Tuesday, January 16, 2007

لعبة «الاستمرار والاستقرار» علي المحك


بقلم د. عمار علي حسن ـ المصري يوم ١٦/١/٢٠٠٧
يبدو أن عام ٢٠٠٦ سيسجل في مصر كعلامة بارزة علي طريق اختبار الشعار الراسخ الذي رفعته السلطة منذ وصول الرئيس حسني مبارك إلي سدة الحكم عام ١٩٨١، وهو «الاستقرار والاستمرار» والذي اقتضي مدا وتجديدا لم يتوقف لقانون الطوارئ، وتغليب «الأمني» علي «السياسي» وإلحاق المعارضة بالحكومة،
بحيث تتحول من بديل لها إلي منتفع منها، كما أدي إلي تعامل الحكومة بهدوء وروية شديدة مع الملفات الساخنة في الداخل والخارج، وإلي المزاوجة بين خطاب يؤكد الانحياز للبسطاء ومحدودي الدخل وسلوك يهرول علي طريق «الخصخصة» غير عابئ بآثارها الاجتماعية المجحفة.
ففي بداية العام وصلت المعارضة لأول مرة في تاريخ مصر إلي نصاب برلماني كبير، بعد فوز جماعة «الإخوان المسلمين» بثمانية وثمانين مقعدا، ما أنذر باحتمال النيل من معادلة «الاستمرار»، وفتح الباب علي مصراعيه أمام خيارات عدة لمستقبل مصر السياسي،
تبدأ بضرورة إصلاح النظام نفسه وتنتهي بما يسمي «سيناريو التوريث» مرورا بسيناريوهات أخري مفتوحة من قبيل معاندة السلطة لمعطيات الواقع فتسقط الدولة المصرية ثمرة يانعة في كف جماعة «الإخوان المسلمين»، أو تتحالف هذه الجماعة مع النظام الحاكم في لحظة لا يكون أمام الطرفين بد من ذلك، أو يحدث شيء مفاجئ، أو طارئ يقلب الحياة السياسية المصرية رأسا علي عقب، ويعيد ترتيبها علي أسس مغايرة نسبيا.
في المقابل تمكنت الحكومة من تحقيق تقدم مؤقت في معادلة «الاستقرار» بفعل تكثيف الضغوط الأمنية علي حركات المعارضة غير المشروعة قانونا، وفي مقدمتها الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"، فيما تم تطويق الآثار التي ترتبت علي الإنجاز السياسي الذي حققه الإخوان، بمواصلة سياسة حرمان الجماعة من بعض كوادرها الفاعلين عبر توجيه اتهامات لهم واعتقالهم،
وتكثيف حضور نواب الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم لجلسات مجلس الشعب (البرلمان) بما حرم الإخوان وقوي المعارضة الأخري من القدرة علي تمرير ما يريدون، وإيقاف ما لا يرغبون من قوانين وتشريعات وقرارات. ثم جاء قرار تأجيل الانتخابات البلدية لمدة عامين، ليحرم الإخوان من أن يحوزوا النصاب القانوني لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
واستطاعت الحكومة أن تشطر حركة استقلال القضاة إلي نصفين، من خلال الجمع بين الترغيب والترهيب، والقمع والإقناع، فحوصر نادي القضاة، ووجد نفسه بين نارين، نار السلطة التي يناضل ضدها من أجل نيل الحقوق وتحصيل الاستقلال عن السلطة التنفيذية والانتصار للعدالة بشتي أركانها، ونار صغار القضاة الذين يحتاجون إلي المساندة المادية التي تمنحها الحكومة لهم من جهة، وتخوفهم من يد وزارة العدل التي بوسعها أن تطول أيا منهم عبر جهاز التفتيش القضائي من جهة ثانية.
ولم يكن الصحفيون أحسن حظا من القضاة، حيث أصرت الحكومة علي سن قانون يبيح الحبس في قضايا النشر، ولم تراع الملاحظات التي أبدتها نقابة الصحفيين علي القانون، ولم تلتفت إلي قانون بديل كانت قد أعدته النقابة بمساعدة أساتذة القانون، وشيوخ المهنة، وواصلت السلطات تطبيق هذا القانون، وحوكم صحفي لأول مرة بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية.
لكن استخدام الأمن في سبيل تحقيق هذا «الاستقرار» بلغ أشده، ووصل ذروته، في التعامل مع الحركتين الطلابية والعمالية، خلال الانتخابات التي جرت بين الطلاب والعمال في نوفمبر. فلأول مرة تدخل عربات مصفحة حرم الجامعات، لمواجهة من تظاهروا احتجاجا علي حرمان منافسي مرشحي الحكومة من خوض انتخابات الاتحادات الطلابية.
وحدث الشيء نفسه مع العمال، حيث قام الأمن بتصفية قوائم المرشحين من العناصر المنافسة، خاصة الإخوان المسلمين والشيوعيين، حتي يئسوا تماما من الترشح، فراحوا يتحدثون عن احتمال إنشاء كيان نقابي عمالي مواز، لكن السلطات أجهضت هذه الفكرة في مهدها، أو أعاقت تطبيقها في الواقع المعيش، ومكنت أنصارها وأتباعها من أن يحتلوا الغالبية الكاسحة من المقاعد العمالية.
في الوقت نفسه حرمت الحكومة في منتصف عام ٢٠٠٦ حزب «الوسط» من حق الاعتراف القانوني، وعاد القضاء ليؤكد ذلك مطلع العام الجاري، فضاق بذلك باب آخر أمام «الإسلاميين» للمنافسة «المشروعة» علي السلطة. وبعد أن كان الرفض يأتي من قبل لجنة الأحزاب التابعة لمجلس الشوري، والتي يسيطر عليها الحزب الحاكم، جاء الرفض هذه المرة من القضاء، بعد انسحاب كل الأقباط من بين الأعضاء المؤسسين لهذا الحزب، ومن ثم بدا الحزب في صورته الأخيرة، حزبا دينيا، الأمر الذي لا يمكن معه منحه الاعتراف بمقتضي الدستور.
وحدث الأمر نفسه بالنسبة لحزب الكرامة، لتستمر الخريطة السياسية المصرية جامدة، حيث يوجد حزب واحد يحتكر السلطة والموارد وتتآكل قاعدته الجماهيرية يوما بعد يوم، حتي تحول إلي مجرد شلة منتفعين تتحلق حول الرئيس، وإلي جانبه توجد أحزاب ديكورية صنعت علي يد السلطان وعينه، لها خط مرسوم لا تتعداه، مقابل الحصول علي جزء من المنافع الصغيرة.
وهناك أحزاب غير ممكنة من العمل وسط الناس بمقتضي قانون الطوارئ البغيض، وجماعات لها جماهير عريضة، لكنها غير ممكنة من تشكيل أحزاب سياسية. ووسط هذا يبدو الحديث عن الإصلاح السياسي مجرد هراء، أو محاولة فاشلة لطلاء جدار قديم يريد أن ينقض.

No comments: