Tuesday, January 23, 2007

السلطــــة والتيـار الإسلامي

ســــــباحـة مؤقتــة ضـــد التيـــــــارــ أهرام الثلاثاء 23/1
بقلم‏:‏ فهمـي هـويـــدي
ما رأيكم دام فضلكم في وقفة لالتقاط الانفاس نحاول فيها اختبار قدرتنا علي احتمال الرأي الآخر في مسألة علاقة السلطة بتيار الاسلام السياسي بما يدفعنا إلي تفكير آخر ينطلق من الحرص علي احلال السلام والوئام محل الفتنة والضغينة والخصام‏(1)‏ أدري أن هذه دعوة للسباحة ضد التيار فنحن في زمن اذكاء نار الغضب واستعراض فنون التحريض والتشهير والهجاء‏.‏ حتي يبدو أن المطلوب هو تأجيج الحرائق وليس اطفاؤها واثارة المخاوف وليس تهدئة الخواطــر‏.‏ ولأننا صرنا بصدد معركة اعتبـرها البعض فاصـلة وحاسمــة ولأنه لا ينبغي أن يعلو صوت فوق صوت المعركة فإن هذا الذي ادعو إليه يغدو انفصالا عن الركب وتغريدا خارج السرب‏.‏ وفي أحسن فروضه فإنه يعد من قبيل الأذان في مالطة‏!‏ليت الأمر يقف عند هذا الحد لأن عاقبة الأذان في مالطة تظل محتملة في أسوأ حالاتها إذ لن تتجاوز حدود انصراف السامعين واستغرابهم للضجيج الذي يحدثه المؤذن‏.‏ ولكن العواقب مختلفة في الحالة التي نحن بصددها بوجه أخص‏.‏ لأن‏'‏ المؤذن‏'‏ إذا ما رفع صوته بمثل الدعوة التي أشرت اليها فأنه سيكون كمن وضع إصبعه في عش الزنابير‏.‏ وسيصبح ضحية للسعات كل الزنابير التي سوف يستثيرها ذلك‏'‏ العدوان‏'.‏ أعني أنه سيصبح هدفا لسيل الاتهامات التي لن تحفظ له حرمة ولن ترعي فيه إلا ولا ذمة باعتبار أن الكلام عن تهدئة الخواطر في خضم معركة من ذلك القبيل انتظرها البعض طويلا وتنافس كثيرون في الاحتشاد والاستنفار والتعبئة لأجلها واعتاش آخرون من تسويقها علي مر الأزمنة في مختلف دوائر القرار‏.‏ مثل هذه الدعوة سوف تعد في نظرهم جريمة لا تغتفر‏.‏في إعلامنا الآن‏'‏ مكارثية‏'‏ جديدة علي حد قول زميلنا خيري رمضان ـ تصم كل من يختلف في الرأي أما بأنه‏'‏ أخواني‏'‏ أو أمن‏.‏ والهدف من ذلك هو أثاره حالة من الفزع تكمم الأفواه ولا تجعلنا نسمع إلا صوتا واحدا‏.‏ هذه العبارة ليست من عندي ولكنها وردت في تعليق كتبه زميلنا الاستاذ خيري رمضان‏_‏ وهو أحد الناقدين للإخوان‏_‏ في صحيفة‏'‏ مصر اليوم‏'_(‏ عدد‏16/1)‏ وقد خلص إليها بعد أن روي القصة التالية‏:‏ ذات يوم نشرت إحدي الصحف تصريحات مثيرة وصادمة لنائب مرشد الأخوان الدكتور محمد حبيب حول الأقباط واستنساخ التجربة الإيرانية في مصر‏.‏لكنه نفي تلك التصريحات في برنامج تليفزيوني‏.‏ وفي يوم تال استضاف التليفزيون المصري رئيس تحرير الصحيفة المذكورة ومحرره ادعت أن الكلام الذي تم نفيه مسجل علي شريط لديها‏.‏ وحين تمت إذاعة بعض مقاطع م التسجيل‏_‏ والكلام لخيري رمضان‏_‏ كانت المفاجأة أن الرجل لم يقل الكلام الذي نسب إليه وبدا حريصا جدا في تصريحاته‏.‏ المفاجأة الأكبر‏_‏ أضاف زميلنا‏_‏ أن الجميع تجاهلوا ما جاء علي لسان الرجل‏.‏ وتعاملوا مع ما نشر علي أنه الحقيقة الكاملة‏.‏ أما الأغرب فأن المشاركين في البرنامج لم يتوقفوا و استمروا في الهجوم علي آراء الدكتور حبيب التي لم يقلها‏!‏‏(2)‏ لا أعرف كيف يمكن للمرء وسط حملة التعبئة المضادة أن يقنع المتلقي بأنه لا يدافع عن الإخوان علي وجه التخصيص وإنما يدافع عن استقرار الوطن وسلامه الاجتماعي من خلال الدفاع عن حق تيار أصيل فيه لممارسة حريته في التعبير والمشاركة في إطار القانون وحمايته‏.‏ وهو دفاع موصول في جوهره بقضية إطلاق الحريات العامة في المجتمع التي تهدد بتقليصها التعديلات المقترحة للدستور علي النحو الذي أفاض فيه بعض الكتاب الشرفاء‏.‏قبل نحو عشرين شهرا‏_‏ في‏24/5/2005_‏ نشرت مقالة في هذا المكان تحت عنوان‏'‏ التدرج هو الحل‏'‏ قلت فيها ما نصه‏:‏ أن ثمة شواهد عدة توحي بأنه تم تجاوز السؤال‏'‏ هل‏'‏ يستوعب التيار‏(‏ الاسلامي ضمن الخريطة السياسية‏)‏ أم لا واستبدل باسئلة مغايرة في اتجاه آخر من قبيل كيف ومن ومتي‏.‏ ذلك أن تجربة نصف قرن في مصر دلت علي أن ثمة حقيقة يتعذر تجاهلها وهو أن ذلك التيار موجود علي خريطــة الواقع وأن التعامل معــه في اطــار الشرعية اقل كلفة بكثير من المغامرة بابقائه خارجها‏.‏حين قلت هذا الكلام لم أكن متفائلا بالمستقبل وحسن الظن به فحسب ولكني كنت مدركا أن مثل ذلك الاحتواء ممكن في ظل الدستور استنادا إلي ما قرره فقهاء القانون وما قضت به هيئة مفوضي مجلس الدولة في تقرير شهير لها أعد في عام‏91.‏ وهذا التقرير له قصة خلاصتها أن أحد الدعاة‏(‏ السيد يوسف البدري‏)‏ تقدم لتأسيس حزب باسم‏'‏ الصحوة‏'‏ ولكن لجنة الأحزاب رفضت طلبه‏.‏ فطعن في القرار أمام مجلس الدولة عام‏89.‏ وحين عرض الموضوع علي هيئة المفوضين التي كان يرأسها وقتذاك نائب رئيس المجلس المستشار طارق البشري فانها خلصت من بحثه إلي ما يلي‏:‏أن الباب الأول من الدستور المصري أورد مجموعة من المواد التقريرية والتوجيهية في مقدمتها النص علي أن الاسلام دين الدولة وأن مبادئ الشريعة الاسلامية تمثل المصدر الرئيسي للتشريع‏.‏ وثمة نصوص اخري تعلقت بطبيعة نظام الدولة وأشارت إلي ممارسة الشعب لسيادته وحمايته وصونه للوحدة الوطنية‏..‏إلخ‏.‏في الفقه القانوني فإن الأحكام التقريرية والتوجيهية للدستور‏.‏ لا يراد بها فقط تثبيت الملامح القائمة ولكنها ايضا ترسم سياقا وحركة لمستقبل نشاط مؤسسات الدولة والمجتمع بأسرها‏.‏ كما أنها تجدد المقاصد العامة لأصول الشرعية التي تقوم عليها الدولة والمجتمع‏.‏لما كان من المسلم به أن المشرع متنزه عن التناقض والعبث في صياغته لمواد الدستور فينبغي أن نسلم بناء علي ذلك بأنه عندما يورد واجبين فإن الضدية مرفوعة بينهما‏.‏ بمعني أن الدستور حين أورد في صميم أحكامه التوجيهية أن الاسلام دين الدولة وأن الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع و أورد كذلك أن الوحدة الوطنية أمر يتعين تأكيده وصيانته وابعاد ما يهدده فذلك مما له مغزاه بالغ الأهمية‏.‏ إذ أنه يقودنا إلي القول بأنه لا منافاة ولا تعارض بين الإسلام والشريعة الاسلامية من جانب وبين الوحدة الوطنية‏(‏ أو حق المواطنة‏)‏ من جانب آخر‏.‏إن الدستور حين يقر في صدر احكامه بإسلامية الدولة ويقر بالشريعة الإسلامية كأصل للشرعية ـ كما ذكر في تقرير المفوضين ـ فلا يصح في الافهام القول بأن الدستور ينظم وضعا طائفيا لأن الدستور هو أول تعبير تشريعي عن الأصول المرجعية للمجتمع‏.‏ واذا كانت الاسلامية لا تعبر في الدستــور عن وضع طائفي فإن ما ورد في قانون الأحزاب من حظــر قيام الحزب علي اساس طائفي‏(‏ أو غيره‏).‏ لا يشكل حظرا متعلقا بالدعوة الإسلامية المجتمع أو الدولة المنصوص عليه والمقرر بالدستور ذلك أنه لا يصح باي معيار أن يمنع قانــون الأحزاب ما أوصت به وارشدت أحكام الدستور‏.‏أن قانون الأحزاب الذي حظر قيامها علي اسس طائفية أو طبقية نص ايضا‏(‏ في مادته الرابعة‏)‏ علي ألا تعارض مبادئ الحزب واهدافه مبادئ الشريعة الاسلامية التي هي المصدر الرئيسي للتشريع‏.‏ و لا يصح في العقول أن يحظر القانون الأمر ونقيضه‏.‏ فيحظر التعارض مع الشريعة الإسلامية ويحظر الدعوة إلي نظم يستخلص منها أو يحظر الدعوة إلي تطبيقها‏.‏‏(3) ‏هذه القراءة القانونية تزيل التباسا شائعا لدي كثيرين يتعلق بموقف الدستور والقانون من شرعية استيعاب تيار الاسلام السياسي ضمن الخرائط الراهنة‏.