Wednesday, January 17, 2007

حــوار مع هويدي


فهمى هويدى:
الميليشيات السياسية تحكم مصر
كل التحضيرات تخدم التوريث
مبارك عزل نفسه عن الشعب
* النظام يرفع شعار الإقصاء هو الحل
* الحجاب ليس قضية إخوانية والأمن يدير مصر
* نسمع صراخ المعذبين دون أن نشاهد الكليبات
* صدام كان فى يد الأمريكيين قبل إعدامه بساعة
* لا أعرف ماذا يجرى فى ديسك الأهرام
@ يدهشنى كلام رفعت السعيد عن الإخوان


فهمى هويدى اسم كبير، وقيمة فكرية ووطنية تواصل قراءتها العميقة والمحللة بدقة لكثير من القضايا الضاغطة على الواقع، ومنها قضايا الاستبداد والإصلاح السياسى، وواقع الحركات الإسلامية، والقضايا الوطنية العربية فضلاً عن القضايا المتعلقة بهموم المهنة إذ انبرى دفاعاً عن شرفها ونزاهتها، وفى الآونة الأخير أصبحنا نقرأ بكثرة تعبيراً يقول: المقال الممنوع لفهمى هويدى فى الأهرام مما ينطوى على تعارض ما يكتبه مع إملاءات الولاء، هويدى قطع باستمرار مشروع التوريث، وتحدث عن بعض كواليس قلعة الأهرام، وعن فشل النظام فى احتواء الإخوان ونجاحه فى المصالحة مع إسرائيل.
- نحن فى مستهل عام 2007، هلّ علينا عام وانقضى آخر مما يستلزم أكثر من مراجعة لأكثر من شأن، كان عام 2006 محصلة لحصاد مرير تراكم عبر سنوات، وأول ما يستدعى المراجعة هو حصاد ربع قرن من حكم مبارك ونود أن نقف على ما تحقق فعليا من وعود برنامجه الانتخابى
-- لك أن تتصور صعوبة التحدث عن خمسة وعشرين سنة بالجملة هكذا لكن للوهلة الأولى هناك تحرك اقتصادى فى مصر، وهو مهم لكنه يفيد طبقات بعينها ليس بينها بالقطع الفقيرة، هناك رؤوس أموال واستثمارات ومشروعات لكن ذلك كله تجاهل ثلاثة أمور: أولها أنه لم يضف شيئاً للإنتاج وثانيها أنه تجاهل تقديم شيء للخدمات الحقيقية فى المجتمع، وثالثها أنه تجاهل الطبقات الفقيرة.
- وماذا عن الحصاد السياسى، الذى يقابله موقف السلطة من الحريات؟
-- كثر الكلام عن الحريات وقلت ممارسة الحريات، وتعددت الأحزاب، وانعدمت المشاركة الحزبية وتحدثنا عن إصلاحات وتعديلات دستورية، لكننا مازلنا محلك سر. كان الأداء السياسى منخفض السقف كثيرا وإذا كان هناك حراك اقتصادى فيقابله على الجانب السياسى جمود وموات، وهذا أحدث أشياء كثيرة ليس فقط على صعيد المشاركة والمساءلة والتداول فهذا لم يعد واردا فى ذهن أحد حتى أن القوى السياسية لم تعد تفكر أو تحلم بهذا، وغاية ما تطمح إليه هو أن تمثل فى البرلمان، أى حضور دون مشاركة، وفى نفس الوقت هناك فشل كبير فى التعامل مع التيار الإسلامى. القوى السياسية الأخرى النظام يقيسها بمقدار الاحتواء ولا أحد يعرف ما هو حل هذه المعضلة؟ ولا أحد يستطيع القول إن الإقصاء هو الحل الذى يفضى إلى الموت السياسى الأمن هو الذى يدير السياسة لتجد المحصلة فى غاية الغرابة وهى مؤلفة من حراك اقتصادى مع موات سياسى مع انتعاش أمنى.
- لكن هناك ما يوصف بأنه صحوة دستورية بدأت من الاقتراع على أكثر من مرشح لمنصب الرئيس ثم تعديل المادة 76 ثم تعديل 34 مادة.. فهل يؤكد هذا على نوايا إصلاح حقيقى؟.
-- أنا الذى أسأل وما الذى حال دون إجراء إصلاح سياسى طيلة ربع القرن المنصرم من حكم الرئيس مبارك؟ وكيف يمضى ربع قرن دون إصلاح سياسى ثم يأتى النظام ليعدنا بإصلاح فى العام السادس والعشرين لم تعد هناك مراهنة على الإصلاح أو على وعود النظام بالإصلاح - هذا أولا - ثانيا: حتى ما قيل عن الإصلاح فإننى أعود لأصفه مثلما وصفته فى أحد مقالاتى بإنه إصلاح سياحى أكثر منه سياسى بمعنى التجمل فى مواجهة الآخرين، وليس استدعاء المجتمع للمشاركة وأخطر ما يستهدفه هذا الاتجاه، هو إماتة المجتمع المدنى فى مصر، التى لم يعد فيها سوى سلطة وأمن وإدارة وأمن ولم يعد هناك مجتمع أو حساب للمجتمع فكانت النتيجة أن شهدنا تجليات لهذا الأمر، فى شكل غضبات متكررة مثلما حدث مع القضاة وأساتذة الجامعة وحركة كفاية ومؤخرا العمال ومن المؤشرات ذات الدلالة السلبية فيما يجرى أنه طيلة الخمسة والعشرين عاما كان هناك اشتباك فى عرض مستمر بين السلطة والمعارضة، وفى السنة الأخيرة انحرف الاشتباك وتحول إلى اشتباك بين السلطة والمجتمع، مثل حوادث القطارات والعبارة والعصابات والتعذيب والانتهاكات فى أقسام الشرطة وهؤلاء المواطنون الأبرياء ليسوا معارضين سياسيين وإنما هم مواطنون عاديون إذن فاشتباك السلطة تجاوز نطاق المعارضة السياسية وأصبح يضرب فى عمق المجتمع وهذا أمر خطير.
- كتبت عن تعذيب المواطنين غير السياسيين فى الأقسام وقابلت أحد الضحايا وتحدثت معه حول انتهاك آدميته وعرضه فهل هذا أيضا ينضوى تحت صدام السلطة السياسية بالمواطن غير السياسي؟
-- لا حدود لهذه الانتهاكات وما ظهر منها هو أشبه بخريطة شاسعة من انتهاك آدمية المواطن، والناس ينظرون لهذه الانتهاكات على أنها حوادث ولكنها ليست كذلك فهو نمط سلوكى لرجل البوليس، إذا كان قد تم تصوير بعض الوقائع فى أحد الأماكن فهناك أماكن كثيرة لم يتم تصويرها وتجرى منذ سنوات ومازالت تجرى ولكن لم يسأل أحد لماذا يفعل الضباط هذا هل هو ضابط وأخطأ أم أنها ثقافة سائدة يتم تصويرها - أحيانا؟ لكننا طوال الوقت نسمع صراخ الناس الذين يتعرضون للتعذيب فى مصر سواء تم تصويرهم أم لا، ودعنا نقول لإنه للأسف الشديد أننا اقتنعنا من خبرة ربع قرن أن الوضع الراهن لا يستقيم إلا مرتكزاً على أمرين، وهما التزوير والتعذيب، فهو إذا لم يزور فسيقع، وإذا لم يعذب فلن يسيطر، وهناك طبقة كاملة من السياسيين والأمنيين وبعض المثقفين تعتمد التعذيب كأسلوب حياة، وأنت كمواطن لابد أن يتم صفعك وأنا قلت قبل ذلك إنه أسوأ شيء فى هذا البلد أن تكون مواطناً.
- بمعنى؟
-- بمعنى أنك لابد أن تكون مواطنا و حاجة يعنى زائد قيمة أخرى غير أنك مواطن أما أن تكون مواطنا فقط فهذا لا يحميك لابد أن تكون مواطناًَ + عائلة مواطناً + واسطة أو مواطناً + فلوس لابد أن تكون واقفا على أرض صلبة غير المواطنة، هذه هى حصيلة ربع قرن.
- ولكن القائمين على صياغة التعديلات الدستورية ينفون تناقض تعديل المواد مع المجتمع المقيد للحريات؟
-- نعم ولذلك لا قيمة للحديث عن تعديل دستورى ولا قيمة لانتقاد التعديل لأن الذين يقومون بالتعديل هم المسئولون عن تقييد الحريات على أرض الواقع وهذا تناقض دال على عدم مصداقية النوايا فى التعديل وللأسف فإن هناك ميلشيات سياسية سرية هى التى تقوم بكل هذه الأشياء من صياغة التعديلات إلى تكميم الحريات، وهل هناك إصلاح يتم فى السر؟ هذا أولاً وثانيا أن الذين أعدوا المادة 76 فى تعديلها الأول سقطوا فى الامتحان بدليل ما يجرى من تعديل التعديل، والذين أجازوا هذه المادة فى تعديلها الأول سقطوا أيضا فى الامتحان فكيف يرسب الاثنين فى مادة ثم تكرر الفشل وتمنحهم مسئولية تعديل 34 مادة بالتأكيد الفشل سيتكرر فى ال 34 ومن لا يمكن أن نأتمنهم على مادة لا يمكن أن نأتمنهم على 34 مادة يعنى واحد سقط فى امتحان فتقوم أنت بإعطائه 34 امتحانا عليك إذن أن تعرف النتيجة مسبقا، ثالثاً فإننا نفاجأ ببعض المنافقين يصفون ما يجرى بأنه استلهام لآراء الناس!! طيب لماذا لا تعطوا فرصة لمشاركة الناس و بلاش استلهام دي وإذا كان الأمر استلهاما كما يقولون وكأن هاتفا جاء لهم فى المنام وألهمهم بأن هذه هى إرادة الناس فهل نص المادة 77 استلهام أيضا.
- هذا فيما يتعلق بمواد الدستور.. فماذا عن عدم تعيين نائب ولم يجد من يتوسم فيه مؤهلات الرئاسة أو أنه لا يريد إلزام الناس برئيس قادم فلماذا لم يعين أكثر من نائب ليختار الناس من يرونه الأصلح؟
-- يقول الرئيس إن لديه عدة بدائل لكن فكرة النظام الأبوى وان الأب يعرف كل شيء، وفكرة الكهنوت حيث الكاهن الأكبر يعرف كل شيء بمعنى ما تقلقوش إنتو واحنا نعرف كل شيء وسنتولى الأمر ونقوم باللازم هى المسيطرة على ذهنية الحكم وكون أن الرئيس مبارك لم يجد الرجل المناسب لشغل هذا المنصب الرفيع فهى إهانة كبرى للشعب المصرى بل وللرئيس نفسه حيث تعنى أنه عجز طوال خمس وعشرين سنة أن يعثر بين السبعين مليونا أو فى المؤسسة السياسية ذاتها على شخص واحد مؤهل لشغل هذا المنصب الرفيع فهناك فلسفة أمريكية تقول إن المدرس الذى يتكرر رسوب تلاميذ فصله أكثر من مرة دلالة على فشل المدرس نفسه لأنه لم يستطع أن يخرج بأجمل وأفضل ما فى تلاميذه. فإذا كان الرئيس مبارك إلى الآن لم يستطع العثور على الشخص المناسب لشغل المنصب الرفيع من بعده فهذا خطأ فى تقديره للناس، وأنا أرى موضوع نائب للرئيس مهم جدا لكن أيضا أرى أن البناء الديمقراطى يحتاج لقاعدة مهمة وليس فقط إلى رأس. فنحن مثلما نتحدث عن أهمية الرأس فإن عافية الجسم مهمة جداً أيضا وطالما هناك مجتمع مدنى ميت وطالما أن الرئيس فوق المحاسبة فإن هذا المجتمع غير قادر على محاسبة الرئيس وطالما هو فوق المحاسبة فإنه لن يجد ما يحفزه ليقدم شيئاً إيجابياً للمجتمع والرئيس مبارك لا يجوز أن نعتبره فلتة لأنه بذلك سيعتبر أنه يحتاج إلى فلتة مماثلة.
- وفق ما يقتضيه سؤال البداية من مراجعات لربع قرن من حكم مبارك أن نقف على تقييمك للدور المصرى فى محيطها الإقليمى والدولى؟
-- لم يعد هناك شيء اسمه دور مصر، ولقد قلت فى الأسبوع الماضى إن الحقبة المصرية فى العالم العربى انتهت، فمصر أصبحت موجودة فقط فى التاريخ والجغرافيا ولكن ليس فى الزمن الحاضر. وليست موجودة كدور سياسى فى المنطقة. وهل يعقل أن أثيوبيا تغزو الصومال وهو بلد عضو فى جامعة الدول العربية ثم يقول الرئيس مبارك إنه يتفهم أسباب التدخل الأثيوبى فى الصومال؟ هل يعقل هذا؟! وهل يعقل أن تشارك مصر فى حصار الشعب الفلسطينى حينما تقرر إسرائيل وأمريكا المقاطعة والتجويع، وهل يعقل أن تلتزم مصر الصمت التام حينما يحدث غزو للبنان، ولم تقم حتى بإدانة الغزو الأمريكى للعراق، وهل يعقل أن تأخذ مصر موقفا مع طرف ضد طرف فى لبنان وهى التى يتعين أن تتصرف كأخ كبير لشقيقين متناحرين، وهل يعقل أن دارفور يتشكل مصيرها دون أن يكون لمصر دور، نهاية فإن اللامعقول فى الحضور المصرى لا حدود له وكل الشواهد تدل على انتهاء الحقبة المصرية وإخواننا فى المغرب العربى يقولون إن مصر التى كانت تبعث لهم مهندسين وأساتذة جامعة ومدارس، ترسل لهم الآن ضباط مباحث.
