Sunday, January 14, 2007

تلوّث المتلوّث


ناجي عباس ـــ المصريون : بتاريخ 13 - 1 - 2007
عُدت من القاهرة الى برلين مرة أخرى، بعد قضاء فترة من أسوأ الفترات التي عشتها في القاهرة منذ سنوات، ليس فقط بسبب ما يحيطها من تلوث عام صحي وسياسي واقتصادي واجتماعي، وأمراض على كافة الأصعدة، بل ايضاً لما صاحبها من أمراض شملتني وعائلتي الصغيرة والكبيرة على السواء..هذا اضافة الى الشواهد التي لا تُنبئ في كل الأحوال، على امكانية حدوث تغيير في المدى المنظور في أي اتجاه كان، ولتلخيص الأمر اضرب مثلاً واحداً يمكن ان ينسحب على كل ما يخطر على بال المرء في شتى المجالات.دعاني – على حفل عشاء - أحد كبار رجال الأعمال والمشروعات متعددة الاتجاهات في مصر، بعد ان كنت قد تعرفت عليه في برلين اثناء اقامته للعلاج، وقمت معه بما يجب، وذلك بعد ان وضعتني الظروف حينها – رغماً عني - في طريقه، وقد اشار في دعوته الى ان الحضور يشمل وزير حالي وآخر سابق، علاوة على ثلاثة اعضاء من مجلس الشعب الموقر – حكومة ومعارضة على السواء – الى جانب رجلي اعمال ممن نراهم بشكل دائم على شاشات محطاتنا التلفزيونية، اضافة الى سفير مصري ما زال في الخدمة، أي ان الحضور كله من الصف الأول في المجتمع – كما يُقال - ولعدم معرفتي بالرجل معرفة تامة تجعلني اقبل دعوته على الفور، قمت بسؤال بعض الاصدقاء الاعزاء من الوسط الصحفي عنه فأفادوا بما جعلني ارفض الدعوة على الفور ووفقاً للحيثيات التاليةبدأ الرجل بتعليمه غير المكتمل حياته العملية سمساراً في أي شيء وكل شيء، من الأراضي والمباني، والوشايات وحتى الوساطات الفنية، وانتاج الكاسيت وفي فترة زمنية قصيرة ساعده المناخ العام، وسياسة القروض المنفلشة والعلاقات غير السوية والخدمات المرافقة لها - على انتاج شريط غنائي اعقبته اشرطة أخرى، ساعده دخلها على المشاركة في انتاج احد الافلام السينمائية الدارجة ليصبح بين يوم وليلة من أواسط الكبار، وبدخوله الى اوساط لم يكن يفكر في الاقتراب منها فُتحت له الأبواب على مصراعيها لانتشار شائعة – حينها – تقول ان الرجل على صلة بأحد العرافين الكبار ممن يُستشارون من علية القوم، ومن الكف والفنجان وقراءة الطالع والوساطات والسمسرة والتشهيلات وانتاج الافلام والألبومات الغنائية والوساطات اصبح الرجل من الاقتصادييين الكبار الذين يضاربون في كل شيء، وبات له من يدافع عنه في كل الأوساط بما فيه الوسط الصحفي والاعلامي فبادر وكما هي العادة للمزاوجة بين " البيزنس والسياسة " طمعاً في سلطة ما تساعده على جمع المزيد من الأموال وتضخيم ممتلكاته، ليصبح بعد فترة علماً في المجلس المحلي باحدى المحافظات، ومنها الى مجلس الشعب، وبالتالي الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية والمطاعم والفنادق وحفلات السفارات العربية والغربية وخلافهباختصار تحول الرجل من كوموسيونجي تشهيلات ووسيط بين مرتادي الخمارات والباحثين عن المتعة الرخيصة والانتاج الغنائي والسينمائي وقراءة الطالع والسمسرة في العقارات والاراضي والتوسط عبر العلاقات لحل هذا وتلك من المشاكل، الى علم يجلس معه – بناء على دعوة منه – الوزراء والسفراء والصحفيين ورجال الاعمال وغيرهم، لا يمشي دون حراسة خاصة، وتصحبه كظله سيارات الحراسة والسكرتارية الفنية والسياسية فلم استطع قبول دعوته رغم نصائح متعددة بقبولها من هنا وهناكالصورة المواجهة لذلك في مصرنا العزيزة اصطدمت بها حين استقليت احدى سيارات الأجرة العادية – أي التاكسي الأبيض والأسود وليس تاكسي العاصمة، فلاحظت ان السائق لا تبدو عليه سمات السائق المحترف، ولا لغته واسلوبه ومنطقه، وساقني فضولي – بسبب يتعلق بكتاب لي لم يكتمل بعد – لسؤاله عن مهنته فأشار الى انه سائق تاكسي، ولما ألححت - قال الرجل انه يعمل في وزارة الزراعة منذ عام اثنين وثمانين، وانه يحاول مراعاة مرضاة الله في رزقه ورزق بناته، متمنياً ان يساعده الله على تزويجهن بالحلال، رغم قدرته على نهب ونهش كل ما تحت يديه، واستغلال الأختام على أكمل وجه..فقلت له هذا يعني انك وكيل وزارة، فأشار الى انه مدير عام قديم سيحصل على وكالة الوزارة قريباً انشاء الله..فسرحت بيني وبين نفسي في تصاريف القدر والفرق بين من يحاول مراعاة الحلال، وبين المشهلاتية والكوموسيونجية وأرباب الفساد من كل لون وصنف في المحروسة بلدنا الملوثة على أكمل وجه..كل ذلك وما زال البعض منبهراً بأخبار تلوث أكياس الدم، والتوربيني والعوادم والفساد والمواد المسرطنة داخل وخارج كل الأوساط والأشياء.. نهاية اعتقد ان من غير الطبيعي على الاطلاق في ظل هذا الجو العام الا يكون هناك تلوث بأكياس الدم والمصالح الحكومية والطعام والمياه والأدوية والسياسة والبنوك والسياسة ، اما حكاية التوربيني هذا فهي شبيهة بصاحبنا " العلم " الذي رفضت دعوته، حيث بات منتشراً في كل مكان، واذا كانت الحكومة قد اصطدمت صدفة بتوربيني واحد، فكم توربيني تتعامى عن رؤيتهم حتى الآن، من هؤلاء الذين يستخدمون اساليباً أخرى للقتل غير الاغتصاب والالقاء من فوق القطارات، هؤلاء هم القتلة الحقيقيون ممن يَدعوْن ويُدعوْن، ويجالسون الكبار باعتبار انهم منهم، وتُفتح لهم المجالس والقاعات وصالات كبار الزوار ..على حسابهم..واذا لم يكن الأمر كذلك فدعونا نبحث عن مصدر ثروة هذا الكم من الكوموسيونجية والمشهلاتية المنتشرين رأسياً وأفقياً في الحكومات المصرية وحواليها وحينها فقط سنعلم جميعاً الأسباب الحقيقية لقضايا المواد المسرطنة و التوربيني وتلوث اكياس الدم.

No comments: