Tuesday, January 09, 2007

المشهد الأخير لصدام حسين


ليقولوا عنه ما يشاؤون فقد ذهب إلى موته بكبرياء
إيهاب حسن

بدأت إجراءات محاكمة الرئيس العراقى السابق صدام حسين منذ شهر أكتوبرعام 2005 حتى اصدار الحكم فى 5 نوفمبر 2006 فى ما بات يعرف بقضية الدجيل التى وقعت عام 1982 بعد محاولة اغتياله لدى زيارته مدينة الدجيل العراقية- و تم اثر ذلك اعدام مجموعة من اهالى المنطقة التى وقع بها الاغتيال وعددهم حسب الادعاء العام فى المحكمة الجنائية العليا العراقية 148 - وقد تمت المصادقة على حكم الاعدام الصادر بحق الرئيس العراقى من محكمة التمييز العراقية فى 26 من ديسمبر الماضى. ورغم انقضاء اليوم الثامن على اعدام صدام حسين فإن مشهده معلقا فى حبل المشنقة مع مواجهة كلامية شرسة من قبل خصوم السنة الطائفيين، لايزال ماثلا فى ذهن الناس جميعا.. ويرى المحللون ان اعدام صدام بالطريقة التى حصلت شكل نقطة تحول فارقة فى انحيازات الشارع العربى والاسلامى.خاصة إن حكم الاعدام كان يفترض تنفيذه بواسطة جلاد يعمل لدى وزارة الداخلية العراقية غير أن تنفيذ الحكم بواسطة ميليشيات ودخلاء نحوا جانبا فريق الداخلية الذى كان مقررا أن ينفذ الحكم. وحسب تأكيد بعض الدوائر فان ادارة بوش عجلت فى تنفيذ حكم الاعدام لاسباب عديدة منها خشيتها كشف اسرار من جانب صدام تتعلق بالسياسات والمخططات الامريكية، وأن بوش الابن والأب وتشينى يخشون بعد ذهابهم من الحكم أن يصبح سببا مستقبلا الى اطلاق سراحه. كما أن قرار أمريكا باعدام صدام حسين بمثابة رسائل إلى قيادات المنطقة، وهى جزء من اساليب الترهيب والضغوط لتطويع المساحات لصالح البرامج والمخططات الأمريكية التى لم تستكمل بعد، وبعضها لم ينجح حتى الآن. وبلا شك ان اعدامه فى يوم عيد الاضحى المبارك، هو إهانة للعالم الاسلامى برمته، حيث اختار تليفزيون الحكومة العراقية أن يقدم هذه الهدية الثمينة: حفل إعدام رجل فى التاسعة والستين من عمره كان بالأمس القريب رئيسا للعراق. الحفل بث كاملا بالمؤثرات الصوتية والمرئية التى تليق بطقوس واحدة من قبائل أكلة لحوم البشر.. اهانة على النمط الامريكى، نمط التقتيل من جانب القوات الامريكية فى اكثر من ساحة.. ويتوقع المراقبون ان تتصاعد أعمال العنف فى العراق، كما انه يشكل بداية لتنفيذ برامج فتن وحروب اهلية ومخططات تخريبة وتقسيمية من جانب أمريكا ضد العالمين العربى والإسلامي وما زالت الطقوس الهمجية والصرخات الوحشية التى صاحبت عملية اغتيال صدام حسين، تشكل عنواناً للمرحلة المقبلة لخريطة الشرق الاوسط الجديد الذى تتم صياغته الآن على يد المحافظين الجدد فى واشنطن، معالم هذه الخريطة الدموية باتت اكثر وضوحاً عن اى وقت مضى. لقد اختزلوا صدام حسين فى مجرد وحش، ولخصوا للعالم حياته فى ثلاث دقائق مصورة بهاتف رديء فى قبو مظلم، وتركوا صور الإعدام تتناقل بين الهواتف.. بينما عندما يسقط عسكرى أمريكى يحملونه فى سرية كاملة ويضعونه فى صندوق مغطى بالراية ويعطونه التحية ويرسلونه مباشرة إلى قبر فى الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم رداءة الشريط الذى تم بثه ايضا على شبكة الأنترنت فهو يكشف أن بعض الحاضرين فى القاعة هتف باسم زعيم جيش المهدى الشيعى مقتدى الصدر كما ان العديد منهم شتموا صدام فى لحظاته الاخيرة فى حين تعالت صرخات الانتقام فور وفاته، ما يثير الشبهات بوجود رغبات فى التشفى والانتقام من شخص صدام. وتمتد الشبهات بشأن دلالات تنفيذ الإعدام لتصل إلى المكان الذى تم فى مقر دائرة الاستخبارات العسكرية