‏ ليس ذلك فحسب وإنما تكشف تلك القراءة عن مدي غرابة أحد التعديلات المقترحة للدستور ذلك الذي يدعو إلي اضافة فقرة في مادته الخامسة تقرر حظر أي نشاط سياسي أو حزبي او قيام الاحزاب علي أساس الدين أو الجنس أو الاصل‏.‏ الامر الذي يعني مصادرة أي نشاط سياسي أو حزبي يدعم المقومات والمبادئ الاساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور‏.‏ بدءا من مادته الثانية التي تنص علي أن الاسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة المصدر الاساسي للتشريع وانتهاء بالمادة التي تنص علي المساواة بين الرجل والمرأة دون اخلال باحكام الشريعة الاسلامية والمادة‏19‏ التي تنص علي أن التربية الدينية مادة اساسية في مناهج التعليم العام‏.‏ بل ان احد النشطاء سألني بعد قراءة الاضافة المقترحة عما اذا كانت تحظر استخدام النصوص القرآنية في التعبئة لمقاومة اسرائيل أو التصدي للاحتلال باعتبار ذلك‏'‏ نشاطا سياسيا‏'‏ علي اساس من الدين‏.‏أننا اذا اخذنا الأمور علي محمل الجد وفحصنا خلفيات الحظر بنزاهة وموضوعية فسنجد أن خلفيات الحظر المفروض وثيقة الصلة بالحسابات والملاءمات السياسية ولا سند قوي لها من الاعتبارات الدستورية والقانونية‏.‏وإذا جاز لنا أن نسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية فلا مفر من الاعتراف بأن ثمة تراكما استمر عدة عقود أفرز حالة من التخوف وأزمة الثقة بين السلطة وتيار الإسلام السياسي‏.‏ ومن جراء هذه الأزمة ظل المجتمع المصري يعاني من التوتر وعدم الاستقرار طيلة نصف القرن الأخير علي الأقل‏.‏ وليس هناك عاقل مخلص لهذا البلد يؤيد استمرار هذه الحرب وتأبيدها الأمر الذي يفر ضرورة البحث عن مخرج من هذه الأزمة التي تبين أن نهج السحق والاستئصال لا يجدي فيها و إنما يوسع من دائرة التعاطف مع التيار الاسلامي‏.‏هذه الثقة المنشودة لا بد لها من ارادة اولا ثم سعي من الجانبين ثانيا يبادر اليه تيار الاسلام السياسي باثبات حسن النية وسلامة القصد‏.‏ في هذا الصدد فأن استمرار محاكمة ذلك التيار بسبب اخطاء وقعت قبل‏60‏ أو‏50‏ عاما تم تجاوزها بعد ذلك تظل من قبيل التنطع الذي يضمر سوء النية ويسعي الي تعميق الأزمة وليس الي تجاوزها‏.‏ واستحي أن اقول أن تطبيع العلاقات مع اسرائيل لا ينبغي له باي حال أن يكون ايسر من تطبيع العلاقات فيما بين السلطة والتيار الاسلامي‏.‏‏(4)‏ بقيت عندي كلمتان اختم بهمــا الأولي أنني غير مصدق أن بلدا بحجم مصر وثقلها وبقوة سلطة الدولة فيها تستبد به المخاوف في التعامل مع ذلك الملف في حين تجاوزت العقدة دول اخري كثيرة حولنا احتوت التيار الاسلامي ولم تر فيه‏'‏ الفزاعة‏'‏ التي يصر البعض علي تخويف الناس بها‏.‏ وهو ما نجحت فيه دول مثل المغرب والجزائر وموريتانيا والكويت واليمن والأردن ولبنان إلي جانب تركيا وباكستان وماليزيا وإندونيسيا‏.‏ وهو ما يدعو إلي التساؤل ماذا عندهم اكثر منا وافضل بحيث نجحوا فيما فشلنا فيهالكلمة الثانية تتعلق بسيل الدراسات والحوارات التي تجريها الدوائر البحثية الغربية حول الموضوع واحدثها ندوة دعا اليها معهد واشنطون قبل شهرين‏(‏ في نوفمبر الماضي‏)‏ وكان عنوانها‏'‏ الوسائل البديلة لمواجهة الاسلاميين عبر صناديق الاقتراع‏'.‏ بلا استثناء فإن هذه الدراسات لم تعبر عن اي سعادة بوجود ظاهرة الاسلام السياسي ناهيك عن تنامي حضوره لكنها انطلقت من استحالة استئصاله والقضاء عليه ودعت جميعها الي احتوائه ومحاولة اضعافه بوسائل شتي منها تقوية منافسيه واستمالة عناصره الجديدة‏.‏ ولم يكن لدي تفسير لهذا الموقف سوي أن هؤلاء يحاولون استخدام عقولهم دون هراواتهم ويجعلون السياسة حاكمة للأمن وليس العكس‏.‏

No comments: