عن المادة ٧٧ وتوابعها المدمرة بقلم د. طارق الغزالي حرب ١٣/١/٢٠٠٧ |
أعتقد أن تأكيدات الرئيس مبارك المتكررة، بأن المادة ٧٧ من الدستور التي لا تضع حدوداً زمنية لبقاء رئيس الدولة في سدة الحكم لن تمس، وإصراره علي مبدأ بقاء الرئيس إلي ما شاء الله طالما ينتخبه الشعب، وطالما هو يؤدي واجبه علي أكمل وجه كما قال سيادته.. أعتقد أن ذلك يطيح بآمال كل الحالمين بحدوث تطور ديمقراطي حقيقي في مصر، ويزيد من جرعات اليأس والإحباط التي يتجرعها مواطنو هذا البلد البائس يوماً بعد يوم، المشكلة في مصر في رأيي ليست في بقاء الرئيس طالما قلبه ينبض، فالمنطقة العربية بكاملها يحكمها نفس التفكير، ولا أحد يفكر - حتي مجرد تفكير - في تغيير جلالة الملك أو فخامة الرئيس أو الزعيم الملهم أو القائد المحنك أو حتي الأخ العقيد، والأمر كله متروك لمشيئة الله تعالي الذي يغير ولا يتغير ولا راد لحكمه وقضائه، وإنما المشكلة في مصر هي في توابع هذا التفكير المدمرة.. فقد أصبح المسؤولون عنا لا يرون غضاضة في بقاء الكثيرين في المناصب العليا والقيادية إلي ما شاء الله.. حتي إن هذا الفكر قد ساد في معظم المواقع المهمة التي تدير الدولة، وليس من المعقول ولا المقبول أن يستمر شخص ما علي كرسي القيادة في أي موقع تحت دعوي أنه كفاءة نادرة أو لا بديل له، فمجرد عدم وجود البديل الكفء في مكان ما، هو في حد ذاته سبب كاف جداً لتغيير رأس هذا المكان.. وتحديد مدد زمنية ثابتة ومعروفة لتولي المناصب القيادية أصبح أمراً لازماً في أي مكان متحضر في العالم بل ومن سمات الحكم الرشيد، وإحدي الوسائل الأساسية للقضاء علي الفساد. إنني أعتقد أن أحد أهم أسباب بقاء ونمو الدولة الصهيونية هو التمسك الصارم بهذا المبدأ، ولعلنا مازلنا نذكر أن رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي إبان معارك يونيو ٦٧ إسحق رابين الذي حقق أكبر انتصار في تاريخ الدولة اليهودية علي ثلاث دول عربية في ستة أيام، لم يستمر في موقعه يوماً واحداً أكثر من السنوات الأربع المقررة لشغل هذا المنصب.. حتي بعض الدول العربية بدأت في تحديد عدد سنوات بقاء الوزير في منصبه بما لا يزيد علي أربع سنوات، يمكن أن تتكرر مرة واحدة فقط في حالة تحقيقه نجاحات باهرة في عمله.. أما في مصر المحروسة فحدث ولا حرج.. فهذا وزير يقضي ما يقرب من العشرين عاماً علي رأس وزارته.. وهذا رئيس تحرير صحيفة يستمر قرابة الربع قرن.. وهذا مدير مكان يتم التجديد له مرات ومرات دون اعتبار لقوانين أو قواعد أو لوائح طالما يصل الأمر بذلك من أعلي.. ورويداً رويداً أصبح كل من يعتلي كرسياً أو منصباً يتصور أنه باق عليه إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتكون إزاحته عن هذا الموقع بالنسبة له بمثابة الكارثة التي يمكن أن تودي بحياته!! إن سيادة هذا الفكر المعوج هو في رأيي أحد أهم أسباب انتشار الفساد وكذلك صناعة الفراعين في كل موقع، وهي أكثر شيء يجيده الموظفون المصريون!! أعتقد أن أحوال البلد ستختلف كثيراً جداً، لو حددنا لكل منصب قيادي مدة زمنية لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، يعرف بعدها صاحب المنصب القيادي أنه في يوم ما سوف تتم محاسبته عن كل ما فعله.. وهو ما لا يتصوره أحد من الفراعين الصغيرة والكبيرة.. بل لعلهم يتناسون أيضاً حساب الله عز وجل بعد عمر طويل!! |
No comments:
Post a Comment