فى منطقة الكاظمية شمالى بغداد.. وفى ذلك يقول مستشار رئيس الوزراء العراقى بأن هذا المكان اختير لأنه كان ينفذ فيه حكم الإعدام بحق قيادات وكوادر مؤيدى الحركة الإسلامية وخصوصا حزب الدعوة الذين كانوا يعذبون ويعدمون فى هذا المكان. وأما صورة صدام حسين فقد ظهر أن خصومه فى السلطة العراقية حريصون على تشويهها حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وإظهاره بمظهر الجبان. فمع أن الرجل رفض أن تغطى عيناه أثناء إعدامه، وصعد إلى المشنقة بخطى ثابتة، كما أظهرت الصور التى بثتها قناة العراقية الرسمية، فإن مستشار الأمن القومى العراقى موفق الربيعى الذى حضر التنفيذ أصر على أن صدام كان خائفا جدا، وضعيفا بصورة لا يمكن تخيلها. وتتناقض هذه الصورة مع تأكيدات أعضاء هيئة الدفاع الذين التقوا صدام قبل أيام قليلة من إعدامه، والذين أكدوا أنه كان قويا برباطة جأشه، بل وسعيدا بأنه سيلاقى حتفه شهيدا على يد أعدائه. وبدا صدام مبتسما والحبل حول عنقه وهو يرد ساخرا هية هاى المرجلة وصاح مراقب آخر فى وجه صدام قائلا إلى جهنم، وذلك رغم مناشدات مراقبين آخرين بالتوقف عن الهتافات. وأظهر التسجيل سقوط صدام عبر طاقة فى أرضية المشنقة فيما كان يردد الشهادتين.. وانتهت عملية الإعدام حين كان يقول أشهد أن محمدا... وقبل نهاية الفيلم بدت جثة صدام وهى متدلية وعيناه نصف مفتوحتين ورقبته ملتوية إلى يمينه. وظهرت فى التسجيل ومضات لصور أخذ شهود يلتقطونها للرئيس العراقى وهو يسلم الروح. وبتفاصيل دقيقة عن عملية الاعدام وفقا لشهود عيان وعبر ما تناقلته وكالات الأنباء وشبكة الإنترنت أنه فى الساعات التى سبقت بزوغ فجر يوم السبت قبل الماضى، وقف الرئيس العراقى صدام حسين بهدوء على منصة المشنقة، بينما التفت أنشوطة صفراء غليظة حول رقبته، مستعدا للموت وقال يا الله بينما يستعد للوقوف على منصة الاعدام التى وقف عليها.. وخلفه وقف ثلاثة جلادين.. ثلاثة مقنعين فى سترات جلدية. وعلى حين غرة، غرقت غرفة الاعدام بالهتافات الدينية الشيعية، وصاح احد الرجال مقتدى.. مقتدي كاشفا عن ولائه لمقتدى الصدر. وفى لحظاته الاخيرة، وبعد وقت قصير من رفع أذان صلاة الفجر، أصبح صدام، وجها لوجه أمام عراق اليوم الذى لم يسبق له أن التقاه ابدا بعد ان امضى السنوات الثلاث الماضية رهن الاحتجاز الامريكى.. حيث ارتقى الشيعة الى سدة السلطة. وردد صوت آخر: فليعش محمد باقر الصدر. وكان باقر الصدر هو عم مقتدى الصدر ومؤسس حزب الدعوة الذى يعتبر رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى أحد زعمائه البارزين. وطبقا لما افاد به خمسة شهود ومسئولون عراقيون وامريكيون، فان صدام حسين عندما اقترب من الموت كان يرتدى سروالا اسود مكويا وقميصا ابيض عاجيا ومعطفا اسود فاخرا. كما كان حذاؤه مصقولا ولامعا. وقد صبغ شعره بالأسود وشذب لحيته الفضية وانتظر موته بكرامة. ثم شرع بتلاوة أدعية اسلامية. وجلس على كرسى وكانت يداه موثوقتين إلى الأمام بأصفاد بلاستيكية. وتم الشروع بتلاوة الحكم على صدام حسين والحكم الذى اصدرته محكمة التمييز.. وفيما كان يتلو، صرخ صدام: نحن فى الجنة وأعداؤنا فى النار، وأضاف يعيش الشعب ويعيش الجهاد وتعيش الأمة. وفى نهاية تلاوة الحكم وصل الجلادون المكلفون بشنق صدام حسين اصطحبوه الى غرفة واسعة بلا نوافذ، والتى تضم درجات تفضى الى مشنقة حمراء اللون طويلة، توجد فى أسفلها فتحة كبيرة.. ثم استدار رجل مقنع الى صدام وقال: لقد دمرت العراق وافقرت شعبه وجعلتنا كلنا مثل الشحاذين فى حين كان العراق من اغنى البلاد فى العالم. فأجاب صدام حسين إننى لم أدمر العراق، لقد حولته إلى بلد غنى وقوى. كان صدام يحمل فى يديه المكبلتين نسخة من القرآن الكريم بلون أخضر داكن كما قال الشهود.. ثم خلع صدام قبعته، وفك الجلادون قيود يديه ووضعوهما خلف ظهره واعادوا شد وثاقهما، ثم ربطوا ساقيه أيضاً بموازاة بعضهما. وعندما سأله أحدهم ما اذا كان خائفاً، فأجاب صدام إننى لست خائفا.. فقد اخترت هذا الطريق.. ورفض أن يضع فوق رأسه القناع الأسود، فطوى الجلاد القناع ولفه حول رقبة صدام مثل وشاح الرقبة. وارتقى الرئيس العراقى منصة الاعدام بمساعدة جلاديه. وفيما كان الشيعة يهتفون معبرين عن ولائهم لمقتدى الصدر الذى يتزعم مليشيات جيش المهدى.. وفيما كان صدام حسين ينطق بالشهادتين للمرة الثانية، طلب الجلاد الرئيسى من الحضور السكوت، ثم.. فتحت ارضية المشنقة. وقال شهود عيان لقد مات فى عشر ثوان... ولم يحرك ساقاً ولا قدماً.. وتدلى جسد صدام لحوالى خمس دقائق. وجرى تسليم جثة صدام حسين بعد اعدامه الى عشيرة 'البوناصر' وليس لافراد من العائلة، علما ان بناته وزوجاته يعشن خارج العراق منذ عام 2003 وأن ولديه قتلا بالموصل، حيث اوردت وكالات الانباء ان طائرة امريكية اقلت شيخ عشيرة 'البوناصر' من تكريت الى بغداد وقام مع مجموعة من زعماء العشيرة بمرافقة الجثمان الى قرية العوجة لدفنه هناك الى جانب نجليه عدى وقصي ويرجع البعض ذلك إلى ان قوات الحرس الجمهورى الخاص والموالية جدا لنظام صدام وشخصه، كان افراد عشيرة 'البوناصر' وتولوا المناصب القيادية الرفيعة. وفى بيان صدر يوم الاثنين الماضى دعا عزة ابراهيم الدوري- الرجل الثانى فى النظام العراقى السابق- جميع المقاومين فى العراق الى تشكيل جبهة موحدة للمقاومة لتحرير العراق مشيدا بالرئيس العراقى صدام حسين.. قائلا ادعو الاخوة الأعزاء قادة الجهاد الشجعان والمقاتلين البواسل فى كل فصائل الجهاد إلى العمل الجاد والمخلص لإقامة جبهة الجهاد والمقاومة التى ينتظرها شعبنا وامتنا بفارغ الصبر والتطلع وفى كل ميادينها العسكرية والسياسية والاعلامية لتوحيد الجهود واستثمار الإمكانات استثمارا عاليا لكى نسرع فى تدمير العدو وتحرير وطننا العزيز. واضاف فى بيانه لقد أقدمت الأيدى الاثمة المجرمة، الادارة الامريكية وحلفاؤها الانجليز والصهاينة والفرس الصفويون على اغتيال أحد قادة الامة التاريخيين وليعلم العدو المحتل وعملاؤه أن اغتيال القائد لن يزيد البعث وشعبه العظيم وأمته المجيدة إلا عزما وتصميما وتصعيدا للجهاد والنضال حتى تدمير العدو وتحرير الوطن العزيز وإقامة دولة الإيمان والحرية والديمقراطية والحضارة.. وأردف قائلا أيها الرفاق حافظوا على أمن الشعب وممتلكاته ومصالحه ولا تجعلوا للإرهاب مكانا بين صفوفكم. وكان الدورى قد دعا فى مارس الماضى عبر تسجيل صوتى القادة العرب إلى الاعتراف بالمقاومة ومقاطعة الحكومة العراقية والدورى هو اكبر مسئول فى النظام العراقى البعثى السابق وكان نائبا لصدام فى رئاسة مجلس قيادة الثورة، وأنابه عنه فى العديد من الاجتماعات والمؤتمرات العربية والإسلامية.. وهو لا يزال هاربا حيث رصدت قوات الاحتلال الأمريكية مبلغ 10 ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات تقود الى اعتقاله أو قتله.. ويعتقد انه يقود المسلحين البعثيين الذين يقاومون الوجود الأمريكى فى العراق. وليبقى شعار المقاومة الانتصار أو الاستشهاد هو القادر وحده بإرادة المقاومين على تحطيم أوهام المحتل الأمريكى ومطامع الغاصب الصهيونى.

No comments: