرحلة انتقال تفور بالمتغيرات وتزدحم بالمشاكل وتغلي بالاحتقان السياسي والغضب الاجتماعي, هو اصلاح ديمقراطي حقيقي, يلتزم بمباديء الحكم الصالح الرشيد, وهو ضمان العدالة الاجتماعية, جنبا الي جنب مع ضمان الحرية في ظل دولة القانون والمؤسسات, وليس دولة الطواريء ونرجسية الأشخاص!ولقد عكفت خلال الأيام الماضية, علي قراءة عدة دراسات وتقارير مهمة صادرة عن جهات رسمية وأخري عن منظمات للمجتمع المدني, تناولت الحالة المحتقنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, مثل الدراسات المطروحة للتعديلات الدستورية, وتقرير التنمية البشرية, وتقرير مركز الأرض, وتقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية باشراف الدكتور أحمد النجار والصادر عن مؤسسة الأهرام, واستطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء, فضلا عن كتاب مهم عنوانه ضحايا العولمة, ألفه عالم اقتصاد أمريكي حائز علي جائزة نوبل هو جوزيف ستجليتز, لفت نظري اليه المستشار الفاضل حسين عبد الله ابراهيم.***كنت أبحث عن مخرج لهذه الحالة المحتقنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, بصرف النظر عن الضجيج السياسي والصخب الاعلامي, المدافع دوما عن السياسات الحكومية, وخلاصة ما وصلت إليه, وأرجو ألا يكون مبتسرا أو متسرعا, هو أننا.. نحتاج أكثر من أي وقت مضي, إلي مزاوجة حتمية, بين تنمية دائمة وعادلة, وديمقراطية حقيقية, تنعكس إيجابا علي جموع الناس, ولا تحتكرها قلة من الصفوة المحتكرة لسلطة الحكم وقوة المال علي حساب الضعفاء الفقراء المقهورين, قلة تحتمي دائما بشعارات العولمة, وأوامر صندوق النقد الدولي وضغوط الحكومات الأجنبية فتطيع صاغرة, مقابل أن تبقي في الحكم قابضة علي الثروة!باختصار شديد, يقول تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية, إن الانحيازات الصارخة للنظام السياسي في مصر, إلي الطبقة العليا ومصالحها, وسيطرة رأس المال علي السلطة يسهم في زيادة الفوارق بين الطبقات وانعدام العدل والتهميش الشامل, فضلا عن انتشار الفساد الذي يؤدي إلي تحويل أموال عامة الي أموال خاصة, وبصورة غير مشروعة, وهذا كله يسهم بصورة كبيرة في توليد الفقر والاحتقان.ويضيف ستجليتز حامل نوبل, ان التنمية الحقيقية ليست مساعدة حفنة صغيرة من الناس علي الثراء, ولا إقامة عدد من الصناعات التي تحظي بحماية حمقاء تستغلها الصفوة, ولا تعني جلب السلع الاستهلاكية لأثرياء المدن, وترك فقراء الريف في بؤسهم, إنما التنمية تعني تغيير المجتمع وتحسين أحوال الفقراء وتوفير الرعاية الصحية والتعليمية, والمشاركة الشعبية في وضع السياسات واتخاذ القرار.وهذا مانريده حقا, تنمية تكفل العدالة الاجتماعية للأغلبية الساحقة في المجتمع, وديمقراطية تضمن المشاركة الحقيقية في إتخاذ القرار.وليس أولي من الدستور, في تحقيق هذين الهدفين, وإلا انتفي سبب وجوده, وسقطت شرعية بقائه, وأصبح من حق الفقراء والمهمشين والمقهورين البحث عن طريق آخر!!***** خيرالكلام:يقول أبوالعلاء المعري:إذا فعل الفتي ما عنه ينهيفمن جهتين لا جهة أساء
No comments:
Post a Comment