د.محمد المهدي
كنت أود وقد أفضى الرجل إلى ربه أن نكف عن مدحه أو ذمه فهو الآن بين يدى العدل العليم، وأن ننصرف إلى التفكير فيما آلت إليه أحوال إخواننا فى العراق وأحوالنا نحن العرب والمسلمين التى لا تسر، ولكنني صدمت بعدد كامل من جريدة الأسبوع خصص للتأكيد على أن صدّام عاش رجلا ومات بطلا، وأن علماء الدين يؤكدون (لا أدرى من وكيف) أن صدّام شهيدا (وكأنه مات وسط جنوده على أسوار بغداد مدافعا حتى آخر قطرة من دمه).
حفاظا على الوعي
لذلك وجب التنبيه والتنويه حتى لا يحدث تزييف للوعى وبرمجة خاطئة للذاكرة ندفع ثمنها سنوات بعد سنوات خاصة حين يأتي من بعدنا من لم يشهدوا الأحداث ويعايشوها، وحتى لا يتم تشويه لمعنى البطولة فى أذهان الناس وخاصة المراهقين والشباب الذين يتأثرون بنموذج البطل. وأكثر ما أزعجنى هو وضع صورة البطل عمر المختار فى دائرة صغيرة فوق صورة صدّام فى إيحاء واضح بأن صدّام ينتمي إلى مرتبة البطولة التى ينتمي إليها عمر المختار، ولا عجب بعد ذلك أن نجد أن ليبيا هى الدولة الوحيدة التى أعلنت الحداد الرسمى على صدّام لمدة ثلاثة أيام.
ولا عجب أيضا أن نرى فيلما سينمائيا يمجد البطل صدّام على غرار فيلم عمر المختار الشهير، وربما يصبح ضريحه من الآن أو بعد عدة سنوات أحد المزارات السياحية أو الدينية حيث تقام له الموالد والإحتفاليات كأحد أولياء الله الصالحين أو المجاهدين فى سبيل الله والشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون. وربما يقول قائل: وما العيب فى ذلك؟.. ألم يمت الرجل بعد أن انتهى من التلاوة فى كتاب الله وبعد أن نطق الشهادتين؟.. ألم يقتله أعداء الإسلام من الأمريكان وعملائهم من المتشيعين الغلاة؟؟.. ألم يفرح بقتله الصهاينة فى إسرائيل؟.. ألا ينطبق عليه الحكمة القائلة: قل لي من عدوك أقل لك من أنت؟.. ألم يقف فى وجه أمريكا وضد إرادتها فى الوقت الذى انحنى فيه أمامها كل حكام العرب وانضووا تحت لوائها خوفا وفزعا وطمعا؟؟.. ألم يواجه الموت مرفوع الرأس غير خائف ولا وجل فى حين غطى قاتلوه وجوههم خوفا ونذالة وجبنا؟.. ألم تكن الشهادتين آخر كلماته على الدنيا؟؟.. أليس ما فعله فى لحظاته الأخيرة يعتبر من علامات حسن الخاتمة؟.
وفي البداية أؤكد تقديري واحترامي للأستاذين الكبيرين العظيمين الوطنيين مصطفى ومحمود بكري، فلهما كل الحق في اعتبار صدّام بطلا وربما يكون ذلك مدفوعا بخلو الساحة العربية من رموز البطولة، أو بامتلاء تلك الساحة برموز الخضوع والانحناء والانبطاح والهرولة والطمع في الرضى الأمريكي والعطف الصهيوني، أو ربما يكون ذلك بدافع من العواطف القومية الجيّاشة التي يتميز بها الأخوان من آل بكري نظرا لنشأتهما الصعيدية ذات الطبيعة العاطفية الحارة كحرارة الصعيد، ونظرا لانتماءاتهما الناصرية التى تمجد البطولات الفردية وتتعلق بالرموز والزعامات الكاريزمية، وتغفر للزعيم كل أخطائه، وتعتبر صدّام والقذافي امتدادا للتجربة الثورية الناصرية، وربما ... وربما ... وربما ...، وكلها احتمالات نقدرها ونحترمها كما نحترم صاحبيها ونثق فى مصداقياتهما ووطنيتهما، ومع هذا نختلف معهما إحقاقا للحق وحفاظا على الوعي.
للنفس البشرية حرمتها
ولا نشك فى غباء وخطأ وجرم من حاكموا صدّام ومن أعدموه (حتى وإن كان يستحق فى نظرنا المحاكمة والإعدام) فقد ارتكبوا حماقات أعطت لصدّام فرصة الظهور كبطل أمام من يقطع لحظات المحاكمة ولحظة الإعدام من سياق حياته العام، بل إنه من العدل ومن المروءة أن نطالب بمحاكمة من حاكموه والقصاص ممن أعدموه لأنهم انتهكوا حقوق الإنسان بشكل واضح وتجاوزوا كل القواعد القانونية والأخلاقية فى التعامل مع المتهم في أثناء محاكمته وفي أثناء إعدامه، فللنفس البشرية حرمتها حتى ولو كانت مذنبة، وحتى في لحظات تنفيذ حكم الإعدام، وأتمنى من الناشطين في حقوق الإنسان وخبراء القانون ملاحقة هؤلاء الناس ومحاكمتهم دوليا على انتهاكهم لحقوق صدّام كإنسان لحظة تنفيذ الحكم من شماتة وسب واستعراض طائفي، وكل هذا مما يقع تحت طائلة القانون السماوي والوضعي على السواء، وهذا مما أيقظ التعاطف مع صدّام لدى قطاعات كبيرة كانت قد انصرفت عن ذكره وذكراه وتركته لحكم الله فيه ولحكم التاريخ، وأعاد هؤلاء رؤية صدّام كبطل يواجه مجموعة من الأنذال الشامتين المتشفين الحاقدين الجبناء الطائفيين العنصريين الذين يهينون رجلا مكبلا بالأغلال ومقدما على الموت رافع الرأس، ويعدونه بجهنم بينما ينطق هو بالشهادتين، ويذكرون هم مقتدى الصدر ومحمد الباقر بينما يذكر هو أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فهل كل ما سبق من أحداث وما استجلبه من تعاطف يسمح بوضع صدّام حسين فى مصاف الأبطال الوطنيين أو القوميين أو الدينيين الذين نفخر بهم وندرس حياتهم وندرسها فى المدارس لأبنائنا لكى يقتدوا بهم وينهجوا نهجهم؟؟.. وهل حفلت حياة صدّام بالحفاظ على قيم الحق والعدل والجمال والحرية والكرامة لأهله وناسه أو لكل البشر، تلك القيم التي يعلي من شأنها الأبطال ويعيشون ويموتون من أجلها؟.. وهل رفع صدّام من قيمة الإنسان وكرامته وحافظ على عزته ورفعته أيّا كان لونه أو عرقه أو دينه؟.. هل كانت حياة صدّام حافلة بالبناء والتعمير والنماء لصالح البشر أو لصالح شعبه؟.. هل ترك صدّام شعبه فى حالة من الحرية والمساواة والرفاهية والعدل ينعمون فى كل هذا ويذكرونه بالخير على ما قدم لهم؟.. هل ترك صدّام الدنيا ولديه علاقات ود وتراحم مع جيرانه من العرب والمسلمين؟؟.. هل كان صدّام يهب حياته دفاعا عن قضايا العرب والمسلمين ويحقق فيها كل يوم تقدما ملموسا؟؟.. هل ؟؟.. هل؟؟..
صدام طفل نرجسي
لن أضيع وقتك عزيزي القارئ باستعراض تاريخ صدّام وتوجهاته وإنجازاته وقراراته وآثار كل ذلك فى الواقع، وإنما أنبهك لمفتاح شخصيته لكي تقرأ من خلاله كل تصرفاته وأفعاله، فقد كان – غفر الله له ولنا – شخصية نرجسية بارنوية ملوثة بسمات سيكوباتية، ولكل هذه السمات جذور في نشأته المبكرة، حيث جاء إلى الدنيا بعد وفاة أخيه الأكبر ولم ير أبيه، ودللته أمه ودلله جده نظرا ليتمه ولموت أخيه فاكتسب السمات النرجسية (التمركز حول الذات والمبالغة فى أهميتها وقدراتها واستغلال كل شيء وأي شيء لتحقيق مجدها ورفعتها) فى هذه السنوات المبكرة، ثم تزوجت أمه من شخص يدعى إبراهيم الحسن وكان قاسيا أذاقه أشد العذاب، وحرمه من الذهاب للمدرسة لعدة سنوات، وكلفه بأعمال شاقة لا يحتملها طفل فى سنه، وقد تركت هذه الفترة فى نفسه سماتا بارانوية وأخرى سيكوباتية فى محاولته للتكيف مع هذا الشخص القاسى العنيد (إذا أردت تفاصيل أكثر عن شخصية صدام راجع دراسة الباحث تحت عنوان: التحليل النفسي لشخصية صدّام حسين). هذه التركيبة النفسية يفسرها ويؤكدها تماثيل صدّام فى كل مكان فى العراق (قبل تدميرها: التماثيل والعراق) وصوره الجدارية التى غطت الشوارع وحوائط البيوت، والاحتفاليات العامة والشاملة لكل أفراد الشعب بأعياد ميلاده واعتلائه للحكم، وتباهيه بالانتصارات في قادسية صدّام وأم المعارك وأم الحواسم، وألقابه المتعددة: الركن، المهيب، الفارس، قائد العرب، سيد النشامى، ... ، ...، ...
ولم ننس بعد جرائمه وقتله لأقرب الناس إليه على أى شك يساوره، وقتله لأي بادرة معارضة ولو على استحياء، وتزويره للانتخابات وآخرها كانت نتيجته مائة فى المائة تقريبا، وتحالفه مع أمريكا فى حربه العبثية المغامرة ضد إيران بلا معنى أو جدوى غير خوفه من تأثير إيران على شيعة العراق وتأثير ذلك على عرشه الذى كان يعده لاستقبال أحد ولديه: عدي أو قصي بعد وفاته لكي يرسي وضعا مزريا ومتفشيا فى العالم العربي وهو وضع التوريث الذى يوشك أن يصبح وباء عربيا ويعيد الدول العربية إلى عصر الملوك والسلاطين لكي يقضوا من عمرهم مئات السنين للوصول إلى النظام الجمهوري مرة أخرى.
ولم يكن صدّام يعمل من أجل قيمة عليا أو من أجل شعبه أو من أجل الأمة العربية أو من أجل الإسلام بل كان طول الوقت يعمل لنفسه (شأنه شأن سائر الحكام العرب) ولوريثه فى الحكم من أولاده، لذلك تجد قصورا فارهة واستبدادا وطغيانا مفزعا وصارخا، ومحوا لكرامة شعبه وعزته، وقهره وترويعه ليل نهار، وتجنيد نصفه للتجسس على النصف الآخر والمبالغة فى إحاطة نفسه بقوات الشرطة والجيش لإرهاب الشعب طول الوقت وقطع أمله فى التحرر، والعدوان الغاشم على جيرانه فى الكويت وتشريد أهلها والعاملين بها من الجنسيات الأخرى والذين قضوا أياما عصيبة فى الصحراء بلا زاد أو ماء ومات منهم الكثير، واغتصبت النساء وانتهكت الحقوق والحرمات على أيدى النشامى العرب من جنود صدّام.
صدام والعسكر
ولم تسلم مصر أو أى دولة عربية أخرى من إيذائه، فقد كان يسعى لامتلاك ناصية الزعامة والريادة لكل العرب فكوّن جبهة الصمود والتصدي بعد أن عزل مصر، وأوهم بعضهم بأنه يدافع عن فلسطين وأنه يحمي الجبهة الشرقية للأمة العربية من الخطر الإيراني وابتز الكثير من الخليجيين ردحا من الزمن تحت هذا الادعاء. وقد كان لعبة فى أيدي أمريكا لضرب إيران، ولم يفلح فى ذلك، وكل ما حققه هو استنزاف لثروات شعبه وثروات دول الخليج، وخرج مهزوما برغم الدعم العربي والتحالف الأمريكي، وقد رأى الأمريكان أن دوره انتهى فى حين رأى هو أن القوة العسكرية التى كونها إبان حربه مع إيران قد تبقى منها ما يمكن أن يحقق حلمه الشخصي في تكوين إمبراطورية مكونة من العراق وبعض المناطق الغنية بالبترول في شبه الجزيرة العربية يحكمها هو وأبناؤه فارتكب حماقة غزو الكويت بإغواء أمريكي ماكر، وبذلك دخل هو والعراق فى الفخ الأمريكى وأعطى الفرصة لبوش الأب والابن لكي يحققا أحلام أمريكا فى غزو واحتلال العراق. ولم ينتبه أو يتراجع أو يستجيب لأى من نداءات العقل بل ركب رأسه واستبد برأيه ومضى فى غيّه إلى نهاية الطريق الذي نعرفه جميعا وهو انهيار العراق واحتلاله وتفتت الأمة العربية وسقوطها دولة تلو الأخرى تحت الوصاية الأمريكية.