- لنقف عند واحد من المشاهد المفجعة التى تمثل واحدا من مظاهر الحصاد المرير للعام المنصرم وهو مشهد إعدام صدام حسين الذى قوبل بالصمت الرهيب من الحكام العرب مادلالة هذا الصمت بالمناسبة؟
-- دلالات كثيرة جداً، لكن دعنا نقول إن مسئولية مصر عن هذا الصمت أكبر لأنه إذا سقطت العاصمة فلا تستطيع أن تحاسب المدن الصغيرة والنجوع والقرى، مصر احتجت فقط وبعد صمت على التوقيت كتر خيرها وأنا أذكر أنه لما هاجمت إسرائيل محاولة افتراس لبنان، كان هناك مراسل لوموند سأل الرئيس مبارك قائلا: ما رأيك فى الرد الإسرائيلى فكان غاية ما فتح الله عليه به أن قال: إنه رد غير ملائم فلقد كان من اللطف بدرجة أكثر من اللازم ولم نر لطفاً مماثلاً فى الحديث عن أى فصيل وطنى عربى.
- يتصور الدكتور محمد السيد سعيد أن الرئيس مبارك بخطابه التاريخي الذى قال فيه إنه سيواصل عمله مادام فيه نفس، أن هذا الخطاب كان أشبه بالصاروخ الذى وجهه مبارك لمشروع التوريث فهل بالفعل توقف هذا المشروع؟
-- التحليل القانونى يقول: إن هناك ما هو معلوم وما هو مجهول، وفيما يتعلق بالمجهول انه بإمكان الناس أن يتكهنوا ويفترضوا ما يدور فى عقل الرئيس لكن المعلوم أن كل التحضيرات الراهنة تخدم فكرة التوريث، وخذ مثالا ببناية يتم بناؤها وترتفع فى كل يوم وما أعرفه عن مبارك أنه لا يرحب بالتوريث فى حياته فهل يتم الإعداد له ليتم بعد حياته؟ على أية حال فالرئيس مبارك لن يسمح بأن يتم هذا فى حياته، وإن الاختصاصات موزعة على العائلة وأنا قلت قبل ذلك إن قطار التوريث انطلق ولكن لا أعرف إذا كان سيصل أم لا؟ أو إلى أين يمضى ولا يمكننا تجاهل ما يتم الآن من إعدادات وناس تتحرك لصالح التوريث وكأنه ما يراد أن يكون البديل الوحيد، لكن للآن لم نقف على مؤشرات واضحة لرأى وموقف المجتمع من الفكرة حتى أن صحيفة المصرى اليوم قد نشرت قبل أيام حواراً مع سمير عطاالله يقول فيه: إن جمال مبارك هو الحل وأنا أسأل عن بواعث كل هذا الاحتقار فما حيثية القائل؟ ومن يكون المرشح؟
- وهل كانت زيارة جمال التى أريد لها أن تكون سرية وتم الكشف عنها بواسطة إحدى إذاعيات الجزيرة هل كانت هذه الزيارة بغرض تعزيز مساعى التوريث؟ وهل تدعم أمريكا جمال مبارك؟
-- لابد من توافر معلومات حول غرض الزيارة وفيما يتعلق بدور أمريكا فى تعزيز التوريث من عدمه يحكمه ثوابت سياسية تعنى بأمرين الأول هو الاستقرار الذى يخدم مصالحها والثانى تأمين الوجود الإسرائيلى، فى المنطقة وكلاهما لا ينفصل عن الآخر وبالتالى إذا رأت أمريكا أن التوريث يصب فى صالح هذين الأمرين فإنها لن تمانع وإذا كان سيتنافى مع ذلك فإنها ستعارضه بشدة، وما أعرفه أن جمال فى حالة تفاهم شديدة مع الأمريكيين وأن السفير الأمريكى يتعامل مع جمال مبارك أكثر مما يتعامل مع الخارجية المصرية
- هل استثمر النظام صعود الإخوان لتعزيز قدوم الخيار الوحيد وهو جمال مبارك؟
-- عندى شك فى هذا التحليل، لأن حضور الإخوان طرح خيارات على الإدارة الأمريكية بعرض عينة من الخيار الإسلامى. ولكن تم التراجع عنه فى الجولة الثالثة ومن الواضح أن الترتيبات للانتخابات القادمة تشمل إقصاء تاماً للإخوان. لتقتصر على إخواننا فى الحزب الوطنى.. فى مواجهة أحزاب كالتجمع والوفد والناصرى وغيرها. وأظن أن أحمد نظيف ساذج سياسياً لأنه قال: إن دخول الإخوان للبرلمان كان غلطة ولن تتكرر. القوى الإسلامية تتعرض للضرب من النظام منذ خمسين عاما ومازالت تخيفهم، فهل اختار أن يبقى على خصومة أبدية معها، هل هناك نظام سياسى يفكر بهذه العقلية.. هل يعقل أن يتصالح النظام مع إسرائيل ويبقى على عداوته للإخوان؟
- لكن من مفارقات ضجة الحجاب أن عناصر النظام الفاسد تضامنوا مع الإخوان لاستثمار القضية لتحسين رصيدهم السيء؟
-- هنا خطأ. الناس تتصور أن الحجاب قضية إخوانية. وأنا قلت للإخوان إنهم ليسو الممثل الشرعى للإسلام لأن مصر متدينة قبل وبعد ظهورهم. وقلت لهم إنهم فى بلد فيه أزهر ومؤسسات ومجتمع ومجمع البحوث وأنكم لستم الحراس الوحيدين. وتضامن من عناصر من النظام مع الإخوان ليس مع الإخوان، لكن مع الرأى العام، يعنى كمال الشاذلى يجب أن يفعل ذلك لأن المنوفية ثلاثة أرباع نسائها محجبات، وتاريخياً الإخوان عمرهم ما كانوا مهتمين بموضوع الحجاب وكانت هناك أخوات مسلمات غير محجبات وعناصر النظام التى أقحمت نفسها فى موضوع الحجاب فى البرلمان لم يدخلوا على أرضية الإخوان ولكن لأن كل منهم له قاعدته الجماهيرية التى يحرص عليها، إذ لم يقم كما الشاذلى بما قام به لن يستطيع دخول دائرته فى المنوفية، وإذا ذكريا عزمى لم يفعل هذا فلن يستطيع استقبال الناس عنده، ما قاموا به مزايدة مجانية، مشكلة الححاب بالنسبة لهم كانت فرصة لكسب نقاط، وكأن كل الأمور على مايرام ولا ينقصها سوى مشكلة الحجاب.
- لننتقل من العام إلى المهنى.. على حد علمى أن البعض طلبوا منك ترشيح نفسك كنقيب للصحفيين؟
-- نعم ولكننى اعتذرت، فكل ميسر لما خلق له، ولست مؤهلاً للعب هذا الدور ولم أخض فى حياتى أى تجربة انتخابية وأنا أرحب بنقيب متفهم للحكومة قادر على ضبط المسافة بين النقابة والسلطة، وليس خصماً لها. يحافظ على استقلال النقابة. وعلى علاقة حوار لا تبعية بمعنى أننى كنقيب أتحدث مع وزير الداخلية لكن لا آخذ تعليمات من ضابط مباحث، وأن يدافع عن المهنة لأنها تشهد انهياراً.