رمز الدكتاتورية
كل هذا في جانب وطغيانه واستبداده فى جانب آخر، فقد ملأت حكاياته الآفاق وأصبح رمزا للدكتاتورية والاستبداد والفرعنة والتأله والتجبر، فكان يقتل بدم بارد (كما قتل هو أيضا بدم بارد) وبدون محاكمة أو بمحاكمات صورية (وشرب هو من نفس الكأس)، ولا يرعى حرمة لقريب أو بعيد، فقد قتل عددا غير قليل من أقاربه كان آخرهم زوج ابنته الذي وعده بالأمان فى حالة عودته مرة أخرى إلى العراق بعد هروبه منها. وكان الغرب يغمض عينه عن جرائمه فى الوقت الذي كان صدام يحقق فيه أهداف أمريكا وأوروبا، ولكن حين استبد به الطمع، وأحب أن يلعب لحسابه وأن يأكل الكعكة وحده، بدءوا يكشفون ملفات إجرامه وجرائمه ويضخمونها تمهيدا للتخلص منه واحتلال العراق مستفيدين من حماقاته وأخطائه.
عتاب
وإني لأعاتب مصطفى ومحمود بكري على نسيان استبداد صدام ودكتاتوريته وطغيانه، أو اعتبار تلك الأشياء من الزلات البسيطة التي يمكن اغتفارها، وهذا منزلق خطير يجب أن ننأى بأنفسنا منه، وأن نعلم أنفسنا وأبناءنا أن الدكتاتورية والاستبداد والطغيان والتجبر والتأله من الجرائم العظمى فى حق الشعوب وأنها جرائم لا تنسى ولا تغتفر ولا يمحها حمل المستبد للمصحف فى يديه أو التغني بفلسطين لحظة سماعه للحكم بإعدامه أو إصراره على أن يواجه الموت بلا غطاء لوجهه. وإذا استقر هذا المعنى فى نفوسنا كعرب وكمسلمين فسيحسب الطغاة ألف حساب قبل أن يمارسوا طغيانهم ضدنا؛ لأنهم يعلمون أن الشعوب لن تغفر لهم القهر والإذلال والإلغاء والتزييف والتزوير وانتهاك الكرامة واغتصاب الحقوق، وأنها ستلاحقهم مهما طال الزمن، ولن تسامحهم على اعتبار بعض إنجازات حققوها من بناء مدارس أو مصانع أو تكديس سلاح فى يد الشرطة أو الجيش، أو عنتريات فارغة يتفوهون بها في لحظات يعرفون أنهم فيها أمام عدسات التصوير فيعرفون – كأي شخصية بارنوية ونرجسية – كيف يلبسون وشاح البطولة الفردية ليدخلوا بها صفحات التاريخ ويبهروا بها أعين الناس.
إذن ففي حالة تسامح الناس فى جرائم الإستبداد وانبهارهم ببريق يلمع فى عين الطاغية وهو يخاطب الجماهير المخدوعة أو بوقفة صامدة (أو باردة) فى لحظة محاكمة أو إعدام، حينئذ يستمر الاستبداد ويتوحش –كما هو الحال– في أرض العرب، ونظل نهتف للطاغية وهو يسحقنا في حياته، ونهتف له وهو يموت بتأثير من جرائمه وحماقاته، ونحول كل هزائمه وكوارثه إلى بطولات؛ لأننا نفقد الثقة بأنفسنا ونحتاج دائما لبطل أسطوري نحتمي به ويحمينا ونمشي تحت جناحه ونأتمر بأمره ونسترشد بحكمته، وإذا مات هذا البطل الوهمي صنعنا منه شهيدا لكي نبقيه حيا نعيش على ذكراه.
وإذا رضينا بصدام بطلا فإننا بذلك نعلي من قيمه التي عاش عليها فى حياته وندعو أبناءنا لإعلائها، وهي الأنانية والنرجسية والتمحور حول الذات، وسوء الظن، والتشبث بالسلطة وتوريثها للأبناء والأحفاد، واستخدام الأوطان والشعوب لتحقيق الأمجاد الشخصية والبطولات الفردية، واختزال الأمة في شخص نرجسي مستعل ومتجبر يضع تماثيله وصوره أمامنا وخلفنا وفوقنا وحولنا لكي يستعبدنا ويرهبنا، والانفراد بالرأي والتشبث به، والدخول في مغامرات طائشة تنتهي بخراب البلاد وضياع العباد، والتمكين للمستعمر الطامع من التهام الوطن،.. فهل هذه قيم ترضونها أخويّ العزيزين مصطفى ومحمود بكري وأنتما تدافعان ليل نهار عن قيم الحق والعدل والحرية والديموقراطية والكرامة والعزة، وقد عانيتما شخصيا من آثار الفساد والإفساد ودفعتما من حريتكما وراحتكما الكثير من أجل محاربة الفساد والطغيان؟.
وإذا كان صدام بطلا فعلا فقد كان أكرم له أن يموت وسط جنوده على أسوار بغداد، ولا يهرب ليختبئ فى حفرة عدة شهور ثم يمسك به العملاء والمستعمرون فى مشهد ذليل مهين كسر كرامتنا العربية حين رأيناه فى هيئته الرثة واستسلامه المؤلم. ولو كان صدام قد أعطى لشعبه الحق في العزة والكرامة والحرية لوجد شعبه حوله يحميه فى وقت الشدة ولما سقطت بغداد بهذا الشكل المفاجئ والمهين حين هربت قوات الحرس الجمهوري تحت وطأة التخبط والخيانة وتحكم أبناء صدام فى القرارات العسكرية بحكم سلطتهما المطلقة والمنطلقة فى كل شيء.
ولو كان صدام بطلا لما مكن لولديه ليعيثا فى أرض العراق فسادا وظلما وطغيانا وانتهاكا لحرمات الشعب وكرامته، ولما أعطى نموذجا كريها للإعداد للتوريث والتخلص من كل الرجال لكي يفسح الطريق لاعتلاء أحد ولديه العرش من بعده.
وينخدع البعض ببعض الشعارات الإسلامية التى رفعها صدام فى نهايات حياته وينسون أنه عاش حياته كلها مخلصا لحزب البعث ومبادئه التى تتعارض تماما مع القيم والمصالح الإسلامية، وإذا سلمنا بأن الرجل قد تاب وأناب وعرف الحق حين أحيط به من كل جانب فإننا نكله ونيته إلى الله، ولكن نحذر أن نجعله بطلا إسلاميا كصلاح الدين أو بطلا وطنيا إسلاميا كعمر المختار، فللحق والحقيقة والتاريخ كان صدام يعمل لذاته ويخدم مصالحه ومصالح أسرته، حيث انشغل طيلة حياته بأمجاده ورفع صورته، وأمسك بخيوط السلطة كلها فى يديه، ووضع على رأس كل إدارة مهمة أحد أقاربه، ومكن لأهل الثقة واستبعد أهل الخبرة، وأشاع قيم التجسس والتصنت، والوشاية، والخوف، والرعب، والخضوع والذل فى نفوس الناس، ولم يمت إلا وقد ترك بلاده طغمة فى أيدى ألد أعدائه، فهل يا ترى يكون هذا هو حصاد البطولة فى نظر الأخوين مصطفى ومحمود بكري.
نحن على استعداد كشعوب أن نعيش بلا أبطال خير من أن نسوق لأبنائنا من بعدنا نماذج مشوهة للبطولة مليئة بالبثور والتقيحات ومحملة بالجرائم العظمى، ومسكونة بآهات المعذبين، وملطخة بدماء الضحايا، ولن يغفر لنا حينئذ وقوعنا تحت تأثير مواقف وقتية، أو نزعات فردية نحو استعراض البطولة فى المواقف اليائسة والبائسة، أو مشاعر التعاطف الدافقة والحاجبة للذاكرة والرؤية النقدية الموضوعية والمشوشة أو المشوهة للوعي الممتد طولا وعرضا وعمقا.
استشاري الطب النفسي- مستشار القسم الاجتماعي بشبكة "إسلام أون لاين.نت"، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني الخاص بالصفحة adam@islam-online.net
No comments:
Post a Comment