- كلامك عن انهيار المهنة يحيلنا إلى مقالاتك الكثيرة اتساع ظاهرة الصحفيين أمناء الشرطة، حتى أننا أصبحنا نصف أحد الصحفيين بقولنا مندوب الداخلية فى الجريدة وليس مندوب الجريدة فى الداخلية؟ فضلا عن مافيا الإعلانات التى تفرض شروطها؟
-- نعم هذه الظواهر اتسعت وانتشرت. هناك مدرسة للانهيار الصحفى.. لها علاقة بالشرعية، فهناك أزمة شرعية وعلينا أن نسأل من أى شيء يستمد الصحفى شرعيته؟ والإجابة أنه لا يستمدها من قلمه، فثلاثة أرباع من يعملون ب الصحافة لا علاقة لهم بالأقلام ولا يتمتعون بالاستقلال. يستمدون شرعيتهم من ولائهم، وإذا كان هذا الصحفى أو ذاك فى منظور النظام كويس أو مش كويش وتعبير كويس هى بوابته للمجد، حتى أن ألف باء المهنة أصبحت تحتاج لمراجعة وضبط تعريف من هو الكاتب؟. فالكتابة أصبحت مهنة العاطلين. وأنا أتحدث عن مواقف، ولا تستدرجنى لذكر أسماء فأنا أفضل أن اشتبك مع المواقف لا الأشخاص وحين تحدثت عن الفساد كنت أعرف تفاصيل الملف، لم أتحدث عن أشخاص ولكننى أدق أجراس الخطر إزاء الظاهرة، وهناك أناس تركوا مواقعهم.. ومن العيب استباحة عرضهم المهنى، وليس من المروءة القيام بهذا والشطارة أن تفعل هذا حينما كانوا فى موقعهم.
- لكن لابد من المراجعة ليعرف الجميع أن التاريخ ما بيسيبش.
-- أنا معك ولكن المعركة أكثر شرفاً مع خصوم لايزالون فى مواقعهم. اضيف إشارة وهى أن الفساد فى الصحافة جزء من منظومة فساد سياسية. فى حالات معينة نصح رئيس عربى من مسئولين مصريين بأن يدفع لصحفيين مصريين ولدى وقائع. ولكن لن أذكر أشخاصاً فكل واحد على رأسه بطحة سيعرف أنه المقصود. الأمر تجاوز الصحفيين المندوبين فى الوزارات، الذين يحرضهم رؤساء التحرير على أن يكونوا مندوبى إعلانات تحت عنوان مستشارين إعلاميين للوزراء.
- وماذا عن الصحفيين الأمنيين؟
-- نعد إيه ولا إيه هناك قوائم وأنا الذى أسألك مين اللى مش أمنى؟ المهنة منهارة، العمارة خربت وليس من المعقول أن أتحدث عن علاج إحدى نوافذها.
-طيب و العمارة التى نحن فيها الآن أعنى مؤسسة الأهرام؟ فيها منذ عقود، وكان إبراهيم نافع موجودا فلماذا لم تهاجم ممارساته أثناء وجوده فيها؟
-- أنا قلت تعبير الكبار، فمن يكون أولئك الكبار حينها، وحين سألت: قلت أنا مش عايز مجموعة من المندوبين الصغار يتقرصوا، ولو كنا عايزين نتكلم مظبوط نتكلم عن الكبار أولاً. وفى النهاية كم عدد الكبار.. لقد كانوا قلة أنا قلت إن القضية قضية كبار ومن يريد أن يفتح ملفاً عليه أن يفتحه من أعلى لا من أسفل، للأسف الصحافة كلها أصبحت مهنة للبيع، وافتح صفحات تغطية الأنشطة المحلية أو الأخبار المحلية وسيمكنك أن تعرف بالضبط، أى هذه الأخبار تم بيعه للوزارة الفلانية، يا أخى هناك مؤتمرات للبيع، كأن يقال أنك ستغطى هذا المؤتمر وستحصل على المبلغ الفلانى والمفارقة أن تجد المندوب الصحفى يبيع المؤتمر لآخر من الباطن بمائتى جنيه مثلاً. - شاهدت مشهد إعدام صدام غير أن حكام وأنظمة العالم العربى لاذوا جميعاً بالصمت ما دلالة هذا الصمت الرهيب؟ وما تعليقك على المشهد وخلفياته؟ -- ما كان ليتم احتلال العراق أصلاًَ لو كانت هناك أمة عربية محترمة ومشهد الإعدام الذى أشرف عليه الأمريكيون، واختيار التوقيت فى فجر يوم النحر، يمثل إهانة لكل الأمة الإسلامية والعربية ولو بوش وأعوانه كانوا متأكدين أن هناك أمة عندها كرامة ولديها استعداد للغضب وأنها تستحق الاحترام لما فعلوا هذا.
- الأمريكيون نفوا اختيارهم لتوقيت الإعدام؟
-- ليس صحيحاً وهذا كلام فارغ والدليل أن العراقيين قالوا إن الأمريكيين سلموا لهم صدام، الساعة الخامسة صباحاً وصدام كان فى قبضة الأمريكيين فى الخامسة صباح يوم التنفيذ وهم سلموه ليتم إعدامه فى هذا التوقيت والصحف الأمريكية نشرت كل هذه التفاصيل وجورج بوش ذهب للنوم ليلا وهو يعرف موعد الإعدام وقال لأعوانه : ما حدش يوجع دماغى ويصحيني والرسالة التى يبعث بها إعدام صدام مفادها ودلالتها تقول: إن هذه أمة لا تستحق الاحترام وبالتالى فكان صدام جثة سقطت فوق أخري وانتهى الأمر.
-شعار الإخوان الإسلام هو الحل هل يمكن اعتباره عنواناً عريضا لأجندة إصلاحية ذات تفاصيل أخرى؟ وهل يمكن وفق هذا الشعار أن يتبنى الإخوان أجندة مدنية الطابع؟
-- أولا ليس لى اعتراض على هذا الشعار فهو سهم سياسى، وليش فاليسا فى الانتخابات البولندية رفع شعاراً يقول لتكن بولندا هى بولندا وهو شعار فزورة، ولابد أن ترفع شعاراً تعبويا فى معركة تخوضها وبالمناسبة فإن شعار الإسلام هو الحل شعار صاغه عادل حسين أيام حزب العمل، وهذا شعار يدلل على توجه وهوية وهذا ليس معيباً فى البرامج والنداءات السياسية.
- وما رأيك فى شعار الحزب الوطنى نحو فكر جديد خاصة وأنه جاء خاتمة لربع قرن من الفكر القديم؟
-- بالمناسبة وأنا فى طريقى للساحل الشمالى واجهتنى لافتة ضخمة على مقربة من العلمين تقول نؤيد ونبايع الفكر الجديد ولا أعرف هذا الفكر الجديد إذا كان عمارة إسكانية جديدة، أو فيلما سينمائيا جديدا أو نوعا جديدا من السمن أو ماركة جديدة من الشاى.
- وماذا عن تفاصيل الشعار؟ وأين خبرات الإخوان منذ عام 1928 وأين تراكماتهم السياسية؟
-- منذ عام 1928 وهم مستهدفون ولم يأخذوا فرصة ممارسة حقيقية، والاستهداف مازال مستمر والشعار غير التفاصيل لكننا لم نجلس معهم على مائدة واحدة ولم نعطهم فرصة طرح أجندة مفصلة، فليس من المعقول أن أسأل اللاعب كم هدفاً سيحرزه وهو لازال فى الإحماء بل ومن المدهش أننا نحاكم اللاعب على تقصيره وهو لم ينزل للملعب بعد.
- وما دلالة ما قاله الدكتور رفعت السعيد ان الإخوان لابد أن يستتابوا؟
-- الدكتور رفعت السعيد يظن نفسه مفتى الأهالى، وهو الحاصل على مقعد بالتعيين فى البرلمان ولا أريد أن أفتح الملفات وأتحدث عن أناس عملوا مع ال KGB جهاز المخابرات الروسية فى إحدى الفترات وورد اسمه فى الصفحة الأولى من الأهرام باسم رائف سعيد وهناك ورقة أسئلة مطروحة على التيار الإسلامى تحرص على عدم إنجاحه.
- الدكتور رفعت السعيد كان من أكثر المراجعين لتجربة الإخوان.. ما رأيك فى هذه المراجعات؟
-- بالمناسبة هناك كتاب لم يجرؤ ناشر على طبعه إلى الآن فى فضح أكاذيب رفعت السعيد فهناك ست كتب ألفها رفعت السعيد اشتغل عليها أحد الباحثين وكشف عن كل ما فيها من فضائح وهذا الباحث المصيبة عكف على هذه الكتب عشر سنوات، وأنا قلت له خسارة انك ضيعت وقتك فى الكلام الفارغ ده.
- الموقف الراهن فى فلسطين يبدو متأزماً لحد كبير وقد فجرت محاولة اغتيال هنية هذا الموقف ما تحليلك لما يحدث؟
-- ألم يلفت نظرك أحضان أبو مازن الدافئة لرئيس الوزراء الإسرائيلى أولمرت وتجهمه وهو يقابل إسماعيل هنية ألا يفسر ذلك هذا الاختلاف، وأقول لك إن المشكلة فى فلسطين هو نتاج خلاف بين مشروعين سياسيين فى شكل صراع الحل على الساحة الفلسطينية بين قوى تدعو إلى التفريط والتسليم وقوى تتبنى موقف المقاومة ومن سوء حظ قوى المقاومة الصاعدة أنهم برزوا فى وقت كانت الأنظمة العربية كلها مع التفريط والتسليم وهل معقول أن يحضر رئيس وزراء فلسطين إلى مصر ولا يلتقيه أحد المسئولين إلا عمرو موسى؟! ولا يقابله وزير مصرى؟! وهل من المعقول أن أى عضو برلمان إسرائيلى يلقاه الرئيس مبارك شخصياً ويرفض لقاء رئيس وزراء فلسطين كيف؟! لقد التهم أبو مازن كل الصلاحيات بما فى ذلك الحج والعمرة، الصراع فى فلسطين أكبر وأبعد من حماس وفتح والأخ دحلان و الرجوب هما الذين كانوا يسلمون عناصر المقاومة للسلطات الإسرائيلية.
- كثيرا ما أصبحنا نقرأ بين صحيفتى المصرى اليوم و العربى الناصري عبارة تقول المقال الممنوع لفهمى هويدي كنا نقرأها فى آونة متباعدة أثناء رئاسة إبراهيم نافع بينما اشتدت كثافتها مع وجود أسامة سرايا فهل هو أكثر حرصاًَ؟
-- أعمل إيه يعنى؟! ودون تفاصيل فإن إبراهيم نافع غير أسامة سرايا، وأحد المسئولين الآن له أهواء أمريكية وإسرائيلية عبر عنها فى مقالات كثيرة منها مقال يقول فيه إذا تعارضت علاقة مصر العربية مع علاقة مصر الإسرائيلية فلابد أن تقدم الثانية على الأولى وهذا نشر فى الأهرام وهو بذلك يعبر عن موقف ضد العروبية وضد العمل الوطنى وضد المقاومة ولديه هواجس ضد الحركات الإسلامية كما أنه حكومى تماماً، أيضا هناك مجموعة ممن دخلوا إلى سكرتارية التحرير فى الأهرام والتى أخذت تزايد فى الولاء وحين كنت أجلس مع إبراهيم نافع كان يحسم الأمر، لكن لأول مرة نرى الديسك مسئول عن صفحة الرأى وما أعرفه بعد 84 سنة صحافة أن هناك شخصا مسئولا عن صفحة الرأى، فانتهى الأمر أننى وجدت مقالى يقرأ فى مؤتمر كل شخص فيه يحلل كل جملة فأجد المقال فى النهاية عبارة عن ورقة مشوهة بالأخضر والأحمر والأصفر، فلما ترفع على هذا الشكل لرئيس التحرير فيصاب بالفزغ، يعنى الديسك أصبح صاحب رأى وقرار فى المقال.
- ولماذا لم تناقش الأمر مع أسامة سرايا فى هذا الأمر؟ لرفض المقال إذا كان متخوفا من عواقبه بدلا من تشويه المقال؟ -- دخلنا فى مواجهات من هذا القبيل ولدى مذكرات مكتوبة تحتج على هذه الممارسات وحين تسأل فى الديسك لا تجد من يجيبك وليس لدى أحد الشجاعة ليعترف بما شطبه، ولقد احتججت على هذا، واتفقنا بعد ذلك على تقييم المقال على جملته لكن كيف يقيم المقال؟ لا أعرف.. لأنه يقيم باجتهادات غير موهوبين وولاءاتهم الأمنية شديدة.
- اتهمت بعض الصحف فى مقالاتك الاختراق وسنينه بأنها تحصل على تمويل أمريكى وعلى الرغم من ذلك سعيت لنشر مقالاتك الممنوعة فيها ألا ينطوى هذا على تناقض فى الموقف؟
-- أنا هاجمت نهضة مصر فقط
- لا هاجمت الصحيفتين؟
-- بالمناسبة أنا لم أكن أسعى للنشر فى هذه الصحف، وهم كانوا يحصلون على المقال من المكاتب الصحفية الأخرى ومقال يوم الثلاثاء ينشر فى ثمانى دول عربية.
- ألم تتصل ولا مرة واحدة وتطلب نشر مقال تم منعه فى الأهرام؟
-- هذا حدث وتبريرى أننى أكتب لنفسى وليس لحساب صحيفة ما وحينما تضيق أمامك السبل لابد أن تنشر مقالك فى مصر وهناك مقالات أكتبها وأعرف أنها لن تنشر. وبينى وبين نفسى حين أجد قضية تهم الوطن ولا أحاول نشرها بأى شكل أعتبر هذا خيانة ولو أقتضى الأمر أن اكتب المقال على حائط أو حتى فى مجلة حائط، وقضية مثل قضية التعذيب وأى شأن مصرى لابد أن أنشره فى مصر.

No comments: